همي همك..!
بقلم/ د. عبدالخالق هادي طواف
نشر منذ: 14 سنة و 8 أشهر و 17 يوماً
الإثنين 01 مارس - آذار 2010 06:08 م

تواجه اليمن العديد من المشكلات والأزمات التي تجعل المراقب الخارجي يعتقد أن اليمن يعيش في حرب صومالية لا توفر أحداً ولا تستثني منطقة، ورغم ما في هذا الاعتقاد من قسوة وعدم معرفة باليمن إلا أن الحياة التي يعيشها المواطن اليمني صعبة للغاية.

لقد زاد التسيب والتفلت الأمني في كامل ربوع اليمن جراء الفتن التي شهدتها اليمن ولا تزال حتى انطلقت ألسنة المعارضة بالقول أن سلطة الدولة لا وجود لها إلا في العاصمة صنعاء ويدعم مزاعم المعارضة التصريحات العنترية للفضلي التي يلقيها بلا اكتراث من قصره الفخم في زنجبار ومساحة توازي مساحة لبنان يسيطر عليها المتمردين الحوثة، كما يدعم مزاعم "معارضة لا تشلوني ولا تطروحني" انعدام الغاز والبنزين بين حين وآخر والتقطع لقاطرات الغاز والبنزين، كما يدعم مزاعم أساطين المعارضة الأسعار الغريبة التي يفاجئنا بها كل صاحب بقالة، حيث رأيت بنفسي بقاله تبيع سلعة ب2000 ريال وأخرى تبعد عنها 200 متر تبيع نفس السلعة ب1700 ريال فيما تباع نفس السلعة في سوبرماركت كبيرة ب1450 ريال، وهذا يعد بحق أسوأ مظاهر للفوضى والتسيب فلا من رقيب ولا حسيب. هل يتصور أحد أنه يتم بيع الليمون بالحبة وهل يتصور عاقل بيع اللحم بالأرباع والأثمان والأنصاف بدلاً من بيعها بالكيلو، هل جربت شراء "حبة" بطيخة (حبحب) وجربت المعاناة في المفاصلة على سعرها والوقت الذي يتم إهداره في سبيل الحصول عليها، لماذا هذا التمسك بعادات البيع والشراء التي كانت تمارس ليس قبل الثورة المبارك فحسب بل وحتى قبل الإسلام؟.

وتثور الأسئلة لماذا لا تفاجئنا الحكومة بتبني وتنفيذ إجراءات تدعم سلطة وقوة الدولة في أرجاء اليمن، أو على الأقل - وبعيداً عن زنجبار- في صنعاء وعدن وتعز؟ وأسأل دائما لماذا لا تقوم وزارة التجارة بضبط التجار؟ ولماذا لا تفرض نظام الموازين الذي يعمل به في جميع أنحاء الدنيا؟, وأعتقد جازماً أن الصوماليين-فرج الله كربتهم- يتعاملون في بلدهم بالموازين بدل نظام "الحبة" في اليمن.

إن الحكومة نفسها هي من تعطي أذن المواطن وأسماعه لمعارضة "هز اللبن"، وهي نفسها من تجعل المواطن يصدق ترهات المعارضة التي تشوه سمعة اليمن والمواطن والاستثمار والاستقرار وبث الفرقة والكراهية والسموم والإشاعات الكريهة المغرضة, الحكومة نفسها هي من تجعل المعارضة تلبس "ثوب الزهد والصلاح" وهي نفسها من تضع على رأسها الطرطور بالسكوت على أوضاع يعاني منها المواطن، وحتى أكون أكثر تحديداً فأنا أقصد بالحكومة أولئك النفر من الموظفين الذين حصلوا على وظائفهم بطرق ملتوية منها الواسطة السيئة الصيت، أولئك الذين يتولون الوظيفة للحصول على سيارة وبيت جديد أو فيله بعد بضع سنوات، ولا يمارسون أية مسؤوليات تذكر سوى الدوام والتمتع بمزايا الوظيفة وتراهم يتنصلون من أي مسؤولية ويجيبون على من ينتقد الوضع بأننا نحاول لكن "ما بيرضوا من طالع يخلونا نصلح الأمور"، هؤلاء النفر الذين يشبهون البراغيث تعيش على امتصاص الدماء دون تحمل أية تبعات أو مسؤوليات، وطبعا لا أقصد أولئك القلة النظيفة الذين يعملون بصمت في سبيل التأثير والتغيير نحو الأحسن، فليست الحكومة كأسا فارغة كما يراها معارضة "لا تشلوني ولا تطرحوني".

