بوصلة الحوار الوطني ....إلى أين تتجه ؟
بقلم/ احمد عبد الله مثنى
نشر منذ: 11 سنة و 5 أشهر و 27 يوماً
الثلاثاء 21 مايو 2013 04:04 م

مهما يكن من أمر فإن انطلاق مؤتمر للحوار الوطني بهذا الحجم العريض يعتبر لحظة تاريخية وطنية غير مسبوقة في التاريخ ؛ وشيئ طبيعي أن يكون مثل هذا الحوار في يمن الإيمان والحكمة ، فهو بلا شك مظهر من مظاهر الحكمة اليمانية التي تتجلى في الأوقات الحرجة لتخرج اليمن مما هي فيه من أزمات ؛ وقد جاء هذا المؤتمر في وقت كان الناس فيه ينظرون إلى الأفق السياسي منتظرين بريق أمل يفتح لهم باب المستقبل الذي بشرت به الثورة اليمنية وما إن كاد اليأس يتسلل إلى النفوس حتى بدأت العملية السياسية تأخذ منحى يخدم الثورة وينقذ سفينتها إلى بر الأمان ويمنحها استراحة محارب لعلها في هذه الاستراحة تضع الخطوط العريضة للمشروع السياسي الوطني ، وهذه السفينة التي ستحمل اليمن وتنقذها من طوفان الصراعات المذهبية والقبلية لتنقلها إلى بر الأمان حيث لغة الحوار والتعايش والالتقاء على ثوابت وطنية مشتركة يسعى الجميع إلى تعزيزها وتحقيقها ؛ بحيث يقدم كل واحد رؤيته في كل قضية من القضايا الوطنية الكبرى ؛ تلكم القضايا التي ما كان ينبغي أن نختلف عليها يوما من الأيام مهما كان الأمر ،لولا السياسة الحمقاء والحكم الأعور الذي اتبعه النظام السابق بالاستحواذ على مؤسسات الدولة ومقدراتها الكبيرة ، وبالتالي فإن مهمة مؤتمر الحوار لا شك مهمة تبلغ أقصى درجات التعقيد والصعوبة لولا إيماننا بوجود بقية من أهل العقل والحكمة الذين يعملون للوطن وكفى والذين سيكون لهم أثر في أن تأخذ سفينة الحوار في الاتجاه الصحيح ، ويبقى أن نضع في عين الاعتبار بعض التحديات التي تؤثر في بوصلة الحوار وتكاد تحرفها عن مسارها الصحيح ، ومن تلكم التحديات :

-التعامل الأمني بأسلوب الفعل ورد الفعل مع بعض المشاكل الأمنية ومنها مثلا : مشكلة الأفراد المنتمين أو أصحاب الولاء لتنظيم القاعدة ، هذا التعامل الذي جعل أجواء اليمن مفتوحة للطيران الأمريكي يحلق فيه كيفما يشاء في أي وقت ، هذا الأمر الذي يجعل الكثيرين ينظرون إلى الحكومة الانتقالية نظرة شك وريبة مما يساهم في تكوين أزمة ثقة بين المواطن والحكومة ، فكأني به يتساءل : هل تريد هذه الحكومة أن تنتقل بنا لتحقيق أهداف الثورة وتطلعات الشعب وطموحاته أم إنها تريد الانتقال بنا لأحضان الأطراف الخارجية بحجة رعاية هذه الأطراف للمبادرة الخليجية ؟!!

القضية الأمنية قضية يراهن عليها كثير من الأطراف التي لا تريد للحوار أن يأخذ وجهته المثلى ، وما حوادث الاغتيالات التي تستهدف بعض القادة وكذلك حوادث سقوط الطائرات المتكرر ومحاولات قطع الكهرباء إلا الدليل القاطع على نوايا بعض الأطراف التي تعلم يقينا أن نجاح المؤتمر يعطل مصالحها الحزبية الضيقة ومن هنا يكون حتما على الدولة أن تكون حاضرة وبقوة في الميدان الأمني برؤية واضحة شفافة ليتمكن المواطن من فهم البعد الأمني فهما يمنحه الثقة في القرارات التي تتخذها الحكومة في هذا الصدد ، بعيدا عن تدخلات الأطراف الدولية ، كالولايات المتحدة التي اتخذت من اليمن ولاية أخرى تعلن فيها حالة الطوارئ كيفما تشاء دون أن يكون للحكومة الانتقالية أي دور ، والسؤال هنا : هل البعد الأمني بيد حكومتنا أم هو بيد الولايات المتحدة تتصرف فيه بالطريقة التي تخدم فيها مصالحها دون أي اعتبار لمصلحة اليمن وإرادة الشعب وتطلعاته ؟!!

