التقلبات المناخية لحسين الأحمر
بقلم/ محمد العبسي
نشر منذ: 14 سنة و شهر و 25 يوماً
الجمعة 03 سبتمبر-أيلول 2010 10:54 م

يدلّ اللون الأحمر في الغابات الماطرة على أن حامله مخلوق سام. بل شديد السمِّية. تستغل الحيوانات الضعيفة، وغير الخطرة، هذه المعلومة وتحولها إلى نقطة قوة ونظام دفاع. فالضفدع، غير السام، يتحول جلده إلى اللون الأحمر ليبدو ساماً فتهابه حيوانات الغابة المفترسة ولا تفكر قط في مهاجمته بسبب "سمعة" اللون الأحمر في الغابات المطيرة وخطورته. حيلة بصرية بسيطة، إذن، يستخدمها الضفدع بذكاء عند مواجهة الأخطار فيجتازها بسلام.

يقال، في المثل الشعبي، إن "السمعة نصف القتال". وفي عالم الطبيعة فإن التمويه نصف القتال. الضفدع غير سام لكن قوته تكمن في قدرته على "تقليد" المخلوقات السامة. الحيوانات على أية حال بارعة في فنون "التقليد" وحيلها. فهذه "ذبابة الفاكهة" عندما تشعر بالخطر تسارع، على الفور، في تقليد مشْية العناكب السامة فيفرّ أعدائها من أمامها معتقدين أنها حشرة خطيرة!

يُسمِّي علماء الطبيعة هذا بـ"التمويه" أو التخفِّي. وهو نظام دفاعي موجود لدى قطاع واسع من الحيوانات في الطبيعة حتى أنه يصعب التعرف، مثلاً، على أسماك الجلاخ المتخفية في شكل قطعة مرجان أحمر. وتغير أسماك الهوشع هي الأخرى لون بشرتها حسب لون القاع الذي تسبح فوقه. كما إن أنواعاً من البرمائيات والفراشات والنحل والفخاخ بارعة، إلى حد بعيد، في تقليد ومحاكاة ألوان المحيط البيئي الذي تتواجد فيه. وكل ذلك من أجل هدفين: اختباءً من أعدائها حتى لا تتعرض لهجوم مباغت وتخفياً من فرائسها، ثانياً، حتى تباغت هي بالهجوم مستغلةً عامل المفاجأة.

حتى اليرقة تُموّه، أو تتخفى من أعدائها، بتقليد أغصان الشجر المختلفة الألوان. ويقول علماء البيولوجيا زيادة في التفصيل: إن "سحلية جنوب أفريقيا" من أمهر الأحياء البرية تخفياً. سمك الأمازون يُقلد لون الأوراق السابحة في قاع البحر لحين قدوم الفريسة فينقض عليها. ويسمى هذا، إجمالاً، علم محاكاة الطبيعة.

وهذا هو جوهر مقالي: التمويه وطرائقه في السياسة.

يبدو لي أن هذه الملَكة العجيبة الموجودة لدى الحيوانات في الطبيعة موجودة أيضاً، بنسب متفاوتة، لدى البشر. البشر أيضاً يحسنون "التقليد" ويجيدون الـ"تمويه" والتخفي، الموجود في الطبيعة، كلما كانوا عرضة للاضطهاد والظلم الجماعي. المشكلة في اليمن أن الآية معكوسة. التمويه أصلاً نظام دفاعي مصمم للكائنات الضعيفة الواقعة تحت الخطر. في اليمن يمارس "التمويه" ليس من يفتقر إلى القوة والنفوذ وإنما العكس: الأقوياء وأصحاب النفوذ، المالي والاجتماعي، في المجتمع. والذين يجيدون فنون "التقليد" ليسوا أبناء تهامة ووصاب وتعز وعدن أو الأقليات الاجتماعية والدينية وإنما العكس: شركاء النظام في الحكم والثروة والنفوذ والباحثين عن سلطة إضافية.

إن المشايخ والأقوياء في اليمن، بخلاف نظام الطبيعة، هم من يمارسون الـ"تمويه" و"التقليد" وليس المثقفون أو الطبقة الوسطى الواقعة، باستمرار، فِي خطر التهديد بانعدام فرص الحياة الكريمة في حال تقسّمت اليمن أو انهار نظام الحكم. ويخيل إليّ، وبدون تحامل شخصي، أن حسين الأحمر يعد الأمهر بين سائر المشايخ والسياسيين اليمنيين الذين يجيدون هذه الطريقة ويقطفون ثمارها أولاً بأول.

