المملكة إذ تحمي حدود صنعاء وتفتح حدود نجران!
بقلم/ عبدالملك شمسان
نشر منذ: 14 سنة و 4 أسابيع
السبت 16 أكتوبر-تشرين الأول 2010 12:02 م

بعد انتهاء الحرب السادسة باتفاق الطرفين (السلطة والحوثي)، ظلت محافظة الجوف جبهة مفتوحة لأسابيع مستثناة من اتفاق وقف الحرب، وهي الفترة التي استغلها الحوثي لمواصلة تمدده في تلك المحافظة وترسيخ سلطته على المناطق الواقعة تحت سيطرته..

وأشارت كثير من التحليلات يومها إلى وجود تفاهم -وإن غير صريح- بين السلطة والحوثي يسمح له بالاستمرار في التوغل في ذلك الاتجاه، لمعاقبة الخصوم السياسيين في الداخل، وللزحف -ثانيا- لتوسيع نفوذه على الشريط الحدودي مع المملكة، خاصة وأن الحوثي أطلق خلال الحرب التي خاضها مع المملكة تهديدات بفتح جبهة جديدة للحرب، وذلك في إشارة إلى الجوف. وظل التوسع الحوثي مستمرا إلى أن وصل إلى اتفاق تهدئة مع عدد من القبائل هناك.

وبعد اتفاق الدوحة الأخير، تجدد النشاط الحوثي في الجوف، ولم تشر الحكومة إلى خروقات لاتفاق الدوحة يمارسها الحوثي في الجوف قياسا بما تعلن من خروقاته في سفيان وصعدة، الأمر الذي يثير الشكوك حول وجود اتفاق يتيح لهذا النشاط في الجوف أن يتجدد، وأشارت تصريحات أركان حرس الحدود في الجوف الأسبوع الماضي إلى أن (10) مديريات من أصل مديريات الجوف الـ(12) أصبحت تحت سيطرة الحوثي.

وبالنظر إلى اتفاقية الدوحة: فإن أطرافها هم: الحوثي الذي يحقق من هذا الاتفاق -إن صح- مكاسب كبيرة، والثاني هو السلطة التي لا ترغب في إنهاء مشكلة صعدة وتريد الإبقاء عليها كورقة صالحة -باستمرار- للضغط على المملكة العربية السعودية، والحصول -بالتالي- على دعمها السياسي والمادي. والثالث هو الطرف الراعي للحوار والاتفاق وهو دولة قطر التي اتخذت خطا مضادا لخط السياسة السعودية وتخوض معها حربا باردة.

وبالمنطق السياسي، وإن افتقر إلى المعلومات الداعمة والمؤيدة، فإن دولة قطر -برعايتها للحوار وجهودها لحسم قضية صعدة- تقدم خدمة جليلة لخصمها السياسي المتمثل في المملكة العربية السعودية، وهو ما يبرر سؤالا «مفترضا» على نحو: هل تبذل قطر مساعيها لحل أزمة صعدة خدمة للمملكة، أم للتحكم في الأزمة وتوظيفها التوظيف السليم بالنسبة لها!؟ لقاء عابر مع مسؤول أمريكي < http://www.alahale.net/imgs/11/3101_12_10.gif >

قبل أشهر كان عدد من الزملاء من الدارسين للغة الإنجليزية في معهد (يالي) الأمريكي بصنعاء يتحدثون عن لقاء عابر جمع بينهم وبين مسؤول في السفارة الأمريكية خلال زيارته للمعهد، وعلى أن العادة في مثل هذه المواقف أن يتولى الصحفيون طرح الأسئلة ويجد المسؤول نفسه محاصرا من كل جانب، إلا أن ما حدث في هذا اللقاء هو العكس، حيث تولى المسؤول الأمريكي طرح الأسئلة، وكان الزملاء هم الطرف المجيب، ولفت انتباهي سؤال من جملة أسئلته، خلاصته: ما مدى استعداد محافظة حجة للدخول في الحرب!؟ يدرك الأمريكان أن إشعال فتيل الحرب في حجة يعني -مباشرة- خروج الأمر عن السيطرة وانفجار الوضع نحو الخارج، أي باتجاه البحر الأحمر الذي يعتبر أحد أهم الممرات للطاقة والملاحة، ويرسو عليه عدد من الجزر الاستراتيجية التي تحوم الأطماع الأمريكية حولها، وذلك على خلاف محافظة الجوف التي سيكون انفجار الوضع فيها إلى الخارج مأمونا، إذ لا يوجد في نجران وضواحيها خطوط للطاقة ولا الملاحة، ولا يوجد فيها آبار نفط ولا مصالح أمريكية، وإنما يوجد فيها سكان ينتمون مذهبيا إلى الشيعة الإسماعيلية ويشكون -منذ زمن- من تعرضهم للإقصاء والتهميش، ودأبهم تجرع مرارة الصبر بانتظار «المخلص»!! وكانت الـ( CNN ) قد نشرت خريطة توضح فيها حدود الدولة الشيعية في شمال اليمن، وتظهر الجوف كاملة ضمن إطار هذه الدولة.