إني أعتقد جازماً بأن الحكومة يمكنها أن تخفف من المعاناة التي يعيشها موظفيها ومواطنيها من خلال العمل على توفير ما تستطيع توفيره من نفقاتهم من خلال تصحيح بعض الأوضاع والقيام ببعض الإجراءات البسيطة، ومعيار النجاح في اعتقادي يكمن في نجاح الحكومة في توفير ريال واحد على المواطن، ففي حال نجحت الحكومة في توفير 100 ريال أو حتى خمسين ريال من سعر سلعة سعرها ألف ريال فإن هذا النجاح يعد أهم من أي انجاز لها يشيد به البنك الدولي، حيث إن شهادة المواطن البسيط لحكومته أصدق وأفضل من شهادات جميع خبراء الاقتصاد والبنوك في العالم كونه المعني بقطف ثمار أية إصلاحات اقتصادية وليس الخبراء الاقتصاديين الذين يحاولون تغيير البيئة لتتلاءم مع النظرية فيما كان يجب عليهم تغيير النظرية لتتلاءم مع البيئة، وعلى العموم اقترح بصفتي مواطن متوسط الدخل جملة معالجات

-إخراج أسواق القات من المدن حفاظاً على المرتبات الهزيلة من أصحابها المدمنين والذين يفضلون لذة القات على حاجات أسرهم وأولادهم، وتخيلوا كم يمكن أن توفر الحكومة على المواطنين في العاصمة صنعاء وعدن وتعز والحديدة وذمار والمكلا وزنجبار ومأرب وصعده وغيرها من المدن، وتصوروا كم يمكن أن يسبب ذلك في رفع مستوى المعيشة ؟؟.

-تطبيق نظام الموازين لبيع أية مواد تموينية، حيث يجب أن تتولى وزارة التموين - الواجب تشكيلها- وزن دبات الغاز وضبط آلات ضخ البنزين والرقابة عليها والرقابة على شركات البرمجة الحاسوبية لمحلات الاتصالات الذين يسعرون دقيقة الاتصال كيفما أرادوا.

-عدم السماح لأي مواد مستوردة بالدخول من جميع منافذ الجمهورية إلا من بلد المنشأ أو المنتج الأساسي لها حتى يمكن الحصول على أحسن أسعار، وعدم السماح للمستوردين باستيراد سلع من الأسواق المجاورة التي استوردت هذه السلع بدورها من دول جنوب شرق آسيا أو أوروبا وأمريكا، مما يلقى بأعباء فوارق السعر على المواطن اليمني.

-الاهتمام بصحة المواطن يبدأ بالحرص على عدم السماح بدخول المواد الغذائية من غير بلد المنشأ، والاهتمام بصحة المواطن يعني عدم السماح بدخول المواد الغذائية ذات تاريخ انتهاء الصلاحية القريب، وهذا يعني إعفاء المواطن من فواتير العلاجات الباهظة الثمن.

-تكثيف برامج التوعية للمواطنين في كيفية التدبير المنزلي وشراء الحاجيات بأقل الأسعار وأنسب الطرق، وكذا تكثيف البرامج التلفزيونية منها المحاربة للقات والمخزنين الذين خربوا بيوتهم من اجل ولعة سيئة.

-إنشاء وسائل مواصلات حديثة في المدن وبين المحافظات بدلاً من تنكات الصفيح والبيجوهات المعتقة التي ينحشر فيها المواطن بصعوبة ولا يخرج منها بسهولة، والمواصلات الحديثة تتميز بكبر حجمها وزيادة استيعابها وسهولة التنقل لكل مواطن وتوفيرها لمتطلبات الأمان بدلاً من إجبارهم على اقتناء السيارات الخاصة هرباً من جحيم الميني ميني باصات الفظيعة والبيجوهات وظهور الهيلوكسات، والكثير من المواطنين يتمنوا وجود شبكة مواصلات حديثة تمكنهم من وضع سياراتهم في الكراجات واستخدام مواصلات حديثة لتوفير الوقت وتقليل الزحمة والحصول على وسيلة مواصلات مريحة ورخيصة وزيادة إيرادات الدولة من قطاع النقل الذي يعد من القطاعات المربحة في أغلب دول العالم.

-زيادة الاهتمام بنظافة المدن والعاصمة صنعاء تحديداً فالعمارات الجديدة تلقى بمخلفات بناءها بجوارها أو تترك بقايا مواد البناء في الشوارع دون خوف من رقيب أو حسيب، ورعى الله العاصمة صنعاء أيام المحافظ أحمد الكحلاني (المحافظ النشيط) عندما بدأت تلبس ثوباً قشيباً وحديثاً، بدون دراجات نارية تقلق السكينة وتخلق الضوضاء وتعطي منظر غير حضاري عن عاصمة اليمن وباقي مدنها.

