رحلة فكاهية في مدينة صنعاء ..بقلم زائر
بقلم/ د. محمد معافى المهدلي
نشر منذ: 11 سنة و شهرين و 22 يوماً
الأحد 25 أغسطس-آب 2013 07:56 م

الحديث عن صنعاء بالطبع ليس حديثا يسر القارئ هذه الأيام، فصنعاء الأمس غير صنعاء اليوم، يحدثنا التاريخ عن سر تسمية صنعاء بهذا الاسم فسبب تسميتها بهذا الاسم كما يذكر التاريخ، نسبة إلى كثرة الصناعات والحرف المنتشرة، في كل أرجائها في العصور الذهبية لصنعاء اليمن .

تزداد اليوم صنعاء مأساة على مآسيها وجراحها، كلما نزل بها مطر أو حلّت بشوارعها سيول، حيث تقف الدولة عاجزة أمام مياه الصرف الصحي التي تختلط بمياه الأمطار، فتتحول كثير من شوارع صنعاء الحضارة والتاريخ، إلى برك من المياه العادمة والروائح الكريهة، حتى أنني سمعت أحد الشيوخ يعلق في محاضرة عامة له قائلا : \"صنعاء أنجس عاصمة في العالم\" !!!.

سلكنا بعض الشوارع بحثا عن شارع يسر الناظر، سلكنا شارع التلفزيون حيث وجدنا قبّة ضخمة، تتوسط استادا رياضياً، كتب عليها عبارة: \"قاعة المؤتمرات الدولية\" وللأمانة والصراحة منظر القاعة المسماة ب \"الدولية\" يحدثك أنّ هذه \"خرابة\" وليست قاعة للمؤتمرات \"الدولية\" حيث تحاط هذه القاعة بشارع يفتقر حتى إلى بضع شجيرات تزين المكان، أو نافورة ماء، أو حتى قدرا مقبولاً من النظافة، أو شارعاً مضاءا بالكهرباء ولو ببضع أدوات للإنارة، وبعض الزينة، خال من المطبات والحفر.

لمسنا أثناء إقامتنا بالعاصمة صنعاء، للأسف تذمرا شديدا من الناس بسبب الأوضاع المعيشية القاسية، حيث تقف حكومة الوفاق الوطني عاجزة حتى عن التخفيف من آثار هذه الأوضاع المعيشية الصعبة، تصل قيمة ال \"20 لترا\" من البترول إلى 2500 ريال يمني ، وهو رقم صعب جدا بعيد المنال، رغم أنّ الكثير من الناس كان يود ويتمنى أن يعود هذا السعر إلى تسعيرة عهد المخلوع صالح، أي إلى: 1200 -1500 ريال يمني، وهو بدوره ما أسهم جدا في غلاء الأسعار بشكل جنوني لا يطاق في أغلب السلع التموينية والمواد الأساسية .

أكثر ما يشد انتباهك هو طبيعة الشعب اليمني الراقية والحضارية، بحق، حيث تجد أنّ الشارع في اليمن يسيّر نفسه، ويحرك ذاته، وأنّ الدولة غائبة تقريباً، عن شؤون الناس، إلا اللهم من النقاط الأمنية التي لا دور لها سوى البحث عن الأسلحة الخفيفة، دون الأسلحة الثقيلة، التي تحيط بالعاصمة، وليس لهذه الأجهزة الأمنية دور يذكر في تنظيم شؤون الناس ومعاشهم، والسهر على راحتهم وحماية ممتلكاتهم!!.

وللأمانة شعرت جدا بسرور كبير وبالغ، من هذه الحالة والظاهرة الرائدة والفريدة في اليمن، فالأجهزة الأمنية والشرطية فيما مضى، كانت تشكل عامل إعاقة وفوضى وتعقيد للحياة اليومية لا يطاق.

إنّ تنظيم الناس لشؤونهم بأنفسهم بعيداً عن الأجهزة الشرطية والأمنية هذه، مع أخطائها أحيانا، أفضل ألف مرة من الوضع السابق، حيث يتحول بعض الشُّرَط والعسكر إلى نهّابة ولصوص باسم القانون.

يمكنك الآن أن تعكس الخط لو شئت، وأن تسير بسيارتك كيفما تريد، أو أن تفرغ زيت سيارتك في وسط الشارع أو أن تفتح سوقا شعبياً وسط الطريق، بأمان، بعيدا عن قلم المخالفات المرورية، والرشوة، ولعلّ جهاز الشرطة في العاصمة صنعاء أيضا فيما يبدوا، أدرك أنّ تخطيط الشوارع في كل أنحاء العاصمة خاطئ خاطئ، حيث لا يوجد في الشارع الصنعاني المبارك شارع للخدمات، أو للمشاة، على أقل تقدير، فتركت \"الحكومة الرشيدة\" للناس تدبير شؤونهم وطرقاتهم بالطريقة المناسبة لهم، بحسب اجتهاداتهم، فللعامي أن يجتهد برأيه، أو بسيارته أو بدكانه، كيفما يشاء، إذا لم يجد قانونا من أرض أو سماء يهديه، كما هو الوضع في شارع الستين والخمسين والسبعين..وهو أمر تشكر عليه الحكومة، حيث اقتصر دور الحكومة على العمل الإعلامي والصحفي بعد الظهر، أعني أثناء المقيل!!! .

