هادي وصالح والخلاف المزعوم ..
بقلم/ صالح السندي
نشر منذ: 12 سنة و 7 أشهر و 27 يوماً
الأربعاء 21 مارس - آذار 2012 06:26 م

دأبت وسائل الإعلام المحسوبة على النظام القديم الجديد , ونشطت مواقع إخباريه بحد عينها في نشر أخبار ولطشات إخبارية مفادها إن هناك نار خلافات مستعرة و حرب عاصفة تدور رحاها بين الرئيس الأسبق والحالي , وبرعت هذه الأدوات الحزبية في إتقان الدور والتمثيل البارع و نشر هذه الادعاءات المزعومة والمواد الغير موثقة من مصادر رسمية , وإظهار الأمر وكأنه قضية وطن و صراع بين الشرعية الدستورية الجديدة وممثلها عبدربه منصور هادي وبين الشرعية المغتصبة وناهبها على عبدالله صالح , ضجت الصحف وثارت المواقع الاخباريه واجتهد المحللون في ايجاد تفسيرات للأمر وتحاليل منطقية ومعقولة لما يدار في الخفاء, وبرع الكتاب في رسم صوره عاتمة وقاتمة الألوان للخلاف القائم , بل وذهبت الفضائيات والإعلام الى الترويج لهذه الأخبار المفتعلة , وغالبا يكون مصدرها وحيد من غرف القصر الإعلامية , سرعان ما تنتشر انتشار النار في الهشيم , وتحلق في فضاء الأعلام وسماء الوطن , وتنذر بالويلات والعواقب الوخيمة على وطن يحيا على شفا هاوية من الصرعات والنزاعات التي لا تنتهي , فسرعان ما تنطفئ نار خلاف في مكان حتى تشتعل في مكان آخر دون هوادة او تردد , واليوم تطالعنا هذه الوسائل الإعلامية :الرخيصة مسبوقة الدفع , وهدفها من نشر هذه الفوضى الإخبارية

1- إضفاء شرعية مكتسبة جديدة لبن هادي بعد الشرعية المفقودة نتيجة فشل الانتخابات الرئاسية والنسبة المئوية العملاقة 99.18% التي عانقت أفق المئات في شرعنته وشرعنة نظامه .

2-لفت الأنظار عن الحمى الثورية المستعرة الساكنة في أفئدة الشعب و تذمر الاغلبيه العظمى في الساحات نتيجة الفشل الذريع لحكومة الوفاق في تلبية رغبات الشعب الحياتية وتوفير الأمن و الاستقرار في شتى ربوع الوطن.

3- إظهار الأمر برمته وكأنه خلاف وصراع محموم بين أقطاب النظام السياسي والشرعية الزائفة لجني مكاسب سياسية ثنائية الجانب , فبقدر ماتمثل ضربه لنظام صالح بقدر ماتصوره وتقدمه للعالم انه الحاكم الفعلي وان مقاليد السلطة والحكم ما زالت بيده , وبذا يسهل له الخروج الآمن مستقبلا تحت هذه الضغوطات والإمعان في التدخلات المستمرة , فالهجوم خير وسيلة للدفاع , في مثل هذه الحالات ..

4- صرف الأنظار عن حيثيات المبادرة الخليجية والحصانة والعدالة الانتقالية والجدل القائم حولها , وعن إخفاق حكومة الوفاق وعن الثورة الشبابية وتحويل الأمر برمته الى أزمة سياسية إعلامية مفتعلة .

الرئيس هادي لم يعد هادئا في طبع الإعلام الجديد , وتم تصوير الحمل الوديع القادم من عباءة النظام القديم بأنه فارس الزمان وكاسر شوكة الرئيس السابق وحامي حمى الثورة , وهو منها برئ برآءة الذئب من دم يوسف , فحتى هذه اللحظة لم يخرج معلنا للملأ شرعية الثورة , التي يتوق الكثيرون لسماع هذه العبارة الذهبية والدرة الثمينة منذ زمن وحتى قبل غمس الاصابع في حبر الانتخابات , وتم تصوير دور هادي في مسلسل المسرحية الدرامية للخلاف المزعوم , بأنه ذلك المتمرد الأسطوري المنقذ كما رواه نجيب محفوظ في (ملحمة الحرافيش) تجسُد في مآثر بطل حقيقي أو أسطوري , وهي شخصية ذات مغزى واضح , تتضمن أفعالاً عجيبة وحوادث خارقة للعادة .

