إلى مؤتمر الحوار .. العدالة الاجتماعية
بقلم/ عارف الدوش
نشر منذ: 11 سنة و 6 أشهر و 19 يوماً
الأحد 28 إبريل-نيسان 2013 03:51 م

الثورة الشعبية السلمية الشبابية قام بها أبناء الطبقة الوسطى وانضم إليها المسحوقون من العمال والكادحون والناس البسطاء الذين نراهم يومياً في الجولات وأماكن تجمع العمال الباحثين عن لقمة عيش شريفة بعرق جبينهم فهؤلاء الذين قاموا بالثورة وناصروها وقدموا التضحيات من أجل الخلاص من الظلم والاستبداد والقهر وهتفوا بالشعارات فبحت حناجرهم ضد اللصوص "والهبارين " لثروات البلاد من يتقاسمون أبار النفط والغاز وسماسرة الشركات والشركاء من الباطن.

إن الفقراء والعمال والفلاحين في المزارع والمدرجات والحقول والجنود البسطاء في المعسكرات والمواقع حراس الكرامة هم أصحاب المصلحة الحقيقية في التغيير والثورة ولا بد أن تحقق مخرجات مؤتمر الحوار الوطني مصالحهم وتخدمهم ضد تغول الفساد وسُراق الثورات والثروات في البلاد هؤلاء السٌراق الذين يتلونون ويتغيرون بحسب الطقس والجو والمتغيرات فقد عرفهم شعبنا منذ ثورة سبتمبر الخالدة فكانوا يهرعون وراء ذهب الإمام والجيران في الليل ويلهثون وراء سلاح الثورة في النهار وهم من اصطلح على تسميتهم " جمهوريون في النهار وملكيون في الليل "

إلى مؤتمر الحوار لجان التنمية والاقتصاد إلى خبراء السياسة والاقتصاد عليكم جميعاً أن تعترفوا بالحقيقة الواضحة التي لا تحتاج إلى بيان فشعبنا اليمني أغلبيته فقير يكد ويتعب من اجل توفير لقمة العيش وهناك أقلية طفيلية تستحوذ على مقدرات البلاد وثرواته يتكدس في جيوبها وخزائنها المال وهناك أنظمة اقتصادية ومالية وفي مقدمة ذلك الموازنة العامة للدولة وعمليات إرساء المناقصات والعقود والشركات النفطية والخدمية تسمح بتركز الثروة بيد أقلية وتقول أخر الأرقام قالها وكيل وزارة المالية أحمد حجر: "إن 10% من السكان يستحوذون على معظم الثروة في اليمن".و أن 10 % من سكان اليمن الأشد فقراً لا يتجاوز ما يحصلون عليه من الدخل القومي 3%، بينما 10% من السكان الأعلى دخلاً يستحوذون على ما نسبته 34%."

إن الفقر والحرمان يكثر بشكل واضح لا لبس فيه في مجتمعنا فهناك طبقة مخملية شديدة الثراء وهناك طبقة مسحوقة فقيرة مظلومة نزل إليها ناس كانوا محدودي الدخل يطلق عليهم "الطبقة الوسطى" حامية الأوطان من الانهيارات وحافظة التوازن الاجتماعي وهي الطبقة التي تقود التحولات والتغيير وكلنا يعرف كيف سحقت هذه الطبقة خلال أكثر من ثلاثة عقود جرى سحقها وإفقارها بتعمد وقفز بعض أبنائها إلى مربعات الطبقة المخملية بينما نزل إلى الطبقات المسحوقة غالبيتها.

الأخوة أعضاء مؤتمر الحوار الأخوة في لجانه المختصة بالاقتصاد أن بلداناً أخرى غيرنا كانت متناحرة وفقيرة وحكمها حكام ظلمه وديكتاتوريون مثل " تشيلي " حصلت فيها تغييرات فركزت على الطبقة الوسطى وأنعشتها وخلال جيل واحد استحقت دعوة نادي الأغنياء للدخول إليه لا أبالغ اطلب منكم تتطلعوا على تجربة " تشيلي " فحكومتها كانت من التكنوقراط ورفضت الكثير من وصايا البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وبنت اقتصاداً قلب الطاولة على الفئة القليلة الطفيلة سارقة ثروات البلاد والعباد.

