|
تسلط الإدارة الأمريكية سياستها الحالية على اليمن , حيث رافق التحركات السياسية والدبلوماسية الكثير من التحركات العسكرية البحرية والبرية والجوية و وجهتها الى اليمن , ودون سابق إنذار صارت اليمن تقريبا ’’شبه محتلة ’’ إن لم تكن ’’محتلة ’’ كليا في القريب العاجل من قبل القوات الأمريكية ليتكرر السيناريو العراقي او الأفغاني في اليمن وبصورة اقوى بكثير من تلك الدول , نتيجة لما تتحلى به اليمن من الخصوصية الثقافية والاجتماعية والحضارية لرفض الغزو التدخل الأجنبي , فحين تملك السفارة الأمريكية في العاصمة صنعاء مقاليد الحكم وتدير دفّة السياسة الوطنية والقرارات المصيرية , تدير القوات الأمريكية في أبين العمليات العسكرية وتتابع سير المواجهات ضد تنظيم القاعدة , تداعيات الحملة الأمريكية على اليمن لن تتوقف عند حدود القاعدة كتنظيم خطير يجب القضاء عليه بل ستذهب الى ابعد من ذلك في اشعال فتيل نار الوطن وتفاقم الأزمة واحتدام الصراعات بين أبناء الوطن الواحد , وتحويل اليمن الى مستعمرة امريكية وثكنة عسكرية مرهونة لإدارة البيت الأبيض وحكم العم سام , ساعدها في التدخل في الشؤون اليمنية عدة عوامل ..
1- ضعف وشلل الحكومة الوطنية المركزية ممثلة في حكومة الوفاق الوطني.
2-تواجد النظام السابق كليا بكل رموزه وأركانه والتي في الغالب هي أيادي الإدارة الأمريكية المتنفذه في اليمن وامتداد للقدرة والتسلط الأمريكي في الوطن .
3- الصمت الشعبي العارم تجاه تسلسل التدخلات الأمريكية المتلاحقة في خضم الأوضاع السياسية اليمنية المتدهورة
4- تدخلات الجوار ومساندة دول الخليج للتدخل الأمريكي بل وتهيئة الأجواء السياسية الوطنية بما تمليه آليات التدخل في اليمن.
5- الأزمة الشعبية الخانقة والأوضاع المعيشية الصعبة التي جعلت الوطن كليا يلتفت الى معاناته والسعي في توفير أساسيات الحياة وينأى بنفسه ودون إدراك عن المخاطر المحدقة به من كل جانب .
6- توسع خطر القاعدة تباعاً للأسباب السابقة وانتشاره في أكثر مناطق الجمهورية وإستغلاله لتردى الأوضاع السياسية والإنسانية والاقتصادية لفرض سيطرته المطلقة على المحافظات الملتهبة بالصراعات والأشد فقرا.
في سابقه خطيرة جداً لدخول القوات البرية والمارينز الى الأراضي والبحار الإقليمية اليمنية , لما يعتبر تهديدا صارخا وقويا للأعراف والقوانين الدولة في معالجة قضايا الإرهاب وحرمة الدول دون المساس بأمن الدول والتدخل في شؤونها وعدم المساس بالسيادة الوطنية بالدول المعنية والمستهدفة , وعدم انتهاك أراضيها دون قرارات أممية سابقة ونافذة يصدرها مجلس الأمن والأمم المتحدة عبر قرارات استثنائية في ظروف حربية وعسكرية ملّحة جدا لما تسببه من خطر على الأمن الدولي والإقليمي , تخول الدول الكبرى ومن لها حق تقرير المصير في التدخلات العسكرية والأمنية في دول ما لحفظ الأمن والسلام الدوليين .