سد نجران.. سيول الجوف وسيول صنعاء

في الأدب الأوروبي المترجم ينسب لأحد الأدباء قوله: «اللهم اكفني شر أصدقائي، أما أعدائي فأنا كفيل بهم». والمملكة المحاصرة بين أصدقائها في صنعاء وفي واشنطن، وخصومها في صعدة والدوحة، مطالبة بأن تستعين ضد أصدقائها وضد أعدائها على حد سواء!! وعلى ذات النسق، فإنها بحاجة إلى أن تحمي حدود نجران بذات الحماس الذي تحمي به حدود صنعاء!! وإذا كان سد نجران العظيم يستوعب خير السيول التي تتدفق إليه من الجوف، فإن هذا السد لن يكون بمقدوره استيعاب شر السيول التي تتدفق إليه من صنعاء!!

تسليم الحوثي الوظيفة التعليمية

بعد عودة الوفود المتحاورة من الدوحة، وعودة النشاط الحوثي في الجوف، خرج مسؤول أمني في المحافظة يحذر من أن الحوثي يخطط للاستيلاء على مبنى إدارة الأمن في مديرية برط العنان. وهو تصريح يهدف -فيما يبدو- إلى إسقاط السلطة الحرج عن نفسها، إذ يسمح لها هذا التصريح بالقول -لاحقا- إنها قد حذرت سابقا واستنجدت وفعلت ما بوسعها فعله لكن المملكة لم تسمع.

وقبل عشرة أيام دخل وزير التربية على خط اللعبة لأول مرة منذ اندلاع الحرب، وراح يقول: إن وزارته لن تفتح أي مدرسة في صعدة ما لم تكن جمهورية. وهذا التصريح -في ظاهره- أبعد ما يكون عن السياسة، إذ لا يمكن لمسؤول في الحكومة أن يصرح بأن السلطة عاجزة عن فرض سيطرتها بصعدة وفي المجال التعليمي تحديدا، وأن المدارس هناك قد تحولت جميعها إلى مدارس ملكية، ولكنه -في باطنه- تصريح سياسي من الطراز الرفيع، إذ يعني أن السلطة تعلن -وعلى لسان وزير التربية- تخليها رسميا عن الوظيفة التعليمية في صعدة والجوف والمناطق المجاورة الواقعة ضمن نفوذ الحوثي، أو هو -بتعبير آخر: تسليم الحوثي وظيفة ومهمة التعليم في هذه المناطق مع أدواتها ووسائلها (المدارس).

كما إن التصريح -بحسب تحليل للزميل علي الجرادي: إعلان مجاني لأي طرف يرغب في تقديم المساعدة للحوثي لفتح المدارس (غير الجمهورية) من الآن فصاعدا، باعتبار أن السلطة قد قطعت على نفسها الوعد بعدم فتحها. والغريب -في سلسلة هذه الغرائب- أن صاحب هذا التصريح هو الوزير (الجوفي)!

الرياض.. قلة الحيلة

قبل نحو شهر قالت صحيفة «حديث المدينة» إن الأمير سلطان أوضح بأن المملكة تنفق الأموال الطائلة على القبائل لغرض حماية أمنها مهددا بالقول في اجتماع مع اثنين من أبناء الشيخ عبدالله: «ربما سنضطر إلى دفع تلك الأموال إلى الحوثيين باعتبارهم الأقوى حاليا». ويثير هذا عددا من الأسئلة: هل كانت تلك رسالة أميرية إلى القبائل المدعومة من قبل المملكة لتقوم بواجبها على أكمل وجه وتكف عن استخدام ذات الأسلوب الذي اتبعته السلطة في صنعاء وسبق للأمير سلطان أن رفضه، وهو اتخاذ الحرب والسلم أداة من أدوات الثراء والكسب؟ أم كانت تلك رسالة تتضمن براءة الأمير سلطان من السلطة في اليمن واعتماده على القبائل وكيلا حصريا في مواجهة الحوثي، أم كانت رسالة إلى الحوثيين أريد لها أن تصل يوما ما عبر الصحافة؟

يحتمل أن يصح هذا كله، ويحتمل أن يصح بعضه، والصحيح المؤكد -من جملة ما قد يصح- هو أن هذا المنطق كشف عن قلة حيلة الرياض وانحصار الخيارات المتاحة أمامها في خيارين اثنين فقط: دعم القبائل غير الموثوق بها كما يفهم من التصريح، أو التعامل مع الحوثي والاعتراف به. ومنشأ هذا الحصار المفروض على الرياض هو تجاهلها لكون منبع الحرب في صنعاء الغنية بالخيارات وليس في صعدة ولا الجوف، وتعاملها مع القضية في حدود النطاق الجغرافي للحرب، وتنقلها -بالتالي- بين الأطراف الكائنة هناك (مشائخ القبائل، أو الحوثيين).

