الجثث المجهولة هل هي مجهولة فعلاً!!!
بقلم/ د. عبد الملك الضرعي
نشر منذ: 12 سنة و شهرين و 17 يوماً
الجمعة 31 أغسطس-آب 2012 02:34 ص

بعد إثارة قضية الجثث المجهولة إلتبس الأمر في حينه لعدة أسباب منها:

1- أن أول من أثار الموضوع صحف ومواقع أقل ما يقال عنها أنها تتمتع بصفة(دموع التماسيح) فهي من حرّض قوات الأمن ومليشيا السلطة السابقة على إرتكاب جرائم القتل ضد شباب الثورة وصفحات مواقعها لعام 2011م شاهدة على ذلك ،وبالتالي بدأت تتاجر بتلك الجثث بصورة مقززة لتحقيق مكاسب سياسية ،لذا كان من الضروري التريث حتى تظهر بعض الشواهد على الواقعة.

2- بدأت تلك القضية تتحول إلى خلاف داخل الساحات من خلال مجاراة بعض شباب الثورة بدون قصد ، للحملة المقصودة والموجهة من القوى المناوئة لثورة الشباب ، حيث بدأت الاتهامات توجه إلى اللجنة التنظيمية وبعض القوى المناصرة لثورة الشباب وتصاعد ذلك الخلاف إلى حدود غير مقبولة.

3- أن الطرح لم يراعي مبدأ الحفاظ على كرامة وإنسانية تلك الجثث فهي في كل الأحوال لإخوة في الدين والوطن ، كما أن واجبنا جميعاً مراعاة المبادئ الإنسانية في تناول هذه القضية بعيداً عن أي مكايدات سياسية أو أفكار تعصبية.

ولكن وبعد أن نشر موقع مأرب برس تحقيقاً مدعماً ببعض الوثائق والصور فإن القضية أصبحت أكثر وضوحاً ، وذلك يستدعي تناول الموضوع من عدة جوانب بهدف إعادة النظر في الإجراءات التي تمت وتلافي حدوث أخطاء مشابهة خاصة بعد أن أشار التحقيق إلى وجود حوالي(150)جثة أخرى مجهولة ، وأهم الملاحظات التي يمكن تناولها مايلي :

أولاً/ أن جميع الحالات التي تم العثور عليها والواردة في التقرير الأول في منطقة الحصبة بإستثناء حالة في حي النهضة وغالبية الحالات ترجع إلى شهر(6/2011م) مع بداية إندلاع مواجهات الحصبة ، وكما هو معروف أن الحرب في الحصبة إندلعت فجأة وسوق الحصبة يعج بالباعة والمتسوقين الذين حاصرتهم المواجهات المسلحة ، ونسبة كبيرة من العاملين هم من المناطق الريفية وبالتالي ربما غالبية الحالات المجهولة تعود لتلك المناطق.

ثانياً/ لقد تم حصر الوفيات من قبل المتحاربين أول بأول ، حيث حدد كل طرف خسائره ، وهذا مؤشر على أن تلك الحالات في الغالب لاعلاقة لها بقوى الصراع ، ولكنها ضحية لتلك المواجهات ، وكان الأحرى بالمتحاربين من ناحية أخلاقية الإعتناء بهذه الجثث ونشر صورها بشكل واسع ثم تشييعها بشكل لائق .

ثالثاً/ إكتفت النيابة بالإعلان في صحيفة الثورة العدد رقم(17385) ويوم (23يونيو2012م) وذلك منطقي في حالة وفيات الحوادث المرورية وما شابهها ، أما في مثل هذه الحالات وخلال صراع عسكري مروع فلم يكن في تلك الطريقة الكفاية للبحث عن ذوي الوفيات ، لأن صحيفة الثورة محدودة الإنتشار على المستوى الوطني ، وبالتالي من الضروري أن يتم نشر صور تلك الحالات وخاصة واضحة المعالم عبر وسائل إعلام متعددة مثل الصحف الرسمية والأهلية ومحطات التلفزة الرسمية والخاصة ومواقع الإنترنت (وتنشر الصور بالألوان) والتنوع في وسائل الإعلام على قدر كبير من الأهمية ، فعلى سبيل المثال محطات التلفزة لكل قناة مشاهديها ،فكما هو معروف أن بعض المشاهدين يقاطع بعض القنوات بصورة مطلقة ، وبالتالي لو طلب من جميع القنوات المحلية وضع فقرة إعلانية لأمكن نشر الصور بشكل واسع ولتمكنّا من معرفة بعض أصحاب هذه الجثث ، وفي حال تعذر بعد ذلك الكشف عن هوية هذه الجثث عند ذلك ستصبح مجهولة ، وهذه الخطوة الإعلامية في غاية الأهمية خاصة للأشخاص القادمين من الريف الذي يعد التلفاز والمذياع وسيلتي الإعلام الوحيدتين فيه ، وبالتالي التوسع في نشر الصور قديمكن ذوي الجثث من التعرف عليها.

رابعاً/ يشير الخبر لوجود حوالي(150) جثة مجهولة على مستوى الجمهورية وفي عدد من المستشفيات وسيتم استكمال تفاصيلها في الحلقة الثانية من التحقيق ، إننا نأمل أن يعاد النظر في التعريف بتلك الجثث قبل دفنها كما سبق أن أشرنا بهدف تعريف أكبر شريحة من المجتمع بتلك الجثث، فغالبية هذه الجثث لا تعد مجهولة إلا بعد أخذ حقها الكافي من زمن الإنتظار والنشر عبر وسائل إعلام متعددة ، وبدون ذلك لم تصل مرحلة المجهول.

خامساً/ يبدو من المرفقات أن اللجنة التنظيمية للثورة الشبابية لاعلاقة لها بالإتهامات التي وجهت إليها بشكل مباشر ومن عدة جهات ، والخطأ المحسوب عليها سماحها بالصلاة على الجثث وتشييعها بتلك الطريقة ، بحكم أنها المشرفة على صلاة الجمعة بشارع الستين ، فالواجب أن لاتظهر الجثث بتلك الطريقة ولو استدعى الأمر تأخير صلاة الجنازة إلى وقت آخر.

أخيراً نتمنى من كل الأقلام الصحفية تناول هذه القضية بكل مهنية وإنسانية وعدم المتاجرة بها لتحقيق مكاسب شخصية أو سياسية ، وليتذكر الجميع أن ما حدث لمثل هؤلاء يمكن أن يحدث لأي شخص منا تصادف وجوده في منطقة المعارك التي تفجرت ظهراً ودون سابق إنذار ، فمن حق هؤلاء مرعاة مشاعرهم أحياء وأموات وكذا ذويهم علموا بهم أو لم يعلموا فالقضية إنسانية خالصة بكل ماتعنيه الكلمة ، نشكر وسائل الإعلام التي طرحت هذه القضية بكل مهنية بغية معرفة الحقيقة وليس الكسب السياسي.