أيهما الأفضل؟.. الحقيقة المُرَّة (1)
بقلم/ الشيخ / الحسين بن أحمد السراجي
نشر منذ: 13 سنة و 3 أشهر و 28 يوماً
الأربعاء 13 يوليو-تموز 2011 05:53 م

كنا نعلم علم اليقين أن نمط حياتنا رديء وغير صالح وهو بأمس الحاجة للإصلاح والتغيير والتقويم والعمليات السريعة.

ضاق اليمني ذرعاً بلوبي الفساد الذي ينخر مفاصل الدولة على حساب المستوى المعيشي والخدمي للمواطن اليمني الطامح لعيشة كريمة تَقِيْهِ ذل السؤال والحاجة, ومواطنة يتساوى فيها الكبير والصغير وحقوق مكتملة يعيش معها كما بقية شعوب الأرض, وقانونٍ قويٍ يجد الناس هيبته وسطوته نافذة على الجميع, وعدالةٍ في الحقوق والواجبات يسعد المواطن بالانتهال من معينها دون نفوذ ولا غبن.

قَذَفَ الفساد بالمواطن اليمني المؤهل قبل غيره نحو سوق البطالة الباطل والعاطل من العمل أصلاً , هذا الواقع المرّ أفرز واقعاً سيئاً دفع بالكثير للانتحار بسبب شظف العيش وقلة ذات اليد , والحاجة الملحة لبناء سنة الحياة ( تكوين الأسرة وإنجاب الأطفال ) الذين يملؤون البيت بهجة وسعادة.

طفحت أسواق حراج العمال بِحَمَلَةِ المؤهلات الجامعية العاطلين عن العمل الباحثين عن أي عمل مهما كانت مشاقُّة ومخاطرة في سبيل العيش الحاف مع الشاي وليس الرغد والرفاه, مع أنها حقٌ مشروعٌ له.

وقف الفساد سدَّاً منيعاً وحائلاً بين تحقيق هذه الحياة وبلوغ هذا الهدف , فاتجه الكثير صوب دول الجوار هروباً من الفقر وأملاً في هذه اللقمة التي عزَّت في الوطن وسُدَّت الأبواب دونها , رحلوا بأنَّاتهم وأوجاعهم والحسرات يعبرون الحدود تهريباً بأقدامهم متجشمين العناء يتحدون المخاطر , فيسقط هذا شهيدٌ في صحراء قاحلة , ويُجرح آخر فيموت بجراحه , ويُحرق آخرون , ويُلْقَى القبض على من نجا منهم ليودع سجوناً ما أشبهها بالإسطبلات التي لا تليق بآدمية خليفة الله في الأرض , لينالوا نصيباً وافراً من السِّباب والامتهان حتى يتم ترحيلهم حفاةً في شاحنات وكأنهم قطيعٌ من الأغنام.

لم يكن الضيق من فراغ فمُسبباته ودوافعه معلومة معروفة للقاصي والداني, يمكن إجمالها في:

• المشاريع الوهمية والمهترئة التي تتجاوز المواصفات بِبَوْنٍ شاسع.

• القضاء الفاسد الذي يتاجر بآلام المظلومين ويمضي حسب إرادات واملاءات النافذين والفاسدين.

• الأجهزة الأمنية التي تمارس الابتزاز وتُلقي القبض على المجني عليه وتترك الجاني عاجزة عن الأخذ على يده, وجلاوزة البلدية الذين يتسلبطون بشكل مقزز على طالبين الله فوق عربياتهم الفارهة وبسطات أكل عيشهم الفخمة.

• المنح الدراسية التي تُقدم في طبقٍ من ذهب للفاشلين دراسياً من ذوي النفوذ والقوة , بينما يُلقى الفُتَات للمتفوقين المتميزين من أبناء البسطاء.

• المنح العلاجية التي ينالها المسنودون بالقوة بينما ينال مرضى السرطان والفشل الكلوي والكبد و...و... من العاجزين تذكرتي سفر وخمسمائة دولار بعد أن يموتوا أو يكونوا قد دفعوا نصف المبلغ للوبي الفساد.

• الوظائف والضمان الاجتماعي والترقيات والامتيازات التي تُقدم للعرض والطلب فينالها الصفوة ومن يُغرد في سربهم بينما المسكين لا يتحصل عليها إلا نادراً بعد دفع مبالغ كبيرة كرشاوى وبعد أن يكون قد باع ذهب زوجته أو والدته, فتصيب أحياناً ويتعرض للنصب والاحتيال أحياناً أخرى , فلا نال بلح الشام ولا عنب اليمن.

• القانون المحفوظ في الرفوف وفي أدمغة حامليه لا هيبة ولا سلطان له إلا في حالات نادرة ينال البؤساء القسم الأكبر منها.

• المناقصات التي يُتلاعب بها فترسوا على الشركات المملوكة للنافذين المتلاعبين بالمواصفات, بينما يُحرم منها الأسوياء وصغار المقاولين الذين لا ظهر يسندهم وإن نالهم شيء فالفُتات بعد دفع العمولات وحق ابن هادي.

• التعليم المنهار حيث الطلاب بلا حصيلة.

• الصحة المريضة حيث المتاجرة بالأمراض وآلامهم ومعاناتهم.

• التجار العمالقة الذين يمارسون ما يحلو لهم دون حسيب ولا رقيب , يتاجرون بالأقوات مقابل الإتاوات.

• الرشاوى التي تُقَدَّم في غالب المؤسسات والقطاعات كجزء من المعاملات يدفعها المواطنون للحصول على شيء من حقوقهم.

هذه هي الحقيقة التي لا مفر من قولها رغم مرارتها , وهذه هي الموبقات التي قصمت ظهر البعير فدمرت البلاد وأنهكت الاقتصاد وأصابت المواطنين في مقتل.

هذه الموبقات ليست خفية فالسلطة تعلمها والمعارضة جزء أساسي من تركيبة النظام والجميع شركاء فيها, والتنصل منها غير مُجْدٍ , والفساد بنسب متفاوتة ومراتب متعددة أعلاها اللوبي العملاق وأدناها الموظف البسيط (المختص).

هذا واقعنا ولا مهرب منه ومن يضع نفسه في خانة اللامسئولية متهرباً من حملها ومتنصلاً من أمانتها مُدَّعياً البراءة فقد تجنَّى , وجميعنا يعلم أنه لولا الفساد ما استطاع الموظف العيش براتبه أسبوعاً كاملاً.

للموضوع بقية في حلقة قادمة إن شاء الله تعالى.