رابطة الأدب الإسلامي... رأس
بقلم/ د.عبدالمنعم الشيباني
نشر منذ: 16 سنة و 4 أشهر و 12 يوماً
الخميس 19 يونيو-حزيران 2008 06:30 م
  مارب برس – خاص 
 ب ع ث إليّ الدكتور العزيز والأديب والمفكر طه غانم رئيس المكتب الإقليمي لرابطة الأدب الإسلامي بصنعاء رسالة عبر البريد الإلكتروني يدعوني فيها كعضو في الرابطة إلى الحضور للتشاور في إجراءات إنتخابات الهيئة الإدارية الجديدة للمكتب بصنعاء خلال الشهر الجاري، وكنت قبل هذا أحدث نفسي أن أكتب فعلاً بعض الخواطر عن رابطتنا العالمية وأن أقول شيئاً عنها وعن غاياتها الجميلة وملاحظاتٍ كثيرةٍ جمعتها من لقاءاتي مع رموز وأعضاء الرابطة بالهند معقلها الأول وأخرين من بلدانٍ أخرى.
 من نافلة القول تأسست رابطة الأدب الإسلامي عام 1984 ميلادية وهي حصيلة دعوة قديمة نادى بها مؤسس هذه الفكرة والداعي الأول لها الأديب والروائي الراحل نجيب الكيلاني من مصر صاحب الروايات التاريخية الإسلامية الشهيرة (الظل الأسود وعمالقة الشمال وعذراء جاكرتا وليالي تركستان ودمٌ لفطير صهيون) عاصر نجيب محفوظ ورحل قبله ومثل الرجلان (حسب محمد اللطيفي، جريدة الثقافية، العدد 324) مدرسةً رائعةً في التميز الروائي لولا أن الكيلاني- حسب اللطيفي- كان محكوماً بالفكر والإنتماء في حين انطلق محفوظ عالمياً متحرراً من القيود الإيديولوجية. ولي كلامٌ في نفس الإتجاه، أقول باختصار كتب نجيب الكيلاني (الأديب الإخواني) عشرات الأعمال الأدبية والروايات التاريخية، تقرأ في رواياته إحتراق الأديب على ضياع أمجاد المسلمين. لم يتناول النقاد كثيراً أدب الكيلاني كأدب عظيم يشار إليه بالبنان ربما بسبب إنتماء الرجل لمدرسة الإخوان المسلمين، الإنتماء الذي يثير التحسس عند كثيرٍ من الأقلام والكتاب والنقاد فالأسباب هنا سياسية فكرية. وهناك ربما السبب الفني فبالرغم من صدق التجربة للروائي الكيلاني إلا أنه كما يبدو قد غلّب صدق الحقائق التاريخية على مقتضيات الجوانب الفنية الأخرى أثناء المعالجة (أي تغليب الصدق على حساب الحبكة والخيال والإختراع)، فالمطلوب من الروائي هنا أن يكون شاعراً لا مؤرخاً. وأشعر أن علي أحمد باكثير كان أكثر نجاحاً في هذا الجانب من الكيلاني حيث جمع بين الشاعرية والخيال وبين حقائق التاريخ وكان روائياً شاعراً بالدرجة الأولى. وبالرغم مما قيل لا ينقص هذا أبداً من مكانة الروائي العملاق نجيب الكيلاني الذي كثيراً ما أشاد به نجيب محفوظ نفسه، وهذا الأخير- يجب ألا ننسى- أن أول من بشر به الناس كروائيٍ هو الأستاذ سيد قطب رحمهم الله جميعا.
