ثورة الشباب: عقروها يا ويلهم!
بقلم/ أ.د سيف العسلي
نشر منذ: 13 سنة و 5 أشهر و 8 أيام
الأربعاء 08 يونيو-حزيران 2011 04:51 م

لقد منح الله اليمنيين الثورة الشبابية لتكون لهم اية و نجاة كما منح قوم صالح الناقة. لقد وصلت الامور في اليمن الى طريق مسدود فلا الانتخابات ممكنة و لا التوافق السياسي ممكن. مؤسسات الدولة في حالة موت سريري. و نتيجة لذلك وقع اليمنيون جميعا في حالة ياس مطلق.

و حدث ذلك لان النخب السياسية انقسمت الى فريقين يختصمان السلطة و اللقاء المشترك. فانشغالهم بخصومتهما جعلهما يتجاهلان مصالح الشعب و بالتالي فلم يلتفتا الى ما يعانيه. و كذلك كان قوم نبي الله صالح فريقان يختصمان كل فريق يسعى لإهلاك الاخر باي وسيلة و اي ثمن.

لقد حال العديد من المهتمين بشان اليمن تذكيرهما بقتامة الاوضاع و الناتجة عن التخاصم و التناحر على الرغم من ان اليمن يملك موارد و امكانيات تمكنه من ان يعيش و يحيا بكرامة و امن و استقرار. فكل ما كان يتطلبه اصلاح الاوضاع في اليمن هو فقط التخلص من هذا التخاصم. و لان ذلك لم يحدث فقد انهارت مؤسسات الدولة وحدث ما لا يحمد عقباه. بل انه قد وصل الامر بهما الى اعتبار كل من يقول الحقيقة هو اما غبي و اما عميل.

و كذلك كان حال قوم نبي الله صالح. فقد ذكرهم بفضل الله عليهم اذ جعلهم خلفاء من بعد عاد فأنشأهم في الارض و استعمرهم فيها وسخر لهم الارض و ما فيها من عيون و تربة خصوبة تمكنهم من انشاء جنات من نخيل و زروع ينتج لهم كل ما يحتاجونه من غذاء مثل الفواكه و الزوع الكثيرة كريمة. و نتيجة لنعم الله عليهم فانهم قد تمكنوا من بناء القصور المهيبة بل انهم تمكنوا من نحت الجبال و جعلها بيوتا. لكنهم استخدموا نعم الله هذه في غير مكانها المناسب فعثوا في الارض مفسدين يقهر قويهم ضعيفهم. فانقسموا الى فريقين يختصمون كل فريق يسعى لإهلاك الاخر فرفعت رحمة الله عنهم لانهم لم يتوبوا الى الله و يستغفروه. بل قالوا لنبيهم تطيرنا بك و بمن معك.

و على الرغم من ذلك فقد ارسل الله لقوم صالح اية بنية لتكون لهم النذير الاخير. اذ قال لهم اخوهم صالح هذه ناقة الله لكم اية فذروها تأكل في ارض الله و لا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب اليم. لها شرب يوم و لكم شرب يوم معلوم. لكنهم لم يستجيبوا له بل اتبعوا امر المسرفين الذين يفسدون في الارض و لا يصلحون. فانتشر الفساد و تراجع الصلاح. فعقروها فاصبحوا من النادمين.

انني اعتقد ان ثورة الشباب في اليمن كانت بمثابة الفرصة الاخيرة لكل من السلطة و اللقاء المشترك. فانصار الحزب الحاكم ممثلون في ميادين التغير الى جانب ممثلي احزاب اللقاء المشترك. و من ثم فانه لن يترتب على التغير في هذه الحالة اي اقصاء او اجتثاث.

لقد كانت ثورة الشباب تمثل بحق حلا مشرفا للجميع. انها قد مثلت حلا للسلطة لأنها قد وفرت لها فرصة لنقل السلطة سلميا الى اياد جديدة من الشعب و ليس الى ايادي اعدائها من قيادة اللقاء المشترك.

