الرئيس هادي .. من حصار إلى حصار ..!!
بقلم/ د . عبد الوهاب الروحاني
نشر منذ: 9 سنوات و 7 أشهر و 23 يوماً
الثلاثاء 24 مارس - آذار 2015 02:10 م

لم تتوافر لأحد سبل الوصول الى كرسي الرئاسة كما توافرت للرئيس عبد ربه منصور هادي، فالرجل تسلم السلطة وفقا للمبادرة الخليجية وهو على فراش الراحة في داره عام 2011م،ثم حظي بإجماع شعبي وسياسي،واختير دون منافس للرئاسة.

اعتبر اليمنيون الرئيس هادي "المنقذ"من أزمة طاحنة ومدمرة، وتوافق عليه اليمنيون(معارضة وموالاة)، وعملوا بكل انتماءاتهم واطيافهم السياسية والقبلية، من أجل إضفاء الشرعية الشعبية على رئاسته، وصبغوا أصابعهم بلون الأمل، وحَلِموا أن يُخرج البلاد من مأزقها، ويقود الناس الى بر الامان،فحصل هادي في "انتخابات" فردية غير تنافسية في 2012م على أكثر من (6) ملايين صوت، أي بنسبة 99.8% من أصوات المقترعين اليمنيين، في أعلى نسبة اقبال وتصويت حصل عليها رئيس عربي بدون إشراف الداخلية أو تدخل الجيش، وبدون "بلاطجة" التزوير وكرابيج السلطان.

وهكذا، فكما حصل الرئيس هادي على إجماع إقليمي بالمبادرة الخليجية، حصل أيضا على إجماع شعبي، ثم على إجماع دولي لم يسبقه اليه رئيس دولة في العالم إلاّ(ربما) حامد كرازي، الذي حمله المجتمع الدولي في العام 2001م على لهيب نيرانه الى رأس السلطة في افغانستان، لكنه عندما تقرر إجراء انتخابات في (2004، و2009م)لم يحصل كرزاي على ما حصل عليه هادي، بل حصل على نسب لم تتجاوز51% من اجمالي مشاركة افغانية ضعيفة في انتخابات وصفت بـ"الهزلية والمزورة".

الرئيس كرزاي الذي خذله شعبه،وظل خلال رئاسته للبلاد محمولا على صواريخ الاطلسي، ودبابات الامريكان استطاع أن يحقق بعض الانجازات لبلده، ففي حين لم تكن هناك دولة، ولا جيش، ولا مؤسسات، وضع بعض مداميك بنائها بمساعدة امريكية - غربية، لكنه استطاع ايضا أن يقول للأمريكيين "لا"، عندما رفض التوقيع على اتفاقية أمنية مع الولايات المتحدة الامريكية "تسمح ببقاء جزء من قواتها في افغانستان"، ورفض أن يكون دمية بأيديهم، وقال: "لا أريد أن تذكر كتب التاريخ بأنني بعت افغانستان للأمريكيين".

أماالرئيس عبد ربه منصور هادي،الذي حمله اليمنيون على اكتافهم الى كرسي الرئاسة في فبراير 2012م وفقا للمبادرة الخليجية، فقد تسلم دولة ومؤسسات، وتسلم الأمن والجيش .. صحيح كان الجيش منقسما، لكن الرئيسهيكله و"عجنه وخبزه"وفقا لمرئياته، وفصله على مقاسات مقربين ومواليين له ومن أبناء منطقته، ومن ثم سلم الدولة بقضها وقضيضها لنجليه (جلال و ناصر)، فأوكل للأول مسئولية إدارة المؤسسات المدنية، وأوكلللثاني مسئولية إدارة المؤسستين الامنية والعسكرية، وكلاهما كانا - ولا يزالان - حدثين صغيرين طارئ ينعلى العمل السياسي والعسكري.