صنعاء تنجح في الوشاية لدى الرياض

لا يكاد حسين الأحمر يستقر على لون ولا يثبت على موقف. حتى أن مواقفه السياسية بشأن السلم والحرب والوحدة والحراك تتغير، في زمن قصير، من اللون الفاتح إلى الغامق ومن الأزرق، لون الحياة، إلى الأحمر والرصاصي هكذا فجأة أو بالأحرى حسب رغبة المخرج. وإذا كانت المخلوقات الضعيفة تحاكي، في تلونها، الطبيعة المتنوعة فإن الشيخ حسين يحاكي، في تلوّن مواقفه، المانحين: محليين أو خارجيين. والسعودية، بطبيعة الحال، بأموالها المغدقة على مجلسه في المقام الأول.

في الأمس القريب اعتبر حسين الأحمر إيقاف حرب صعدة خيانة عظمى لدماء الشهداء وتضحياتهم وها هو، في الآونة الأخيرة، يدعو إلى عقد مؤتمر سلام فِي صعدة. وهذا حسنٌ. فأن تأتي الدعوة إلى مؤتمر سلام، من شخص كان يدعو للحرب، فهذا سلوك طيب وجميل إن ثبُت حقاً أن الدعوة للسلام لذات السلام وليست نكاية بالسلطة أو لسحب البساط عن "فارس مناع" تاجر السلاح الذي تذكر، بعد 6 حروب طاحنة، أن صعدة أحوج ما يكون إلى السلم.

ليكن! يبدو أن المخرج "عاوز" سلام هذه الفترة.

فلنأخذ ما يدعو إليه الرجلان على ظاهره البرّاق افتراضاً لحسن النوايا. ولنقل إن موقفهما الأخير الداعي إلى السلام يجبُّ ما قبله على اعتبار أنه النسخة الأخيرة المنقّحة. في الحقيقة لا أدري ما سبب شعوري المسبق أن المؤتمرين في طريقهما إلى الفشل. عد ذلك، وإضافةً له، لست متأكداً حقيقةً من صحة القراءة التي فسرت مؤتمري السلام، الذين دُعي إليهما، على أنهما جولة أخرى من التنافس بين ليبيا والسعودية على صعدة عبر ممثليهما الفارس والحسين تباعاً.

الأنكى أن المناخ السياسي في البلد شديد التقلب لدرجة يصعب معها توقع حالة الطقس في الأيام القادمة. فقبل عام كان فارس مناع موفداً رئاسياً ورئيساً للجنة وساطة ثم ها هو اليوم، رجل النظام الأول في ملف السلاح، يحمل أجندةً مستقلة عن النظام بعد شهور من الاعتقال في الأمن القومي.

خمر مثل الطلح. فقبل أقل من شهر ليس إلا كان حسين الأحمر رسول سلام بين السلطة والدولة حتى أنه تسلم، في شعبان الفائت، 218 جندي أسرهم الحوثي دفعةً واحدة بشكل يثير الريبة. لم ينتصف شهر رمضان إلا وقد تحول حسين من حمامة سلام إلى صقر حرب. الأسبوع الفائت كان شبح الحرب السابعة قد أطل برأسه الشيطاني مع اندلاع المواجهات، للمرة الأولى، في مدينة حوث بقلب حاشد مخلفةً رواءها تسعة قتلى وعشرات المشردين واستنفار القبائل.

ولسائل أن يسأل: ما سبب التحول المفاجئ في موقف حسين الأحمر ولماذا هذا التصعيد غير المتوقع تجاه الحوثي الذي حكّمه وسلّمه الجنود الأسرى قبل أسابيع خلت؟ بل كيف قفز، على نحو مفاجئ، موضوع التوريث في رأس حسين الأحمر فأطل علينا، مع هلال رمضان، بتصريحات نارية ضد أحمد علي، نجل الرئيس، أطاحت أول ما أطاحت بالزميل عبدالله قطران عن خدمة ناس موبايل؟

لكل ظاهر باطن، كما يقول المذهب الإسماعيلي، ولكل معلن خفي. يوجد تفسير آخر غير التفسير المتداول في وسائل الإعلام. في الحقيقة جرى الحديث، همساً، في أروقة الحكم عن كلمة سر هي "القدس" وقع بموجبها الـ218 جندي في أسر الحوثي. لا أدري مدى صحة هذه المعلومة ولست متحمساً لها كثيراً. الأكيد أن صنعاء رفضت استلام جميع الأسرى. وبحسب المصدر، الذي فضل عدم ذكر اسمه، فقد وافقت السلطة الحوثي على تسلم أسرى الحرس الخاص فقط وأهملت، أو رفضت، بقية الأسرى.

يجيد حسين الأحمر رياضة ركوب الموج. وبينما كانت السلطة والحوثي في شد وجذب بشأن الأسرى سعى رئيس مجلس التضامن، جاهداً، حتى يبدو للرأي العام كحلّال العُقد المستحكمة. ورجل اللمسة الأخيرة. حتى أنه قد استعان بقيادي معارض، وبذل الكثير، من أجل توسيطه وتسليم الحوثي جميع الجنود الأسرى إليه أقلها ليبدو شخصية سياسية وقبلية محل "إجماع وطني". وقد كان له ذلك أما وفي متناول يديه من النفوذ ما يمكنه من فك العقد.