من الطريف والظريف في العاصمة صنعاء أنه أثناء ساعة الإفطار، تطفئ الكهرباء في أغلب أحياء العاصمة صنعاء، ولساعات طويلة، لعلّ القائمون على الكهرباء، من العبّاد والزهاد، فيما نحسب والهو حسيبهم، ربما أرادوا أن تكون هذه الساعة أو الساعات، ساعات للدعاء والتضرع والبكاء، بعيداً عن أعين الناس، في الظلام الدامس، ولذا لا أذكر أن ليلة واحدة من ليالي رمضان مرت علينا دون إنطفاء الكهرباء، في هذه الساعة المباركة، مما اضطرنا إلى شراء مولد صغير للكهرباء، لاستخدامه في غير هذه الساعة.

من الظريف والطريف أيضا في صنعاء، أنّ عليك أن تركض ركضا شديداً بكل ما أوتيت من قوة للوصول إلى المسجد، سيما لصلاة المغرب، حيث الأئمة في مساجد صنعاء، يقرؤون بقل هو الله أحد والكوثر، قراءة حدر شديد، وذلك في كل صلاة للمغرب.

كنت أركض إلى المسجد كل صلاة للمغرب ركضاً شديدا، ركض الجِمال في البراري، وأصل وقد انتهى أو أوشك الإمام على الانتهاء من صلاته الماراثونية.

بالطبع ألتمس العمل بالمذهب المرجوح لابن مسعود أنه لا بأس من الإسراع إلى الصلاة إن خشي فواتها، لقوله تعالى (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم) وهو اجتهاد مرجوح والراجح هو السعي الى الصلاة بالسكينة والوقار، كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة، لكن في اليمن أنت مضطر للعمل بالمرجوح أحيانا، وربما غالبا، وربما تضطر إلى إنشاء مذهب جديد، فالحاجة أم الاختراع!!!.

تعرضنا لمحاولة سرقة فكاهية، من أحد الحكماء، حيث رآني أحدهم أخرج بعض الوريقات الألفية، من جيبي، فاخترع قصة، وراح يحدثني بها، ويصيح ويصرخ، ويحاول تغطية مشهد السرقة عني بإحدى يديه، ويده الأخرى تحاول التسلل إلى جيبي، فأمسكت يده، قبل أن تصل إلى هدفها، وتبادلنا الضحكات والابتسامات فنحن في رمضان، وأشعر بألم يحز في نفسي فلعلّ الرجل كان في عوز وحاجة شديدة ألجأته إلى هذا، رغم أنّ مظهره أشعرني بغناه وكفايته!!!!!.

من الصور المشرقة أنّ القدر الإلهي حملني في ليلة 27 من رمضان إلى مسجد الفردوس بمدينة سعوان، في الشمال الشرقي من العاصمة، وهو يعد كما يقال ثاني أكبر مسجد في اليمن، يتسع لنحو 20 ألفا من المصلين، حيث صلى الإمام بنا – جزاه الله خيرا- صلاة خاشعة، فلم يبق أحد في المسجد إلا وبكى وانتحب، وكأن الجميع يرى القيامة رأي العين، وارتفعت الأصوات بالبكاء والعويل والنحيب والتضرع إلى الله، وأحسب أنّ هذا ليس شأن مسجد الفردوس وحده، بل هي ظاهرة منتشرة في كثير من مساجد العاصمة صنعاء، حيث يحي شباب الدعوة الإسلامية أغلب مساجد صنعاء بالاعتكافات والقيام والتهجد، ولله الحمد .

ختاماً : مع ما حققته الثورة الشبابية السلمية من إنجازات وانتصارات، بدت واضحة لكل ذي عينين، سيما مع تقادم الأيام وتواليها، إلا أنني أعتقد أنّ هذه الثورة بحاجة ماسة وملحة إلى الاستمرارية والحماية والإعداد، سيما مع التآمر الدولي والإقليمي على هذه الثورة الرائدة، وسيما مع ظهور العداوة والبغضاء من بعض الأطراف التي كانت في ركب الثورة، ليس حباً في الثورة وإنما بحثا عن مقعد أو مكانة في القافلة أو مصلحة أو مغنم دنيوي، أو حب للتسلط والتزعم، وهاهي اليوم تكشر عن أنيابها وتعلن تمردها على الأمة وعلى الشريعة الربانية، لحفنة من الدولارات والأموال النجسة .

ويمكرون ويمكر الها، والها خير الماكرين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين،

Moafa12@hotmail.com