-يمكن للتدليل على سطوة الدولة وقوتها وحرصها على مصلحة مواطنيها الرجوع إلى مخططات المدن وإخلاء المساحات المخصصة كحدائق ومتنفسات لسكان المدن، وذلك في إطار توفير الجو الصحي والهواء النقي والقضاء على الأبخرة والعوادم التي تنفثها السيارات نهاراً، وكذلك لتوفير مكان جيد تجلس فيه الأسر بدلا عن مقايل القات وأوكاره، والواقع أن هناك مساحة تم تخصيصها في أماكن عديدة نسمع من الصحف البيضاء والصفراء أنها قد نهبت من قبل متنفذين بادروا إلى بناء فيلاتهم فيها، ومن العدل أن يخرجوا منها وتعاد لنفس الغرض الهام الذي خصصت له.

-حضر بيع المبيدات الحشرية وقصر بيعها على وزارة الزراعة ومكاتبها في المحافظات وحضر استيرادها إلا عن طريق الدولة وبموجب رخصة يفقدها أي مزارع لا يلتزم بالمدة المحددة قبل القطف، وذلك يأتي في إطار الحفاظ على صحة المواطن، وتوفير ملايين الدولارات التي ينفقها المرضى في القاهرة وعمان.

-إنشاء وزارة للتموين تكون مهمتها مراقبة أسعار المواد الغذائية الأولية ويمكن للحكومة ذلك رغم التزامها بالسوق المفتوح حيث يمكن للحكومة تشجيع التجار على استيراد تلك السلع التي يحتكرها قلة من التجار الذين يحكمون قبضتهم الظالمة على السوق والأسعار.

-في حال عدم تمكن الحكومة من إنشاء وزارة تموين - خوفاً من البنك الدولي الذي يسهم في تمويل ميزانية اليمن أكثر من أبنائه المخزنين أنفسهم- فيمكنها دعم جمعية حماية المستهلك والتي يمكنها أن تنزل قائمة بأسعار المواد المستورد والمحلية، وفي حال ثبوت قيام بعض التجار بالمبالغة في أسعارهم فإن هذه الجمعية تبحث ذلك مع الغرف التجارية وتدعو التجار الآخرين لاستيراد تلك المادة أو الصنف وذلك يؤدي بحسب قانون المنافسة إلى تخفيض تلك الأسعار.

-من الملاحظ أن الاستثمارات السريعة الربح طغت على السوق المحلي في حين أن هناك قلة في المشروعات الإستراتيجية مثل صناعة الاسمنت والإطارات والكابلات وتعليب الأسماك ومزارع الألبان والواجب على الحكومة التفريق بين هذين النوعين من الاستثمارات فليس صانع البفك مثل صانع اسطوانات الغاز وليس صانع "أبوعودي" و"غوار" مثل صانع الكابلات والاسمنت، حيث تتميز الصناعات الثقيلة باحتياجها للعمالة الكثيفة، والواجب عمل خصومات تشجيعية في نسبة الضرائب على النوع الاستراتيجي من الصناعات الذي يقضي على البطالة، كما يمكن إعطاء مزايا كبيرة لأي مستثمر يقوم بصناعة أي شيء يتم استيراده من الخارج.

-تصنيع كافة المنتجات البلاستيكية البسيطة في بلادنا بدلاً من استيرادها بالعملة الصعبة من الصين أو تايوان، حيث إن تصنيع الأدوات البلاستيكية للمطبخ والحمامات والمنازل لا يحتاج من الشركات العامة إلا استيراد القوالب الجاهزة والتصنيع بها محلياً، وأنا على ثقة بأننا يمكن توفير مئات الألوف من الدولارات في حال توقفنا عن استيراد أعواد تنظيف الأسنان "الملاخيخ" والمكانس البلاستيكية وقواعد المرايا وسلات الخبر والصابون وأكياس الزبالة وسفرات الأكل، والأقلام، فلماذا لا تتبنى شركاتنا الوطنية العامة صناعة احتياجات المواطنين فتوفر بذلك فرص عمل للعاطلين وتوفر عملة صعبة على الدولة وتوفر على المواطن في سعر السلعة المستوردة.

-تشكيل فرق تموينية أو أمنية أو تحت أي مسمى كان يكون مهمتها التحري والبحث عن مخازن التجار العتاولة وحصرها ومراقبتها حيث يتم تكديس اسطوانات الغاز والمواد الغذائية وذلك ترقباً لارتفاع الأسعار في السوق وضبطهم وتقديمهم بصورة سريعة تباعاً للعدالة حتى يحس المواطن بأن هناك أناس يسهروا على راحته، وسيعلم عندها الجميع أن المواطن يسر ويبتهج وتزيد ثقته في من يحكمه عندما يرى بعض الذين يحكموه يقدمون للعدالة بتهمة التقصير في خدمتهم، ويجعل المواطن ينسى آلام ومتاعب الفقر والغلاء والمستوى المعيشي المتدني.

