المهمشون في اليمن. .بين العبودية المقنعة والمواطنة المتساوية
بقلم/ مطهر الشرجبي
نشر منذ: 14 سنة و 4 أشهر و 7 أيام
الخميس 08 يوليو-تموز 2010 06:10 م

( سوا سوا يا عباد الله متساوية ما حد ولد حر والثاني ولد جارية )

قد تكون ( عزال المقدشية ) الشاعرة الشعبية اليمنية قد جسدت معنى الحرية والكرامة والتصاقها الوثيق بالمساواة و العدالة و المواطنة الإنسانية الخالصة والبعيدة عن التمييز بسبب اللون أو العرق أو اللغة أو المعتقد وما يتبعها من تحقير وعنف يمارس تحت غطاء القانون و الأعراف أو حتى بعيداً عنه أو برضا وقبول المجتمع والدولة معاً.

ومن الغرابة بمكان ونحن في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين وفي عصر الديمقراطيات والمعلوماتية وبعد ( 48/47) عاماً من قيام ثورتي 26سبتمبر/ 14 اكتوبر ونحن نناقش ( حقوق المهمشين في اليمن ) بل هو مخزي ومعيب في نفس الوقت! .

فالمهمشين أو الاخدام أو ما يطلق عليهم تادبا وتخفيفا ( فئة الأشد فقراً ) حتى لايتم إحراج المجتمع اليمني أو جرح مشاعر هذه الفئة ...) يتم إقصائهم من إنسانيتهم عنوة وتجريمهم على إثم لم يقترفوه ولم يعلموا ما هو \\\" وهم محل شبهة \\\" حتى وان كانوا أبرياء ويتم أيضا حرمانهم من كافة حقوقهم وحشرهم في زاوية مظلمة ومنسية ومقصية في المجتمع , فا لمتأمل لمساكن هذه الفئة سيجدها بعيدة عن حواضر المدن أو القرى وفي أطراف التجمعات السكانية كنوع من اقصاء هذه الفئة مع حرمان تلك المساكن و البشر القاطنبن فيها من كافة الخدمات العامة ولو كانت هناك قطعة في أخر الأرض لوضعهم المجتمع فيها( جبراً).

انتهاك متوارث :

والمهمشون في بلادنا يقعون تحت وطئه عنف وتمييز متوارث فالتقاليد والأعراف الاجتماعية تضعهم في أدنى السلم الاجتماعي وتمارس عليهم أبشع صور الاضطهاد الإنساني .

و يعود ذلك إلى أن المجتمعات الشرقية والتي منها بلادنا تميزت بسمات وأسس وردت في كثير من كتابات العديد من المفكرين منهم ( انجلز وماركس ) نذكر هنا أهم تلك السمات:

1. تاريخ راكد غير قابل للحركة.

2. وجود مجتمعات قروية منعزلة.

3. المساواة الاجتماعية في العبودية أو العبودية العامة.

4. وجود الدين ودور ة البديل للقانون .

5. سيطرة الزراعة على الصناعة .

6. ملكية الدولة للأرض.

7. فقدان القواعد القانونية والشرعية.

8. بيئة جغرافية شديدة الحرارة.

وكل تلك السمات والأسس بمجملها جعلت تلك المجتمعات الشرقية تتمسك بالاعراف والتقاليد والتي يكون اغلبها تمييزي ويحافظ علي صلادة المجتمعات ضد كافة اشكال التغييير ويجعلها ايضاتنحدر نحو ظاهرة الاستبداد وتفشي وباء العنف والتمييز والتعسف وتوارثها في تلك المجتمعات كابر عن كابر.

ورغم أن اليمن كانت من البلدان السباقة في اعتناق الديانات السماوية الثلاث , وأخرها الديانة الإسلامية وما تحملها تلك الديانات من قيم إنسانية عظيمة في تاريخ الإنسان , إلا أنها ظلت \\\" تراوح\\\" مكانها أمام قيم ومبادئ العدالة والمساواة مع الأفراد وفي المجتمع خاصة \\\" المهمشين / الاخدام / الأشد فقراً فرغم ان الدين الاسلامي يدعو للمساواة وتحرير الناس من عبادة العباد (العبودية الصرفة /عبودية الإتباع)الي عبادة رب العباد وحض علي عتق رقبة واعتبرها اسمى تقرب لله سبحانه وتعالى إلا أن المجتمعات العربية والتي منها بلادنا ورغم مرور مايقارب 1400عام من ظهور الاسلام

إلا أنها ظلت متمسكة بتمايزها الطبقي واسترقاق واستعباد البشر فقيم و أعراف وتقاليد القبيلة ظلت هي السائدة وهي المرجعية الأولى والاهم , لان الدولة اليمنية عبر مراحل تشكلها هي عبارة عن مجموعة من القبائل تتوارث الحكم والسلطة الدينية والدنيوية والأرض والثروة والتراتب الطبقي وكذا البشر معاً.

