اليمن... هل تغيّرت الظروف؟
بقلم/ خيرالله خيرالله
نشر منذ: 15 سنة و 5 أشهر و 21 يوماً
الأربعاء 27 مايو 2009 05:59 م

تبدو وتيرة الأحداث في اليمن سريعة... بل سريعة جدا. وجاءت التطورات التي شهدها البلد الأسبوع الماضي وكأنها عودة ألى الماضي، علما أن الواقع اليمني في السنة 2009 مختلف ألى حد كبير عما كان عليه قبل خمس عشرة سنة، أي في صيف العام 1994 لدى وقوع حرب الأنفصال التي أنتهت بالطريقة التي أنتهت بها. ما كان ملفتا في أحداث الأسبوع الماضي، العرض العسكري الكبير في صنعاء في الذكرى التاسعة عشرة لأعلان الوحدة. أنه العرض الأول من نوعه منذ ما يزيد على عشر سنوات. في السنوات الماضية، كان للرئيس علي عبدالله صالح قرار واضح يقضي بالأستغناء عن العروض العسكرية. فعل ذلك من أجل أعطاء ذكرى أعلان الوحدة والمناسبات الوطنية الأخرى طابع الفرح المتمثل في العروض الموسيقية والفولكلورية المرتبطة بتراث البلد وكل محافظة من محافظاته مع التشديد على دور المرأة التي ظهرت في كل هذه العروض بصفة كونها نصف المجتمع وعنصرا فاعلا ومؤثرا فيه بكل ما لهذه الكلمة من معنى .

  كانت هناك عروض شبابية وأخرى ذات طابع فولكلوري أنتقلت من صنعاء، ألى عدن، ألى حضرموت، ألى أب، ألى الحديدة .

  ماذا يعني العرض العسكري الأخير الذي ظهرت فيه أسلحة متطورة؟ أنه تغيير في المزاج من جهة كما حمل من جهة أخرى تحذيرا واضحا بأن السلطة لن تقبل بالأنفصال وأن لديها الوسائل الكفيلة بأحباط أي محاولة تصب في هذا الأتجاه وأن المرونة في التعاطي مع ما يسمى "الحراك السلمي الجنوبي" لا تعني أن السلطة ضعيفة. كانت الرسالة واضحة وفحواها أن الرئيس علي عبدالله يمتلك صبرا ومرونة كبيرين، لكن لهذا الصبر ولهذه المرونة حدودا ...

  ترافق العرض العسكري مع ظهور السيد علي سالم البيض الرجل الثاني في اليمن الموحد بين العامين 1990 و1994 في مدينة تقع جنوب النمسا وأعلانه من هناك سعيه ألى التخلص من الوحدة. ولعل أبرز ما في كلام البيض، وهو الأمين العام السابق للحزب الأشتراكي اليمني الذي قاد المحاولة الأنفصالية الأولى في العام 1994، محاولته الظهور في مظهر الزعيم الوطني "الجنوبي" الذي لا أرتباط له بحزب معين، بما في ذلك الحزب الأشتراكي. أراد البيض القول أنه بات فوق الأحزاب، وذلك في ظهوره العلني الأول منذ العام 1997 من مدينة جنيف السويسرية. وقتذاك، كانت له أطلالة قصيرة عبر أحدى الفضائيات العربية التي أخضعت خطابه الحاد المسجل مسبقا في أحد الفنادق المهمة في جنيف لمقص الرقيب. وعلى الأثر غاب البيض عن الأنظار قبل أن يعود ألى الواجهة في العام 2009 معتقدا أن الظروف تغيّرت جذريا في اليمن وأن في أستطاعته المجازفة بنزع الجنسية العُمانية عنه والدخول في مواجهة مكشوفة مع مشروع الوحدة الذي لعب دورا في التوصل أليه في العام 1990 .

