حوار الأخوة الأعداء
بقلم/ د.فيصل الحذيفي
نشر منذ: 14 سنة و 9 أشهر و 24 يوماً
السبت 23 يناير-كانون الثاني 2010 10:37 م

من نافلة القول التأكيد على أن الحوار أصبح الملاذ الأخير للخروج من بؤر الصراعات السياسية والاجتماعية وتهديد ما تبقى من وطن لا زلنا ننعم فيه بممارسة الأحلام عند النوم واستبشارا بالأمل كل صباح ، وما أصبح مقلقا للمواطن العادي والسياسي والحزبي أن نمطا من الحوار العبثي يفتح أبوابا للفوضى والانفلات يمكننا تسميته بــ« حوار الطرشان » بين الأخوة الأعداء لأسباب هي :

أنه ( أولا: حوار بدون أطراف للحوار.

وثانيا: حوار يفقد فرص الحل يوما بعد آخر.

وثالثا: اتساع سقف المطالب المجتمعية والسياسية باضطراد) وذلك عائد إلى تراكم الأخطاء والتباطؤ بالحلول. وأخيرا سنكتشف أن الوطن هو الضحية بمن فيه وعلى من فيه. وهذا يستدعي منا تفسير ملامح حوار الأخوة الأعداء تباعا .

أولا: حوار بدون أطراف حوار (كل طرف يحاور نفسه) 

تحت هذا البند يتجلى أن كل طرف يسعى بإصرار ليتحاور مع نفسه بعيدا عن أطراف الحوار ، فالمشترك عندما لاحظ عدم استجابة السلطة للحوار ذهب منفردا إلى الحوار مع نفسه ومن يتعاطف معه تحت مسمى « التشاور الوطني » وهو في الحقيقة يتشاور مع نفسه وجماعات اجتماعية وأفراد بعينهم يتعاطفون مع طرح المشترك للقضايا الوطنية بالصيغة التي لخصتها ما أطلق عليها « وثيقة الإنقاذ الوطني».

وفي مقابل ذلك تحفزت السلطة وذهبت أيضا منفردة للدعوة إلى الحوار الوطني داخل السلطة والحزب الحاكم وتحت إدارة مجلس الشورى، بالطريقة ذاتها. ولابد من وضع النقاط على الحروف لنؤكد أن كل طرف يدعي حبه للوطن في حال كهذه هو كاذب وكذاب بامتياز، لأن حب الوطن يوجب التضحية، بينما نقرأ الآية معكوسة فبدلا من أن نكون فداء للوطن أصبحنا نضحي بالوطن كي يكون فداء لنا. وانتقلنا بإصرار وتحدي من شعار بالروح بالدم نفديك يا وطن إلى شعار آخر بجسد قلب الأمور عن موضعها.

إن الحوار مع الآخر السياسي يقتضي تقديم التنازلات للوصول إلى طريق صالح للسير فيه نحو الحل. وكل من اللقاء المشترك والحزب الحاكم يتجاهلان أطرافا اجتماعية أخرى وازنة وذات علاقة مع قناعتنا أنهما يمثلان قطبي رحى، ومن أجل ذلك ندعوهما بإصرار أن لا يتجاهلا : منظمات المجتمع المدني البعيدة عن فلكيهما من جهة وأطراف الصراع الاجتماعي مثل الحراك الجنوبي والحوثيين والقاعدة من جهة أخرى.

نعتقد أن الحديث عن الحوار يقتضي الاعتراف بالآخر أيا كان موقع المحاور والمتحاور (في السلطة أو المعارضة أو مكان آخر) وهذا الاعتراف لابد أن يتضمن شيئا من المصداقية والجدية كي نكون قادرين على طرح كل القضايا الخلافية للنقاش دون تحفظات أو شروط مسبقة، إن المطلوب بإلحاح هو وضع قضايا الحوار فوق كل سقف ودون أي سقف وفي أي سقف، ولن يصح في الأخير سوى الصحيح ، وكل من يخشى على الوحدة اليمنية عليه أن يبحث للدفاع عنها في عمق المجتمع وليس في فرضياته المسبقة وخطابه السياسي والإعلامي.