وقبيل ثورتي(26 سبتمر \\\\14 أكتوبر ) وبعد هما لم بتم إعادة النظر في شكل وبنيه الدولة اليمنية الحديثة لذأ فلم تحدث تطورات جذريه في رؤية وبنيه هذه الدوله وما تبعها من تشريعات وقوانين فانها لم تكن مجديه امام \\\"مفاهيم واعراف وسطوه تقاليد القبيله \\\"وتأ صل التمايز الطبقي فيها \\\"فالسيد سيد و\\\"القبيلي قبيلي\\\"و\\\"المزين مزين \\\"والخادم خادم, فلا يعنى الانسان كم التطور التقني المحيط به أوالازدهار الاقتصادي مادام أن واقعه متخلف وغير انساني وناضح بالقهر والتمييز فا لمستفيد من رفاه التقانه و الخدمات وغيرها لن يكون بالضروره \\\"االمهمشين\\\\الأخدام \\\"و من هم في أسفل السلم الاجتماعي حتى وان قدروا عليه .

حقوق المهمشين في المواثيق الدوليه:

كما ذكرنا سابقا أن الديانات الثلاث واخرها الاسلام كانت نقله نوعيه لتطور الفلسفات والحقوق والمبادي الانسانيه و القوانين لدى البشر

فتعاليم الدين الإسلامي الحنيف جاءت في صف (إنسانية الإنسان) وحريته وصون كرامته فالعدالة والمواطنة المتساوية والحق من المفاهيم الأساسية لهذا الدين ... قال تعالى ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم) وأكدت تعاليمه على (الكرامة الإنسانية ) والتي هي جوهر (حقوق الإنسان) في المفهوم المعاصر .. قال تعالى (ولقد كرمنا بني أدم وحملناهم في البر والبحر) وقال صلى الله علية وسلم(الناس سواسية كاسنان المشط لافرق بين عربي أواعجمي إلا بالتقوى ) ولاتزال صرخة عمر رضي الله عنة صادحة في ذاكرتنا (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا).

وليس ببعيد فقد جاءت الشرعة الدولية لحقوق الإنسان لتوكيد على كل القيم الإنسانية السامية , فالإعلان العالمي لحقوق الإنسان قد خلص في مختلف مواده الثلاثون للتأكيد علي:

* الحرية والمسا واه والكرامة الانسانيه (يولد النا س احرارا و متساويين في الكرامة والحقوق ,وهم قد وهبواالعقل و الوجدان وعليهم انه يعاملوابعضهم بعضا بروح الاخاء)) (م\\\\1).

* تجريم وتحريم العبودية ((لايجوز استرقاق احد او استبعادة .. ويحضر الرق او الاتجار بالرقيق – البشر – بجميع صورها )) ( م/4).

• التمتع بكافة الحقوق دون تمييز (( لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات دون تمييز من أي نوع .... بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة او الدين .. او الاصل الوطني او الاجتماعي ...)) ( م/2 ) .

• المساواة امام القانون (( الناس جميعاً سواء امام القانون ... دونما تمييز ،.. كما يتساوون في حق التمتع بالحماية من أي تمييز وينتهك هذا الاعلان . او امن أي تحريض على مثل هذا التمييز ...)) (م/6).. وغيرها من المواد التي توصي بالتمتع بحقوق الانسان المختلفة سواء كان ذلك في العمل او التعليم والضمان الاجتماعي والخدمات الصحية وغيرها من الحقوق ، وكذا جاء العهدين الدوليين لحقوق الانسان (( العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية 1966م – العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية 1966م – والبرتوكوليين الاختياريين الملحقين بالعهدين الدوليين لتؤكد على تلك الحقوق )).

