جولة في أخبار العرب
بقلم/ إحسان الفقيه
نشر منذ: 6 سنوات و 3 أشهر و 16 يوماً
الثلاثاء 31 يوليو-تموز 2018 05:39 م
 

«عش رجبًا، ترَ عجبًا»، يُقال في أصل هذا المثل، أن الحارث بن عُباد طلّقَ بعض نسائه بعدما أسَنَّ، فخَلَف عليها من بعده رجل كانت تُظهر له من الوجْد به ما لم تكن تُظهره للحارث بن عُباد، فلقي زوجُها الحارثَ بن عباد فأخبره بمنزلته منها، فقال له الحارث: عش رجبًا ترَ عجبًا، فأرسلها مثلًا في تحوُّل الدهر وإتيان كل يومٍ بما يُتعجب منه.

رأيت العجب، كل العجب، وأنا أقلب بصري في أخبار العرب، حيث طغيان اللامنطق واللامعقول، حين تغيب عن الكلمات فواصلها وهمزاتها وحركاتها وضبْطها، فتصبح ضربًا من السباحة في الفراغ، وإذا بي أُعالج ضحكًا باكيًا، أو بكاءً ضاحكًا.

وقتَ خسوف القمر، كلٌ يرى بمنظاره ومن نافذة اهتماماته، فبعضهم يثير الخسوف في نفسه النظر إلى آيات الله الكونية، وإنذار الناس بحالة تحاكي أحداث يوم القيامة «إِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9) يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ» (القيامة: 7 – 10)، ويفزع إلى صلاة الخسوف المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وبعضهم ينظر إليها كظاهرة فلكية تتعلق بتمَوْضع القمر من الأرض والشمس، وبعضهم ينظر إليه كمشهدٍ فريد ينبغي أن لا يفوته وقد لا يدركه في حياته مرة أخرى، فيمتزج عنصر الترفيه والمتعة، فربما تسوقه رغبة المتعة والترفيه إلى أن يصعد مرتفعًا أو يذهب بعيدًا عن العمران مُجهزًا آلة التصوير.

غير أن أحد المُتطفلين على روائع البيان عبث بالصورة الأدبية، وحاول فرض ذائقته الشاذة على الموقف بالقوة والعسْف، ورأى في صورة الخسوف ما لا يراه الخلق، أو حاول على وجه الدقة استغلال الصورة سياسيًا، فغرّد على حسابه معلقًا على صورة خسوف القمر: «وكأن القمر يخجل من تصرفات نظام الحمدين تجاه الأمة العربية».

أي قمرٍ هذا الذي لم يخجل للتفريط العربي في القدس، ولا لضياع العراق، ولا لدمار سوريا، ولا لهواننا على الأمم، ولا للظلم والجهل والفقر والتخلف الذي طوق بلادنا، ولا للعمالة والخيانة، ثم أصابته حمرة الخجل من تصرفات القيادة القطرية؟

ثم أمضي في مطالعة ما استجلب به لنفسي شيئًا من الكدر المُستفز لإطلاق الهمة والقلم، فأقرأ على صفحات الحياة السعودية مقالًا لكاتبٍ ليبرالي مصري يأكل صنم التمر، ويتباكى على ضياع سطوة العسكر في تركيا، وإقصائه عن الحياة السياسية ودخوله «في عهدة النظام الرئاسي».

لا تندهش، فنحن فاشلون في الاستيراد، حتى في استيراد المناهج والأفكار فاشلون، ليبراليو الغرب ثابتون على مبادئهم، وليبراليو العرب أكلوا الصنم، وتخلّوا عن مبادئهم عندما دعت الحاجة، والحاجة كانت مُسايرة موجة الهجوم على النظام التركي وشيطنته، فليذهب الحكم المدني إلى الجحيم، ومرحبًا بالعسكر وبكل ما يأتينا منه من قمع ولغة عنف وتهاون بالحريات وابتلاع للديمقراطية.

ألا ليت الكاتب – وهو مصري الموطن – يدرك حصاد ما يزيد على ستين عامًا على حكم العسكر في بلاده بكل ملامحه، بعد أن ثار على الملك الذي رفض قبول السيادة الأمريكية على المنطقة، وتمسّك بإعادة إمبراطورية محمد علي، الملك الذي أذعن لرفض مجلس الشيوخ تجديد باخرته بـ120 ألف جنيه، وكانت هناك حياة نيابية وحريات في عهده.

