هيكلة الجيش اليمني ورضأ السفير الأمريكي!
بقلم/ عبدالقوي الشامي
نشر منذ: 12 سنة و 7 أشهر و 10 أيام
الجمعة 06 إبريل-نيسان 2012 05:18 م

هيكلة الجيش غدت مطلبآ ملحآ للثكنات والشارع السياسي في اليمن, ومعهما سلك السفراء الخليجي والغربي, وعلى رأسهم سفير البيت الأبيض, الكل يغني على (ليلاه) في المقاربة المرجوة من وراء هكذا استحقاق, استوجبته الأتفاقية الخليجية .. وتبدو الدعوات الحزبية في مفهومها العام متسقة مع الأرادة الشعبية التواقة الى حكم مدني, يخلص البلد من مزاج العسكر, ويضع حد لعبث واحدة من اعتى حلقات النظام الفاسد واكثرها وحشية ودموية, (سلطة الافندم), بتقاليدها المتخلفة المتوارثة من حقبة الأحتلال العثماني لشمال اليمن (1872م - 1918م), تلك السلطة التى تنجب الطغاة ودهاقنة الأستبداد, والتي جعلت اليمن في القرن الحادي والعشرين يعيش عصور المشاعية البدائية. 

الحديث هنا وحدوي الأبعاد, اي انه يخص الوضع الحالي للجيش اليمني, الذي يعتبر امتدادآ طبيعيآ لما كان يعرف بـ (جيش الجمهورية العربية اليمنية) ولا يرجع بأثره التقييمي, لما كان يعرف بـ (جيش جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) باعتبار ان هذا الاخير, قد أخرج بالوقيعة من معادلة الوحدة عند قيامها لعام 1990م, وتم تصفيته تدميرآ من خلال مؤامرة حرب صيف 94م, ومن ثم تسريحآ او مصادرة, وان بقي منه افرادآ او قادة في الخدمة, فهم لا يمثلون امتداده العسكري, اذ كان من شروط القبول ببقاءهم: القطيعة مع العقيدة القتالية التي تعسكروها في الجنوب, والدخول في مسالك ودروب عسكرة الشمال, الخاضعة لقانون العرض والطلب, في السوقين السياسية والقبلية, بمفاعيلهما الأجتماعية على نحو عبثت بكل ما له علاقة بالعقيدتين العسكرية العامة للدولة والخاصة بالجيش, وبالبنيتين الدستورية والسياسية للبلد.

في ضرف ما كنت في حضرة قائد عسكري, من النوع الذي لم يعد في اكتافهم متسع لمزيد من النجوم والنسور, وكان الحديث عن الفساد المالي في الجيش, وبعد ان (تفلحس) القائد في جلست القرفصاء وافتى قائلآ: عندما تنزل لجنة للتأكد من سلامة الأمور المالية في حدود منطقتي العسكرية! فأن لقائها الاول يكون معي, نتحدث في كل شيء عدى الامور المالية, وبعد حديث المجاملات, اوجه بصرف 200 الف ريال حق (القات) لاعضاء اللجنة, وفور انتهاء اللجنة من عملها تؤدي لي التمام, اوجة بصرف 200 الف اخرى مؤجلة الدفع الى ان يتم اداء الـ (تمام) كتابة للجهة النادبة منسوخ للمعنيين, وفي حالة ان: التمام لم يكن تمام, اجاب على تسائلي بالقول: بالرغم ان أمر كهذا لم يحدث معي, الاّ انه لا يعني نهاية العالم, اذ نفتح للمساومة ابوابآ وابواب, دون ان نسلم سلاحنا, وان (أشربنا البحر من زمزميتنا) كما يقول مثل القائد العسكري.

 هذا ملمح من ملامح الحالة العسكرية القائمة اليوم في اليمن, اوردناه تأكيدآ, بأن ما هو موجود ليس جيشآ بالمعني الحرفي للكلمة, وانما عبارة عن تكتلات عسكرية لا يجمعها سوى لون البزة والولاء للـ (افندم) القائد, الذي تتكثف بين يديه كل مصادر الأجر, للأفراد والضباط, وهنا تكمن العلة, التي افقدت الجميع ارادتهم الذاتية والوطنية, في القول والفعل بعد ان اصبحوا (اجرية) لخدمة الـ (افندم) ولي النعم, على نحو اوقع الجميع تحت وطأة متواليه الولآت, الأفراد والضباط للقائد, والقائد لقائد القائد الذي بدوره يدين بالولاء المطلق للقائد الأعلى صاحب قرار التعيين وصاحب قرار الترقية.

