الدائرة الرمادية
بقلم/ فيصل علي
نشر منذ: 12 سنة و 11 شهراً و 14 يوماً
الأربعاء 30 نوفمبر-تشرين الثاني 2011 11:29 م

من بداية ثورة التغيير والناس في شد وجذب حول ما يجري في اليمن انصار الثورة انفسهم اشكلت عليهم بعض مواقف الساسة الثوريين الذين وضعوا انفسهم واجهة سياسية للثورة وهم بالتحديد اللقاء المشترك وهو التيار الوسطي العقلاني الذي يبحث عن مخرج امن لليمن، وليس من مخرج سوى الدولة المدنية التي هي الهدف الاول لهذا التيار وامتداده في الساحات الثورية داخل وخارج اليمن. لكن الاشكاليات تبدا من اتخاذ مواقف وخطوات الانتصار للثورة السلمية ،والتي هدفت الى رحيل راس النظام ورفع الناس هذا الشعار من البداية ،فاتت مبادرة الخليج لتصب في هذا الاتجاه لتصنع لصالح مخرجا او منفذا للهروب عبر بوابة مبادرة الخليج، حيث ان العالم اجمع على هذا الخروج واصبح بقائه في راس السلطة مستحيلا على المستوى المحلي والاقليمي والدولي.

نجحت المعارضة اليمنية هنا في تدويل القضية اليمنية وفتح اعين العالم على المجازر التي ارتكبها النظام وتبددت الصورة النمطية التي حاول صالح خلال عقود حكمه ان يظهر فيها اليمنيين ارهابيين ومعاديين للغرب وللمدنية والحضارة، وكان يزيد من قتامة هذه الصورة في نظر العالم في معظم المظاهرات التي كانت تخرج في صنعاء مطالبة العالم بموقف من العراق وفلسطين وقضايا اخرى تقوم اجهزة صالح الامنية والاعلامية بتصوير متظاهرين يحرقون اعلام امريكا واسرائيل واحيانا بريطانيا، ولكن من بداية ثورة التغيير لم يتم حرق علم اي دولة ولم يظهر الناس عداء لاحد ليجد الغرب نفسه مجبرا على اعادة النظر الى الربيع العربي ويحاول قرائته بطريقة صحيحة ويسأل نفسه من الذي كان يوحي لنا بكره العرب لنا ؟ انهم الحكام بالطبع ليحافظوا على كراسيهم المعفنة بالكذب والدجل.

الثوار في الساحات اليمنية كانوا يخضون اولى تجاربهم في الحرية الحقيقية والتعبير عن ارائهم في المظاهرات والاعتصامات العارمة، الساحات تحولت الى اكاديميات رفعت الوعي الجماهيري سياسيا بالدرجة الاولى حتى عجزت السلطة العائلية بكل اجهزتها وعسسها وبصاصيها ومندسيها ان يغيروا شيء في مجرى الثورة ،وكل ما كان يجري هي محاولات يائسة لجر الثوار نحو معارك وخلافات جانبية ، تماسك الثوار ووعيهم العارم حال دون ذلك . الى ان اتت ساعة الحسم السياسي وتم التوقيع على مبادرة الخليج كانت هناك اصوات ثورية محبة وصادقة تنادي لم ذاك؟ وصاحبتها ايضا اصوات قادمة من سائلة صنعاء ومن بعض من يعادون الثورة من البداية باسم المستقلين او المتسلقين على ظهر الفيسبوك الناعم ليحدثوا جلبة كبيرة.. اين دماء الشهداء؟ لقد بعتم الثورة والناس يا مشترك.. وهنا انبرى شباب الثورة الذين يعلمون ان المشترك هو وجه الثورة السياسي وشبابه هم وقود هذه الثورة ولا احد يستطيع ان ينكر ان معظم الشهداء هم من كوادره.

تتداخل ثلاث دوائر في كل المسائل السياسية فلو تخيلنا وجود ثلاث من الدوائر حمراء وخضراء بينهما دائرة الوصل وهي رمادية اللون ولو قلنا الخضراء تمثل الناس الثوريين والحمراء اعوان العائلة والرمادية ستمثل الذين يقعون في اشكاليات الفهم السياسية منها على وجه التحديد.. وعلى مر تاريخنا سنجد ان اناسا طيبين وغيورين لم يكونوا بفهمم مثل قيادتهم، في كثير من الاحيان القيادات تسبق جماهيرها بمراحل كبيرة، القياديين بطبيعتهم يسهل عليهم التعاطي مع ما اشكل فهمه من مسائل السياسة .. ولو عدنا بانظارنا الى نشاة الدولة المدنية الاولى في عالمنا العربي والاسلامي وهي دولة محمد صلى الله عليه وسلم لو جدنا وقوع الناس في اشكاليات كثيرة مثل صلح الحديبية كانت اغلبية الصحابة ليست على قدر عال من الادارك السياسي وراوا ان رسول الله عليه الصلاة والسلام قد تواطأ مع قريش كثيرا وداهنها، فكيف يقبل ان يعود الى العاصمة الاسلامية المدينة دون ان يحج وهو قادر على دخول مكة عنوة؟ وكيف يعيد من امن به الى قريش وحلفائها؟ كانت اوامر الرسول الكريم صارمة وكان يعرف على ماذا اتفق فمرونته لم تكن خيانة ولم تكن بيعا او تكسبا من الموقف الذي اتخذه ،وتوقيعه لم يكن الا نصرا للامة، وقع في اشكالية عدم الفهم كبار الصحابة .

