الحوثيون مذعورون من عودة ترامب إلى البيت الأبيض وسط تقارير حول عملية عسكرية قريبة.. وهذه أبرز تصريحات قادة الجماعة مقتل وإصابة 5 جنود سعوديين بحضرموت وأجهزة الأمن تخصص 30 مليون مكافئة للقبض على الفاعل بالأسماء والتفاصيل.. إليك المرشحون للمشاركة بإدارة ترامب فضيحة ثالثة تنفجر في مكتب نتنياهو.. ماذا تعرف عنها ؟ توقعات بحدوث زلزال مدمر بهذا الموعد… ومصادر تكشف التفاصيل إفراج الحوثيين عن موظفة أممية بعد خمسة أشهر من الاحتجاز 10 أغنياء استفادوا من فوز ترامب بالرئاسة مصدر مقيم في واشنطن : وزارة الدفاع الأمريكية أكملت استعداداتها لشن ضربة عسكرية واسعة تستهدف المليشيات في 4 محافظات هل يقلب ترامب الموازين على صقور تل أبيب .. نتنياهو بين الخوف من ترامب والاستبشار بقدومه تطورات مزعجة للحوثيين.. ماذا حدث في معسكراتهم بـ صنعاء ؟
ضحالة مُحَاوِر صالح على قناة العربية أفقدت الحلقات قيمتها وحولت البرنامج إلى ترويج دعائي للرئيس السابق وتوجهاته, أكثر من كونه برنامجاً حوارياً يفترض أن يفتح باباً للنقاش حول الحقائق المغيبة وحيثيات المواقف وخلفياتها من خلال الحفر في الأرضية التي وقف عليها صالح ومبرراته وحيثياته..
مذيع بلا إلماحية ويفتقر إلى الإلمام بالأحداث والقضايا التي يطرحها كمحاور للنقاش، وعديم القدرة على مقاربة الشخصية التي تقف أمامه من خلال الأسئلة الحوارية التي تفترضها نوعية الإجابات، أو أنه وقناته متواطئان للترويج الدعائي لصالح..
كيف يمكن أن يمر قول صالح أنه كان يحارب الجماعات الإرهابية المتطرفة قبل حرب 94، دون أن يدمغ بسؤال عن مصداقيته, في ظل ما يعرفه كل المشاهدين وما غدى كحقيقة, أن نظامه استخدمهم في عمليات الاغتيالات آنذاك وتحالف معهم وشاركوا بفعالية في الحرب؟.. لماذا يرى صالح أن خصومه تعمدوا أن يضعوا بنوداً تعجيزية في وثيقة العهد والاتفاق؟.. لماذا يراها تعجيزية؟!.. وهل يكفي أن يسأل المحاور عن هذه البنود ببلاهة ويكتفي بتمنع صالح عن إيرادها وإحالته إلى نصها؟..
نص بنود الوثيقة يكشف طبيعة الموقف الذي يراها تعجيزاً شخصياً له.. من هنا يكون الحكم اللامركزي وتفكيك السلطة المتمركزة في الفرد تعجيزاً حقيقياً لرئيس يهدف إلى الاستحواذ الشامل الكامل على السلطة والبلد وتأبيدها في شخصه وتوريثها لابنه, كما حدث وبينت السنوات اللاحقة للحرب الكارثية التي شرخت النسيج الوطني وأسست لكل هذا الخراب وهذه المخاطر التي تهدد الكيان اليمني ووحدته وأمنه واستقراره..
كيف يمكن أن نستوعب أن رئيساً ترك اقتصاد بلاده مدمراً بعد ثلاثة عقود في الحكم يفاخر انه وحزبه متفوقان في إدارة الاقتصاد؟.. والجملة هنا كافية للتناقض مع الواقع المادي الملموس بغض النظر عن مدى صحة تكملتها التي تبرر لصالح تفوقه المزعوم في الاقتصاد مقارنة بالإسلاميين "حزب الإصلاح"، الذين رأى فيهم صالح خطباء وواعظين لا يصلحون لشؤون الحكم وخصوصاً الاقتصاد..
أقول: بغض النظر عن ذلك, مع أنه أطلق حكماً معيارياً وأصدره كتعميم، والواقع أن الإسلاميين كحزب سياسي مثلهم مثل غيرهم تحكمهم الوقائع ونحكم عليهم بالتجارب وليس بالتعميمات المسبقة، وقد رفضهم في ائتلافه معهم ,لأنه ينفذ برنامج استحواذ عقب الحرب أكثر من كونه يرى فيهم غير متخصصين، وقد بدأه بإقصاء الاشتراكي وتبعه الإصلاح ولحقهم حلفاءه في حاشد وسنحان, حتى ضاقت الدائرة عليه وابنه, فكانت أزمة النظام وانفجاره تزامناً مع موجة الربيع العربي التي شملت اليمن بثورتها الشعبية السلمية.
هذه انتقاءات عابرة من سياق حوار يمتلئ بالفجوات والفراغات التي كان ينبغي أن تملأ، والنقاط التي تستدعي الحفر، والأسئلة التسلسلية التي تلح على الحضور وتتوارى خلف سحنة المذيع المطمئنة في برنامج يحتاج إلى تحفز مقدمه وقلقه وإلحاحه وليس إلى هدوءه وطمأنينته.. فلاشات انتقائية تتعلق بوقائع قريبة, فما هو الحال بالأحداث التأسيسية نهاية السبعينات والتي تحتاج إلى إلمام أوسع للحوار حولها..
من هنا بدى المحاور التلفزيوني ذو الوجه المسطح وكأنه يؤدي عملاً روتينياً إدارياً, يقلب المحاور واحداً تلو الآخر كنشاط يفترض أن يخلص منه، لا كمحاور نقاش تحتاج إلى إبداعها أثناء الحوار بالأسئلة الذكية والحفر في الإحداثيات الأكثر أهمية في تاريخ الرجل وحيثياتها وما ترتب على أثرها من نتائج وتأثيرات.
