نشرت مقالاً بتاريخ 18/12/2014م بعنوان ( السعودية بين الواقع المر والواجب المفترض ) وتمنيت فيه أن تقوم المملكة بدورها العالمي الفاعل في قيادة الأمة الإسلامية العظيمة ، لما تمتلكه السعودية من مقومات عظيمة ، السلطة الدينية لأكثر من مليار ونصف مسلم ، والقدرة المالية العملاقة ، وبهذين الأمرين باعتقادي الشخصي تستطيع المملكة أن تقود بهما الأمة دولاً وشعوبًا ، وتكون صاحبة أعظم مشروع فى التأريخ إن أحسنت استخدامه ، وأدارته بكفاءة عالية ، وحينها ستجعل الأمم الأخرى كلها تقف موقفًا نديًا من الأمة الإسلامية ، ثم توجهت باللوم الشديد لها بسبب تركها إيران تعبث بالعالم الإسلامي ، دون أن يكون لها دورًا في محوريًا في منعها من التوسع ، أو حتى إيجاد توازن رغم ما تمثله السنة فى العالم الإسلامي بحوالي 90 % من البشر ، وأشرت حينها أن الهدف القادم لإيران هي المملكة بل أنه هو الهدف الإستراتيجي ..
الآن وبعد عاصفة الحزم نستطيع القول أن المملكة العربية السعوديــــــــــة بقيادة الملك / سلمان بن عبد العزيز بدأت تأخذ الأمر بجدية في مقاومة التمدد الشيعي فى المنطقة ، وشعرت أكثر من أي وقت مضى بالحجم المهوّل للخطر القادم من طهران على حساب أمن شعوب ودول المنطقة العربية والإسلامية ، وعلى وجه الخصوص الجزيرة والخليج العربي ومصر ..
في غياب الدور السعودي سابقًا ، وبفعل التأثير الأمريكي على صانعي القرار فى المملكة استطاعت أمريكا وبواسطة إيران وحلفائها أن تستغل هذا الغياب لصالحها ، وأخذت تعبث بالأنظمة العربية والإسلامية ، وتخرِّب وتدمِّر العالم الإسلامي باعتبارها زعيمة المشروع الصهيوني فى العالم ، والداعمة للحفاظ عليه وتوسّعه ، ووفقًا لذلك فقد استباحت بلاد العالم الإسلامي ، واستطاعت أن تدمر مقدرات الأمة العسكرية والأمنية والسياسية والإقتصادية ، فقد ضاعت العراق والشام واليمن ولبنان ومصر وغيرها من الدول ، ولم تعد الأمة الآن بقوتها مثلما كانت عليه قبل عشرين عامًا تقريبًا ، وإن كانت مفرقة ، وذلك بسبب عدم وجود دولة قوية قادرة على أخذ زمام المبادرة لتجمع الأمة العربية والإسلامية إلى صفها كلحمة واحدة وتقـــول لها : " كفى عبثًا " فنحن موجودون هنا ..
لن نخوض فى التفاصيل هنا ، لكن ما يهمنا الآن هو كيف يمكن أن تحقّق عاصفة الحزم أهدافها ، والتي أطلقتها السعودية ، وجمعت فيها أكثر من عشر دول إلى صفها فاجأت به العالم كله ، وفي لحظة فارقة من تأريخ الأمة الإسلامية أن تتم هذه العاصفة بحزم ليس فيه مداهنة أو عبث بالأوراق السياسية القذرة ، رغم قناعتي أن الدفاع عن الشرعية اليمنية ليس هدفًا استراتيجيًا لذاته ، بل هو عامل مهم وضرورة لتنفيذ تلك الإستراتيجية ، واستطاعت السعودية وبدافع خوفها على الأمن القومي لبلدها إرغام أمريكا للتعامل مع هذا الملف ، ولذلك جاءت تصريحاتهم بالتقدير لمدى الضرر الذي تخشاه السعودية مجاملة فقط ، رغم علم السعودية وكامل دول المنطقة أن أمريكا تتماهى مع هذا التوسع المريب وتؤيده ، فما كان من أمريكا إلا أن تنحني للعاصفة قليلاً ، وتعلن دعمها اللوجستي كي تضمن التأثير على هذا الملف المزعج بعنايتها وتسيّره وفقًا لأجنداتها ، لتضمن على أقل تقدير أن يكون فقط لحماية السعودية ، ولا ينتقل مثل هذا التحالف إلى تحقيق أجندات أخرى تنال فيه السعودية الريادة على العالم العربي والإسلامي المأمول .
إن هذه العاصفة القادمة من أرض الحرمين قامت بخلط أوراق عديدة على المشروع الصهيو أمريكي إيراني الذي كان العمل به مستمرًا وناجحًا ، وكاد يصل إلى النصف من النجاح تقريبًا باعتبار أن العراق وسوريا ولبنان ومصر والأردن وبعض الدول الأخرى تسير فيه ، وأصبحت أو كادت تصبح ضمن السيطرة ، فاليمن قبل العاصفة كادت تسقط إلى الأبد في يد إيران بالكلية ، ومعنى ذلك ووفقًا للصراع الجيو سياسي أن الهدف القادم هو السعودية ، وآن لها ووفقًا لخطة هذا المشروع أن تصبح محاصرة من الشمال والشرق بالعراق وسوريا وإيران ، وجنوبًا من اليمن ، وغربًا بمصر وارتيريا وغيرها ، وتكون بذلك محاصرة سياسيًا ودينيًا وتجاريًا بإغلاق المنافذ البحرية فى الخليج العربي والبحر العربي وباب المندب والبحر الأحمر ، إذن المسألة خطيرة جدًا .. وحيئنذ للسعودية كامل الحق في الدفاع عن سيادتها ، ولا ينبغي لنا أن نحسب موضوع انتهاك السيادة اليمنية في هكذا معركة مصيرية للأمة الإسلامية جمعاء بحساب أن لكل دولة سيادتها الخاصة بها ، حيث أن اليمن جزء لا يتجزأ من العالم الإسلامي ، وأي دفاع تقوم به السعودية حفاظًا على اليمن وعلى السعودية معًا لا يعني انتهاك السيادة بالمفهوم الضيّق ، وحينئذ نعود للأصل الذي يجب أن تكون عليه دول العالم الإسلامي أنها دولة واحدة ..
ونظرًا لطول المقال وحرصنا على قراءته من قبل القراء تم تجزئته ، ولنا فى الجزء الثاني من المقال التوضيح أن عاصفة الحزم جاءت لتدمر المشروع الطائفي فى المنطقة العربية والإسلامية إن شاء الله تعالى ..