مزاجية الحجب.. لعنة تطارد المواقع الإخبارية!!
بقلم/ حسين اللسواس
نشر منذ: 16 سنة و 5 أشهر و يومين
السبت 14 يونيو-حزيران 2008 08:50 ملو شاءت الأقدار ان تقف على رأس الإدارة التحريرية لموقع إخباري عبر الانترنت، فثق تماماً انك ستصاب بضغط الدم ربما بعد أشهر او ايام من بداية المسيرة، لمسببات كثيرة لعل أبرزها وأعلاها شاناً يكمن في كابوس الحجب الذي بات يخيم على العاملين في حقل الصحافة الالكترونية ويقض مضاجعهم.
مع الايام لن يكون ضغط الدم هو الداء الوحيد الذي غزا محيطك الصحي، إذ ربما تلتحق به امراض اخرى كالاعصاب والغضب السريع والمزاج الحاد، وهي امراض تعد اقل ما يمكن ان يصيب شخص ابت الغطرسة السلطوية إلا ان تصادر موقعه الإلكتروني لمجرد الرغبة في ممارسة الإذلال والإقصاء.
الاسطر السابقة تعد تشخيصاً وتلخيصاً لواقع الحال الذي بات جل منتسبي الصحافة الإلكترونية يعيشونه بصورة يومية منذ ان تفتقت قريحة وحدة القرصنة في يمن نت على إبتكار تقنيه الحجب لمجابهة اصحاب الراي ومصادره مواقعهم وإلغاء وجودهم بمجرد الهمس على مفتاح (الإنتر) في لوحة (الكي بورد)!.
الحجج عادةً ما تتخذ بعداً مطاطياً قابلاً للخضوع لفاصل من التأويلات، فتارةً يجد صاحب الموقع المحجوب نفسه يواجه تهمة المساس بالسيادة الوطنية!، وتارةً تبرز امامه تهمة الإساءة الى رمز البلاد القابع في قلعته الحصينة، غير ان اخطر تلك الحجج يكمن في عدم وجودها اصلاً!، إذ يقضي كثير من زملاء الحرف فاصلاً من البرطعة بين المكاتب والجهات الإختصاصية في محاولة منهم لإستجلاء سبب الحجب دون جدوى او فائدة تذكر.
الأذكى ان بعض الجهات لا تفتأ تردد كالببغاوات إسطوانة مشروخة نصها (موقعك غير محجوب) وهي عبارة تجعلك تلج الى معترك دوامة حيص بيص قبل ان تكتشف إنتماء تلك الإسطوانة الى قوائم الاكاذيب التي يختلقها النظام الحاكم على طريقة (إكذب وإكذب حتى يصدقك الآخرون!).
وإذا كانت سالف الاسطر قد احتوت على جزئيتين مما يحدث، فإن ثالثة الأثافي تتمثل في نفي كل جهة مسؤوليتها عن حجب موقعك، فوزارة الاتصالات تلقي باللائمة على وزارة الاعلام التي تتبرأ بدورها من تهمة الحجب لتخلعها على مزود الخدمة الذي بدوره يجتهد ناصحاً إياك بعدم تجاوز الخطوط الحمراء والملونة وذلك كأقرب طريق كي ينال موقعك رضا الحاكم وعفوه مما سيؤدي بالضرورة لرفع العراقيل التي تقف في طريق المتصفحين كحائل وعازل منيع امام رجس الشيطان -عفواً- أقصد المواقع الاخبارية.
عندها لاتلبث ان تلج الى معترك دوامة (حيص بيص) مجدداً على طريقة (مكره اخاك لا بطل)، وذلك لحظة محاولتك الحصول على اجابة محددة حول هوية الجهات التي يحظر الإقتراب منها كخطوط حمراء غير قابلة للتجاوز.
في البدء يجب عليك ان تلتزم بوضع دائرة حمراء حول شخص الحاكم بإعتباره رمزاً سيادياً ووطنياً تماماً كشعار الدولة او العلم الوطني!، فإذا سلمت بذلك مكرهاً، وقعت في المحظور لسبب بسيط يكمن في ان صاحب الفخامة ليس سوى بداية إذ يبرز امامك جيش جرار من الجالسين على كراسي المسؤولية (الدوارة) كخطوط حمراء مصغرة ينبغي ان تصلي في حضرتها وتلقي على جنابها الطاهر فاصلاً من الابتهالات.