-تكوين لجنة من وزارة التجارة والصناعة أو من الوزارة المقترحة (التموين) وذلك لدراسة تأثير أية زيادة في أسعار المحروقات والتي من المحتمل أن يتم رفعها بين الحين والآخر تنفيذاً لتوجيهات البنك الدولي الذي يشرف على الاقتصاد (اليمانيين كانوا في قديم الزمان صناع السدود وزراع الجبال والأودية والسهول والآن تحولوا إلى المقايل واستمرءوا صدقات البنك الدولي)، حيث إن الزيادات الحالية الكبيرة للأسعار كانت نتيجة لزيادة 80 ريال في دبة الديزل، و100 ريال في سعر الدبة البنزين التي زاد سعرها بنسبة 8% وكانت النتيجة أن زادت الأسعار في بعض المنتجات والسلع بنسبة تزيد عن نسبة الزيادة تلك بكثير وبصورة عشوائية.

-يجب ملاحظة أن القائلين بأن قانون المنافسة هو الذي يحدد آلية الأسعار وأن الحكومة لا يجب أن تحدد الأسعار محقين في هذا القول، ولكن في الدول الحديثة التي لا توجد فيها أي نوع من أنواع احتكار القلة والتي يوجد فيها قاعدة إنتاجية عريضة ومتنوعة يمكنها أن تلعب دورها في تحديد الأسعار بأقل هامش ربحي، ولكن هذا القول ليس صحيحاً عندنا في اليمن فإذا لم تحدد الأسعار فإنه ينشأ احتكار قلة بصورة سريعة لعدم وجود منتجين كثر ولعدم وجود بائعي تجزئة وجملة كثر، ويمكن إقناع مسؤولي البنك الدولي بذلك بسبب الظروف الاقتصادية التي تعيشها اليمن بإتباع طرق الدعم والحماية وإغلاق الأسواق على بعض المنتجات. حيث إن العديد من الدول العربية الخاضعة لبرامج الإصلاح الاقتصادي تقوم بتحديد الأسعار وتثبيت العملة ودعم المواد الأساسية وضبط آلية التسعير فماذا لا يجوز لنا ما أجازوه في مصر والأردن والعديد من الدول الأخرى.

-يجب على المواطن التحلي بسلوك رشيد في استهلاكه بحيث يتم تحديد ميزانية الشهر والبدء بالمتطلبات الأساسية واحتياجات المدارس والتعليم والصحة والادخار، وعدم ترك الأمور تمشى بالبركة والصدفة ومقولة "على الله"، ويلاحظ أن المواطن يضع الراتب في جيبه ويبدأ بالصرف ولا يكلف نفسه بحساب ما ينفقه كل يوم، وبدون تدبير وترشيد الإنفاق لا يمكن لأحد أن يكفيه راتبه، كما أن المواطن يبادر للشراء من أقرب محل له حتى لو اكتشف أنه يبالغ في أسعاره خوفاً من تبديد وقته المخصص كلياً للقات، أو خوفا من تبديد إمكانية سماح صاحب المحل له بفتح حساب لديه في المستقبل.

-الواقع أن هناك عادات رائعة يمكن تعلمها من ثقافات الشعوب والدول المختلفة، ففي بلاد الشام مثلاً يقوم المواطن بشراء حاجياته (مؤنة الشتاء) في وقت الوفرة، حيث يبادر إلى شراء الخضروات في الصيف وهو الفصل الذي تكون فيه الخضروات متوافرة بصورة طبيعية ولا تحمل الأسمدة والمبيدات الحشرية، ويلجأ المواطن الرشيد هناك إلى شراء مئات الكيلوهات منها وتخزينها بعدة وسائل وذلك لفصل الشتاء، بحيث يوفر على جيبه مبالغ طائلة بدلاً من شراءها بأسعار خيالية، وبدلاً من شراء الكيلو الطماطم ب600 ريال في الشتاء يمكن شراء مئات الكيلوهات في الصيف بسعر للكيلو لا يتجاوز 50 ريال وتخزينها على شكل شرائح في الفريزر أو عصير طماطم وتخزينها في علب بلاستيكية أو زجاجية ضخمة (برطمانات)، ويمكن لجمعية حماية المستهلك القيام بإرشاد المواطنين وزيادة وعيهم الاستهلاكي، وأنا على ثقة أن هذه الجمعية لو عملت بكامل طاقتها أنها تستطيع أن تفوز بثقة المواطن وتجعله يستجيب لإرشاداتها ما دامت ترشد سلوكه وتقوده نحو التوفير والاستفادة من دخله المتواضع.

إن العمل على راحة المواطن يبدأ من شعار بسيط هو أننا نعمل أيها المواطن على رفع قيمة دخلك، وهو الشعار الذي سيلامس شغاف القلوب ويجعل الثقة بالحكومة تزيد وتزيد.

abdtwaf@hotmail.com