 وفي موته صلى الله عليه وسلم كانت اهم مشكلة واجهت الدولة المدنية التي كانت ما تزال تحت التاسيس، فكان الناس يريدون دفنه صلى الله عليه وسلم لكن القيادة التي عاشت معه وتربت على يده كانت قد اتخذت موقفا مغايرا فرات ان اختيار خليفة للرسول اهم من دفن جسده الطاهر صلى الله عليه وسلم. وفي اغتيال الخليفة الثاني وقع ابنه عبيدالله ابن عمر في خطأ سياسي وجنائي فقتل قاتل ابيه لكن عثمان ابن عفان القائد الجديد امر باعتقاله الى ان يرى القضاء رايه ،وكان كثيرا من البسطاء يقولون اقتص لابيه لكن الدولة المدنية لا تسمح ان يقتص كل لنفسه بيده ،وانما هناك سلطة هي التي تحدد الجاني وتطبق القانون دون محاباة لخليفة او ابن خليفة.

وفي احداث درامية سبقت مقتل الخليفة الثالث عثمان ابن عفان وقع الناس في حبائل ابن سبأ يهودي صنعاء، الذي اشعل الفتنة وبث الفرقة، لكن عثمان عندما اقتحمت قوات ابن سبا المدينة من كل حدب وصوب امر الناس بعدم قتالهم خوفا على كلمة المسلمين ووحدة صفهم لكنهم تمادوا وقتلوه ووقعوا في اشكالية السماع للقاتل ابن سبا والذي حرض الناس ايضا على مفارقة علي ابن ابي طالب الخليفة الرابع واجتمع له قوم سموا بالخوارج الذين انشقوا عن الصف وكونوا جيوبا لمجابهة الدولة نصرة لفهمهم القاصر وتحقيقا لمارب ابن سبا، واو اقعوا الناس في اشكالية الفهم الخاطئ للسياسة .

في الدائرة الرمادية وقع الكثير، لكن الحسن ابن علي رضي الله عنهما وضع اهم المعايير لالفة المسلمين وبايع معاوية الخليفة الخامس للمسلمين ،ووجهة اكبر لطمة للفتنة فكان عام الجماعة. لكن الحسين ابن علي رضي الله عنهما وقع في الدائرة الرمادية واشكلت عليه المسالة فخرج قاصدا اعادة الحق لما كان عليه الناس الى عهد معاوية الذي اوصى لابنه في الحكم فثار الحسين على التوريث ولم يبايع فكانت ثورة صادقة التوجه، لكنه صدق اقل الناس صدقا واعظمهم فجوار وخرج اليهم في الكوفة معارضا كبار الصحابه وال البيت في هذا الخروج الغير محسوب العواقب فوقع في اشكالية فهم الموقف السياسي من قوم قد قتلوا اباه من قبل واصابوا اخاه من بعد ونجحوا في استدراجه وقتله.

ازالة الغموض عن الدائرة الرمادية هو ما قاد صلاح الدين الايوبي لازالة اول عائق لتحرير القدس وهو ازالة الدولة الفاطمية من مصر وانهاء تواجدهم في البصرة ،حيث كانوا حلفاء للصلبيين ضد المسلمين في تلك الفترة فكان له ما اراد . سلطان العلماء العز ابن عبد السلام اخرج الناس من الدائرة الرمادية وجمع الناس على قتال التتار والدفاع عن الامة وباع قادة المماليك في السوق ،فكان النصر حليفا لخطته التي حرر بها الامة من الوقوع في دائرة رمادية الشكل تشكل على الناس في مواجهة اعدائهم فوحد الصف وكان للامة ما ارادت.

وعندما كانت ليبيا تحت المحتل الايطالي كان عمر المختار قد فهم اصول اللعبة وحرك القلوب للثورة ولم تنطلي عليه الحيل التي تجعله صامتا فخرج بثورة صافية نقية ستذكرها الامة الى قيام الساعة، ومثله فعل عبد القادر الجزائري والافغاني ومحمد عبده ورشيد رضا وحسن البنا وهذا الاخير هو الذي وضع الاسس وقعد القواعد للامة للخروج من الدائرة الرمادية اللون والتي اقرت الامم المنتصرة ان تضع الجميع فيها، فكانت حركته اساس الصحوة الاسلامية والتي انتجت مع غيرها من حركات التحرر هذا الربيع العربي الذي نعيشه الان.

ان الالتقاء والحوار هو ما ينتج عنه قرارت سليمة تخدم الثورة وتخدم الشعب فكلما اتسعت دائرة الحوار كان الناس بعيدين عن الدائرة الضبابية الرمادية المعتمة وتخلصوا من احاسيس وهمية بالمظلومية والقهر وضمنوا ان يمضوا سوية في الطريق الصحيح، وان تفرد البعض باغاني التخويف من القادم والحذر من الجديد والتحذير والنواح هو سبيلهم، لو سالناهم هل انتم مجمعين على هذا وعلى اي اساس تقولون ذلك ؟ لقالوا هكذا وجدنا انفسنا بلا راع نقع في الدائرة الرمادية.

علينا كشباب وثوار ان لا نقفز على الواقع ونتجاوز قياداتنا الثائرة وان نضع ايدينا في ايديهم لتخليص البلد من بقايا النظام الهالك وان نرسم معهم لوحة يمن الغد التي حلموا بها وهم في اعمارنا وان نستلهم منهم كيفية الخروج من الدائرة الرمادية.