• اما بالنسبة للدستور اليمني فقد جاء ملتزماً بمفاهيم الدولة المدنية ومبادئ حقوق الانسان في اغلبة وكذا جاءت العديد من التشريعات والقوانين النافذة لتؤكد على تلك الحقوق رغم وجود أعطاب وخلل واضح في العديد من تلك القوانين الا انها في مجملها تدعوا لرفع المعاناة والعنف والتمييز والانتهاك على فئة المهمشين (الاخدام) الاشد فقرا لكن سطوة الاعراف والتقاليد وتوارث هذا التمييز ضد المهمشين فإن الكثير من القوانين تصير دون جدوى بل يتم تفسيرها واعتسافها (لصالح القبيلي) لا الخادم المهمش فالمهمشين ورغم غياب الاحصائية الحقيقية لتعدادهم و- هذا شكل اخر للتمييز- يمثلون شريحة كبيرة وعريضة من المجتمع وهم يتوزعون في عدد من المحافظات وبنسب متفاوتة الا انهم محرومون بجدارة من المواطنة ومن كافة الحقوق الانسانية بل انهم يقعون تحت وطئة عبودية واسترقاق مقنع ويلاحقون بجرم وجودهم وتتناقل القصص والامثال المرسخة لهذا التمييز العنصري والعرقي وصارت هناك صورة نمطية عنهم كانت عائق اساسي امام اندماجهم في المجتمع و فرض عليهم ممارسة الأعمال التي يرفض القبيلي ممارستها كالخرازة واعمال النظافة وغيرها من الاعمال والمهن المحتقرة وهناك ايضا تمييز يمارس على تلك الفئة وهو ابشع من كل تمييز أخر وهو ملاحقة تلك الفئة بخرافات وأساطير ماانزل الله بها من سلطان تهدف لعزلهم اكثر عن المجتمع كالادعاء بانهم غير مسلمين او انهم لايدفنون موتاهم اولايصلون اويصومون او انهم يأكلون الأطفال وغيرها وغيرها من الخرافات والأمثال والتي نذكر منها :

• (الخادم خادم حتى يوم العيد)

• (الخادم يومه عيده)

• (لايغرك نظافة الاخدام النجاسة في العظام)

• (لو أضاربوا المقارع حسك تفارع)

• فالعنف والتمييز الاجتماعي هو اقسى من العنف القانوني والحقوقي او انه مؤدي الية بالضرورة .

ويمكن هنا ان نوجز اهم الانتهاكات الممارسة ضد ((المهمشين / الاخدام)) في بلادنا والتي منها:-

- الحرمان من الحقوق والمواطنة المتساوية .

- الحرمان من الخدمات العامة والمختلفة.

- إتساع مساحة الفقر والبطالة في هذه الفئة .

- حرمانهم من حقوق العمل (من عقود / راتب عادل/ ضمان صحي/التثبيت...) .

- حرمانهم من حق التعليم ومجانيتة وعزلهم في مدارس منفصلة.

- حرمانهم من المشاركة في الاحزاب السياسية .

- عدم وجود قانون يجرم ويحرم التمييز ضدهم كما كان موجود في الجنوب سابقا

- عدم تخصيص نسبة مئوية في الوظائف والرعاية الطبية وغيرها والتي تعمل علي التدخل الوقائي لصالح هذه الفئة كونهم اكثر عرضة للانتهاك والتمييز

- حرمانهم من حقوقهم السياسية وتمثيلهم على مستوى المجالس المحلية / او النيابية.

- الدفع بهم لمزاولة المهن الشاقة والحقيرة والخطرة دون وجود ضمانات صحية وتأمينية تجاة الاصابات والاضرار.

- تفشي الامية وعدم الوعي الحقوقي والصحي في أوساط المهمشين .

- استيلاء النافذين على مساحات الأرض التي يعيشون عليها بعد احراق مساكنهم او طردهم منها.

- عدم التعامل الجاد مع قضايا الانتهاكات الجسدية والجنسية ضد المهمشين من الاطفال او النساء والتعامل مع مرتكبيها بتسامح واضح وتساهل مفرط يؤدي الى تفشي ظاهرة الاعتداء الجسدي والجنسي ضد هذه الفئة في المجتمع.

- غياب التشريعات الرادعة لتفشي ظاهرة العنف والتمييز ضد المهمشين وعدم وجود (قوانين تمييزية ايجابية) لصالح هذه الفئة.

وماذا بعد؟ (ادوارنا الاجتماعية والرسمية تجاة المهمشين):-

ونحن كمجتمع قبل ان نطالب من (المهمشين / الاخدام / فئة الاشد فقرا/ سكان الصفيح) الواجبات المناطة بهم فلابد ان نمكنهم من حقوقهم فلا يمكن فصل الحقوق عن الواجبات .

