نظام الحكم الجمهوري الرئاسي هو الأقدر على توفير هذه المطالب
بقلم/ د.طارق عبدالله الحروي
نشر منذ: 11 سنة و 9 أشهر و 19 يوماً
الثلاثاء 29 يناير-كانون الثاني 2013 04:34 م

-مما تجدر الإشارة إليه- أيضا- بهذا الشأن تواصلا مع ما أوردناه من مؤشرات عن أهم المطالب الوطنية الواجب توفرها في شكل نظام الحكم المقترح لليمن في ثنايا مقالتنا المنشورة تحت عنوان (المطالب الوطنية الواجب توفرها في شكل نظام الحكم المقترح لليمن: قراءة في أبجديات نظام الحكم الأمثل لليمن!!)، بروز تساؤلات مهمة تتمحور إلى حد كبير حول أية شكل من أشكال نظم الحكم المختلفة- برأينا- هي الأكثر قدرة على توفير هذه المطالب وغيرها، سيما أن الوصول إلى هذين المطلبين على وجه التحديد يندر توفرهما في أشكال نظم الحكم المختلفة ؟

- نرد على ذلك بالقول نظام الحكم (الجمهوري الرئاسي)، أما لماذا ؟ لاعتبارات رئيسة عديدة يمكن إعادة بلورة بعض أهم معالمها الرئيسة في اتجاهين رئيسين يتعلق الأول بمأخذ جمهور المختصين على النظام البرلماني بهذا الشأن الذي يضع السلطة الفعلية بيد رئيس الوزراء المنتخب من حزب أو أحزاب الأغلبية، مقابل تهميش رئيس الدولة بصورة شبه نهائية- من جهة- والنظام المختلط الذي في حال ما فشل عناصره في توزيع سلطاته وإدارتها، فإن النظام بأكمله يقع تحت سلطة الرئيس تقريبا، ويتحول- وفقا- لذلك إلى نظام بسلطات رئاسية (وهو ما حصل في التجربة اليمنية)، أما في حال نجاحه فإننا سنقف أمام واقع شائك ومعقد جدا بكل ما تعنيه الكلمة قد يتطور إلى صراع حاد بين مكونات السلطة التنفيذية (الرئيس، رئيس الوزراء،...) مع بعضها البعض، وفيما بينها وبين السلطة التشريعية.

-في حين يتعلق الاتجاه الثاني بما يتمتع به النظام الرئاسي في هذا الشأن من مزايا، حيث لا يسعى وراء خلق رئيس قوى وقادر فحسب، بل وأيضا مؤسسة تشريعية قوية وقادرة على الرقابة والمحاسبة والتشريع، بصورة تمنحها القدرة على المراجعة والتحقق والمسألة والتقييم، فضلا عن أنه في النظم الرئاسية عندما انتخاب الرئيس يتم تقنين مدته بفترات دستورية محددة..الخ، بينما يجوز في كلا من النظامين البرلماني والمختلط أن يحكم شخص إلى الأبد، طالما هو قادر على تشكيل الأغلبية أو باستطاعته إدارة شئون الحكم ومن ثم الفوز بأية انتخابات برلمانية.

-ومن نافلة القول بهذا الشأن تجدر الإشارة إلى أن صياغة ومن ثم بلورة النظام الرئاسي كأحد أشكال نظم الحكم قد جاءت- في أغلب الأحيان- نتاجا لتلك الحاجة الضرورية والملحة في أهمية وجود سلطة (قيادة) سياسية قوية تمسك بيدها على سلطات كافية لضمان حماية البلاد ودفعها نحو المستقبل المنشود، مع ضمان المحافظة على الديمقراطية للحيلولة دون حدوث الاستبداد، ويعطي للشعوب المنضوية تحت لوائه القدرة الفعلية على حق الاختيار والمراجعة والمسألة والمشاركة في إدارة شئونها.

-سيما أن اللبنات الأولى للنظام الرئاسي الأمريكي النموذج السياسي الحي بهذا الشأن، في البدء كانت تقوم على وضع كل مقاليد السلطة في يد الكونجرس، إلا أن المعطيات الظرفية المحيطة بالبلاد بعد قيام الثورة الأمريكية وأثناء فترة الإعداد لوثيقة الدستور، أوضحت ومن ثم فرضت أهمية بل وضرورة وجود رئيس قوى للبلاد يتمتع بقدرات مهمة، بصورة انعكست كثيرا على بروز النظام الرئاسي الأمريكي الحالي.

-على عكس ما دار في دول أخرى كانت تعاني من وجود سلطات واسعة بيد الرئيس، أفضت إلى الإخلال الحاد بكافة التوازنات النسبية اللازمة بين السلطات الثلاثة...الخ، بحيث جاءت الدساتير فيها لا لكي تقلص من سلطات الرئيس الذي كانت تقاليد القوة والقدرة التي يتمتع بها قد باتت جزء مهم ومحوري في الثقافة السياسية أو الاجتماعية...الخ، وإنما سعت وراء منح بقية المؤسسات صلاحيات حقيقية وإضافية، تمكنت من خلالها من تحقيق نوع من الفصل بين السلطات والموازنة النسبية مع سلطات الرئيس بمنعه من الاستبداد بالقول والفعل، يأتي في مقدمة هذا التدابير (تحديد مدته الرئاسية، تقليص قدراته في حل البرلمان، إعطاء البرلمان القدرة على محاكمة الرئيس والحق في الموافقة على المعينين بالمناصب السياسية في السلطة التنفيذية والمحكمة العليا....الخ).

-وختاما لن أخفيكم سرا إنه بالرغم من أني لست مع بقاء النظام السياسي المختلط القائم في بلدنا؛ جراء عدم قدرته على تلبية إلا الجزء اليسير من متطلبات المرحلة الحالية والقادمة، أو النظام البرلماني المشار إليه في تصريحات المعارضة السياسية، إلا أني كي أكون موضوعيا معكم فإن الدافع الرئيسي الكامن وراء تناول موضوع هذا المقال ليس محاولة جديدة للانتقاص من سلطات الرئيس في العملية الإصلاحية الدستورية القادمة لصالح رئيس الوزراء أو العكس، وإنما إعطاءه الفرصة للقيام بمسئولياته كما يجب؛ من خلال نظام واضح الصلاحيات ويعطي بقية الأطراف السياسية ليس فقط القدرة على المشاركة في صنع واتخاذ القرار السياسي، بل وأيضا وتحمل مسئولياتها كاملة.