ماذا لو سقط الإخوان ؟!
بقلم/ صالح السندي
نشر منذ: 12 سنة و 5 أشهر و يومين
السبت 16 يونيو-حزيران 2012 05:07 م

تتجه الأنظار اليوم الى مصر أرض الكنانة في جولة الإعادة , وإخوان مصر اليوم في سباق محموم وحامي الوطيس على مقعد الرئاسة, وإخوان العالم العربي والإسلامي يهتفون ويشحذون الهمم والطاقات الإعلامية والدعائية والإمكانات الشبابية الهائلة لإستنفارالشارع العربي والمسلم للتوجه صوب محراب الإنتخابات لإنتخاب محمد مرسي ممثلاً شرعياً لمصر وللإخوان معا , حمى التنافس الرئاسي المحموم والسباق على منصب الرئاسة يعد تجربة فريدة ونادرة الحدوث في صعود الإخوان الى مراحل متقدمة من الترشح الى قمة الهرم السلطوي والرئاسي في دولة تمثل قلب الأمة العربية والإسلامية النابض , فمع صعوبة التنبؤ عن الفائز الرئيسي في هذه الإنتخابات الجدلية التي رافقتها وسبقتها الكثير من الصدمات السياسية العنيفة والأحداث المتقلبة في الشارع المصري , لن يكون أقلها قرار المحكمة الدستورية العليا بإسقاط قانون العزل السياسي , بما يؤهل أحمد شفيق لخوض غمار الإنتخابات الرئاسية بقوة وشرعية دستورية وغطاء قانوني نافذ ,ولن يكون أكثرها القرار الصادم من المحكمه ذاتها بحل البرلمان المصري بغرفتيه مجلس الشعب والشورى كاملاً , تجعل من الصعوبة بمكان التنبؤ والتخمين المسبق والنظر برؤية مستقبلية الى ما ستؤول اليه نتائج الإنتخابات , وعن مدى قبول الأطراف المتنازعة بنتائجها , والى ما ستجر علية الشارع المصري خلال ال 48 ساعة القادمة.

ولكن الشئ الوحيد الذي يمكن توقعه أن الدولة والثورة المصرية ألآن تقف على باب مستقبل غامض ومنعطف خطير في التأريخ المصري الحديث , إن تغلبت عليه ستأخذ مكانها المرموق في قلب الأمم والحضارات , وستعطي دروسا تأريخية لأجيال متلاحقة عن عظمة التأريخ والإنسان المصري, وان إنكسرت شوكتها في المعمعة السياسية الحاصلة وتضارب الرؤى والإتجاهات السياسية المختلفة ,التي قد تنصدم غالبا مع توجهات الشباب وجيل التغيير, ستجر الوطن المصري الى مربع الثوره مجدداً , وتقود الأحزاب السياسية المواليه والمعارضة معا الى مثلث الحصر السياسي وخندق الفشل والإحتضار , وتخنق المجلس العسكري والنظام في زاوية حادة من الأحداث وصعوبة اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب, بما يصعب معها ايجاد البدائل والحلول المتاحة قبل خروج الأوضاع عن السيطرة , في حال فشل العملية الإنتخابية برمتها و عدم القبول بها كيفما كانت, مما يؤدي الى فشل التجربة الديموقراطية الوليدة مع انفجار الوضع الثوري المترقب والحذر مجدداً.