 نعود من جديد إلى فكرة تأسيس رابطة الأدب الإسلامي فقد تحمّس من بعد الكيلاني رواد وعلماء وأدباء من خارج بلاد العرب وعلى رأسهم الأديب والداعية الراحل أبو الحسن بن على الندوي من الهند صاحب كتاب (ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين) فالرجل كان داعيةً عالمية وأديباً فريداً عاصر البنا وكان بحق رائداً عالمياً ومؤسساً للكثير من أقسام الأدب العربي والدراسات العربية في الهند وخارجها، حتى تم الإعلان والتأسيس وصار للرابطة فروعاً ومكاتب إقليمية في عدد من البلدان. وهكذا صار لنا بحمدالله رابطة أدبية إسمها رابطة الأدب الإسلامي ولم تزل التسميةُ محل نقاشٍ وجدلٍ واختلافٍ واعتراضٍ واخذٍ ورد حول كلمة (إسلامي). وبصرف النظر عن النقاشات الكثيرة حول المصطلح مابين مؤيدٍ ومعترضٍ، يخلص المؤسسون بتواضعٍ وأدبٍ جم أنهم يقصدون محاولة تقديم أدب جميل (شعر ورواية ونثر وقصة إلى سائر الأشكال الأدبية الأخرى) ينطلق من فكرة إسلامية تقوم على عناصر أساسية ثلاثة الحق والخير والجمال، ويزعمون أنهم إنما يسعون إلى إبراز تلك العناصر كأدب منطلق من فهم العلاقة الناموسية الأزلية المتناغمة بين الخالق والإنسان والكون. وبعبارةٍ أسهل يرى المؤسسون أن كل شيءٍ يمكن أن نجعله جميلاً وبديعاً إذا انطلقنا من غاية جميلة ومن ذلك الأدب.
 ويبقى التحدي اليوم قائماً كم مضى على تأسيس الرابطة؟ وماذا قدم أدباؤها بهذا الإتجاه (إتجاه أدب الحق والخير والجمال المنطلق من فهم التناغم الجميل بين الكون والإنسان)؟ سأقف موقف المشجع في هذه المسألة وأقول أن المسافة بين النظرية والتطبيق لم تزل بعيدةً بعيدةً. قال أحدهم (لدينا رابطة ولكن ليس لدينا أدب) وقال أخر (اسم عرمرم فارغ المضمون) وثالثٌ قال (لم يواكب الإنتاج الاسم). ومن خلال لقاءاتي الكثيرة مع جهابذة العربية في الهند وعشاق الأدب ورؤوس مؤسسين للرابطة لمست أن الأدب الإسلامي لم يخرج في مفهومهم عن ذلك النص التقليدي الكلاسيكي للقصيدة أو الرواية وأنه لم يزل بين هؤلاء الجهابذة المؤسسين وبين العبور إلى شاطئ الأدب الجميل مسافاتٌ وأزمنةٌ وعقودٌ وعصور. واطلاعٌ على مايكتب من نصوص أدبية من إنتاج أدباء الرابطة فهو إنتاجٌ عاديٌ لا يعكس أي تميز جديد والمصيبة أن يحتكر الكتاب "شلة" من المغرب ومصر والسعودية (حُمادي وقاسم وغباش وحيدر وبجاش) يظهرون دون غيرهم في كل عدد من أعداد المجلة بنصوص ركيكة بدائية وضعيفة إلا فيما ندر، ومصيبة أخرى أن يظن القائمون والمشرفون على الإنتاج والنشر أن كلمة (الدكتور) تحل محل (المبدع). إليكم بعض الأمثلة، اقرؤا معي هذه العبارة الشعرية للدكتور (بجاش من المغرب) "لمن تكتب الشعر؟ للسيف مشتعلاً في يد الفاتحين.." الفكرة طيبة لكن الشاعرية معدومة، نريد طالب في صف أول إعدادي يكتب لنا شعراً يا دكتور بجاش ولايهمنا هنا لقب الدكتور بل نريد الشاعر. وبالمقابل اقرؤا معي هذا السطر الشعري "وقالوا بأنك مقعد........... إلى أن يقول: فما عرفوا لغة السيف يأبى المذلة ياسيفنا المشرئب الذي ليس يغمد" تشعر أن صاحب السطور الأخيرة طاهر العتباني من مصر أشعر من عمنا الدكتور بجاش من المغرب بألف وثلاثمائة مرة فالعتباني يجعلك تهتز نخوةً مع السيف يأبى المذلة فهو أكثر شاعرية. وفي عدد أخر من مجلة رابطة الأدب إليكم هذه المصيبة الكبرى لشاعر (دكتور) يريد أن يناطح إليا أبي ماضي (لبنانيٌ نصرانيٌ من شعراء المهجر لكنه فيلسوف وصاحب فكر عميق وتأمل إنساني محلق وهو شاعر رائد)، للشاعر أبي ماض قصيدة بديعة عن الإنسان كيف يطغى ويتكبر وينسى أنه خلق من طين وهذا كلامٌ جميلٌ يشبه كلام الإسلام، أقطف لكم أهم ثلاث أبيات
 نسي الطين ساعةً أنهُ طينٌ حقيرٌ فصال تيهاً وعربد
 وكسى الخزُ جسمه فتباهى وحوى المالُ كيسهُ فتمرد
 إلى أن يقول
 يا أخي لا تمل بوجهك عني ما أنا فحمةٌ ولا أنت فرقد.
