هادي وبعثرة أحجار الشطرنج
بقلم/ علي بن ياسين البيضاني
نشر منذ: 9 سنوات و 9 أشهر و 22 يوماً
السبت 24 يناير-كانون الثاني 2015 02:31 ص
كغيري تابعت استقالة الرئيس هادي في خطوة مفاجئة للكثير من الناس ، وكنت قد كتبت قبل هذا أن هادي يقف بين خيارين لا ثالث لهما ، إما ينحاز للحوثيين ويُضْرَبُ بالصميل السعودي ، وإما ينحاز للسعوديين ويُضْرَبُ من الحوثيين الإيرانيين ، أي أنه كان واقفًا حائرًا أمام نقلة شطرنجية قاتلة ( كش ملك ) ، لكن نستطيع القول بعد ما تبين آخر فصول المسرحية العبثية من مأساة اليمن السعيد - من وجهة نظري - أن الاستقالة المفاجئة التي قام بها هادي لا تخرج عن أمرين إثنين هما : 1) أن المخطط يسير في فصل شمال اليمن عن جنوبه ، وإعادته إلى ما قبل عام 90م ، أو 2) أن الأمر ضاق على هادي ووقف حائرًا أمام الضغط الحوثي الكبيــــــــــر الذي لا مناص منه ، ويخشى من المواجهة الكبيرة مع السعودية والشعب اليمني ككل ، فقام ببعثرة أحجار الشطرنج ليعيد اللعبة من جديد ، بتأزيم الموقف اليمني وإيصاله إلى حالة اختناق مريب .
نؤكد أن الإستقالة المفاجئة لهادي لم تكن ذا بعد وطني بتاتًا ، ومن أين تأتي وطنيته وقد عبث بمصير البلاد والعباد والجيش وكل شيء جميل في هذا البلاد ليحقق مآرب إيران الفارسية ؟ ، ولذلك نقول أن ما حصل أو ما سيحصل له من جراء العبث واللعب بالبيضة والحجر لم تعد تنطلي على أحد ، وأن السنن الإلهية تقضي أن الغادر والماكر مهما تآمر لابد أن ينال جزاء غدره ومكره ، والكل يعلم كم هي ضحايا تلكم المؤامرات التي كان هادي سببًا بصورة مباشرة أو غير مباشرة فيها ، وكم دماء سُفِكَتْ ؟ وكم أيتام وأرامل شردوا من كل أبناء اليمن ؟ ولذلك فالإستقالة لم يحزن عليها أحد وهي تحصيل حاصل ، ورفض بعض القوى الخيرة لها من باب أن شرور استقالته فى الوقت الحالي وإدخال البلاد في فراغ دستوري هي السبب ، وليس لشخص هادي الذي أجمع على عدم جدوى بقائه الصغير قبل الكبير ، وكذلك كل المتناقضين فى البلاد ، مع يقيننا التام أن سداد ديون الضحايا لم يُستكمل من هادي وغيره من العفاشيين والحوثيين ، وسيبقى الشعب اليمني هو المنتصر الوحيد إن شاء الله ولو بعد حين ...
