|
في متابعتنا لما حدث في جامع دار الرئاسة من محاولة اغتيال الرئيس واختفاؤه وظهوره الناتج من تلك العملية ،وما رافقها من تسلسل الأحداث الغامضة والمثيرة قد أظهرت لنا تسريبات وتخمينات شتى عن وضع حالة الرئيس بعضها متفائل و الغالب متشائم ، حتى ذهبت تكهنات بعض قيادة المشترك إلى أن الرئيس قد مات !.
لقد عرض التلفزيون حديثاً منسوباً للرئيس بعد الحادثة بساعات ، اتهم فيه بيت الأحمر, ثم استمر الإعلام في الحديث عن نجاة الرئيس من الحادث . وظهر نائب وزير الإعلام حينها وقال أن الرئيس بخير وعافية ولا يوجد به سوى القليل من الخدوش في الوجه. والشعب أصبح متلهف جدا لسماع أخبار الرئيس معارضة وموالاة..لقد كان ظهور الرئيس كما بدا من المشهد الأول من العرض المسرحي الذي شوهد في القناة الفضائية اليمنية مثيرا ومدهشا . و إليكم بعض الملاحظات على هذه المسرحية..
إن مسألة الظهور كانت غامضة ومريبة تستوجب الوقوف عندها ، سواء من ناحية الشكل أو من ناحية المضمون. فمن ناحية الشكل ظهر الرئيس صالح في مظهر لا يليق به كرئيس للجمهورية ولا يليق باليمنيين , ولا نرتضي ما أقدمت عليه العربية السعودية والزمرة المتواطئة معها من بقايا النظام ،بل ويجب التحقيق مع هذه الزمرة على فعلتها تلك، إذ لوحظ على الرئيس التعب والإنهاك ،بملابس رديئة جدا. كان ينبغي على أولاده ومحبيه أن لا يسمحوا بعرض ذلك المشهد في التلفيزيون ،لأنهم حولوا الرئيس لمادة إعلانية لجذب وإشفاق المواطنين لحساب المنافقين الذين يريدون أن يحكموا ولو بإهانته.وهذا يذكرني بالمشهد الذي ظهر فيه الشهيد البطل صدام حسين عندما قُبض عليه مع الفارق طبعاً،إلا انه يدل على أن المخرج كان واحدا في الحالتين. أما من ناحية المضمون فقد سبق عرض خطاب الرئيس تصريح لوزير الخارجية السعودي سعود الفيصل ذكر فيه أن الرئيس اليمني في المجمل صحته جيدة.وهذا صحيح قياسا بصحة الوزير نفسه ! . فالرئيس بدا في المجمل صحته غير جيدة ! .
إن عرض الرئيس يدل على خبث النوايا وعلى اهانة اليمنيين ، وكان من المفترض أن يتم علاج الرئيس حتى يتماثل للشفاء و حينها يظهر الرئيس ويتحدث ما يشاء .أما خطاب الرئيس فلم يختلف كثيرا مما تعودنا سماعه منه إلا في البسملة والحمد والشكر لله الذي افتقدهما خطابه ،وأظن أن مقص الرقيب قد اقتصهما وبشكل متعمد لغرض في نفوس الأشرار صانعي المؤامرات ! خصوصا وان الحادث جاء والرئيس يصلي في بيت من بيوت الله كما روي لنا، فهل يعقل بعد نجاته أن لا يحمد الله ويشكره وخاصة وان بعض العلماء قد شبهوا ما جرى له كما جرى لبعض الصحابة رضوان الله عليهم. كذلك عُرض الخطاب في 7/7 وهذا يوم مشئوم عند إخواننا في المحافظات الجنوبية،نتيجة لما اعتبره حزب الحاكم نصرا على شركائه في إعادة الوحدة اليمنية في حرب صيف 1994م.
وهكذا توالت الأحداث وتدخلت قوى إقليمية متمثلة بالشقيقة الكبرى الصداع الحاد (السعودية) التي أثبتت بالفعل أنها قائدة الثورات المضادة في الوطن العربي.لقد حاولت إجهاض ثورة مصر ومن قبلها تونس عندما استضافت الديكتاتور زين العابدين بن علي الذي لم تقبله أية دولة بما فيها فرنسا وأمريكا الصديقتان له، إلا أن تميزها في الحالة اليمنية واضح للعيان بتدخلها السافر في ابسط التفاصيل في الشأن اليمني من تعيين موظف في نقطة حدودية حتى علاج الرئيس وإخفاءه وأركان حكمه قسريا لمدة تجاوزت الشهر وبقية أركان حكمه لم يظهروا بعد، متجاهلة مشاعر الشعب اليمني في معرفة حقيقة ما جرى لرئيسه وإظهاره بشكل لا يليق برئيس دولة. وهي بهذا الفعل ترسل رسائل عدة منها ما هو موجه للداخل لكي يقبل بحلولها التي تنقصها الحد الأدنى لمطالب الشعب اليمني،و رسائل أخرى إلى الدول الأجنبية من أنها لن تسمح لها بالتدخل في الشأن اليمني لان هذا من صلب اهتماماتها. اعتقد أن الاهانة الكبرى للشعب اليمني هي إظهار الرئيس بهذا الشكل المخزي والمحزن في آن واحد !
