مستقبل تقنيه النانو والتقنية الحيوية فى الجمهورية اليمنية
بقلم/ د: ناجي الحاج
نشر منذ: 14 سنة و 9 أشهر و 4 أيام
الجمعة 05 فبراير-شباط 2010 06:16 م

مما لاشك فيه ان الجمهورية اليمنية ممثلة بقيادتها السياسية الحكيمة تحت رعاية فخامة الاخ الرئيس على عبدالله صالح ومنذ اعلان الوحدة المباركة في الـ22 من مايو 1990م قد اولت قطاع التعليم العالي والبحث العلمي اهتماماً كبيراً حتى اصبح التعليم الجامعي في وقتنا الحاضر يحتل مساحة كبيرة على خارطة اولويات واهتمامات المسؤولين ليس فقط في الاوساط الاكاديمية والتربوية بل وحتى في الاوساط الاقتصادية والسياسية فقد اخذت الانظار تتجه الى الجامعات اكثر من اي وقت مضى.

ولذلك فقد اولت الخطة الخماسية الاولى فى عهد الوحدة المباركة والتى حققت نجاحاً ملموساً على ارض الواقع توج بإنشاء وزارة مستقلة خاصة بالتعليم العالي سميت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي تشرف اشرافا مباشرا علي اداء الجامعات اليمنية الحكومية والجامعات مع اعطاء اهمية كبيرة للبحث العلمي.

وللدلاله على الاهتمام الكبير الذى توليه القياده السياسية بالبحث العلمي فقد وجه فخامة الرئيس على عبدالله صالح رئيس الجمهورية فى العام 2007 الحكومة بإعتماد مبلغ 100مليون ريال لصالح البحث العلمي في الجامعات اليمنية ليترافق ذلك مع السعي الحثيث للقيادة السياسية بالنهوض بالتعليم الجامعي من خلال الاهتمام بزيادة الابتعاث خارجيا وفتح برامج دراسات عليا فى تخصصات مختلفه.

ولذلك ففى ظل هذه المناخات الملائمة والاهتمام بتطوير التعليم العالي والجامعي اردت ان انقل بعض من امنياتي بالانتقال بالبحث العلمي نحو العلوم الحديثة واهمية هذه العلوم فى صنع مستقبل مشرق وعن مستقبل بعض العلوم والتقنيات الحديثة و منها تقنية النانو والتقنية الحيوية فى الجمهورية اليمنية وبالذات فى المراكز العلمية المتمثل بالجامعات واخص بالذكر جامعة صنعاء كونى احد اعضاء هيئة التدريس واقوم بتدريس طلبة الماجستير بقسم الاحياء الدقيقة الطبية لواحدة من المواد المتعلقة بالتقنية الحيوية بالاضافة إلى الفترة التى امضيتها بعد الحصول على درجة الدكتوراه بماليزيا كباحث فى تقنية النانو والتى يتم توظيفها فى المجالات الطبية الصيدلانية ومستحضرات التجميل.

فما هى تقنية النانو والتقنية الحيوية ؟

تقنية النانو (( Nanotechnology )) التي نحن بصدد الحديث عنها في الوقت الراهن عبر تطويرها للاستخدام في عدد من المجالات يمكن أن تكون ذات فائدة كبيرة للتطبيقات الطبية والهندسية وهندسة الحاسوب وتهدف أبحاث تقنية النانو الحالية إلى خلق مواد قابلة للاستخدام ومعدات وشبكات مواد اوليه يصل عرضها من واحد إلى مائة نانوميتر.

اما فيما يخص التقنية الحيوية فهي تعني بالظواهر العلمية والتطورات الحديثة في العلوم الحيوية وأهمها العلوم الكيميوحيوية الجزيئية والتحوير الوراثي بواسطة وسائل الهندسة الوراثية وزراعة الخلايا والأنسجة والاستنساخ والتي في مجملها تسمى التقنية الحيوية أو بايوتكنولوجي Biotechnology .

ونظراً لأهمية هذه التقنية تتسابق الأمم حسب إمكانياتها وتوجهاتها العلمية من خلال أنشطة المؤسسات العلمية والجهات الحكومية والتجارية إلى المساهمة في دعم وتطوير شتى مجالات التقنية الحيوية والاستفادة منها على المستوى العلمي والاقتصادي والسياسي.

ولذلك فقد كان من الطبيعي ان الفت الانتباه هنا إلى ان يتولى المسئولون فى التعليم العالي والبحث العلمي إلى ضرورة ادخال مناهج علمية حديثة فى المقررات الدراسية وبالذات فى الكليات العلمية لطلبه البكلوريوس وطلبه الدراسات العليا من ماجستير ودكتوراه.

وبالنظر فى القاعده العلمية البحثية وبرغم جدية الدولة ممثلة بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي نجد ان الارضية التى قد تم تهيئتها للبحث العلمي مع الاخذ فى الاعتبار ان اليمن لدية مشاكل اقتصادية وتمويلية كبيرة ففى الكليات العلمية تحديداً نجد انها تفتقر إلى الكثير من المواد الضرورية والامكانات الازمة لتطوير البحث العلمي وبالذات فى ظل البرامج والمناهج الدراسية لطلبة الماجستير والدكتوراه والتى بدأت بالتحول إلى كليات لالقاء المعارف النظرية منافسة بذلك الكليات الانسانية بل تكاد تكون قد تفوقت عليها من حيث عدد الساعات والمواد والرسوم الدراسية.

