أنقذوا سنّة العراق
بقلم/ د. محمد جميح
نشر منذ: 8 سنوات و 9 أشهر و 20 يوماً
الخميس 28 يناير-كانون الثاني 2016 03:01 م
سقط نظام الرئيس العراقي صدام حسين، حُل حزب البعث، حُل الجيش العراقي، سقطت بغداد في أبريل 2003، وانفتحت أبواب الجحيم على سنة العراق. كان هم الأمريكيين حينها حماية مصادر النفط في البلاد، وترك ما عدا ذلك للمليشيات التي مولتها ودربتها، وأرسلتها إلى العراق طهران.
تلك المليشيات التي مارست أبشع أنواع الإرهاب بعد تفجير ضريحي الإمامين العسكريين في سامراء. وفي الفترة ما بين 2005 و 2008 قتل مئات آلاف السنة العراقيين، على يد تلك المليشيات، إضافة إلى عمليات التطهير الطائفي بالتهجير القسري، والتغييب في السجون، والتعذيب الذي وثقته تلك المليشيات ووضعته على أشرطة اليوتيوب في عدد مهول من المشاهد التي لم يعد بالإمكان تحمل مشاهدتها. ناهيك عن جرائم الاضطهاد، ومصادرة أو تدمير الممتلكات، وتفجير المساجد ودور العبادة، واستخدام «الدريلات» التي وجدت في سجن سري كان يشرف عليه وزير الداخلية العراقي الأسبق بيان جبر صولاغ، في قبو تحت مكتبه في الوزارة. كل ذلك موثق، وتضاف إليه جرائم السحل وحرق الأشخاص أحياء، وقتل المعتقلين والمختطفين حتى بعد أن يتم دفع مبالغ مالية كفدية تصل إلى عشرات آلاف الدولارات، التي تؤخذ من قبل زعماء تلك المليشيات الذين يأخذون المبالغ ويرسلون الجثث إلى ذويها. أما ملايين العراقيين (سنة في معظمهم) الذين شردتهم تلك المليشيات خارج العراق فقصة أخرى يطول شرحها.
وقد انتهى أمر هذه المليشيات إلى تجميعها على يد رجال الحرس الثوري الإيراني – مؤخراً – في كيان تنظيمي واحد هو مليشيات الحشد الشيعي، الذي يضم عشرات المليشيات الطائفية، وعلى رأسها منظمة بدر التي كانت تقوم بتعذيب أسرى العراق لدى القوات الإيرانية، إبان حرب السنوات الثماني بين العراق وإيران، وكذا حزب الله العراقي، وعصائب أهل الحق، وجيش المهدي سيئ الصيت، وصاحب السبق في جرائم ما بعد تفجير ضريحي سامراء، وغيرها من المليشيات التي يحمل الآلاف من عناصرها الجنسية الإيرانية، والولاء لقاسم سليماني أكثر من الولاء لحيدر العبادي نفسه. ويجب الإشارة إلى أن الجرائم المذكورة هنا لا تتحمل مسؤوليتها تلك المليشيات وحسب، ولكن الحكومة العراقية تتحمل كامل المسؤولية، لأنها هي التي أعطتها الغطاء السياسي، ويجب ملاحظة أن هذه المليشيات، كما يقول مسؤولون عراقيون، هي جزء من الحكومة وتتبع مباشرة مكتب رئيس الوزراء، وهذا ما يجعل حيدر العبادي مسؤولاً بشكل مباشر عن جرائم تلك المليشيات. يجب كذلك الإشارة هنا إلى أن الفتاوى التي صدرت من المرجعية الشيعية ممثلة بآية الله علي السيستاني، وغيره من المراجع كان لها دور في إعطاء الغطاء الديني لهذه المليشيات في الإقدام على تلك الجرائم التي لم يعد مستساغاً السكوت عليها بأي حال من الأحوال.
وقد وثق عدد كبير من المنظمات الحقوقية الدولية ارتكاب هذه المليشيات جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب ضد السنة في العراق، ومكتب الأمم المتحدة على اطلاع تام بحقيقة تلك الجرائم. يورد تقرير لمنظمة العفو الدولية عدداً من الوقائع والجرائم التي رصدتها المنظمة لهذه المليشيات. ويذكر التقرير المعنون بـ»إفلات تام من العقاب: حكم الميليشيات في العراق» تفاصيل مروعة للهجمات الطائفية التي تشنها الميليشيات الشيعة في بغداد وسامراء وكركوك، على أساس طائفي. ويؤكد التقرير العثور على «جثث مجهولة الهوية في مختلف مناطق البلاد، وقد قُيدت أيادي أصحابها خلف ظهورهم، ما يشير إلى وجود نمط من عمليات قتل على شاكلة الإعدامات الميدانية».
وقد حملت كبيرة مستشاري شؤون الأزمات في منظمة العفو الدولية، دوناتيلا روفيرا الحكومة العراقية مسؤولية أعمال تلك المليشيات بقولها: «من خلال منح مباركتها للميليشيات التي ترتكب بشكل منتظم انتهاكات مروعة من هذا القبيل، يظهر أن الحكومة العراقية تجيز ارتكاب جرائم الحرب وتؤجج دوامة العنف الطائفي الخطرة التي تعمل على تمزيق أوصال البلاد». وقالت دوناتيلا روفيرا: «من خلال تقاعسها عن محاسبة الميليشيات عما ترتكبه من جرائم حرب وغير ذلك من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، فلقد أطلقت السلطات العراقية فعليا العنان لتلك الميليشيات كي توجه عنفها تجاه السنّة وتنكل بهم. ويتعين على الحكومة العراقية الجديدة برئاسة حيدر العِبادي أن تتصرف الآن كي تلجم الميليشيات وترسي قواعد سيادة القانون».
والعبارة اللافتة هنا هي قول روفيرا إن «الميليشيات الشيعة تستهدف بوحشية المدنيين السنّة على أساس طائفي تحت مسمى مكافحة الإرهاب». وهذا يؤكد أن «الحرب على الإرهاب» في العراق قد سيست لتخدم أغراضاً طائفية، لا علاقة لها بالحرب على الإرهاب، التي تدعي هذه المليشيات أنها تقوم بها ضد تنظيم «الدولة»، في حين أنها تقتل السنة على أسس طائفية لا علاقة لها بالإرهاب.
لا يمكن حصر جرائم المليشيات الشيعية شبه الرسمية، لكن لا يمكن الحديث هنا من دون التذكير بـ»مجزرة المقدادية»، التي قتلت المليشيات الشيعية فيها في هذا الشهر عشرات المدنيين من العراقيين السنة، الذين استدعتهم بمكبرات الصوت، ثم قامت بعملية إعدام جماعي لهم، في منطقة «بروانة» الخاضعة لسيطرة القوات الحكومية، والتي لا يسيطر عليها تنظيم «الدولة»، الذي تتذرع مليشيات الحشد الشيعي بقتاله.
أخيراً، وطبقاً للتقارير الدولية، فإن هــــــذه الجــــــرائم ترقى الى جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، وغيرها من الجرائم المذكورة في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، حيث يجب القيام بعمل فوري لرفع ملفات تلك القضايا إلى المنظمة، نظراً لتوافر الأدلة على حدوث تلك الجرائم التي لا يجوز أن تذهب مع التقادم طيَّ النسيان.
٭ كاتب يمني من أسرة «القدس العربي»