مكانة العلماء ومنزلتهم بين الغلو والجفاء
بقلم/ خالد السليماني
نشر منذ: 12 سنة و 8 أشهر و يوم واحد
الخميس 15 مارس - آذار 2012 07:28 م

الحمد لله وكفى، وسلامٌ على عباده اللذين اصطفى، أما بعد:

فلا شكَّ أن للعلماء منزلةً عظيمة، ومرتبةً رفيعة، وذلك لما أَحباهم الله به من العلم، وجَعْلِهم ورثةً للأنبياء، وقدوةً للناس، ومصدراً لهم .وإن الناظر لأحوال بعض الناس اليوم عموماً، وبعض طلاب العلم خصوصاً، تجاه العلماء والدعاة والمصلحين، يجد أنهم على طرفي نقيض .

فهناك من يغلوا في حب شيخٍ ما، ويطريه بالمدح والثناء، ويرفعه إلى مراتب رفيعة،ويصفه بألقاب علمية عظيمة، تنطبق على أئمة الزمان، وعلماء الإسلام .

وبالتالي: فإنه يقبل كَلَّ ما عنده من غير سؤالٍ له عن دليل أو مستند .ويُحب من أحبَّه، ويبغض من أبغضه، ويوالي من والاه، ويعادي من عاداه، فجعل باب الولاء والبراء ضيقاً حرجا . فهذا عين التقليد والتعصب والهوى .

ولذا تجد بعض الناس ينبذُ التعصب والتقليد للمذاهب الأربعة، ويرد أقوال علماء الإسلام، والمتميزون من المذاهب الأربعة فى معرفة الحلال والحرام، جهابذة العلم وفرسانه، من غير ترددٍ أو تلكؤ، فإذا وصل الأمر لشيخه تغيَّر موقفه، وهدم ما بناه، ووقع فيما حذَّر منه، ونهى عنه .

وهناك طرفٌ آخر، أصابه داء الجفاء، فتجده يتبع زلات العلماء والدعاة والمصلحين، وينتهك أعراضهم، ويغمز ويلمز فيهم، ويتهمهم بما ليس فيهم، ويغوص في نياتهم، ويطلق عليهم الألقاب والأوصاف الجارحة . وتناسى هذا المسكين ما ورد من النهي في الكلام عن الشخص بما يكره مما هو فيه، بل زاد الطين بِلَّة، والمرض علَّة، حيث اتهمه بما ليس فيه، ومع ذلك فإن هذا المسكين يظن هذا الأمر عبادة وتقرباً إلى الله، وذباً عن حياض السنة وأهلها .

فعن أبى هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: \"أتدرون ما الغيبة\" ؟ قالوا الله ورسوله أعلم، قال: \"ذكرك أخاك بما يكره\" ، قيل: أفرأيت إن كان فى أخى ما أقول؟ قال: \"إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته\" .

وبالتالي: فإنه يرد كل ما عندهم من خيرٍ، بحجةِ مخالفتهم للمنهج الذي تصوَّره وفهمه هو، لا ما فهمه السلف والعلماء الكبار .

وأحَبَّ كلَّ من تكلم فيهم وانتقص من قدرهم ولو كان مقصراً، وعادى وأبغض كل من حبهم أو مدحهم وأثنى عليهم أو أنصفهم وإن كان وليا صالحاً .

وهذا كله مخالف لشرع الله، ولمنهج السلف الصالح، وفهم العلماء الراسخين، فالعدل والتوسط مطلوب منك طالب العلم .

فيجب علينا: أن نعطي كل شخص قدره، وأن ننزله المنزلة التي حباه الله بها ، وأن نذب عن أعراض العلماء وأن ننشر محامدهم ، وأن نقبل الحق بدليله من كل أحد، وأن نرد الباطل على كل أحدٍ، بأدبٍ وعلمٍ وحلمٍ ،ولا يجوز سبُّهم، وغمزهم والتشهير بهم، وتتبع زلاتهم وعثراتهم، ونشرها بين الناس، لأن في ذلك من الفساد ما لا يخفى .

وكل ابن آدم خطاء [ من ذا الذي ما ساء قط ... ومن له الحسنى فقط ]

وليتصور من يعامل العلماء بهذه المعاملة، هل يرضى هذه المعاملة لنفسه ؟!! ولنحذر من الوقوع في أعراضهم، والتشهي بالكلام فيهم، فإن ذلك مزلقة الأقدام، ورحم الله الإمام ابن عساكر حيث قال: \"لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة، ومن طال لسانه في العلماء بالثلب، ابتلاه الله قبل موته بموت القلب .

وإن الواجب على طالب العلم ومتبع المنهج السلفي الصحيح، ومحب العدل والإنصاف والتجرد، ومبغض الهوى والتعصب، أن يُفرق بين مسائل الخلاف، ولا يوالي ويعادي على كل مسألة خلافية، فإن الولاء والبراء لا يكون إلا في مسائل الأصول والثوابت، وليس من منهج السلف الصالح إقامة الولاء والبراء على مسائل الاجتهاد

ثم الواجب في التعامل مع من خالف أصلاً من الأصول، أن يُحبَّ ما فيه من خير، ويبغض ما فيه من شر، وأن يُلتزم بالعدل والإنصاف معه، اتباعاً لأمره تعالى حيث قال: {وإذا قلتم فاعدلوا} فالولاء والبراء يتجزأ، فيبغض الشخص بقدر ما عنده من شرٍ، ويحب بقدر ما عنده من خير، وينصر فيما وافق فيه الحق، ويبين خطؤه مع

النصحية بالعلم والحلم فيما خالف فيه الحق .

إذ ليس من منهج السلف الصالح إقامة الولاء والبراء جملة، أو دفعه جملة واحدة . فإذا التزم طالب العلم بالتجرد والإنصاف، وألزم نفسه وجردها من هواها، فلذلك أثرٌ كبير في تحصيله العلمي، وتكوين شخصيته العلمية، إذا سيرد على موارد عديدة، وسينهل منها ما وافق الحق، ويرد ما خالفه، إذ الحق ليس محصوراً في شيخٍ أو مدرسةٍ أو مذهب معين .

أما إذا ألزم الشخص نفسه شيخاً معيناً، أو مدرسة معينة، أو مذهبا معيناً، فإن لهذا الأثر السلبي في تحصيله العلمي، فيبقى محدود الفكر والاستيعاب والتلقي .

وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه وسلم تسليما كثيراً