أليس هو حكم العسكر الذي يعني حكم الفرد؟

أليس هو الحكم المعتمد على العسكرتاريا ويضع القوانين التي تخدم المؤسسة العسكرية ومصالحها؟

أليس هو الحكم الذي يعتمد على الحكومة البوليسية (سجون- اعتقالات- قانون طوارئ)؟

أليس هو الحكم الذي يعتمد على الأقلية الفاسدة (رأسمالية اللصوص)؟

أليس هو الحكم الذي يُطوع لخدمته علماء الشريعة (تسييس الدين)؟

أليس هو حكم النجوم الذين لا حدَّ أقصى لأجورهم (أهل الفن والسياسة والرياضة والإعلام)؟

وكالعادة كنت أتابع أخبار الزعيم الملهم، فألفيته في خطابه الأخير يُمارس هوايته في التحدث إلى الكواكب الأخرى، ويصرح بأنه (زعلان) بسبب الهاشتاغ الذي اكتسح مواقع التواصل ويطالبه بالرحيل، بعد أن أخذ بأيديهم من العوز والفاقة.

نعم أخذ بأيديهم من العوز، وعلى من يُكذّب ذلك أن يُلقي بنفسه تحت إطار أول سيارة تمر في طريقه.

لكنها لم تكن سقطة الزعيم الوحيدة، فإن للاسترسال سخونة لافحة ربما ينكشف بها المكنون في لحن القول، لقد ذهب الرجل إلى أن هناك إشكالية في الأديان، وهي الاصطدام بالتطور، وأن علينا أن نفهم النصوص بما يتوافق مع الواقع الجديد.

يبدو أنه وصل إلى مرحلة صعبة في سياق الحديث عن تطوير الخطاب الديني الذي يهرول وراءه منذ توليه الحكم. وهل يصطدم ديننا مع التطور والازدهار؟ فأين حضارتنا الإسلامية التي أذهلت أهل المشارق والمغارب؟ أم لعله لم يسمع عنها. كان الأحرى أن يتحدث عن تعاليم ديننا التي تحض على التعلم والأخذ بأسباب القوة والحضارة وإعمار الكون، ثم ينتقد التخلي عن المنهج وما استتبعه من تخلف، غير أنه قد عوّدنا على معنى ثابت في دعوته لتجديد الخطاب الديني، وهو العبث في الثوابت.

ما زلت في جولتي مع أخبار العرب، لأجد نفسي هذه المرة مع (كيكي)، ليس اسم فتاة ولا أكْلة شعبية، إنما يعلم المتابعون أنها عنوان رقصة جديدة مستوردة، أصبحت الشغل الشاغل لوسائل الإعلام، ويتبارى نجوم الفن والرياضة في تصوير أنفسهم أثناء أداء تلك الرقصة، وأصبح الأمر مُثيرا للاشمئزاز، خاصة بعد أن شاهدتُ شابا من الغرب يهاجم العرب على تقليدهم لكل ما يصدر عن الغرب بشكل أقرب إلى السباب.

هل أصبحت هذه الأمور التافهة هي أكثر ما نحتاج لاقتباسه من غيرنا؟ هل فرغنا من اقتباس تميزهم العلمي والتقني والعسكري والتنظيمي، لكي نتفرغ لاستيراد الرقصات؟

وهل عجز إعلامنا أن يجد مادة خصبة تشغل الناس غير رقصة «كيكي؟ أشعر برغبة في لطم الخدود، وربما احتجت على قول صديقتي المصرية إلى (لطّامة كهربائية) حتى تفي بالغرض. هيا نرقص كيكي وإخواننا في فلسطين وسوريا ترقص أجسادهم، ليس طربًا، وإنما رقصة الذبيح الممدد إذ يلفظ أنفاسه.

هيا بنا نرقص كيكي وما وطن لنا إلا وجياعٌ أهله، فقراءٌ، مرضى، صرعى مظالم.

هيا بنا نرقص كيكي وغيرنا يرقص في المختبرات العلمية ومصانع السلاح فرحًا بالإنجاز. يا أمة قد ضحكت من جهل مسوخها الأمم، شيءٌ من حمرة الخجل، شيءٌ من الدين والعقل، شيءٌ من الشعور بالواقع ومآسيه. ليت المقام اتسع لمزيد من أخبار العرب، ربما لا تجد يا قارئي فائدة في ما كتبتُ، لكننا شركاء الطريق، ولا بأس أن أكون أنانية معك اليوم، ولا ضيْر في أن تتحمل بعض فضفضتي واحتراقي، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

 كاتبة أردنية