بالنسبة للجماعة في حال فشل المساعي العملية للرئاسة ستعتبرها مجرد تجربة عابرة و فشل سياسي مؤقت - قد يطول- مع إعادة الهيكلة التنظيمية وحشد الأنصار وإعادة الإستراتيجية وطرق التنفيذ والتطبيق, وسيكون أمامها خيارين اثنين لا ثالث لهما .. إما التسليم والإستسلام لنتائج الإنتخابات - في حال فوز أحمد شفيق - وإما التمرد والرفض والثورة مجدداً , وحدها الجماعة مع الأحزاب المنضوية تحت رايتها ليست قادرة على إشعال فتيل الثورة الرافضة مرة أخرى , مع إنعدام وتلاشي الثقة مع الجيل الشاب والثورة الرافض لإستفراد الجماعة بالحكم والأنانية المفرطة في التعامل مع مطالب الشباب والتكتلات التغييرية والمستقلة , وتبني ’’الطريقة الميكافيلية ’’في النفعية والواقعية السياسية مع تهميش بقية القوى الثورية والوطنية , الفجوة والفراغ الكبير في العلاقات الإخوانية-الشبابية ستكون حجر عثرة امام استنفار العنصر الشبابي ودمجه مرة أخرى في رحى التغيير وقلب النتائج مستقبلاً .

الشارع المصري بدوره لن يجد ما يقدمه لجماعة الإخوان المسلمين من ثورة جديدة يقودها الإخوان للمرة الثانية او يقومون بركوب الموجة الثورية وتحقيق اهداف جديدة عائمة على بحر من تضحيات الشباب وثورتهم , وسيصاب حينها الشارع المصري بتناقض كبير وصراع متجدد بين مختلف الأطياف الثورة الشبابية من جهه ومناصري النظام السابق , وحتى الفئة الصامتة الهاربة من جنة الإخوان الى جحيم نظام مبارك , والذي ظهر دورها قوياً مع النتائج الأولية للإنتخابات بأرقام وإحصائيات كبيرة لا يمكن تجاهلها وغض النظر عنها من حيث قوة التأثير وبروز التحدي واثبات وجود الذات في التغيير السياسي وقلب طاولة الإنتخابات الرئاسية بنتائج غير متوقعة .

بالطبع ساعد في صعود مؤشرات الفلول النفور الشعبي الحاد من توجه جماعة الإخوان المسلمين منفردة الى الترشح لمنصب الرئاسة , فماذا لو سقط الإخوان في مصر؟ ذلك الكابوس المرعب الذي يقظ مضاجع القيادات التأريخية الإخوانية , ويؤرق القواعد والأطر والتنظيمات المنتمية لها , حينها لن تكون هناك بدائل مجدية ..إما العزاء والحداد على الربيع العربي والثورة المصرية وإعلان فشلها , وإما التوجه مجددا الى خلق ثورة مصرية جديدة خاليه من تسلط الأحزاب وسطوتها وتضارب التوجهات وتناقض المصالح , وإما انفجار الشارع المصري بالأحداث والأعمال التخريبية والإنفجارات والفوضى التي ستجر الوطن المصري الى حافة الدمار والإنهيار خاصة في حال تدخل المجلس العسكري والجيش بدعوى تثبيت الأمن والإستقرار بما سيخلف حتما المزيد من سقوط الضحايا والأبرياء وتزيد من حدة الأوضاع وتفاقم الأزمة .

ولا يخفى تأثير الإخوان ومسيرتهم السياسية -المتعثرة غالبا -في مصر على بقية فروع وتشعبات التنظيم في مختلف الأقطار العربية والإسلامية , صعود الإخوان في مصر وتسلمهم زمام الأمور والسلطة , سيزيد من حماسة فروع التنظيم وجماعاته التوّاقة للخلافة الإسلامية , وتطبييق الشريعة الإسلامية كمرجع ومصدر وحيد للتشريعات في الدول التي غالبا ما توصف بالعلمانية والملحدة في نظر الجماعة وأدبياتها المعروفة , وستخلق بوادر أمل ودفعات معنوية عالية للإستمرار بخطى حثيثة الى السلطة بشتى السبل والطرق , والمضي قدما الى تبؤ مناصبا قيادية وعليا في الدول المجاورة ومنها اليمن وسوريا وبقية دول الربيع العربي , وستشمل أيضا الدول خارج نطاق التغيير الثوري كالأردن والمغرب والجزائر, لما تملكة الجماعة من نفوذ وسيطرة و قوة ارادة وانتشار كثيف في مختلف الأقطار العربية , لما ظلت علية محرومة لعقود طويلة من تحقيق الحلم التأريخي بالوصول الى الخلافة الراشدة , وان جاءت الآن تحت غطاءات و مسميات مختلفة وعديدة.