هذه العقلية الإعلامية المبالغة في الوصف وتمجيد الزعامات وإضافة هالات إعلامية نورانية كبيرة وقدرات خارقة إستثائية غير عادية حول شخصية الرئيس الجديد لا ترقى لمستوى تطلع المجتمع اليمني وثقافته المتأصلة العريقة من نبذ هكذا تصرفات وعادات عقيمة , خلقت فيما مضى زعامات وأصنام ومجسمات يعاني من تجسدها وتواجدها في عقليات الكثيرين وفي حالنا المعاصر حتى هذه اللحظه.

إذن هادي في نظر أبواق السلطه سيأتي بمالم تستطعه الأوائل والثورة معا , وسيحرر البلاد والعباد من رق الذل والعبودية , وسيصنع الأمجاد العظام والبطولات وسيقود مركب الوطن الى بر الأمان , وسيسقط الصنم الأكبر من على كاهل الشعب , وكأنه لم يخرج من كنف النظام القديم , ولم يترعرع في احضانه وينهل من ينابيعه , ولم يكن ذات يوم رمزا من رموزه وركنا من أركانه العتيقة , ارتكبت أكثر المجازر والمصائب والكوارث وحروب عديدة وهو في ظل الرئيس , فكيف خرج اليوم عن صمته وصار عملاقا وماردا ورمزا وطنيا .

وتصور ألصحافه والإعلام تلك العبارات الدرامية الرنانة التي تهيج مشاعر الشعب المتقدة , وتعلن وقوفها مع رجل المرحلة وهو يخاطب الرئيس السابق ورئيسه بالحزب .. أن جرب حظك واعتقل باسندوه , هذه العبارات تتلاشي بمجرد رؤية الضحكات العالية والابتسامات العريضة المتبادلة واللقاء بالاحضان في حفل تسليم الرئاسة والتنصيب , أو عند أي لقاء يجمع الرجلين تسودة العلاقة الحميمة ومظاهر المودة والانسجام , فلم يظهر هادي يوما ما إعلاميا ليخرج صميل الجنة ويسكت الرئيس السابق وينتقده او يوقفه عند حدوده كما يزعم البعض , أو يمنعه من تعدي الخطوط الحمراء للدولة اليمنية , ولم نر له تصريحا مقتضبا في إحدى الفضائيات الرسمية والخاصة التي تبث لقاءات علي صالح أكثر من بثها للقاءاته ومؤتمراته .

 امتعض الرئيس السابق من وصف با سندوة له بالخرف فأرعد وأزبد واحمر وجهه واستشاط غضبا وجمع الجمع وأعلن انسحاب وزراء حزبه من الاجتماع القادم وهدد بسحب وزراءه من الحكومة , وكانت ردة فعل هادي أقوى واعنف وأعلن تشكيل لجنة سياسية مكونه من أقطاب الحكم الرشيد السابق ومن إعلامه ومن مستشاري صالح خلال سنوات الحكم القهري والاستبدادي , ياللهول.. يالله .. كيف بلغت حمى وشدة الصراعات الرئاسية أوجها وتناقلتها الأخبار بإسهاب شديد , واشتعلت الصحف الأخباريه والعناوين بها , وتلقفها المواطن الحائر وكماهي عادته عن طيب خاطر و بجدية مفرطة وبمصداقية عالية , دون التمعن والنظر والتحليل في مصداقية الأحداث ومحتواها , وكأن اعلامنا الرسمي وكان ومازال دوما وابدا على الحياد والمصداقية ومعبرا عن لسان حال الشعب وفي صفه ومع تطلعاته ورغباته في كشف الحقائق.