انزعجت صنعاء من وساطة حسين أيما انزعاج وسارعت في الرد. بحسب مصادر سياسية دبلوماسية ومحلية فقد "بذل نظام صنعاء جهوداً مكثفة من أجل الوشاية برئيس مجلس التضامن لدى قيادة المملكة السعودية من أجل إقناعها بأن حُسيناً على علاقات إستراتيجية مع الحوثي –بدليل الوساطة- على الرغم من الأيادي البيضاء للمملكة التي تمول مجلسه بـ4 ملايين ريال سعودي شهرياً". يبدو، من التحول المناخي المفاجئ، أن صنعاء نجحت في إثارة مخاوف الرياض من أحد أبرز حلفائها وممثليها فِي اليمن فثارت ثائرة الأحمر الصغير.

على أية حال يبدو هذا تفسيراً مقنعاً واحتمالاً راجحاً بقوة يمكن، في ضوئه، فهم استيقاظ موضوع التوريث في رأس حسين الأحمر فجأة. صحيح أن التوريث، كما قال حسين وأؤيده في ذلك، مشكلة اليمن كبرى غير إن توقيت الحديث عنه يؤكد، إلى حد كبير، أنه يأتي رداً على وشاية صنعاء. 

من صقر حرب إلى حمامة سلام.. والعكس

تناقلت وسائل الإعلام، مؤخراً، أن الحوثي هدد حسين الأحمر بـ"مصير كمصير ابن عزيز متوعداً بغزو حاشد". يبدو الأمر دعابة و"صفاط" ثقيل أقرب منه إلى كونه تهديد. وللأمانة فقد وجدت صعوبة بالغة في "هضم" حديث الإعلام عن تهديد الحوثي للأحمر والمواجهة بينهما. وقد عزز شكوكي تلك أن الناطق باسم الحوثي محمد عبد السلام لم يتفوه بكلمة واحدة بحق الشيخ حسين الأحمر ولم يحمله المسؤولية. بل إنه راح يتحدث عن "حملة تطهير عرقي ضد الهاشميين" ملقياً اللائمة على شماعة أخرى: المنطقة العسكرية في الحرف!

تقرير صحيفة الشارع، هو الآخر، زاد شكوكي حول وجود مواجهة حقيقية بين الحوثي وحسين الأحمر. تبدو رواية الشارع أقرب للحقيقة. وقد ذكر التقرير، بالتفصيل، أهم ما جرى في حوث باعتباره صراعاً داخل حاشد لا علاقة مباشرة للحوثي به. حتى ان التقرير أورد اسم الشخص الذي قام، حسبما تدعي الصحيفة، من تلقاء نفسه وليس بأمر من الحوثي، بإرسال رسالة التهديد إياها إلى هاتف حسين الأحمر متوعداً بمصير ابن عزيز.

يؤكد هذه الشكوك أيضاً ما تردد، على نطاق واسع، أثناء مواجهات حرف سفيان الأخيرة. جرى الحديث وقتها عن إجلاء النائب بن عزيز باعتباره هدفاً مشتركاً للحوثي والشيخ حسين في آن! وبغض النظر عن مدى صحة ذلك من عدمها، فالأكيد أن رئيس مجلس التضامن قد نجح في ترويج تهديد الحوثي الافتراضي الذي لم يقله الحوثي ولا ناطقه وإنما رواه حسين بنفسه لوسائل الإعلام. وزاد عليه، خدمة لأجندته، أن قال متحدياً: "حاشد محرمة على الحوثي".

في ضوء ما سبق الحديث عنه حول وشاية صنعاء لدى الرياض، يُمكن تفسير الأحداث الأخيرة. ليس غريباً أن يصّعد حسين الأحمر من موقفه إزاء الحوثي وأن يحرص أن يظهر، في وسائل الإعلام، وكأنه يخوض حرباً حقيقية دفاعاً عن حاشد. ففي بلد اليمن لا أسهل من جر الإعلام وخلط الأوراق من أجل قطف ثمار شجرة الدر.

كل ما في الأمر، في تصوري، أن الشيخ الشاب يرغب كما سبق وقلت في إبطال مفعول وشاية صنعاء وطمأنة الرياض. ويخيل إليّ أنه نجح في ذلك وإن كان، هذه المرة، على حساب أبناء حوث! ألم أقل من قبل إن البشر يجيدون الـ"تمويه" أو الـ"تقليد" الموجودين أصلاً في الطبيعة؟

هل تذكرون الضفدع، أول المقال، وكيف يواجه المخاطر ويجتازها؟ في فهمكم كفاية.

Absi83@maktoob.com