ولقد حدثت مفاجأة أخرى هي الظهور في المشهد الثاني من المسرحية،وانأ في صدد كتابة هذا الموضوع الذي رافقه انقطاع متواصل للكهرباء،لتأتينا رسائل عبر التلفون من أن الرئيس قد ظهر مرة أخرى ومع من ؟! مع مساعد الرئيس الأمريكي لشؤون الإرهاب الشريك الأهم في المؤامرة!! ترى لماذا قابله في المستشفى وما هي المواضيع التي ناقشها معه ؟ وما دلالة ذلك ؟ ولماذا احتفل أنصار الرئيس بلقاء الرئيس مع ذلك المسئول؟ وكيف..؟! ومتى..؟! وأين..؟! .اضطررت للتوقف عن الكتابة حتى عادت الكهرباء فلاحظت أن الرئيس في هذه المرة بدا بحلته الجديدة في لباس أنيق عكس المشهد الأول تماما ،عندها أُكتشف دور المخرج وأدرك الناس بجلاء أن رسالة الصدمة التي يلعبها المخرج مفضوحة ،ولم تعد تتناسب مع الثقافة الأخلاقية الجديدة للثورة التي باتت في نضجها اكبر من أن يحتويها مخرج من الزمن القديم لا يفهم معنى الثورة ومزاج الملايين من الأحرار.هذه الرسالة يجب أن تفهمها المعارضة التي اقل ما يقال عنها أنها فاشلة ، والسلطة التي لا ترعوي من فعل أي شي قبيح . أيها المأزومون في السلطة والمعرضة حذاري أن تعتقدوا أن المسألة أزمة بينكم ،بل إنها ثورة كاملة الأوصاف والدلالات وهناك ملايين الناس تتفرج على خيبتكم وفشلكم ،لكنها في لحظة معينة ستتحول إلى طوفان لن يبقي منكم أحدا.وهذه الرسالة يجب أن يفهمها الجيران الذين لا يراعون ابسط قيم الجوار ، والعالم الذي لاتهمه سوى مصالحه على حساب مصالح الشعوب !.
أستطيع القول وبشي من الثقة أن الصناعة التي سُوقت إلينا هدفها الأساس إمالة الرأي العام اليمني للتعاطف مع الرئيس ونظامه بحكم العاطفة الجياشة للشعب اليمني تجاه الكوارث والنكبات ،واعتقادا منهم أن هذا الحادث الجلل في بيت من بيوت الله تهز بالتأكيد حمية الشعب اليمني،ثم تم إظهاره في المشهد الأول في تلك الصورة لكي يجعل الشعب اليمني ينحاز لرئيسه وذلك بتصوير المشهد بان الرئيس كان ضحية لمؤامرة.هذا يفضي في اعتقادهم إلى أن الناس ستنسى ما جرى في جمعة الكرامة التي هزت مشاعر ووجدان الشعب اليمني بأسره المولاة قبل المعارضة، أيضاً نسيان المحرقة الدنية لساحة الحرية في تعز الذي أُحرقت فيه جثث الشهداء والمعاقين منهم على وجه التحديد.واعتقد أن المسرحية لم تنتهي خصوصا وان بقية أركان هذا النظام لم تعرض صورهم بعد..!! فهل نجحوا في صناعة المسرحية وهل سينجحون في عرض فصولها اللاحقة ؟! لكي يمحوا ذاكرة اليمنيين من هول ما أصابهم في فعلتهم الخسيسة لشباب مسالمين .....بانتظار ما تبقى من فصول المسرحية ! سنرى النجاح من عدمه. إنني اشك في أنهم سينجحون قي ذلك بالرغم من التقنية العالية المستخدمة في السيناريو (السعودية) والتصوير والإخراج(هوليود) ، والكومبارس(بقايا النظام وقيادات اللقاء المشترك)،لان ذاكرة الشعوب أقوى من ألاعيب التظليل ، وعلى وجه الخصوص الشعب اليمني الذي يتعاطف إنسانيا مع أي حدث لكن سرعان ما يستخدم ذكاؤه الحاد في معرفة النوايا والأهداف من ذلك الحدث. إن كل جريمة مورست وتُمارس على أي فرد في هذا الشعب لن تُنسى . ولذلك انصح الجميع بالاعتبار \"فاعتبروا يا أولي الألباب\" . ومبروك للجميع مكرمة الرئيس براتب زيادة لعلّه يكون اتعظ واعتبر، وإن في التقليد أحيانا لفائدة كبرى لعامة الناس .. وإنّ الثورة بصبر شعبها العظيم وثباته لمنتصرة بإذن الله ، مهما مثل الممثلون وصوّر المصورون واخرج المخرجون.
في الجمعة 15 يوليو-تموز 2011 04:30:56 م