فأعضاء العائلة الحاكمة من انجال الرئيس واخوته وابناء عمومته واخواله ...الخ، حتى ولو كانوا مسؤولين، كل هؤلاء خطوط حمراء يحظر عليك ان تطالها بسوء او بنقد بناء او باي طريقة من التلميح والاشارة، هذا إن كنت تروم ان يبقى موقعك متاحاً للمتصفحين داخل ارض الوطن، كما يحظر عليك ايضاً ان تطال العاملين في القلعة (دار الرئاسة) مثلما هو الحال مع شاغري المناصب العليا في المؤسسة العسكرية والامنية.
اشد ما يثير الغرابة ان واضعي الخطوط الحمراء ومراقبي المواقع ليسوا مهتمين كثيراً بمن يهاجم ما يسمونه (رمز البلاد) بقدر اهتمامهم بذلك الذي يتطاول على نجل الرئيس مثلاً او يحيى او عمار او طارق او خالد او علي محسن ...الخ، فهؤلاء هم اسياد البلاد بحسب توصيف رئيس تحرير احدى الصحف التي تدعي الاستقلالية، وينبغي ان لا تكون أعمالهم او شخوصهم تحت طائلة النقد والتقويم لمسببات لعل أبرزها ان الإساءة اليهم يعد إساءة للوطن باعتبارهم اسياد للوطن بينما بقية افراد الشعب مجرد عبيد يؤمرون فيطيعون.
حتى لانستمرء في شيطان التفاصيل، فإن المصيبة والطامة الكبرى التي يعانيها منتسبوا الصحافة الالكترونية تكمن في عدم وجود جهة محددة في هذه الدولة، مسؤولة عن قضايا الحجب وتملك الحق الوحيد والحصري في اتخاذ قرارات الحجب او الغاءها، فالمزاجية غالباً ما تكون سيدة الموقف والأمثلة على ذلك كثيرة، احد المواقع مثلاً ما إنفك ينتهج سياسة متوازنة دونما شطح او نطح غير ان المسؤول عنه إنخدع ذات نهار بشعارات الديمقراطية الزائفة فنشر أخباراً ومقالات ناقدة لأعمال احد اعضاء الاسرة الحاكمة، ليفاجئ في اليوم التالي بإحتجاب موقعه ومنع المعتقلين في سجن اليمن الكبير -عفواً- اقصدر المتصفحين من زيارة الموقع والاطلاع على محتوياته.
فواصل البحث والتحري اكدت لصاحبنا ان من قام الموقع بنقده اصدر تعليماته الى كبير الخدم بحجب الموقع وكان له ما اراد على اعتبار ان السبب وجيه ألا وهو التطاول على سيد من اسياد البلاد!!
وماذا بعد؟
رغم اني لا ارى سبباً وجيهاً لقلق النظام الحاكم من المواقع لاسيما في ظل محدوديتها الجماهيرية، إلا ان ذلك لا يجعلنا نطالب بالمستحيل في ظل عهد سلطوي لا يعترف إلا بمنطق القوة والحجب والإلغاء والمصادرة منتهجاً في ذلك أسلوباً تاتارياً همجياً تخلفياً مقيتاً، لذلك اعتقد ان زملاء الحرف سيكتفون بتحقيق مطلب وحيد (حالياً) يتمثل في تكليف احدى الجهات السلطوية بتقييم ما تنشره المواقع ومنح هذه الجهة دون سواها الحق في اصدار فرمانات الإعدام -عفواً- اقصد الحجب في حق هذا الموقع او ذاك، إذ إن إستمرار العبث والهمجية والمزاجية والإتصالات الليلية ألحقت بسمعة الديمقراطية المزعومة افدح الاضرار.
أخيراً ..
لو كان نظامنا ديمقراطي فلماذا يلجأ للحجب؟!، إن الاجابة على هذا السؤال تضع النظام في اعتقادي امام خيارين لا ثالث لهما فإما إحترام الديمقراطية والسماح للآخر بالتعبير عن وجهة نظره، وإما استمراء الغي الذي لا يؤكد إلا على حقيقة واحدة مؤداها اننا نعيش في دولة شمولية ترتدي برقعاً زائفاً يدعونه مجازاً بـ(الديمقراطية)!!
رئيس تحرير موقع صنعاء برس .
al_leswas@hotmail.com