فما هو حاصل الان فى هذه البرامج وانا اتحدث هنا تحديداً عن الكليات العلمية التى تستقبل دفعات جديده ويتخرج منها مجاميع كل عام ان هذه المجاميع من طلبة درجة الماجستير او الحاصلين عليها لم يمارسوا إى نشاط علمي عملي من تجارب عملية كما ان الطالب لم يحصل على اي دورات او ندوات او مؤتمرات علمية خلال فترة الدراسة وخاصة الدورات او ورشات العمل التى تساهم فى رفع مستوى الطلبة علميا عبر الارشاد عن كيفية كتابة المقال العلمي او كتابة الاطروحة اضافة إلى ذلك يلاحظ عدم وجود تنافس علمي عبر اقامة معارض علمية تستعرض الابحاث التى تقام فى الجامعة فى اطار الكليات اولاً ومن ثم فى اطار الجامعة لتدخل المنافسة حيزا اكبر بين الجامعات اليمنية وليس بالضرورة التركيز على طلبة الدراسات العليا فبالامكان القيام بتلك المنافسات لطلبة السنوات النهائية كمشاريع تخرج وبالتأكيد لايستثنى طلبة الدراسات العليا .

وبما ان الدولة قد اولت اهتمامها بالبحث العلمي فأتمنى ان تقوم وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بالاشراف المباشر على مشاريع تمويل الابحاث واعداد ميزانيتها وتقييمها وبالتالى يتم اخذ الابحاث القوية والناجحة للمنافسة اقليميا ودولياً بالاضافة إلى البحث عن تمويل مالي عبر المنظمات والصناديق المانحه من خلال اعتماد شرط توافر الخطط البحثية للمشاريع من قبل الاكاديميين والباحثين والعمل على إنشاء مراكز بحثية كنواه لكليات وجامعات متخصصة فى مجال التقنية الحيوية وتقنية النانو خصوصاً.

إلا انة ومع الاسف لوحظ ان هناك لوائح قد صدرت من وزارة التعليم العالي والبحث فمن خلال مطالعة لللائحة المقرة فى شهر فبراير عام 2008 م فنجد مسالة الترقية والتى حددتها تلك الائحة بخمس سنوات من تاريخ التعيين وان يكون هناك ما لايقل عن ثلاث ابحاث قد نشرت للترقية خلال الخمس سنوات إلى استاذ مشارك وإيضا مسالة التركيز على خمس سنوات للترقية إلى استاذ و فى حقيقة الامر تقييد الترقية بفترة زمنية يعد نوع من الموت البطئ للباحث والحقيقة يجب ان يعاد صياغة هذه الائحة معطية خيارات اكثر على سبيل المثال التركيز على الانتاج العلمي خمس سنوات مع ثلاث ابحاث او خمس ابحاث حتى ولو كانت فى سنه واحده.

الموضوع الاخر مسألة الاشراف وهى مرتبطة بما فى اعلى هذه السطور حيث قيدت الائحة الاشراف على طلبة الماجستير بضرورة مروراربع سنوات ولم تعطي أية افضلية للاكاديميين الذين لديهم اوارق علمية منشورة فى مجلات محكمة وبما يساهم فى استنزاف الكثير من الوقت .

وهنا سافند ما طالبت به بالاعلى من ضرورة ان تكون اللوائح مساعده فى عملية التطوير والانتاج العلمي فحين كنت فى مرحلة الدكتواره فى ماليزيا وخاصة فى جامعة بوترا الماليزيه حيث وجدت ان اللوائح هناك تتغير مواكبة للسرعة والنشاط العلمى وبما يسهل على طلبة الدراسات العليا الانجاز العلمي دون عقبات بدليل ان الدكاترة فى الجامعات الماليزيه بمجرد عودتهم إلى اوطانهم او حصولهم على الدرجة العلمية من بلادهم فإنهم يباشروا مهام الاشراف على طلبة ماجستير ودكتوراه ويضعون خطط للمشاريع يتم دعمها من قبل البحث العلمي الماليزي او فى اطار الدعم من الجامعه ذاتها.

  

اما فيما يخص تأهيل طلبه الدراسات العليا فخلال فترة إالتحاقي ببرنامج الدكتوراه فقد كانت لى تجربة جميلة وغنية بكثير من المعارف حين اُنتخبت ممثلاً للجمهورية اليمنية كرئيس لاتحاد الطلبة الاجانب فى الجامعة وخلال تلك الفترة ومدتها عام واحد نظم هذا الاتحاد بالتعاون وبدعم من الجامعة عدد من ورشات العمل فى مجالات عدة منها ثلاث ورشات عن كيفية كتابة الاطروحة والمقالة العلمية وورشتان فى مجال التحليل الاحصائي وورشتان فى مجال تقنية المعلومات الحيوية واعمال اجتماعية ورحلات وانشطة رياضية وهنا اتمنى ان يكون هناك كما اسلفنا نشاط علمي حقيقي للملتحقين ببرامج الدراسات العليا ولو فى حدها الادني عمل محاضرات تأهيليه فى البرامج التحليله وبرامج تقنية المعلومات.