وتبدو المملكة عاجزة عن التدبير السياسي إلا من التعامل بدفتر الشيكات الذي تغدق أوراقه على القبائل لإثارة حرب أهلية في الداخل اليمني أو بالأصح «حماية حدود صنعاء» بينما أصبح الطريق نحو أراضيها -على المدى المنظور- سهلا ومعبدا من خلال الشريط الحدودي الذي يسيطر عليه الحوثي من حرض إلى الجوف بموازاة شيعة نجران المتصلة بحدودها مع المنطقة الشرقية ذات الأغلبية الشيعية أيضا والمطلة على الخليج العربي.

وحتى الآن لم نسمع تفسيرا ملكيا عن كيفية التعامل مع قضية الحدود المفتوحة مع الحوثي، فهل ستلجأ المملكة لتقويض نظام صنعاء وضمان سلطة قادمة بمواصفات أخرى تكون درعا حاميا للرياض يقابل حماية المملكة لصنعاء!؟

إيران.. قلم الأمريكان لإعادة رسم المنطقة

في التحليلات التي كانت تتابع صراع المعسكرين الشرقي والغربي، أن السوفييت كانوا يدعمون النظام الاشتراكي في الشطر الجنوبي من اليمن، ليس -فقط- للحفاظ على مصالحهم هناك وفي المقدمة الاستفادة من الموقع الاستراتيجي وجزيرة سقطرى ومن ورائها الساحل الطويل الذي يمتد حتى أقصى الشرق من جنوب الجزيرة. بل -أيضا- لاعتبار ذلك الجزء من الوطن قاعدة انطلاق يمكن من خلالها اجتياح الجزء الشمالي ومن ثم ربط الحلقة بدولة أثيوبيا (الاشتراكية) في الجهة المقابلة من البحر الأحمر (لم تكن إرتيريا يومها قد منحت الاستقلال عن إثيوبيا)، وهذا سيمكن السوفييت -بحسب ما كانوا يخططون- من الوصول إلى المياه الدافئة التي ظلوا يحلمون بها حتى انهيار كيانهم، وكذا خنق الخليج الذي يعتبر بمثابة الرئة للغرب، وفي مقدمته السعودية.

أستدعي هذا التحليل القديم لأسوقه -مع الفارق- كمثل في القضية الآنية موضوع الحديث اليوم، لأشير إلى ارتباط صعدة بحدود مع الجوف، وارتباط الجوف بحدود مع نجران ذات الأغلبية الشيعية، وارتباط نجران بحدود مع المنطقة الشرقية ذات الأغلبية الشيعية أيضا (هي الجزء الأغنى بالثروة من بين مختلف المناطق السعودية، وبجوارها في قعر المياه الإقليمية للمملكة عدد من أكبر المشروعات النفطية)، وهذه المنطقة الشرقية تطل على الخليج العربي، والخليج العربي تطل عليه إيران من الضفة المقابلة.

وكما بدأتُ هذه النقطة بالإشارة إلى الفارق الكبير بين القضيتين، أختمها بالتأكيد -مجددا- على ذات الفارق، فقد كان الصراع السوفيتي الأمريكي في تلك الفترة حديا بين دول لا يوجد بينها أي قدر من تلاقي المصالح. بينما صراع اليوم -في جزء منه أو في البعد الخارجي منه- صراع إيراني أمريكي، وبين هاتين الدولتين مصالح تلتقي لمسافات طويلة. ففي حين قد يبدو لإيران أن ربط تلك السلسلة أمر ممكن ولو على المدى الطويل (صعدة، الجوف، نجران، المنطقة الشرقية، الخليج العربي). فإن الولايات المتحدة حريصة على دفع إيران بهذا الاتجاه وإثارة لعابها للمضي قدما في هذا الاتجاه، وهي -في الحقيقة- تتخذ من إيران قلما تعيد به رسم المنطقة إلى أن تكتفي وترى أنها وصلت إلى الحد الذي تريده، فسوف تتعارض مصلحتها مع إيران.

ساعتها -إن سارت الأمور في هذا الاتجاه- لن يكون الصراع الجاد الذي قد ينشأ بين الطرفين ذا أهمية بالنسبة لنا، إذ سنكون مشغولين ببعضنا في الحرب الدائرة بين أقطارنا المتعددة في جنوب وشرق الجزيرة بسبب الخلافات الحدودية!!