تعاملت الإدارة الأمريكية مرارا مع اليمن كدولة مصدرة ومفرخة للإرهاب , وبنت السياسة الأمريكية ومع صعود الرئيس اوباما الى سدة الحكم الرئاسي سياسة جديدة نابعة من قناعات أمريكية خالصة بان اليمن دولة إرهابية تمثل الخطر الحقيقي لإنتاج العناصر الإرهابية وتصديرها للعالم الحر, ودون تردد وبناءا على هذه النظريات والوقائع والحيثيات السياسية الخاطئة ترجمتها الى أفعال ووقائع عملية , وسعيا لتهيئة الأجواء الوطنية للتدخل الأمريكي والخارجي في اليمن سعى النظام السابق في ظل صمت حكومة الوفاق والقوى الوطنية الي دعم تنظيم القاعدة وفك لجامها لتنتفض على الأحياء والمدن وتثير حالة من الفوضى والذعر المحلي و الدولى , بل وترسم سياسات وحلقات تهديديه قوية اللهجة وتحركات تصعيدية وتكتيكات ذكية مناقضة لأسلوب القاعدة البدائي والغير مجدى من التهديد والوعيد وشن الهجمات وضرب المنشآت والمصالح الأجنبية .
في اليمن صار التنظيم أكثر قدرة وفاعلية لإستثمار الفرص وضعف الأمن وهشاشة الدولة المركزية ليطبق فكية وبشراسة على المناطق المحاذية لوجودة بل والتوسع منها شمالا وجنوبا في خطط دفاعية وتوسعية اقل ما يقال عنها انها اثباتا للذات وخطوط أمامية للحماية والدفاع , بل وانتهجت القاعدة في أسلوبها المستحدث والجديد تجنيد الأنصار والقبائل وشيوخ القبائل ومع الوقت كان التوسع نوعي واستراتيجي فصار للقاعدة أنصار وقوة وحلفاء في اكثر المحافظات الواقعة تحت السيطرة , رافق هذا التوسع الكثير من الحملات الإعلامية والدعائية والتنظيرية للتنظيم في الانترنت ووسائل الإعلام المختلفة , لتصنع شبكة متكاملة من القوة والتأثير لا يقف مدى تأثيرها على الأرض عن طريق القوة المسلحة وامتلاك الذخيره الحية والأسلحة المتطورة بل وتمتد لتصبح فكرة تعشعش في عقول الكثيرين من مريدي التنظيم ومناصريه .
ومع تجدد الأحداث وبروز خطر الإرهاب الجوي وتفجير الطائرات مؤخرا وما قيل عنه انه محاولة من تنظيم القاعدة المتواجد في شبة الجزيرة العربية واليمن تحديدا , سارع بنبش واستنفار القلق الأمريكي وإثارة الرعب الدولي تجاه التنظيم مجددا , فمقتل أسامة بن لادن وملاحقة أوكار وبؤر القاعدة في مختلف الأماكن والدول وتقويض دورها لم يشفع للتنظيم من الاحتضار والموت النهائي , فصار أشبه بوباء عالمي متفشي وطاعون العصر سرعان ما يختفي في مكان ليظهر في مكان آخر أكثر قوة وبإستراتيجات دفاعية قوية , لم تعد تجدي معها نفعا الحروب التقليدية في الاجتثاث والضربات الاستباقية وغارات الطائرات بلا طيار, وربما هذا ما حذا بالإدارة الأمريكية إلى إرسال قواتها العسكرية والأساطيل البحرية الى اليمن , لتكون الضربة القادمة وهدفا للإستراتيجية الأمريكية المستقبلية .
وما يترك الأثر الفعال عن المشاورات الدولية في هذا الشأن وجود شراكة دولية حقيقة بين الولايات المتحدة وبريطانيا وإشراك تلك القوات في الانتشار قبالة السواحل اليمنية والمشاركة البرية , رغم نفى الإعلام الرسمي اليمني بخصوص تدخل قوات بريطانية في هذا الشأن, ما يهمنا هنا هو دراسة الأبعاد الإستراتيجية لتوسع الضربات الأمريكية وانتشارها على طول خطوط الجبهة مع القاعدة وعن مستقبل انتهاء التنظيم ونتائج المواجهة الحربية ضده , لا يخفى على الكثيرين ان الضربات والعمليات العسكرية التي تتم الآن في أبين وإن شابها الكثير من الغموض والنتائج والاتهامات المتبادلة وادعاءات الانتصارات من كلا الطرفين , إلا أنه رافقها الكثير من سقوط الضحايا والأطفال من السكان الأبرياء , مما هيج مشاعر المنظمات الحقوقية والإنسانية ليس في اليمن فحسب بل في العالم المتحضر لتنتفض الإرادة الإنسانية في مختلف المحافل الدولية وحملة راية الحقوق الإنسانية والحريات لتصرخ في وجه المارد الأمريكي ’’كفى’’ .
