لا للحوار مع شباب الساحات
بقلم/ نجيب عسكر
نشر منذ: 12 سنة و 4 أشهر و 23 يوماً
الأحد 24 يونيو-حزيران 2012 03:57 م

رغم قناعتي التامة أن الحوار هو الأسلوب الحضاري الأمثل للخروج من أي منعطف خطير تمر به البلاد ، وبأن الحوار هو العلاج الفعّال لأي أمراض مستعصية قد تصيب فرقاء العمل السياسي ، وأي اضطراب في العلاقات والمصالح سواء بين الدول أو القبائل أو الأفراد أو داخل الأسرة الواحدة ، وهو خير وسيلة يلجأ إليها الأعداء والمتخاصمون بعد الحروب الطاحنة . لكني هنا ضد الحوار الذي تدعو له الدولة مع شباب الساحات كحالة استثنائية في رفض الحوار ، والأسباب التي توجب رفض الحوار مع الشباب نابع من قناعة الشباب الأحرار أنفسهم ، فهم لم يخرجوا إلى الساحات ، ويبذلون أرواحهم ودماءهم من أجل أن يصلوا إلى كراسي الحوار ، أو سعياً وراء المناصب ، بل خرجوا بعد أن ضاقت بهم الأرض بما رحبت من هول الفساد وجور الحكم وغياب النظام والقانون وسطوة اللصوص والجهلة على البلاد ، وتهميش وإقصاء الشرفاء وأصحاب الكفاءات والقادرين على قيادة البلاد إلى شاطئ الأمان ، وكان خروجهم خروج الثائرين لا خروج المتحاورين ، حيث وضعوا لثورتهم أهدافاً محددةً وواضحة تدعو إلى تغيير منظومة الفساد القائمة وبناء دولة مدنية حديثة وتحرير القضاء والجيش والأمن والخزينة العامة من التبعية للفرد والمنتفعين من حوله ، وفرض هيبة الدولة وتحقيق المواطنة المتساوية لكل أبناء اليمن .

فلماذا الحوار مع الشباب طالما أهداف ثورتهم واضحة ، وحول ماذا سيكون الحوار معهم ؟ هل لتخفيض سقف مطالبهم ، أم ليثبتوا أن الأمر مجرد أزمة ؟

لماذا الحوار مادام العالم قد اعترف بثورة الشباب ، ورسم خارطة طريق لتحقيق أهداف الثورة تمثلت بانتخاب الرئيس التوافقي عبدربه منصور هادي ، وتشكيل حكومة الوفاق من أجل تنفيذ تلك الأهداف خلال الفترة الانتقالية التي لا تتجاوز السنتين .

ثم إن الحوار المقترح بين كافة القوى الوطنية هو في خلاصته يسعى إلى تلبية مطالب الشباب وتحقيق الأهداف التي سالت لأجلها الدماء الزكية ، وخرجت الملايين تنادي بها ، وتحمّل الشعب مرارة الصبر والمعاناة على أمل الوصول إلى حياة كريمة .

لماذا الحوار مع الشباب ؟ و مع من يكون منهم ؟ ومن يحق له أن يمثلهم ؟ وهل أحدُ قد استأذن الشهداء بهذا الحوار ؟

فشباب الساحات لايمثلون تياراً واحداً ولايمثلهم تيار ، فمشاربهم متعددة ، وانتماءاتهم شتى ، يجمعهم هدف واحد هو تحقيق أهداف الثورة ، والوفاء لدماء الشهداء الأبرار ، ما عدا ذلك فلكل واحد وجهته ورؤيته .

ومن هنا فإن على الشباب الصامد في ميادين الحرية أن يرفض الحوار الذي سيخرجهم من شرعية الثورة إلى دائرة الأزمة ، ومن قوة المطالبين بالحق إلى ضعف اللاهثين وراء السراب.

مشاركة الشباب في الحوار يسقط حقهم في حماية الثورة وأهدافها ، ويرفع عنهم صفة الثورية

ويدخلهم في مصفوفة الشركاء السياسيين وأحد أطراف الأزمة الذين يجب عليهم الالتزام بالحوار ومايتمخض عنه من نتائج ؛ حتى لو ألغى كل أهداف الثورة الشبابية .

لا للحوار مع الشباب الثائر لأنهم لايمثلون طرفاً سياسياً أو طائفةً أو قبيلة ، ولايبحثون عن السلطة ، بل هم يمثلون إرادة الشعب ، وعندما تصبح تلك الإرادة محصورةً في زاوية فقد انكسرت ولن تقوم لها قائمة . أما الشباب الذي ينتمي إلى حزب أو جهة معلومة فمن حقه المشاركة في الحوار لأنه ملتزم بنهج حزبه وفكرته وأهدافه .

فياشباب الثورة أنتم الضامن الوحيد لتنفيذ كل بنود المبادرة الخليجية ، وتحقيق الآمال والطموحات التي نرجوها جميعاً ، فلا تسعوا وراء السراب ولاتحاوروا أحداً ، حتى تحافظوا على قيمتكم وتفرضوا كلمة الحق التي ناديتم بها ، ويبقى صوتكم مدوياً مسموعاً ، قبل أن تصبحوا رقماً أحادياً لاقيمة له في طاولة الحوار .

أخيراً نقول : نعم للحوار الوطني الشامل الذي يجمع كل أطياف المجتمع دون تمييز أو محاباة ، ويحقق الاعتراف بحقوق الآخرين على مبدأ المساواة بين الجميع ، ويضمن بناء دولة يمنية حديثة لكل اليمنيين دون إقصاء أو تهميش

نعم للحوار الذي ينقلنا من ظلمة الجهل والتخلف إلى فضاء الإبداع والتقدم والعالم الجديد ، ويضع الأساس المتين لقواعد اللعبة السياسية والتداول السلمي للسلطة بعيداً عن الصراعات والانقلابات وبما يخدم مستقبل الأجيال على أرضنا الطاهرة .

وعلى الشباب أن يبقى ثابتاً ومتمسكا بالمبادئ السامية التي ثار من أجلها ، ويواصل السير على طريق الشهداء والجرحى حتى نصل إلى التغيير المنشود .