كما اثبتت احداث العام الماضي, بأن الـ (جيش) الذي يلتهم نصيب الاسد من ميزانية الدولة, 61 مليار ريال سنويآ, قيمة غذاء وملابس فقط, كما جاء في افادة احد نواب البرلمان مؤخرآ, وعلينا ان نتخيل: كم هي مبالغ التسليح, الصيانه, المواصلات, الأتصالات وغيرها من بذخ العسكري, أرقام فلكية تستقطع من اللوحوم الحية لشعب يعيش في الدرك الاسفل من الفقر, لصالح تجمعات هي اقرب الى مليشيات منها الى مؤسسة تحتكم الى قوانين ضبط وربط عسكريين. فالتاريخ القريب والبعيد, مليء بالمجازر والفضائع التي ارتكبها العسكري بحق المدني في اليمن, وليس لهم مأثرة ولو واحدة اجترحوها ضد عدو غير محلي, من ايام (عكفة) الامام الى زمن الحرس الجمهوري والفرقة المدرعة المرتبطتان باسمي ومصالح وارادات قائديهما.

 وفي مشهد دراماتيكي فكاهي, يزاوج بين السلطة والتخلف حينآ وبين السلطة والمال حينآ اخر, ينقسم (الجيش) افقيآ وعموديآ, بقرار الحرب والسلم, قرار ليس بيد رئيس الأركان ولا بيد وزير الدفاع ولا حتى بيد القائد الاعلى للقوات المسلحة, الرئيس الحالي عبدربه منصور هادي, وانما بأيادي اصحاب الاقطاعيات العسكرية: الرئيس السابق وزميلة في الكتاب اي (المعلامة) التي تخرج منها الاثنين, قائد الفرقة المدرعة, وبيد ابني الرئيس السابق, واخو الرئيس السابق, وابناء اخو الرئيس السابق, وانساب, احباب, واتباع الرئيس السابق, ومن لف لف الرئيس السابق .. فالحرس له تركيبته الخاصة بخبراءه العراقيين من الحقبه الصدامية, والفرقه لها تركيبتها المختلفه بخبراءها وسلاحها, كما جاء على لسان وزير الدفاع اللواء محمد ناصر احمد امام البرلمان الأسبوع الماضي ولكل منهما نشاطه الخاص الذي يظهر الى السطح بأسم (انصار الشريعة) واحيانآ بأسم (القاعدة) كما وان الطرفين ليسا ببعيدين عن تنظيم (الشباب) المؤمن ولا عن الجماعات السلفية بمختلف مسمياتها (مستقل, حكمة, احسان, حسني).

 وعندما يتمعن المواطن في تاريخ هذه الجماعات التي تنطبق عليها تسمية القوات المسلحة وليس الجيش, يصعب ان يجد لها منجز وطني ولو واحد مقارنة بالجيشين المصري او التونسي, بل على العكس, فكل كوارث البلد مبعثها هذه (..) المسلحة, التي انقسمت بين ساحة وساحة, بين شارع وشارع, ولديها الأستعداد لتوجيه مختلف صنوف الاسلحة الى صدر المواطن, وتدمير كل مقدرات الوطن لتحافظ على وجود قادتها في موقع القرار, اذ لا يتردد افرادها في النزول الى الشارع بالبزة العسكرية او بالزي الوطني, اكان تحت اسم جندي او يافطة (بلطجي), لا يترددون في قتل المواطن واغتصاب حقوقه, حسب المقتضيات التي يحددها مخرج المشهد الذي يريد الـ (افندم) تنفيذه انتقامآ او ترهيبآ او حتى نكاية, كما حدث على سبيل الذكر لا الحصر: في 18 مارس 2011م في ساحة التغيير في العاصمة صنعاء, وفي 13 يناير 2012م في ساحة العروض بخورمكسر في عدن عاصمة الجنوب, في ذكرى يوم التصالح والتسامح الجنوبي, الذي يحييه الجنوبيون كل عام, منذ انطلاقة حراكهم السلمي العام 2007م.