كان بإمكان قناة العربية أن تحول الحلقات المذكراتية مع علي صالح إلى عمل إبداعي لافت يمكنها من المنافسة في هذا النوع من البرامج، ويضيف للحياة السياسية اليمنية والعربية مادة خصبة للدراسة والتناولات البحثية، غير أنها بعثت لنا بالمذيع ذي الوجه القمري ببلاهته وسذاجته وإعداده المهترئ، فتحولت "الإثارة المفتعلة" إلى مادة تستدعي السخرية، وغدى البرنامج وعاءً لتبجحات مدعاة للاشمئزاز والتقزز يظهر فيها فاقد السلطة محاولاً تأكيد جملته وإحياء حضوره وتلميع صورته في وقت لم تطوَ صفحته كلياَ.. رئيس سابق, نعم, ولكنه ليس مجرد ذكرى ولا زال متواجداً كمشروع سياسي ينتظر فرصة للانقضاض من جديد على السلطة..
مذكرات الرؤساء الذين حكموا على رأس الديكتاتوريات التي أقاموها في المنطقة العربية خلال العقود الماضية مادة بحثية أساسية لفهم سنوات الجمر والرماد بشرط أن تكون مذكرات حقيقية لا استمراراً للمغالطات والخطاب الدعائي الذي يحتاجه رجل السلطة لتزييف الحقائق وترويج بقاءه وامتلاكه للسلطة.. ولا فرق هنا أن تكون المذكرات مكتوبة بمبادرة من المعني نفسه أو تكون نتاجاً لحوارات مطولة ومعمقة تقوم بها قناة تلفزيونية أو مركز بحثي يُسلم إليه الدكتاتور المعني أو يضع نفسه بمحض إرادته في حوزته لإجراء الحوارات المطولة والدراسات المتخصصة على شخصيته ورؤاه ودوافعه واعتباراته التي حكمت شخصيته ودفعت به إلى أن يفعل ما فعل من أحداث وتوجهات أضرت بشعبه وفوتت عليه عقوداً من السنوات كان يمكن أن تقفز بها إلى مصاف الدول المتقدمة كما فعلت دول مثل كوريا وماليزيا، وهي نماذج كانت بداية السبعينات في مستوى واحد مع العراق وسوريا ومصر واليمن، إن لم تكن حينها أقل إمكانية للنهوض مقارنة بمواردها ومعطيات واقعها آنذاك.
أحزنني كثيراً إعدام صدام حسين لأسباب عديدة ليس من بينها ما يتعلق بتأييدي للرجل أو سياساته أثناء فترة حكمه.. أولاً لأنه حوكم بقوة وإرادة احتلال أجنبي.. وثانياً لأنه كان في أزهى فترات حياته وأجملها, حيث تخفف في السجن من كل أوساخ فترة حكمه وبدى وكأنه تمكن في مشهده كسجين من تأكيد كاريزميته الشخصية وتفوقه كذات بالانتصار على قفص الاتهام ومشهد المحاكمة, وهو مالم يستطع أن يفعله كرئيس.. والأهم من ذلك؛ وما يعنيني هنا وأستحضره في سياق الحديث عن مذكرات الرؤساء وأهمية الاستماع لهم بعد تحريرهم من السلطة، أو تحررهم منها، ودراسة شخصياتهم، فقد كنت أتمنى حينها أن يتم تسليمه لمحكمة الجنايات الدولية لنشهد جدلاً خلاقاً حول فترة حكمه مثل تلك التي شاهدها العالم في محاكمة سلبودان ميلوسفيتش..
محاكمة ميلوسفيتش مثل محاكمة صدام حسين أو القذافي أو بشار الأسد أو صالح ليست محاكمة جنائية وليس بالإمكان إقامتها على الأرضية الجنائية وإنما محاكمة سياسية لنظامه.. وبحسب المفكر والمؤرخ الألماني بيتر رايتشل, فإن (ممارسة القانون واتباع الإجراءات القضائية الشكلية ضد الجرائم المنظمة التي مارسها النظام سيثبت سريعاً بأنها غير كافية, فهي أولاً لا تهتم إلا بالذنب الفردي والمسؤولية الشخصية عن أفعال منافية للقانون، كما أن إجراءات القضاء الجنائي المعروفة لا تناسب الكمية الكبرى من المشاركين بالجريمة والسبب هو أن نوعية وحجم الجريمة تجاوزتا العلاقة- والتناسب- بين الذنب والجزاء وألغت صلاحيتها, فلا التعامل السياسي ولا التعامل الحقوقي ممكن مع براءة «تتجاوز الفضيلة» كهذه وذنب «يتجاوز الجريمة» كهذا).. كما "كتبت حنة أرندت إلى كارل ياسبرز عام 1946 (إن شنق غورنغ مثلاً كان ضرورياً, لكنه ليس العقوبة".
إذن ينبغي أن يحاكم الديكتاتور سياسياً بواسطة الحوار, ولكن بالطبع بعد تجريده تماماً من السلطة وكف ضرره وشره وتعطيل أدواته ومصادرة أملاكه وثروته التي حازها من خلال استغلاله لسلطته.
هي محاكمة سياسية أولاً وأخيراً, وينبغي إجراؤها بالحوار الحر معه سواء عبر وضعه في قفص محكمة أو كرسي برنامج تلفزيوني أو الحوار معه ودراسته في مركز بحثي متخصص.. ومحاور الحَفْر التاريخي هي الأفكار والحيثيات والدوافع وليس مجرد الأحداث والوقائع أو القرارات.