  هل صحيح أن الظروف تغيّرت جذريا في اليمن، أم أن المشهد الراهن تكرار لما حصل خلال حرب العام 1994 والشهور التي سبقتها عندما ساهمت عوامل عدة في خسارة الأنفصاليين لتلك الحرب؟ من بين تلك العوامل أطلاق صواريخ بعيدة المدى في أتجاه صنعاء بما مكّن السلطة المركزية من حشد المواطنين حولها بعدما أستهدفت الصواريخ مواقع مدنية. ثمة عامل آخر ساهم في سقوط مشروع الأنفصال على الرغم من كل الدعم الذي حظي به من بعض الجهات الأقليمية. يتمثل هذا العامل في مسارعة السيد علي سالم البيض ألى أعلان أنتهاء الوحدة وقيام كيان مستقل في ما كان يسمى المحافظات الجنوبية مستخفا بالألتفاف السياسي حول القيادة اليمنية التي كانت تضم جنوبيين وشماليين عسكريين ومدنيين. كانت تلك أشارة ألى رغبة في الأنقلاب على دولة الوحدة من دون مبرر شرعي مقنع ومن دون مشروع سياسي قابل للحياة. بدا البيض في حينه وكأن همه الأوحد خلق كيان منفصل على أي جزء من الأرض اليمنية، غير آبه بالنتائج التي يمكن أن تترتب على مثل هذه الخطوة الخطيرة. وكان أنتقاله ألى مسقط رأسه في حضرموت، بعد أقتراب القوات التابعة للسلطة من عدن، بمثابة دليل على أن هدفه النهائي ليس العودة ألى "جمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية" التي دخلت في وحدة أندماجية مع "الجمهورية العربية اليمنية" بمقدار ما أنه يريد الأنفصال، أي أنفصال. لم يكن اليمنيون، بما في ذلك المواطنون في ما كان يسمى الجنوب، يعتقدون أن الأنفصال مشروع قابل للحياة وأنه السبيل الوحيد للخروج من المأزق السياسي الذي تمر به البلاد بعدما قرر البيض، الذي كان أيضا نائبا لرئيس مجلس الرئاسة، الأعتكاف في منزله في عدن... التي توجه أليها مباشرة أثر رحلة ألى الولايات المتحدة في خريف العام 1993 !

هناك نقاط تشابه كثيرة بين 1994 و2009 في اليمن ولكن هناك أيضا بعض الفوارق. يمكن الفارق الأوّل في وجود تمرد الحوثيين في محافظة صعدة الشمالية. والحوثيون متهمون بتلقي دعم أيراني بطريقة مباشرة أو غير مباشرة وهم ينشرون علنا المذهب الشيعي الأثني عشري في بلد لا وجود فيه لهذا المذهب. أما الفارق الآخر المهم فهو يقوم على عدم وجود قوات مسلحة خاصة بالأنفصاليين كما كانت الحال في العام 1994 حين كان لدى الحزب الأشتراكي جيشه. هل رهان الأنفصاليين في العام 2009 على الضغط الذي يشكله الحوثيون على السلطة تعويضا عن عدم أمتلاكهم تنظيما مسلحا أو جيشا نظاميا هذه المرة؟

في كل الأحوال، يواجه المشروع الأنفصالي في اليمن مشكلة. تكمن المشكلة في أنه ليس متماسكا، ذلك أن كل يمني، أكان من الشمال أو الجنوب أو الوسط، يعرف في قرارة نفسه أن العودة ألى وجود شطرين لا يحل أي مشكلة. الدليل على ذلك أن تاريخ الكيان الذي كان قائما في الجنوب بين 1967 و1990 تختصره سلسلة من الحروب الداخلية والأغتيالات التي لا يزال بعضها غامضا بلغت ذروتها في الثالث عشر من يناير 1986 تاريخ سقوط النظام وأنهياره الفعلي نتيجة حرب أهلية أرتدت طابعا مناطثيا وعشتئريا وقبليا ذهب ضحيتها الآلاف بمن فيهم شخصيات بارزة مثل عبدالفتّح أسماعيل وعلي عنتر وصالح مصلح قاسم وعلي شائع .

لا يمكن العودة ألى الماضي من أجل الهرب من المشاكل التي تواجه اليمن اليوم. هناك مشاكل كبيرة تحتاج ألى معالجة في اليمن. لا يمكن القول أن كل شيء على ما يرام. لكن الأنفصال ليس حلا لمشاكل اليمن في أي شكل في الأشكال. مشاكل اليمن تحل في أطار الوحدة وفي أطار ديموقراطي بعيدا عن التشنجات بعيدا عن المكابرة بغض النظرعن الجهة التي تلجأ ألى المكابرة. بعض التواضع ضروري. يفترض في الجميع العودة ألى الطبيعة اليمنية المتواضعة بعيدا عن كل ما من شأنه أن يقود ألى أرتكاب مزيد من الأخطاء. في النهاية، يبدو مفيدا ممارسة عملية نقد للذات ولكن في أطار الوحدة. الوحدة لا تخدم الأستقرار الداخلي فحسب، بل الأستقرار الأقليمي في منطقة حساسة جدا أيضا...هل من يريد أن يتذكر في كل لحظة أن الصومال على بعد مرمى حجر من اليمن؟

*نقلاً عن ايلاف