ومشكلة الدعوات الحزبية لهيكلة الجيش, انها تأتي في سياق حالة ضيقة الافق وذاتية الهدف, سياق تغليب ساحة على ساحة والأنتصار لشارع على حساب شارع, من قبل الجماعة التي تشعر بأن اللحظة قد عنت لها, ليس من اجل اعادة بناء قوات مسلحة على أسس وطنية, تقطع مع الولاء الخاص ومع منظومة الفساد, وتعيد صياغة البنيتين الداخلية والبينية للوحدات والأسلحة, ومن ثم تعيد صياغة علاقة العسكري بالسياسي من جهة, وبالمواطن من الجهة الاخرى, وانما تأتي تلك الدعوات لاعادة توجيه الفوضى المليشاوية لصالح الحاكم الجديد, على مبدأ التداول السلمي للعسكري, بما يمثله من قدرة على أخضاع الخصوم السياسيين والسيطرة الأمنية على افراد وهيئات المجتمع, اي ان الهدف هو استبدال وجوه بوجوه, وبه يكونوا قد أخذوا البلاد والعباد من نار صالح الى نار الأصلاح.

 والخلاف على موضوع الهيكلة شديد الحساسية, ويهدد بتفجير حالة الوفاق, التي اعادت للمواطن شيء من الأمل, في امكانية الخلاص من حكم الأسرة التي تجسدت بعبادة الفرد, على الرغم من انها لم تأتي نتاج لرغبه حزبية لهذا الحزب او ذاك, وانما تت من قبيل تحصيل الحاصل الذي انتجه الحراك السلمي الجنوبي, وثورة الشباب في الشمال, الى جانب حروب صعدة الست, بالرغم من ذلك, فهي محاطة بكم هائل من الشكوك والريبة, لجهة قحط الأفكار وغياب التصورات الحاملة لها, مع انتفاء الموضوعية في معللاتها الحزبية, التي تعتبر هيكلة الحرس الجمهوري فرض عين, وهيكلة الفرقة الأولى مدرع فرض كفاية .. هيكلة انتقائية تسعى بكل قوة الى اعادة تدوير احرف الأسم "صالح " بحيث يصبح "اصلاح" تدويرآ وظيفيآ كما جاء على لسان وزير الدفاع في افادته امام البرلمان, وان اضطروا الى تكرار حرف الألف لأتقاء شر حاسد اذا حسد. 

ضف الى ذلك ما تبتغيه الأدارة الأمريكية من الموضوع, من خلال التحركات النشطة لسفيرها في صنعاء الراعي الحصري للهيكلة التي اصبحت امريكية العنوان .. فأي تغيير هيكلي بالظرورة يأتي من خضم الحرب الأمريكية على الارهاب, فالرسالة واضحة, سيادة الدولة اليمنية اصبحت (كارزايية) المعيار بالنسبة للسفير الامريكي (جيرالد فيرستاين) والا ما كان له ان يقول لمراسل رويترز في فبراير الماضي: "نحن راضون عن كل ابناء صالح, وعلي محسن, ودرجاتهم ليست عالية, ولكن الحرس الجمهوري هو الافضل"! سخرية مهينة ومذلة, سواء قصدها او لم يقصدها صاحب المعالي, ففيها دليل تنازل غير مسبوق: (اسلاميون, اشتراكيون او قوميون) تنازلوا عن المعيار الوطني بشكل غير مسبوق, حتى افغانستان والعراق لم يسلّم ساستهما بمعيار تغيير أمريكي الاّ بعد احتلال, اما في البلاد السعيدة, فالسير يتم على بركة السفير, ولا مفاجأة, فثمالة الأرتهان للأجنبي تنخر عظام ساسة درجو على الأنبطاح لصاحب المعالي السفير ايآ كان, منذ قيام الثورة في 1962م ومعيار السفارة دائمآ طاغي على معيار العمارة, في كل المراحل التي يطلقون عليها تحببآ (ثورية). .