علاقة الرجلين قوية وممتدة وطويلة لأكثر من عقود , وما اختيار صالح لهادي نائبا له في أحلك الظروف التي مرت بها اليمن وفي مرحلة خطيرة و حساسة وحرجة , وفي موقع قيادي هام يؤهله ان يكون جديرا بثقة الرجل الأول ورضاه , دليلا على ولآء الرجل الثاني ووفائه المطلق لسيد القصر الأول وحاكم الوطن , وما نراه اليوم حاصلا من مماطلة وتسويف في الهيكلة المزعومة للجيش , واستمرار الأزمة السياسية الخانقة التي ألقت بظلالها على الواقع اليمني المتهالك , والإنفلات الأمني وتدهور الأوضاع الاقتصادية , الا دليلا قاطعا ومؤكدا ان التغييرات المنتظرة لم تتحقق في ظل حكومة المشير, وان تطبيق البرامج الانتخابية والوعود بالأفضل تعثرت, وأن شهر العسل السياسي بين المشترك والسلطة شارف على النهاية , وأن بوادر الوفاق الوطني وصلت الى طريق مسدود , وانصدمت بصخرة تعنت الأسرة الحاكمة المتبوئة فعليا مقاليد الحكم والقوة العسكرية .

 اذن مهما سوٌقت وسائل الإعلام وروٌجت لإشاعات مغرضة ودعايات بائرة لأسباب وغايات معروفة سلفا , لا تمس الا منفذي تلك الحملات الإعلامية لتجهيل الشعب وقلب الحقائق وزيادة الامور تعقيدا , وإمعانا في التضليل الإعلامي والخروج عن الحيادية والمصداقية , وتطعن بشكل صارخ في مصداقيتها الإعلامية الحقة , ورسالتها الوطنية لنقل الحقائق لتنفيذ اجندة السلطة بحذافيرها لجرالغالبية العظمى من الشعب الى الاقتناع الكلي بالرئيس الحالي والحكومة التوافقية , لبسط هيمنة الأسرة الحاكمة من الباب الخلفي للرئاسة والتمسك بمراكز القوة في الأمن والجيش .

حتى اللحظة الراهنة لا توجد بوادر أمل تلوح في الافق عن أيه تغييرات او إصلاحات تذكر , ولاتوجد أسباب منطقية حتى يتم نشر هذه الهالة الإعلامية المبالغ فيها والعظمه عن الرجل وقدراته في أحداث تحولات جوهريه جذرية وتاريخية في الوطن , الإمعان في تنازلات الرئيس هادي في شتى المجالات الأمنية والسياسية , لا تقود الا الى نتيجة وحيدة وهي تسهيل الدخول الآمن للرئيس السابق الى الحكم والعوده الية مجددا عبر طرق آمنه فعاله اما بصفته الشخصية واما عبر أبناءه وأياديه الممتده المتشعبة في القوات المسلحة والأمن , فتنازله عن السكن في دار الرئاسة في السبعين , والذي ظل وعلى مدى عقود يمثلا رمزا سياديا لحكم اليمن , ومربط الفرس في السياسة اليمنية والتحكم في إدارة شؤون البلاد , ورفضه مجددا إصدار القرارات السيادية الوطنية لصنع سياج وطني قوي يحمي الحكومة من تدخلات الأسرة الحاكمة , بل والذهاب الى ترقية بعض أفرادها وإعلاء شأنهم في مناصب حساسة لاتقل أهمية عن المناصب التي تبوؤها سابقا , تضع مصداقية الرئيس المنتخب وشرعيته على المحك , مع تزايد الزيارات الأسرية المتتالية لأقطاب الأسرة الحاكمة الى منزل الرئيس بجمهور حراسه مشددة بمواكب مسلحة وعنتريه فاضحة وبطرق استفزازية وغطرسة بالغه , للبحث عن رؤى وادوار مستقبلية وشرعية جديدة , بل وربما لسرد الاملاءآت السياسية والتحكم بالرئيس نفسه لتسيير شؤون اليمن كما يحلو لها , إذن البهرجة الإعلامية الزائدة والمبالغة و ذر الرماد في العيون لا تخدم الا توجهات أصحاب النفوس الضعيفة , وربما النظام بشقية يحفر قبرة بيده ودون ان يدري , ويرسم نهاياته التي قد لن تطول كثير