ومطالبتنا بحقوقنا الانسانية نعي حقوق الاخرين ونتقبل المسئولية ليس فقط في احترام تلك الحقوق بل ايضا المساندة والدعم والدفاع عن اولئك الذين تنتهك حقوقهم او يتم تجاهلها ومنهم (المهمشين) لان انتهاك حقوق أي انسان يعني ضعف ضمانات حقوق الانسان لاي شخص اخر.

ولاننا نؤمن بأن حقوق الانسان تقررت بالتساوي لكل انسان في كل مكان وهي حقوق غير قابلة للتحويل او التنازل ولايمكن حرمان أي احد من هذه الحقوق لان ذلك يعني بالضرورة الحرمان من الصفة الانسانية وهي ايضا- حقوق الانسان – غير قابلة للتجزئة ولاتعتمد على ترتيب هرمي لتلك الحقوق فكلها وبشكل متساوي مهمة لتحقيق السلامة والامان والحرية لكل فرد في المجتمع ولايمكن النظر اليها على انها اجزاء مستقلة بل يعتمد بعضها على البعض الاخر وهي انسانية وهي في مجمل كل ذلك يمكن تعريفها بـ (انها تلك المعايير الاساسية التي بدونها لايستطيع الانسان العيش بكرامة) ومن هنا فإننا نجد ان مساحة العنف والتمييز والانتهاك الممارس ضد المهمشين في بلادنا لن تتضاءل في ظل وجود تقاعس وضعف وتراخي واضح ان لم نقل رضا وتواطئ منا كمجتمع بمختلف شرائحة وفئاتة (مجمع مدني / اعلاميين / خطباء مساجد/ محاميين وحقوقيين /....الخ).

فماهو دورنا جميعا مؤسسات وافراد ..؟.. لن ارسم الاجابة على هذا السؤال واوضح ادوارنا الاجتماعية والرسمية لرفع المعاناة عن كاهل المهمشين بل ساضع بين ايديكم وعلى طاولة الحوار تساؤلات عدة هي من يمكن ان ترسم ملامح الطريق لمعالجات قادمة وحقيقية أن نكون متمسكون بها وبمصداقية وشفافية ودون ان ندفن رؤسنا في الرمال )).

هل يمكننا ان نحطم قدسية ((الصورة النمطية )) عن المهمشين؟ ونرفض توريثها لأبنائنا.؟.

- هل هناك خلل واضح في نظرتنا للمواطنة المتساوية؟.

- هل يمكن ان يكون دورنا تعزيز الوعي الزائف والمتوارث عن المهمشين؟

- هل يمكن ان نعي الدور التوعوي تجاة المهمشين اتساقا مع تعاليم ديننا الاسلامي الحنيف ومبادئ حقوق الانسان والدستور اليمني .

- لماذا يوجد ازدواج في تطبيق القوانين اليمنية على فئة المهمشين ولماذا لايتم تفعيل القوانين لازالة العنف والتمييز الممارس ضدهم .

- لماذا تحرم هذه الفئة من كافة حقوقها الانسانية وكيف يمكننا تمكينهم من التمتع بتلك الحقوق باعتبارهم مواطنين يمنيون مثلنا .

- لماذا ترجح كفة القبيلي امام كفة المهمش حينما يقفان امام الجهات المختلفة اما كخصوم او مطالبين بحقوق ومزايا .

- كيف يمكننا مساعدة المهمشين بمغادرة نير الفقر وعدم الوعي وتفشي الامية .

- لماذا تبرز عبارة (هم راضون بوضعهم ويرفضون التغيير )حينما نطالب بحقوق المهمشين كمجتمع او جهات حكومية او منظمات وغيرها.. .

- هل يمكننا تجاهل هذه المشكلة طويلا فتتسع مساحة العنف والتمييز والفقر حتى يستعصي علينا حلها مستقبلا.

- واخيرا هل واقع وحياة المهمشين في اليمن يشى الى انهم يقعون تحت (عبودية مقنعة) اصلا ونحن نرفض الاعتراف به فاذا لم يكونوا في تلك العبودية المقنعة فواقعهم لايؤكد انهم احرارا او مواطنين يتمتعون بالمواطنة المتساوية كغيرهم من البشر في هذا البلد.

*امين عام سماء للدراسات والتنمية