إن التباعد بين الأطراف السياسية يمنح الخطاب الشاذ حضورا أقوى يوما بعد آخر ليصبح هذا الخطاب وازنا بفرضه على الواقع الاجتماعي ونقصد بذلك خطاب الانفصال الذي صار يفرض نفسه بالإرهاب والإكراه على من يرفع خطاب الدفاع عن الوحدة، فإذا كانت السلطة تمارس الإرهاب على الناس باسم الوحدة، فإن الانفصاليين يمارسون الإرهاب على الناس باسم فك الارتباط وطرد الاحتلال ، وأنا أقول بملء فمي إذا كان حكم أخي الجنوبي لليمن احتلالا فمرحبا بهذا الاحتلال وتبا للانفصال. نحن نقر ونعلن إن السلطة فاسدة وممارساتها فاسدة وأداؤها فاشل، والمطلوب رحيلها وتغييرها ، كل هذا ممكن ومتفقون عليه بموجب الدستور، لكن الانصراف من فساد السلطة كسبب جوهري- لما هو حاصل - إلى نفي الوحدة كقيمة إيجابية هي المنجز الوحيد للثورتين اليمنيتين (14 أكتوبر ، 26 سبتمبر) ثم نحملها فشل السلطة والسياسية، لما نلاحظه من استمرار نفوذ القبيلة والبداوة على الخيار المدني. إن اليمن بشمالها وجنوبها مليئة بالبداوة والتخلف وفيها شيء من انبعاث الأمل، ففي الجنوب لا تقل بداوة قبائل يافع والضالع وشبوة عن بداوة قبائل الحدا والجوف وحاشد وبكيل. فلا داعي لتعيير طرف الطرف الآخر « فكلك عورات وللناس ألسن».

إن عدم التحفز نحو الحوار ، يدفع إلى تعقد المشاكل وتضاؤل فرص الحل مع إضاعة الوقت والفرص.

ثانيا: حوار يفقد فرص الحل يوما بعد آخر

مالذي يجعل الحوار مستحيلا بالرغم من أن قضايا الحوار تهم الجميع من الرافضين للحوار والمتقاعسين عنه والمتحمسين له؟.

لا يوجد أي معنى لحب الوطن في قلب كل إنسان يرفض الحوار لأي سبب، ولدى كل إنسان لا يستجيب للحوار، والحوار بحاجة الى شيء من الثقة ، وعند غياب الثقة تحل قيما سلبية أخرى هي :

- المكر السياسي القائم على التربص كل بالآخر، ويستبطن معه الخداع حيث يسعى كل طرف إلى تسجيل النقاط وإسقاط الآخر في الفخ وكفى .

- الاستهانة والاستضعاف: فالطرف الذي يعتقد الضعف في خصومه دائما ما يسعى لأن يمارس الاستضعاف في حق أنداده السياسيين ويستهين بالمآلات المترتبة من هذا المسعى الخاطئ، والضعيف يقابل ذلك بالتعنت والتحدي تجاه الطرف الآخر الذي يستقوي على شركائه في النظام السياسي بالسلطة والمال والنفوذ، وهي سياسة لا تخلو من التحقير والعبثية. وكلا المسلكين يميلان إلى العنف المبطن واثبات القوة.

ولأن العلاقة بين أطراف الحوار قامت على الاستهانة والاستضعاف من قبل السلطة لخصومها وعلى التعنت والتحدي من الأطراف الأخرى فقد اتسع الخرق على الرقع ممثلا بتوسع المطالب إلى الحد الذي ستعجز جميع الأطراف مستقبلا عن الاستجابة إليها أو إمكانية تحقيقها، وهنا نشير إلى الكيفية التي تطورت في ظلها المطالب من البسيط إلى المعقد باضطراد مستمر:

ثالثا: اتساع سقف المطالب باضطراد (وكل تأجيل يوسع دائرة المطالب)

1-المطلب الأول: تصحيح سجلات الناخبين وإجراء انتخابات حرة ونزيهة يحتكم الجميع إلى نتائجها ، وقد تعنت الحزب الحاكم إزاء هذا المطلب البسيط والممكن وسار بالانتخابات وفق سياسة الاستضعاف والاستحواذ ، وهذا المطلب على بساطته يقترن دائما بمطلب آخر مكمل له وغير منفصل عنه متمثلا بكيفية تشكيل لجنة الانتخابات.

2-المطلب الثاني: تشكيل اللجنة العليا للانتخابات على قاعدة التراضي وضمان الحيادية والاستقلالية ، فاستمرأت السلطة سياسة الاستضعاف ففاقت من نومها واستهانتها بخصومها على مطلب جديد.

