عن القاضي أحمد سيف حاشد
بقلم/ د. عيدروس نصر ناصر
نشر منذ: 12 سنة و 8 أشهر و 27 يوماً
الأحد 19 فبراير-شباط 2012 04:24 م

لم أعتد الكتابة عن الأشخاص، خاصة ممن ما يزالون على قيد الحياة حينما تكون الكتابة إما مجاملة لمسئولين أو مستثمرين أو رجال مال وأعمال أو أصحاب نفوذ، وذلك يكون إما طمعا في مكافأة أو بحثا عن مصلحة عند المكتوب عنهم أو تحاشيا لغضب صاحب نفوذ وكسب وده، لكن ما دفعني إلى الكتابة عن زميلي ورفيق رحلة الشقاء في برلمان ليس فيه إلا الشقاء والعناء والحراثة في الماء اللزج، هو جملة من الخصائص التي قلما تجدها لدى كثيرين ممن تربعوا على أكتاف الناخبين ليقلبوا لهم ظهر المجن بمجرد حصد أصواتهم ويذهبوا في خط معاكس لما وعدوا به ناخبيهم، ولأنه ليس لدى الرجل ما يمكن أن يتهم الكاتب بالطمع فيه من الثروة أو النفوذ أو المسئولية أو حتى السطوة القبلية فإنني سأكتب إنصافا لحقيقة طالما جرى تغييبها ولسجايا طالما توارت وراء تواضع ونبل وصدق صاحبها الذي ما يزال قابضا على جمر المبادئ الإنسانية العالية.

من منا لا يتذكر البرلماني الذي قرر الاعتصام في قاعة البرلمان لأن رئيس البرلمان منعه من توجيه استجواب لوزير بالغت وزارته في قتل المواطنين، وأرسلت بلاطجتها للاعتداء على أولياء دماء الشهداء لتدفن معهم الشهداء وقضيتهم ووكيل أولياء الدم،.. ذلك هو القاضي أحمد سيف حاشد.

من منا لا يتذكر النائب الذي قبض عليه بتهمة دخول السجن وكشف أسرار المعتقلين الذين أمضوا 14 عاما في السجون بلا محاكمة وبلا تهمة وبدلا من الاعتذار له وهو الذي كان يمارس حقه الدستوري والقانوني والنيابي، جاء وزير الداخلية ليقول لنا أنه قد قدم له القهوة والماء البارد في سجن الأمن السياسي،...إنه النائب أحمد سيف حاشد.

قليلون يعلمون أن الحارس الشخصي الوحيد لهذا النائب وسائق سيارته تعرض للاعتداء من قبل ابن أحد ضباط الأمن حتى فارق الحياة وعندما تقدم النائب بطلب حل القضية قوبل بالاستهجان والتجاهل من قبل البرلمان والحكومة، لأنه وسائقه لا يرقون إلى مستوى المواطن الذي يستحق أن تحترم حقوقه، بل ولا يستحق ما يستحقه أحد قطاع الطرق أو أحد خاطفي الأجانب الذين تقدم لهم الملايين مكافأة على ما يفعلونه.

من منا لا يتذكر النائب الذي صدرت فتوى بتكفيره والمطالبة باستتابته ورفع الحصانة عنه بتهمة الكفر، لأنه تعرض في صحيفته إلى شرح الأعضاء التناسلية للمرأة وما قد تتعرض له من أمراض ومشكلات العلاقات الجنسية وما يكتنفها من عيوب وجنايات، والغريبة أن من بين من أصدروا الفتوى ضباطا في الأمن السياسي أشك في أنهم يفرقون بين صلاة الميت وشروط الوضوء. . . ذلك النائب الذي صدرت ضده الفتوى هو النائب أحمد سيف حاشد.

عندما ذهبنا للاعتصام أما السفارة التونسية يوم الخامس عشر من يناير 2011 لتوجيه التحية إلى الشعب التونسي، وفي محاولة لاختراق حاجز الصمت والرعب المسيطر على اليمنيين وعندما جاء موكب الشباب كان القاضي حاشد في مقدمتهم وقد عاتبنا نحن الحاضرين مبكرا لعدم الحشد الكافي لهذا اليوم، لكنه واظب على حضور كل الفعاليات الجنينية التي استمرت طوال شهر يناير ومطلع فبراير وربما كان ممن تعرضوا للاعتداء علي أيدي البلاطجة وهم يقبضون على جمرة الثورة التي أخذت في التوهج والامتداد لتنتقل من ذلك الشارع الصغير الواقع بجوار جامعة صنعاء لتمتد إلى كل شوارع مدن اليمن بطولها وعرضها وتتواصل حتى الإطاحة برأس نظام بلغ من الشيخوخة ما أعجزه من السيطرة حتى على ربع العاصمة.

غالبا ما كان النائب حاشد يشكو من سيطرة اللون الواحد على خطاب الثورة وغياب ألوان الطيف المختلفة المحتشدة في الميدان من على المنصة، وإغلاق المنافذ أمام التنوع والتلون في ميدان التغيير (يقصد هنا العاصمة صنعا)، لكنه لم ييأس أو يذهب إلى منزله ليعتكف غضبا على عدم تحقيق الصورة المثلى التي حلم بها للثورة، بل واصل العمل في إطار التكتلات والتجمعات الشبابية وكان له أنصاره ومؤيدوه الذين هم في الغالب من أولائك الزاهدين الذين لا يبحثون إلا عن ثورة نقية طاهرة خالية من العيوب والملوثات، ثورة يسطرها أصحاب الضمائر النقية والأيدي النظيفة والسلوك المتصف بالاستقامة والنزاهة والصدق والتفاني من أجل الوطن ولا شيء غير الوطن.

كان النائب حاشد غالبا ما يشكو من الطريقة الغوغائية التي تسير بها أعمال مجلس النواب، ففي حين يمتلك رئيس المجلس الأغلبية الساحقة، يضمن من خلالها تمرير كل ما يريد من القضايا التي يريدها، لكنه كان يحرص على تكميم أفواه النواب المعارضين عندما يشعر بأنهم يتعرضون لقضايا لا يريد سماع حقائق مرة فيها، وغالبا ، وبل ودائما ما يحرص (رئيس المجلس) على تضمين محاضر المجلس الفقرة التالية: وقد اتخذ المجلس قراره بالأغلبية المطلوبة، دونما إشارة إلى عدد المعترضين والمتحفظين، وهم غالبا الأقلية وهذا لا يعكس إلا الخوف من كشف الحقيقة مهما كانت صغيرة ومهما انخفض عدد أنصارها.

أحمد سيف حاشد وعبد الباري طاهر وبلقيس اللهبي وعبد الرشيد الفقيه وأمل الباشا وعبد الكريم الخيواني ود محمد الظاهري ود عبد الحكيم نور الدين ومثلهم عشرات الآلاف في جميع ميادين الحرية وساحات التغيير لم يذهبوا للبحث عن نصيبهم من المكافأة لما عملوه ولما عانوه قبل وأثناء الثورة وما سيقدمونه بعدها، لا بل إنهم ما يزالون يمتلكون الاستعداد للتضحية أكثر من أجل تجذير خط الثورة بما ينفع الناس وتنقيته من الشوائب والزبد الذي يذهب جفاء.