ولذلك إن جئنا ننظر إلى الخيار الأول الذي اختاره هادي ، وهو الهروب للجنوب وإعلان الإنفصال ماذا يكون عليه الأمر ؟ نقول إن كان الأمر يسير في إطار المخطط والإتفاق بينه وبين الحوثيين ، وبرعاية دولية ، فأظن الأمر سيسير بسهولة تامة من ناحية الحوثيين ، ولن يؤدي ذلك الأمر بالحوثيين لمعارك استعادة الجنوب من هادي ، لكن بالمقابل يقف أمامه المشروع الإنفصالي العتيد برئاسة البيض وبقية الأطراف الجنوبية الأخرى التي ترى في هادي أنه خائنًا للجنوب بحربه عليه في عام 94م ، يضاف إلى ذلك الإعتبارات المناطقية ( زمرة ، طغمة ) وثأرات يناير ما زالت متجذرة في المشهد الجنوبي حتى الآن ، أما إن كان الأمر في اطار الحل الأخير الذي وضعه هادي لنفسه كحل أخير ، وقد أشرنا إلى ذلك سابقًا في مقال سابق ، حيث قام خلال فترة حكمه بتهيئة الظروف لمثل هذا اليوم ، فأظن هذا الخيار سيقابل بعدة إجراءات معاكسة لطموحه ، ويبدو أنه لم يحسب لهذا الأمر حسابه لاعتبارات كثيرة أهمها : أن الحوثيين لن يسمحوا له البتة بخروجه من صنعاء ولا مغادرة قصره ، حتى وإن مكّن عناصره المؤيدين له فى الجنوب ، وساهم بطريقة أو أخرى لأن يقوم الإنفصاليون للتوحّد تحت لافتة الجنوب ، كما هو حاصل الآن بإغلاق المطارات والموانئ ، والدفع باللجان الشعبية للسيطرة على الموقف على الأرض ، ثم إعلان الإنفصال بعد فشل كل الخيارات الممكنة ، فهذا يعني أنه سيُدخِل أنصاره في معركة خاسرة مع التمدد الحوثي الذي سيطال الجنوب ، وسيساهم في استمرار المتعة الحوثية العفاشية والتحالف العسكري والسياسي ، والذي سيقومون بمواصلة التوسع نحو مأرب وتعز واكتساح الجنوب ، ولن يفلح بعد ذلك من إنشاء دولته الجنوبية بتاتًا ، يضاف إليه أنه سيقف لوحده بزمرته في تلك المواجهة ، ولن يقف معه أحد ، وسيساهم كذلك في انفصال إقليم حضرموت بمحافظاته الغنية ..
أما عن الخيار الثاني في موضوع الإستقالة ، وهو بعثرة أحجار الشطرنج وإعادة اللعبة من جديد ، فهو يريد بذلك وضع الجميع بما فيهم الحوثيين في مأزق معالجة مترتبات استقالته المفاجئة ، فأظن أنه لن يفلح في هكذا موقف ، لاعتبارات كثيرة ، منها إن هو عدل عن استقالته ورضي الإستمرار في إدارة شؤون البلاد تحت الضغط أو مناورة سياسية أيًا كانت ، فهو بالتالي سيعود إلى موقعه السابق في رقعة الشطرنج ، وحينها سيضع نفسه مرة أخرى أمام المطالب الحوثية في استكمال السيطرة على البلاد ، ولذلك تجده الآن يحاول أن يظهر نفسه أمام العالم أنه مسلوب الإرادة أمام قوة الحوثيين ، ليعطي لنفسه المبررات للسير في فلكهم ، ويضع الجميع أمام خياري الإستمرار بالوضع الهش ، والصمت عن بلطجة الحوثيين ، ولكل ما يعتمل من قبلهم فى البلاد إذا عدل عن الإستقالة ، ثم المساهمة بإسقاط مأرب والجوف بصورة خاطفة وبمشاركة الطيران كما يريد الحوثيون ، ثم مواصلة مخططاتهم التوسعية ، وهذا معناه أن يقف في مواجهة مباشرة مع السعودية ثم شعب اليمن كاملاً ، الذي لن يصمت على ضياع مأرب ، أو أن يستمر في استقالته فمعنى ذلك أنه يضع الجميع للإحتراب الداخلي بين الأقاليم ، والتي أظنها ستعلن خروجها عن السلطة المركزية ، وانضمامها لإقليم الجنوب ما يعني أن الأقاليم بكلها لن تكون معه وتتجاوزه ، وفي كلا الحالتين لن يستفيد شيئًا من هذا الترتيب الذي يعده ..
ولأن هادي كان يفكر في نفسه أولاً وأخيرًا ، فما أظنه سيستمر في حكمه وفقًا لأطماعه الشخصية أو المخططات الأمريكية المرسومة له فى القضاء على مراكز القوى ، التي كان بعضها عامل قوته وثباته ، فأضاعها من يده ظنًا منه أنه سيُحسن التدبير ، وإذا به في مواجهة مباشرة مع الوحوش التي كشَّرت عن أنيابها عليه دون رحمة ، ، وكان الأولى له أن يسير بالبلاد بما يحقق طموح شعبه لا طموح أبنائه ، وهو الآن يخسر كل شيء حتى ما بقي من كرامته ..