إن تحقيق العدالة الاجتماعية يضمن تحقيق الاستقرار الاجتماعي فتخيلوا أن القدرة الشرائية لأغلبية أبناء اليمن تنهار يوماً بعد يوم بسبب نمط الاقتصاد الذي تعتمده حكومات البلاد المتعاقبة منذ أكثر من 34 عاماً تحت دعوات باطلة تدعي تحرير الاقتصاد وتنهج اقتصاد السوق وكأن اليمن دولة صناعية كبرى والأمر حيلة لبعض سراق ثروات البلاد والعباد ليس إلا.

فقد رأينا كيف سرق القطاع العام في الجنوب الحبيب وذهبت أصوله ومؤسساته إلى جيوب الفاسدين وأصبح أبناء الجنوب والشمال أيضا يئنون من ما تم تسميته خصخصة القطاع العام" وهو في الحقيقة سرقة القطاع العام ونهب مؤسساته فقد تم إفقار الناس وانهارت قدراتهم الشرائية ولم يتحرك سلم الأجور وإن تحرك فبنسب ضئيلة جدا وكل ذلك أدى إلى سحق الطبقة الوسطى وتدميرها ودمر العمال والفلاحين وخلق طبقة صغيرة تتحكم بكل شيء الاقتصاد والحكم وأضافت إليه العسكرة .

وللأمانة والتاريخ فقد حكم اليمن شمالاً وجنوباً قادة وقفوا إلى جانب الطبقة الوسطى واهتموا بمؤسسات القطاع العام ووقفوا إلى جانب فئات الشعب الكادحة أمثال " سالمين والحمدي وفتاح " لكنهم لم يعمروا في الحكم جرى التأمر عليهم وقتلهم ومنذ أن وصل "علي صالح" إلى السلطة سمح بنموذج اقتصادي هجين شجع على الثراء غير المشروع والنهب وترك الحبل على الغارب للمشائخ والمتنفذين وكبار القادة العسكريين ينهبون الناس ويراكمون الثروات فجرى سحق الطبقة الوسطى ومزج العسكريون بين العسكرة والتجارة وتم القضاء على البيوت التجارية وتغول التجار الجدد الذين جمعوا بين الوظيفة العامة والتجارة واستغلوا الوظيفة العامة لتنمية ثرواتهم بالحق والباطل.

إن نقل آليات اقتصاد السوق وتوحشه بعلاتها ومصائبها المتمثلة في " الخصخصة" ومحاولة تطبيقها هكذا وكأننا دولة غربية صناعية أو زراعية دون مراعاة نمط اقتصادنا ونوعيته وبدون حماية اجتماعية وقانونية وتنفيذ روشتات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي هكذا بدون أي اعتراض بل الاجتهاد فيما يضر ولا ينفع سيؤدي إلى كوارث فهناك أنماط اقتصادية عديدة طبقتها دول غيرنا ونجحت " تشيلي وأندونيسيا وماليزيا وحاليا تركيا" اهتمت بالطبقة الوسطى ولم تسمح بسحقها فحققت هذه الدول استقراراً اجتماعياً وسياسياً وتوازناً في مجتمعاتها .

إن جماهير الشعب الكادح وهي أغلبية ساحقة من أبناء اليمن ينتظرون نتائج مؤتمر الحوار الوطني بفارغ الصبر ويعتبرون إن الثورة الشبابية السلمية الشعبية والتسوية السياسية جزء منها المخرج الوحيد لليمن ويحلمون بإصلاح اقتصادي جذري وغير منقوص فقد شبعوا كذباً ومماطلة وخداع وهم مستعدون مجدداً إن رأوا أحلامهم تدفن في نتائج ظالمة أو تسويات مخادعة لكن صدقوا العبد الفقير إلى الله إن لم يحسم مؤتمر الحوار الوطني شكل الدولة ونمط الاقتصاد بما يخدم أغلبية أبناء الشعب فإن ثورة شعبية عامة لن تبقي ولن تذر قادمة لا محالة.

وأخيراً: إن الاحتقان في مدن الجنوب والمطالبة في الانفصال سببه اقتصادي لأن مرتكزات القطاع العام ضربت ونهبت وبيعت بأرخص الأثمان دون وضع حماية للعمال والكادحين والغلابى ومحدودي الدخل وكافة مكونات" الطبقة الوسطى" مما خلق تفاوتاً طبقياً حاداً في المجتمع جعل الناس يحنون لأيام دولة القطاع العام ويريدون إعادتها فإن لم يغير مؤتمر الحوار الوطني فلسفة الحكم فإن اليمن لن تستقر وستفاجئكم الجماهير بثورات متلاحقة وربما تكون عنيفة.