3-المطلب الثالث: إعادة صياغة النظام الانتخابي ، دعت الأحزاب السياسية بعدئذ إلى ضرورة إدخال تعديلات جوهرية على النظام الانتخابي مثل القائمة النسبية، مع أن هذا المطلب لا تحتمله هيئة ناخبة معظم منتسبيها من الأميين، ولكنه مطلب يحمل في طياته التعنت والتحدي من قبل المعارضة السياسية ، مع أن هكذا تعديل في قانون الانتخابات يستوجب معه تعديل في الدستور فانتقلنا إلى مطلب جديد مترتب عليه.

4-المطلب الرابع:إعادة صياغة النظام السياسي : وبهذا الخصوص تطرح المعارضة صيغة النظام البرلماني التام وفي مقابله تطرح السلطة التحول إلى النظام الرئاسي التام، وفي هذا فإن المسكوت عنه وهو التوريث الأكثر حضورا من المنطوق في الوعي المختمر لدى المتصارعين، ولكون الاستجابة إلى مستجدات الحراك السياسي والصراع المتجدد لم تلب الحد الأدنى من شروط الالتقاء فالمطالب تظل متجددة حسب تطور الوقائع السياسية فجاءت بحمولات أخرى من المطالب أخطرها المطلب الذي يتهدد الدولة.

5-المطلب الخامس:إعادة صياغة الدولة : ظهرت على السطح نزاعات حول إبقاء الدولة بصيغتها البسيطة كما يحرص على ذلك الحزب الحاكم مع إقراره بحكم محلي واسع الصلاحيات، وتقابلها صيغة الحكم الاتحادي الفدرالي الذي لا يختلف عن جوهر الحكم المحلي كامل الصلاحيات، وظهرت اخطر دعوة تهدد الدولة اليمنية وهي صيغة فك الارتباط أو الانفصال والتحرر من الاحتلال الشمالي ، وأصحاب هؤلاء الدعوة لم يكن لهم من مبرر لطرح هذه الصيغة إلا لأن السلطة استهانت بمطالب الناس واستحقرتهم واستسخفتهم وسارت منفردة دون غطاء اجتماعي يعزز من شرعية قراراتها ، ولم يكن بمقدور أحد أن يتمادى في رفع مطالبه إلى الحد الذي لم يكن ممكنا طرحه ولايزال الاختلاف حول صيغة الدولة هذه تطرح معها مطلبا فرعيا آخر متعلقا بها سيغدو بعد حين مطلبا جوهريا.

6-المطلب السادس: تغيير عاصمة الدولة : لم تعد لدى الكثير من الراغبين في التحول نحو الدولة المدنية قناعة بمدينة صنعاء كعاصمة لهذه الدولة، والشروط الأرجح تتجه نحو ترشيح مدينة عدن كعاصمة للدولة المدنية الحديثة والحفاظ على الوحدة بعيدا عن نفوذ وسطوة القبائل والمعسكرات والجفاف والبرد القارس والجبال الوعرة والأرض المحدودة التي تخنق أي توسع عمراني حديث لبناء وتطوير عاصمة جديدة ليمن جديد، ولا يزال الحبل على الجرار لن يوقف المطالب سوى الحوار الجاد بين شركاء الوطن صالحهم وطالحهم للعودة بالحياة إلى وضعها الطبيعي .

وبدورنا ننبه القائمين على التحكم بالعمل السياسي ( سلطة ومعارضة ) إن عدم تدارك المطالب والجلوس إلى طاولة الحوار فإن مزيدا من المطالب ستتجدد فتزداد ثقلا على ثقل ولن يستطيع أي من أطراف العملية السياسية الاستجابة للحد منها ، وهكذا: ستتجدد مطالب أخرى كلما تأخرنا بحل ما بين أيدينا.

أخيرا : الوطن بمواطنيه جميعهم هم الضحية في غياب الحوار: وسنصحو يوما بدون وطن ، وإذا فقدنا الوطن ، فقدنا معه الأمن والاستقرار والأحلام ، وسيهاجر المال الوطني والوافد لتبقى الجغرافيا للبؤساء وفيها سيتراشقون ألعاب الموت وشيئا من القرصنة لتحل القبيلة والبداوة والقروية والأسرة محل الدولة.

إننا نأمل من جميع العقلاء الذين نعول عليهم أن يتنبهوا لمخاطر الانزلاقات السياسية أن يجتمعوا على كلمة سواء فلايزال الوقت سانحا والتوصل إلى الحلول ممكنا - بالرغم من تكدر المناخات السياسة.

hodaifah@yahoo.com