ولعب الإخوان المسلمين في اليمن أدوارا دعائية وإعلامية قوية مساندة للحملة الإنتخابية للمرشح محمد مرسي , كما غطت اكثر الصحف والمواقع الاخبارية والإلكترونية هذه الحملات وروّجت لها كقدر تأريخي ومصيري, وكانت في الأغلب مسألة حياة أو موت للتنظيم وللأحزاب الإسلامية , ومعادلة مترابطة و وثيقة , فإنتصار الإخوان في مصر يعد إنتصاراً عربياً وإسلامياً للجماعة في مختلف الدول , وفشل الإخوان وسقوطهم في مصر يعد إنتحاراً وإنهزاماً كلياً لفروع الجماعه وتكويناتها وتنظيماتها المختلفة في اكثر الدول , لذا المصير المشترك وأيديولوجية البقاء و القدر الواحد وأواصر الثقافة المشتركة بين الجماعة وفروعها , والعلاقة المتينة بين الأطراف والمصدر, ولما تعتبر الجماعة في مصر شريان الحياة والأوردة الحيوية التي تغذي الجماعة بدماء الحياة والبقاء , و رأس الجسد الاخواني المترامي الأطراف , ان سقط انهار تباعا له بقية الأعضاء , وبذا تختفي الأحلام الوردية التي طالما كانت تراود الجماعة بالخلافة الإسلامية الواعدة , والتي كادت ان تكون قاب قوسين او أدنى من حلم التحقيق والإنجاز , لولا إخفاق الجماعة وفشلها السياسي وافتقاد بعد النظر والرؤية بعيدة المدى وضعف الخبرة والمهارة والمرونة السياسية في التعامل مع مطالب الشباب ومتطلبات العصر, ربما ستقود الجماعة الى الإحتضار والموت البطئ وربما الإنتظار لعقود طويلة حتى تتعافي من السقوط ودواعية وتنهض مجددا مستفيدة من دروس الماضي وعبره.

في حين أن الجماعة في مصر تعلن تقدمها المترنح تجاه منصب الرئاسة تجد أن في اليمن ’’حزب الإصلاح’’ الممثل الشرعي لإخوان اليمن ومع اختطافه نصيب الأسد من كعكة حكومة الوفاق والحصص الوزارية وحصولة على مواقع قيادية وسياسية مؤثره في الحكومة , ولكنة اثبت فشلة الثوري قبل السياسي , والوطني قبل الحكومي , واكتفى في المرحلة الإنتقالية المزعومة تحت غطاء ومظلة اللقاء المشترك بالتذمر والإدانة وكيل التهم والتآمر لفلول النظام السابق , دون تحقيق اجراءات تغييرية جذرية مطلوبة وملموسة في مؤسسات ومرافق الدولة , ودون إيجاد اكثر الخيارات والبدائل النافعة مع القدرة الكلية على التغيير والوصول الى مواقع ومراكز القرار, اذن هناك فشل سياسي عميق ممتد ومتنامي بين مصر واليمن ويعد إنذاراً مبكراً وقوياً بفشل حكم الإخوان , وان كانوا في مصر اكثر خبرة وثقافة وحنكة سياسية وقدرة تنظيمية عالية , ما يجعل من مصير الثورتين المصرية واليمنية مصير مشترك وواحد , وستحكم المواقف الشعبية على النتائج والإنتخابات بطريقة موحدة وتصب في الإتجاه الشعبي العام لكلا البلدين إما سلباً او إيجاباً .