 جاء صاحبنا الدكتور (غباش) يزعم أنه يريد معارضة قصيدة إليا أبي ماضي وأن يناقش منطلقاً جديداً لم يأت به أبو ماضي النصراني الكافر، ولكن ماذا فعل عمنا غباش؟ لم يأتي بفكرة ولا بشعر ولا بوزن وما رأينا إلا رباطُ عنقٍ يتدلى (الكرفته) وكلمة (دكتور) وقرأنا خمساً وعشرين بيتاً مكسرةً تكسيرا للدكتور غباش، الوزن أولاً يا عم غباش. ومعنا شاعر أخر (دكتور حُمادي) من المغرب بارك الله فيه، لم يُحسن رثاء أبيه رحمه الله وأسكنه فسيح الجنات، كتب قصيدةً في الرثاء وماهي برثاء مطلعها:
 أيا صاحبي دعني أبثك مابيا لقد حل بي شيءٌ فغير حاليا
 وتصرخ أختي باتصالٍ وتشتكي أبونا مريضٌ وأنثنى الصوت واهيا
 عندنا امرأة أمية بالقرية اسمها هدية سعد سعيد رثت أمها بثلاثمائة بيت من الشعر الشعبي يقطر عاطفةً وألماً وشعراً، الحجة هدية سعد أمية لكنها شاعرة. وشاعرٌ أخر دكتورٌ جهبذ ملأ الدنيا ضجيجاً لم يأت بقصيدةٍ من رأسه قط بل يلفق التراكيب تلفيقاً يحطبها من أشعار أحمد شوقي وابن زيدون وقيس بن الملوح، ابحثوا عنه تجدوه في قصيدة مطلعها "سلوا شادن البحرين عما جرى ليا". لم يجد هذا الرجل الذي ملأ الدنيا ضجيجاً غير كلمة "شادن" في كل قصائده الملفقة ويعدونه مؤسساً رائداً للأدب وداعماً أساسيا ويرأس منتديات أدبية عملاقةً.
 والخلاصة إن رابطة الأدب الإسلامي العالمية المزعومة ليست "عالمية" حتى تقفز بأدب جميل عالمي ومواكبٍ بل وقاهر للتحديات النقدية والفنية المعاصرة وأن تخرج هذه الرابطة من رتابة الحديث المكرر عن الغايات الجميلة إلى أدب عالمي حقيقي يبشر بفكرتنا العالمية يسابق النقد، ويغزو بجماله المبدع الأصلي المبتكر نظريات لم تخلق بعد، وأن فكرة الأدب الإسلامي بشروطه العالميه ليس بالضرورة أن يكون رواده (دكاترة كوت وكرفتة)، بل قد يكونون خبازين أو نجارين أو حتى فلاحين لكنهم رواد في الشعر وعمالقة في الرواية وجهابذة في السرد القصصي والروائي، ثم لماذا يغيب صوت المرأة الأديبة وتغيب صورتها من صفحات مجلات الأدب الإسلامي؟ ولماذا تغيبب أصوات الأدباء الصغار من الزهور الشبابية؟ والخلاصة ينتظر الناس من رابطة الأدب الإسلامي "رأس"، أن تكون "رأساً" قائداً نحو التميز والتفرد من غير تقليد أو ترديد أو تلفيق أو نقل بليد، وأن يأتي هذا الرأس بالجديد والأجد وبالحديث والأكثر حداثة، رأساً يتحرك بفكرة العالمية الجميلة حركةً تواكب المصطلح وتلائم التسمية، نريد رأساً يدهش العالم ولانريد ألقاباً أكاديمية وبروفيسورات ودكاتره.
 *شاعر يمني وباحث في الأدب الإنجليزي الرواية.
 abdulmonim2004@yahoo.com