و قد كانت ثورة الشباب كذلك تمثل فرصة ذهبية للمعارضة لتحقق ما فشلت به من نقل السلطة من اعدائها الى الشعب. و ربما كان يمكن ان تكون المعارضة شركاء في السلطة الجديدة. فالتغير كان سيتم بحيث لن يكون هناك غالب او مغلوب. و لا شك ان ذلك كان في صالح الشعب.

لو كان قوم صالح تركوا الناقة ترعى في ارض الله لكانوا حلوا خلافاتهم و استفادوا من حليبها الوفير لكنهم لم يقبلوا بذلك لان المستفيد الاول من حليب الناقة هم الفقراء. كذلك لو تركت السلطة و اللقاء المشترك لثورة الشباب تحدد مسارها و مراحلها لمكنت من كسر احتكار الحياة السياسية. فكل القوى الاجتماعية الاخرى مثل الحوثين و المستقلين ممثلين في ميادين التغير. بل انه يمكن القول بان كل فئات المجتمع ممثلة فيها بشكل او باخر.

لو كان سمح لثورة الشباب ان تنجح لحلت مشاكل معقدة ظل اليمن يعاني منها لفترات طويلة و عجزت كل الطرق الاخرى في حلها. لقد توحد جنوب اليمن و شماله و سافله و عاليه و شافعيته و زيديته و جيشه و مدنيه و متدينيه و علمانيه. و لولا ثورة الشباب ما تحقق ذلك بهذه السهولة و من غير تكلفة تذكر. لكنهما ( السلطة و اللقاء المشترك) لم يفعلا ذلك حتى لا يشاركهما في السلطة المستقلون و لا كانت السلطة في هذه الحالة مغرما لا مغنما و لا خضعا للمحاسبة و المسائلة. و بدلا عن ذلك فقد استمرا في سعيمها لتقاسم السلطة بينهما فقط.

فقد كان رد فعل قوم صالح ان تامروا على قتله و انصاره بطريقة غادرة و جبانة. قالوا تقاسموا بالله لنقتلنه و اهله ثم لنقولن لوليه ما قتلناهم و انا لصادقون. و مكروا مكرا و مكر الله بهم و هو لا يشعرون فدمرهم اجمعين و ترك قصورهم خاوية بما ظلموا. و نجنى الله الذين امنوا و كانوا يتقون. لكنهم عقروا الناقة.

و مما يثير الانتباه ان تصرف كل من السلطة و اللقاء المشترك كان مشابها لتصرف قوم صالح. فقد تامرا الفريقان على شباب الثورة فعملا على عقر ثورتهم من خلال افشالها. فاللقاء المشترك اظهر دعمه للثورة فدفع شبابها الى رفع سقف مطالبهم لتصل الى المطالبة بإسقاط النظام و تبنى في الظاهر هذه المطالب و لكن في الواقع سعى الى استخدامهم كورقة للضغط على السلطة ليس الا.

اما السلطة فكانت تعلن انها مستعدة للاستجابة لمطالب الشباب لكنها في الواقع كانت تعمل على قتلهم و قمعهم. و على الرغم من ذلك فان كلا الفريقان ما فتئا يتفاوضان على تقاسم السلطة بعيدا عن الشباب و مطالبهم.

انهما بذلك قد عقرا ثورة الشباب جهارا نهارا و بدون اي حياء. و نتيجة لذلك فقد جنيا على الشباب وثورتهم ثلاث مرة عندما اوهموا بدعم اللقاء المشترك و مرة ثانية عندما قتلوا برصاص السلطة ومرة ثالثة عندما تم الالتفاف على مطالبهم.

لكن يا ويلهم. فكما كان مصير قوم صالح هو الهلاك فأخذتهم الرجف فاصبحوا في ديارهم جاثمين كان لم يغنوا فيها. فان مصير كل من السلطة و اللقاء المشترك هو الهلاك.

عليكم يا شباب الثورة ان تثبتوا في ميادينكم و لا تصعدوا حتى لا تبرروا العنف ضدكم فالله سوف ينصركم عليهم و سيهلكهم بطريقته الخاصة لانهم قد مارسوا الفساد و التضليل و الكذب.