طفولة يهدد أمنها الآباء!
بقلم/ نشوان السميري
نشر منذ: 17 سنة و شهر و يوم واحد
الأحد 07 أكتوبر-تشرين الأول 2007 10:10 م

مأرب برس – خاص

رنّ جرس الهاتف بإصرار وجاء صوت محدثيّ غاضباً مستاءً، يسألني بألم:هل انقطعت الرحمة من قلوب الناس؟ وما هي سوى لحظات حتى هدأت غضبته وسكن انفعاله وبدأت أفهم سبب ثورته، فجاره الموظف "التربوي" كما يصفه، اعتاد أن يأمر أطفاله الذين لم يتجاوز أكبرهم الاثنى عشر عاما بالصيام، لكنه إذا نام ثم قام قبل موعد الإفطار بقليل؛ غلبه مزاجه السيئ وأفرغ حممه فوق رؤوس زوجته وأطفاله، ومنعهم من الإفطار وتناول الطعام! وهنا تساءل صاحبي باستنكار: أيّ قدوة يكون هذا لغيره وفعله هذا يتكرر مع فلذات أكباده؟.

ليست هذه الصورة بالطبع هي الصور الوحيدة من صور العنف الذي يمارسه بعض الآباء والأمهات على أطفالهم بدوافع مختلفة؛ قد يكون منشأ أغلبها حسن النية كما نفهم أو كما قد يزعمون، لكن لا بد من الاعتراف أن الإهمال المؤدي إلى العنف الجسدي والنفسي والصحي هو آفة تصيب كثير من الأسر في غير وعي وإدراك لخطورة الممارسات الخاطئة التي تتم في هذا السياق.

كم شاهدنا أباً ينفث سموم دخانه بين أطفاله في سيارةٍ أو داخل غرفة مغلقةِ في غير اكتراث بصحتهم ونموهم أو خشية من تقليدهم له؟ وهل علمنا بأمر الأب الذي يميّز بين أطفاله في المحبة والمعاملة والرعاية؟ وأي جريمة يرتكبها الآباء بمنع بناتهم من التعليم وصرف الغالي والنفيس من أجل تعليم أبنائهم الذكور وحسب؟ وما جزاء الأبوين اللذين يقصران في تقديم جرع التحصين لطفلهما الغض ويتركانه عرضةً لمستقبل حافل بكل الأمراض القاتلة؟ ثم ماذا نقول لأبٍ يجد في الضرب – العنيف عادة - الوسيلة الوحيدة والأقرب لتأديب الأبناء وتربيتهم؟.

تناهى إلى مسمعي قبل أيام صراخ أمٍ تدعو على طفلها الرضيع بكل الويل والثبور حتى يكفّ عن الصراخ والبكاء، ألم يكن لائقاً بهذا الأم أن تضم طفلها إلى صدرها وتعرف أسباب بكائه؟ ولعل شعوره بالحنان يُدفئَه ويهدئ خاطره.

وفي حيّنا؛ عرفنا رجلاً فقيراً مستور الحال قد أحجم عن تعليم طفليه بعدما تجاوزا سن الالتحاق بالتعليم بدعوى الفقر والخصاصة، غير أن الفقر نفسه لم يقف عائقاً أمام هذا الرجل وأمام شرائه للقات يومياً، فأي ضحك على النفوس والذقون في عذر هذا الرجل؟ وأي تقصير فاحش يرتكبه في حق طفليه على حساب ملذاته الشخصية الضارة أيضاً؟.

إن مكمن الخطورة المتصورة هنا في هذه الممارسات وغيرها على الصعيد الاجتماعي واضحة وضوح الشمس؛ وهى الإضرار بالأجيال القادمة التي سيتشكل منها النسيج المجتمعي لشعبنا اليمني، فمن المعروف أن شعبنا يصنّف سكانياً على أنه شعب فتيّ لأن أكثر من نصف عدد السكان هم أطفال تحت الفئة العمرية التي حددها القانون بثمانية عشر عاماً، وهذه ميزة قد لا تتوفر في مجتمعات شيخة أو كهلة تعاني خطر الزوال مثل المجتمع الياباني وبعض مجتمعات البلدان الأوروبية؛ التي أصبحت رغم غناها تشكو ارتفاع عدد الوفيات على حساب عدد الولادات، مما حدا بها تخصيص حوافز مادية مجزية لكل أسرة تنجب طفلا ً أو أكثر.

هل لنا أن نتصور كيف سيكون حال مستقبل أبناء هم نصف الشعب يتجرعون دون ذنب أصناف العنف ويعانون درجات مختلفة من الإهمال ؟.

هل يمكن أن ندرك أن أطفالنا عندما يكبرون سيقومون بدورهم بإعادة إنتاج العنف والإهمال الذي سببناه لهم أطفالاً في شخوص أطفالهم إلا من رحم؟ مما يعني استمرار مسلسلٍ للعنف لا ينتهي، وهل التربية الخشنة ستصنع منهم -كما نؤمل- رجالا ونساءً صالحين وصالحات؟ دخل الأقرع بن حابس على الرسول (ص) وهو يقبل حفيديه الحسن والحسين فقال له: "أتقبّل ولدي ابنتك.. والله إن لي عشرة من الأولاد ما قبّلت أحدهم "، فقال له الرسول عليه الصلاة والسلام: "وما عليّ إن نزع الله الرحمة من قلبك".

إن الطفل بذرة تستحق أكثر من مجرد الرعاية والحماية، فهو مخلوق برئ وجميل يجب معاملته باحترام.

*خبير إعلامي ومدرب

n.sumairi@gmail.com