وما أعلنته مؤخرا منظمة الصليب الأحمر عن سقوط عدد كبير من الضحايا في مناطق المواجهة زاد من حدة التذمر والغضب الشعبي أولاً لسقوط هذا العدد المهول من المواطنين من جهه ومن جهه أخرى إن عمليات القتل تمت بواسطة القوات الأمريكية المتواجدة في خطوط المواجهة والمتمركزة في قاعدة العند وتدير غرفة العمليات وتشرف على سير المواجهات منها , رافقها الكثير من التحركات الدبلوماسية والسياسية في صنعاء بين القصر والسفارة الأمريكية وسفراء دول العشر للاتحاد الأوروبي لدراسة تداعيات المرحلة القادمة في ظل تصميم الإدارة الأمريكية على المواجهة العسكرية مع التنظيم في اليمن , وليس كما أعلن عنه انه كان مدرجا ضمن سياسات الرئيس هادي في خطابة المثير للجدل , بل كان إملاءات أمريكية قوية سبقها زيارات مكوكية بين صنعاء وواشنطن لوضع منهج سياسي محدد للمرحلة القادمة لامتصاص ردات الفعل المحلية تجاه اية تداعيات وسقوط عدد من الضحايا والأبرياء في المواجهات الدامية والحرب المزعومة ضد القاعدة .
وحين لعبت اللجان الشعبية أدوارا مؤثرة في مساندة الجيش والسلطة إلا ان امتداد رحى المواجهات ودوران العنف من الداخل ووسط الأحياء المأهولة بالسكان , كان عاملا قويا لانفلات عقد تساقط المزيد من الضحايا وكانت آلة القتل تحصد المواطنين العزل سواء من الجو خلال الضربات الأمريكية التي امتدت الى مناطق ابعد من أبين لتشمل البيضاء وشبوة ومأرب , رافقها سقوط عدد من الضحايا , تسلط الضوء مؤخرا على اليمن والأحداث الجارية ألهبت حماس الإعلام الخارجي والحقوقي للتصدي لجموح الإدارة الأمريكية , والتشكيك في إستراتيجية تعاملها مع ملف الإرهاب العالمي والسيطرة عليه فبعد ما يزيد على عشر سنوات في افغانستان وتسع سنوات في العراق وفشل استراتيجة المواجهة في باكستان وجميع الدول , علت الأصوات المنادية بإعادة النظر في استراتيجة المواجهة الفعلية والناجحة مع القاعدة والتعامل معه كفكر ومنهج وليس كقوة بمجرد القضاء عليها يزول خطرها , بل وذهبت اكثر المنظمات الحقوقية الى المطالبه بإجراءات قضائية عادلة ومحاكمة كل ممن تسببوا في سقوط الضحايا والمدنيين في كل تلك الدول .
واليمن ليست ببعيدة عن الأنظار الدولية فحادثة ضحايا المعجلة ليست ببعيدة تعود مجددا الى العلن وتعيد نفسها وتستنفر المنظمات الحقوقية مع تزايد السخط المستمر من التدخلات الأمريكية وغض الطرف من قبل السياسة اليمنية تجاه السماح بدخول المارينز وقوات بريه أمريكية ومعدات قتالية والإشراف المباشر على سير العمليات القتالية , هنا يتكرر النموذج العراقي ولكن بصورة غير معلنة , تم التدخل المباشر في الأراضي اليمنية مع إحجام الإعلام الرسمي عن ذكر الأخبار والصمت الإعلامي الشعبي المفرط إلا ما تم تناقله من وسائل غير رسمية مسربة , كشفت الغطاء عن مستور التدخلات العسكرية الأمريكية الفادحة في اليمن , وان كانت تحركات غامضة ومشبوهه فيما مضي ولكنها الان اكتسبت الصورة القيادية للسياسة اليمنية , وما تم تداوله مؤخرا عن حزمة من العقوبات المالية ضد معرقلي المبادرة الخليجية وتوقيع الرئيس اوباما على هذا القرار , يعطي ضوءاً أخضراً للإدارة الأمريكية بالتدخل المباشر واللا محدود في السياسة الوطنية , تضع اليمن مجددا فوق صفيح ساخن من الأوضاع المستعرة.