خضع الرئيس هادي لحصار ثلة من المستشارين النفعيين، الذين قادوه من ارباك الى ارباك، ومن فشل إلى فشل، ومن حصار الى حصار، ورغم ذلك كان الجميع يصفق للرئيس في كل قرار يعلنه، ويهتف لكل خطوة يخطوها،فكان هو "المنقذ" والأمل الذي تبقى، وكانت الفرصة كبيرة أمامه لأن يكون منقذا حقيقيا لليمن الذي يتهاوى على وقع تسابق تجار الحروب وخلافات الاحزاب على تقاسم الحصص.

لم يفطن الرئيس هادي لضعف المستشارين من حوله، فأوقعوه في صراعات القوى حين تخلى عن حياديته التي وصل بها الى الرئاسة، فتخلى بالتالي عن طموحات الوطن، وتخلى عن شعبيته الكبيرة، وعطل المؤسسات الدستورية، وافرغ مؤسستي الجيش والامن من مضمونهما،واكتفى بالرهان على الدعم الدولي والاقليمي، الذي فرط به هو الاخر ولم يستفد منه، بل بدده في محاربة طواحين الهواء، وذهبت به "حكمته"بعيدا،فوضع اليمن تحت البند السابع لميثاق الامم المتحدة وفقا لقرار مجلس الامن الدولي (2140) الصادر في فبراير 2014م، بينما كان بإمكانه أن يتفرغ للمشروع الذي وصل الرئاسة لأجله، وهو إنقاذ ما تبقى من دوله ووطن، وحماية المجتمع من الانزلاق إلى الفوضى والانفلات الأمني الذي تعيشه اليمن منذ العام 2011م.

قدم المجتمع الدولي والاقليمي كل سبل الدعم للرئيس هادي، وراهن عليه العالم كله، لكن الرجل تعثر، وخسرت بعثراته القضية الوطنية أهدافها من التغيير، ما يعني ان مواصلة الرهان على نفس الجواد هو مجرد مغالبة لمنطق العقل، وكل "مهيئ لما خلق له" .. فقد توافرت شروط الرئاسة لهادي ولكن دون ان تنطبق عليه،ولذلك خضع لابتزاز مستشاريه، فأقصى نفسه وحجم دوره،والتف على المبادرة الخليجية عبر تقسيم اليمن الى اقاليم على أسس مذهبية وطائفية، ومدد للازمة، وذهب للتحالف في ذات الوقت مع الحوثيين (انصار الله) وادخلهم صنعاء ليوقع بالخصوم، لكنهم اسقطوامن يده الرئاسة، ليقدم بالتالي استقالته ويغادر حصار العاصمة إلى حصار من نوع آخر في عدن، وتهتز شرعيته كرئيس متوافق عليه.

ومن هنا، وفي ظلال انهيار المتسارع للأوضاع اليمنية، يمكن برأيي الحديث عن شرعية المبادرة الخليجية ومواصلة البناء عليها،لكن ليس بالضرورة أن ترتبط بشرعية هادي، فالرجل-شئنا أم أبينا- لم يعد قادرا على تحمل المسئولية، فاذا كانت كل الاوراق والخيوط قد تجمعت لهو اسقطها ببساطة من يديه، فكيف يمكن لهأن يلملمها من جديد ؟!.

لا يمكن اختصار اليمن وحصر شرعية إدارته في أشخاص بعينهم، فاليمن مليء بالعقلاء والخبرات السياسية والكفاءات الوطنية،القادرة فعلا على إنقاذ الوضع، والتي يمكن الرهان عليها، وإخراج اليمن من مأزقه، وتجنيب دولا لجوار متاعب ما يجري فيه..والخطأ الكبير سيكون فيا لمراهنة على اصلاح الأوضاع من خلال شرعية مهترئة، فمن انهارت المؤسسات على يديه، وسلم البلد والجيش للعصابات والمليشيات "الحوثية" و"الاخوانية" والقبلية المسلحة في صنعاء وعمران ومارب والجوف سيسلم خليج عدن ومضيق باب المندب لإيران وأخواتها.

*رئيس مركز الوحدة للدراسات الاستراتيجية