|
نعيش هذه الأيام مع أحداث غزة الدامية، نشاهد تلك المجازر وقلوبنا تقطر دماً في الوقت الذي نقف فيه عاجزين عن القيام بما يمليه علينا ديننا وواجبنا القومي والإنساني، كما أننا قد ابتلينا بأنظمة عاجزة عن القيام بواجبها تجاه القضية الفلسطينية؛ بل وصل الأمر ببعض هذه الأنظمة إلى حد التآمر على المقاومة وتصفية القضية الفلسطينية نهائياً، وبما يُلبي مصالح حكومة العدو الصهيوني؛ ونستغرب من مواقف المسؤولين في هذه الدول العربية التي تُعيد ارتكاب نفس الأخطاء التي ارتكبتها في الماضي القريب، وكأنما هي غير آبهة بأي ردات فعل غاضبة من قبل شعوبها، ولا يردّها على ما يبدوا وازع أخلاقي أو ديني. فعندما اندلعت المواجهة بين المقاومة اللبنانية الباسلة والعدو الصهيوني في عام 2006م، سارعت حكومات هذه الدول نفسها بتحميل حزب الله تبعات كل ما جرى من حرب إبادة في حق إخواننا اللبنانيين، ليتضح فيما بعد أن أجهزة استخباراتها كانت شريكة في التنسيق مع أجهزة العدو بذريعة أن إيران الشيعية هي التي تقف خلف المقاومة، فضّخّموا من المسألة الشيعية إلى درجة أنستهم أن هناك إمكانية لتقاطع المصالح حتى مع الأعداء ...(فتعاونوا مع الصهاينة ضد الشيعة العرب في لبنان)!! ... وفي هذا أرى أن من واجبنا التأكيد على ما يلي:
أولاً: أن الأمة العربية من حيث المبدأ ليست عاجزة لا بإمكاناتها ولا برجالها عن مواجهة الصهاينة، وإنما العجز هو في القرار السياسي الرسمي العربي، الذي تستمد معظم أنظمته السياسية شرعية وجودها من القوى الدولية المتحالفة مع الصهاينة، وبذلك فإنها قد رهنت قوتها وإمكاناتها في خدمة المشاريع الأمريكية والصهيونية في المنطقة نظير خدمات الحماية لكراسيها من هذه الدول.
ثانياً: أن رهان بعض الدول العربية على عملية السلام مع الصهاينة، لا يبرر لها مطلقاً إسقاط خيار المقاومة بعد أن أسقطت حكومات هذه الدول من حساباتها خيار المواجهة.
ثالثاً: أن علينا واجب ينبغي أن نحرص على تأديته، وأقله مقاطعة المنتجات الغربية التي تقف بلدانها مع الصهاينة، وأن نجعل الشارع العربي في تحرك مستمر للتعبير عن المساندة الإعلامية، والمؤازرة بتقديم الدعم المادي والمعنوي طالما أننا غير قادرين على الوصول إليهم بأنفسنا، وأن نتضرع إلى الله بالدعاء لهم بالثبات والنصر المؤزر. ويجب أن نتذكر أننا في اليمن نحن أحفاد الأنصار في يمن الإيمان، تعرف الدنيا كلها أننا أهل جهاد وجلد، وخبرت مراسنا يهود خيبر وأكاسرة الفرس وجبابرة الروم التي دُكت معاقلها بأيدينا وأيدي القوم المؤمنين. واليوم نشكوا إلى الله قلة الحيلة وضعف الوسيلة، لكن حسبنا الله ونعم الوكيل. وفي هذا أتذكر الموقع الرائع للرئيس علي عبد الله صالح في أكتوبر عام 2002 عندما طالب بفتح الحدود أمام المجاهدين، لقد كان في ذلك شجاعاً وصادقاً في الأمر، ومعبراً عن الرغبة الحقيقية لشعبه المجاهد. وكم نتمنا أن تتاح هذه الفرصة، فشعبنا اليمن لم يترك مكان لا في الشيشان ولا في أفغانستان ولا في العراق ولا في فلسطين عندما كانت الفرصة متاحة في الذهاب إلى هناك، إلا وشارك في أداء الواجب الجهادي.
رابعاً: أن هناك محاولة لقلب الحقائق عبر بعض وسائل الإعلام العربية، والتلاعب بعض المفاهيم، التي يجري تناولها بشكل مُكثف في الوقت الحاضر حتى تترسخ في العقلية العربية لتصبح بعد مضي وقتٍ طويل مسلمات مقبولة لدى الشارع العربي، ولهذا يجب أن نؤكد على المفاهيم الصحيحة، ومنها أن جوهر الصراع في المنطقة هو صراع عربي صهيوني وليس صراع فلسطيني إسرائيلي كما يتم الترويج له. وهنا أنوه إلى إننا أصبحنا نستخدم لفظ \\\"إسرائيل\\\" في الإشارة إلى العدو الصهيوني وكأننا قد قبلنا بهذه التسمية وبهذه الدولة وشرعية وجودها على أرض فلسطين، وهذا خطأ فادح وإنما الحقيقة هو كيان صهيوني هجين. كما أن المقاومة الفلسطينية ليست إرهاب أو عنف غير مشروع، بل هي مقاومة مشروعة ولها حق إستخدام كل الوسائل العسكرية بما في ذلك الصواريخ التي لا تمتلك فصائل المقاومة سواها، في الدفاع عن شعب فلسطين ضد المحتل الصهيوني والمستوطنين الأنجاس، كما أن الحصار القاتل هو أكبر مبرر للشعوب لكي تدافع عن حياتها، لهذا فإن ما سمعناه من قبل بعض المسؤولين العرب من أقول ترمي بالتبعات على هذه الصواريخ وحركات المقاومة التي تُطلقها، إنما تتطابق مواقفها تماماً مع العدو الصهيوني في الوقت الذي عجزت فيه عن فك الحصار أو توفير الحماية للمدنيين الفلسطينيين. كما أن القول بأن حماس التي فازت بالانتخابات، هي التي انقلبت على الشرعية في فلسطين غير صحيح، وإنما الذي انقلب عليها هي حكومة الاحتلال الصهيوني والولايات المتحدة بتواطؤ بعض رموز قيادة فتح وبعض دول الطوق العربي.
لقد اعتقلت حكومة الصهاينة نواب حماس المنتخبون ورموز الحركة السياسيين تحت أنظار العالم المنافق والدول العربية التي تُحمّل اليوم حركة حماس مسؤولية كُل ما يجري في فلسطين.
خامساً: أنه في ظل عجز الجيوش النظامية العربية عن المواجهة، وفي ظل التحالفات الدولية التي تميل لصالح الكيان الصهيوني في الوقت الحاضر، وفي ظل التفوق الجوي للعدو؛ فإن المقاومة هي الخيار الأنسب لتدمير العدو وإلحاق الهزيمة به.. ولقد أثبتت التجارب في كل مكان عبر العالم في فيتنام وفي العراق وفي لبنان وفي فلسطين أن حركات المقاومة نفسها أطول من نفس الجيوش النظامية، فلماذا تعمل بعض الدول على تصفية المقاومة في الوقت الذي ثبت فيه عجز هذه الدول عن الحرب أو تحقيق سلام عادل؟.
في الإثنين 29 ديسمبر-كانون الأول 2008 05:32:30 م