وتداعيات التدخل لن تتوقف عند حدود المشاهدة والتذمر ربما مستقبلا ستتبنى مكونات مسلحة وربما قبلية وشعبيه خط المواجهة ضد التدخل الأجنبي وستكثر معه العمليات الانتقامية والمسلحة , وإن يراد لها الوصف بأنها ضمن الإرهاب الدولي وإلباسها غطاء القاعدة جدلاً, ولكنها دارجة فعلا ضد التدخل العسكري الأمريكي , وربما سيصاحبها الكثير من ضرب المنشآت الحيوية الأمريكية والأجنبية في اليمن وخطف الدبلوماسيين والأجانب للمقايضة بالرهائن وللضغط على الحكومة الأمريكية بسحب قواتها , فما تفعله الإدارة الأمريكية في حقيقة الأمر هو تفريخ للإرهاب بصور جديدة في الدول والساحات التي تواجه فيها التنظيم بالقوة والسلاح فالعنف يولد العنف , والتنظيم استفاد كثيرا من ثمرة الانتقاد والسخط الشعبي المتنامي ضد التواجد الأجنبي لصالحة فسارع ببث سمومه في الأوساط اليمنية وألهب حماس الشارع لكسب مختلف التيارات لصالحة .
مع سكوت حكومة الوفاق و تجاهل السياسة اليمنية عن هكذا تجاوزات سترسم نهايتها بيدها وتجر نفسها الى الإحتضار السياسي دون شعور , الصمت المطبق والتجاهل المفرط للحكومة ضد تجاوزات الدول الأجنبية وجعل اليمن ساحة كبيرة ومفتوحة لمواجهات عسكرية مع تنظيم القاعدة , استباحت الجو والأرض والبحر وساهمت في سقوط عدد كبير من المواطنين , سيخلق موجة شعبية كبيرة من السخط ضد أداء الحكومة للتفريط بالأمانة الملقاة على عاتقها , بما يمليه الواجب الوطني والدستور من الحفاظ على الوطن واستقلاله وسيادته وسلامة أراضية , سيصيب الحكومة في المستقبل القريب بالاختناق والشلل التام والموت الكلي , وستنتشر معه حالة عارمة من الفوضى والإعمال التخريبية والتقطعات والتفجيرات , ستقف الدولة حينها عاجزة عن إيجاد الحلول والبدائل المقنعة والممكنة ومعها ستجد الولايات المتحدة الأمريكية نفسها في مأزق حقيقي متكرر من مسلسل الفشل مع التنظيم وستنتهج -وكماهي العادة - سياسة الإنسحاب التدريجي و تقليل عدد القوات , وربما الإكتفاء ببناء قاعدة عسكرية دائمة في الأراضي اليمنية , وربما في جزيرة سقطرى كما كانت الإدارة الأمريكية تحلم بذلك مرارا وان بدأت بتنفيذه بشكل غير مباشر وغير معلن عبر نشر قوات أمريكية في عمق الأراضي والبحار الوطنية , إذن إذا لم تتلافى الحكومة اليمنية ومختلف التيارات والقوى الشعبية والحزبية هذا التدخل بقوة وحزم , سنجد اليمن تقع في حالة كبيرة من الفوضى والإختلالات الأمنية التي لن تنتهي او تتوقف أبدا , بل وستساعد على تثبيت شوكة القاعدة وشكيمتها بشكل اكبر وتساهم في تنامي خطرها وتوسع مذهبها , وسيجنى اليمن من هذه المواجهات العقيمة الكثير من تردى الأوضاع الاقتصادية والسياسية والانهيار الحتمي ..
في الجمعة 18 مايو 2012 10:27:53 م