أمر غريب – فعلا – يجب على الحكومة أن تقول كلمتها في هذا الموضوع

-التحدي الآخر يتمثل في مدى ما يتمتع به الشعب اليمني - شماله وجنوبه – من وعي وإدراك للمخططات الخارجية التي تحاك ضد اليمن سواء من دول إقليمية أو دول أجنبية ، فالكل يتربص باليمن شرا وخاصة دول الجوار التي لا نراها تتحرك إلا في الأزمات ، تحت الظلام ، وتدعم الأطراف الداخلية كلا على حدة ليكون كل واحد منها عدوا للآخر ، وفي النهاية يكون الكل خاسرا ونخسر وطننا لحسابات أطراف لا ترقب في اليمن إلا ولا ذمة ، وإني – والله – لتأخذني الحيرة كل مأخذ وتبلغ بي مبلغا يكاد يطير عقلي فيه وأنا أرى أطرافا تمد يدها للخارج لتكون معول هدم في الداخل ، فهل يعقل أن يصل الأمر إلى هذا الحد بين أبناء الوطن الواحد وهل يعقل أن تكون بعض الأطراف جسرا ينفذ منه العدو لتنفيذ مخططاته وأجنداته داخل هذا الوطن الكبير ؟

يجب أن نستيقن تماما أننا كلنا سنخسر- شمالا وجنوبا- إذا كانت بعض الأطراف تتعامل مع القضايا الوطنية الكبرى بعقلية غاب عنها الوعي في ظل انشغالها بالأجندة الخارجية ، أو أنها تتعامل بمنطق أكون أو لا أكون .

مع أنه ينبغي في مثل هذه القضايا الكبرى أن يكون الوطن هو الأصل في تقدير المصالح ، فكل ما من شأنه يتعارض مع الثوابت الوطنية الكبرى فتقدم مصلحة الوطن على المصالح الشخصية أو المصالح الضيقة حتى لا يتحول الوطن إلى ساحة صراع يتحكم فيها العدو الخارجي – كما يجري حاليا –

إن البدء في الحوار الوطني يجب أن ينطلق من هذا المبدأ إن كنا نريد خيرا لليمن ومستقبل اليمن ، وأن لا يكون الحوار قائما على منطق أكون أو لا أكون .

وهو ما يعبر عنه الكاتب ستيفن كوفي بقانون ( التفكير بعقلية البديلين ) هذا القانون يقوم على المعادلة التالية :

التفكير بعقلية البديلين = جدل عظيم + المنافسة

أي : نحن في مقابل هم : وذلك يعني أن :

(أصحاب هذا التفكير لا يرون الآخرين على أنهم بشر مثلهم بل لا يرون فيهم إلا الإيديولوجيات ؛ فلا يرغبون حقا في الاستماع ولا يقدرون وجهات النظر المختلفة ، ووسيلتهم الهجوم فقط)أصحاب هذا التفكير يحركون بوصلة الحوار في اتجاه معاكس للتيار الأمر الذي يساهم في إغراق السفينة وسط أمواج من الصراعات ، يغيب معها صوت العقل والحكمة .

نعم إننا حين نتعامل مع قضايا الوطن بوعي وإدراك لما يراد ويحاك لليمن مع وجود النية الحسنة والإرادة الصادقة فإننا سنحقق إنجازا في هذا المؤتمر ينتج عنه تحقيق تنمية كبرى لا أقول تداني التنمية في الدول المجاورة ولكن أقول وبكل ثقة: سنحقق تنمية نتجاوز بها من سبقنا لأنني مؤمن تمام الإيمان بقدرة هذا الشعب وبإرادته وقدراته اللا محدودة التي تتجلى في شباب اليوم وقدرته على مواجهة التحديات بروح واثقة ومواهب متفوقة .

وأعيد وأقول : إن غياب الوعي يعتبر أهم التحديات التي تواجه مؤتمر الحوار الوطني ، وهنا يأتي دور الإعلام والرجال المخلصين والكتاب الصادقين في تعزيز الوعي برؤية تخدم الوطن وتساهم في إنجاح المؤتمر

وتحد آخر ينبغي للحكومة أن تسعى جاهدة لمواجهته وهو التحدي الاقتصادي ومحاولة تحقيق معدل نمو يساهم في تحقيق الاستقرار وبث روح التفاؤل والأمل في تفكير المواطن اليمني ، الأمر الذي يشكل وعيا لدى الرأي العام ينعكس على الممثلين له في مؤتمر الحوار ويساهم في تقارب الرؤى والخروج بنتائج مقبولة إلى حد ما .

وأخيرا أقول : أننا أمام مرحلة مهمة من تاريخنا الوطني وسوف يسجل التاريخ أن اليمن هي الدولة الوحيدة التي اجتمعت فيها جميع الأطياف باختلاف الأفكار والتوجهات ، اجتمعوا في مؤتمر حوار لم يسبق لأي دولة مهما بلغت في حريتها أن تعقد مؤتمرا بهذا الحجم .

فهل سنشهد هذا اليوم الذي نكتب فيه ذلك مرددين بفخر :

الإيمان يمان والحكمة يمانية ...