ولعل من العقبات التى يراها عدد غير قليل ممن عادوا إلى الوطن ان هناك بعض الاجرات الادراية داخل الجامعة ونيابة الدراست العليا وحبذا لو يتم النظر بجدية فى هذه الاجرات الادارية التى تستنزف الكثير من الوقت فى اسلوب بيروقراطي يبعث على الصدمة وهذا ربما نتيجة عدم الاستقلال المالي والاداري.

فعلي سبيل المثال حين يعود مبتعثوا الجامعات بعد إكمال فترة دراستهم يقابلوا بكثير من العقبات بسبب الروتين الاداري المعقد وكأن هذا القادم الجديد يباشر البحث عن وظيفة جديده والامر الاكثر غرابة ان هناك محاضر المعادلات والذى يجب ان يكون مطبق على الجامعات الغير معروفة فقط اما الجامعات المتعارف عليها محليا ودوليا فلا شك ان قضية المعادلة هذه تعد عامل من عوامل اهدار الوقت للجامعة .

وخلاصة القول هنا اننى حينما عدت إلى ارض الوطن يروادنى حلماً ان ارى مراكز التقنية الحيوية وتقنية النانو فى اليمن فهناك كثير من الكوادر والكفاءات اليمنية والتى بإمكانها وبتوفير الحد الادنى من الامكانيات ان تنتقل بالعلوم والمعارف التى تلقتها إلى علوم ابداعية انتاجية تساهم فى التنمية الاقتصادية وخدمة المجتمع.

سيقول القارئ البسيط وكيف يكون ذلك ؟

وللاجابة على هذا السؤال فإن الله قد حبى هذا البلد بتنوع جغرافي وبيئ كبير وانا هنا اركز على التقنية الحيوية المتعلقة بالعلوم التطبيقية التى انتمى اليها ...فمثلا فى جزيرة سقطرة ثلث النباتات النادره بمعنى اكثر من مائتى نوع من 600 فى العالم بالامكان الاستفاده منها فى الطب والبحث عن فوائد هذه النباتات والتركيز على المنتجات الطبية والصيدلانية ذات المنشاء الطبيعيى او البيئة الطبيعية ( Natural Products ) وهذا ينطبق ايضا على تقنية النانو فهناك مجالات كالطب و الهندسة وعلوم الحاسوب سيكون لها اسهام فى احداث طفرة علمية كبيرة.

كما ان اليمن يمتلك بسواحلة الكبيرة وما يتواجد فيها من احياء بحرية كثيرة بالامكان الاستفادة من تلك البيئة البحرية فى تصنيع وانتاج مستحضرات طبية ايضاً ومستحضرات تجميل وابسط مثال على ذلك ان اليمن تصدر اطناناً كثيرة من خيار البحر إلى الصين ويعود إلينا بمستحضرات تجميل فى عبوات صغيرة مكلفة وذات تركيبة كيميائية مختلفة مخلفة اضرار لان ما يصدر إلى اليمن ليس كما يصنع لدول الغرب ناهيك عن التنوع البيولوجي الضخم للسواحل اليمنية وما تزخر به من حياة بحرية كائنات حيه .

ولذلك هذه التنوعات البيئية بالامكان الاستفاده منها ايضا فى مجال التقنية الحيوية فى مجال الزراعة حيث ان اليمن كبلد زراعي بإمكانة ان يكون منتج للغذاء ومنتج للطاقة النظيفة والوقود الحيوي ولذلك يكون هنا الدور القادم على القطاع الخاص او الاستثثمار فى المجالات العلمية للاسهام فى ايجاد صناعات ذات موارد محلية وهذه الصناعات تكون مزوده بمختبرات علمية تشرف على جودتها وتطويرها لتكون منتجات منافسة فى الاسواق الخارجية وبما يعود بالنفع على المستثمر وعلى البلد ويشجع العقول اليمنية المبدعة على البقاء فى والاستقرار فى الوطن.

وخلاصة حديثى هنا انة يجب ان يكون هناك توجية للابحاث العلمية وبما يخدم التنمية وضرورة التركيز على التخلص من النظام البيروقراطي بإبدال لوائح وقوانين مرنة تساهم فى استمرار عجلة البحث العلمي فى حركة دائبة ودائمة وبما يساهم فى نهضة البلد.

ونظر الأهمية تقنية النانو والتقنية الحيوية فإننى اناشد المسئولين واصحاب القرار بضرورة إدخال هذه التقنيات في المناهج الدراسية للمراحل الأولية ومرحلة الدراسة الجامعية لما لهذه التقنيات من مستقبل مأمول وبإعتبارها من أهم مميزات تقنية المستقبل .

*أستاذ مساعد بجامعة صنعاء, باحث فى التقنية الحيوية وتقنية النانو.