|
على مدى سنوات وسنوات، لم يترك بتوع «المقاولة والمماتعة» أحداً من العرب إلا وخوّنوه واعتبروه عميلاً لما يسمونه بـ«العدو الصهيوني» بينما كان نبيه بري زعيم حركة أمل الشيعية شريك حسن نصرالله في إدارة لبنان يفاوض الإسرائيليين، بعيداً عن الأعين، ومنذ أكثر من عشر سنوات على ترسيم الحدود بين لبنان الإيراني وإسرائيل. بعبارة أخرى فإن كل مسرحيات ما يسمى بالمقاومة طوال تلك الفترة الطويلة كانت للضحك على الذقون وذراً للرماد في العيون. لقد كانوا يصدعون رؤوسنا بالصراخ ضد «العدو الصهيوني» بينما كانوا يفاوضونه، بمخادع سرية، على التشارك في اقتسام المنطقة. بتوع «المقاولة» يزبدون ويرغون ضد إسرائيل، ونتنياهو من جانبه كان يجاريهم بالصراخ الإعلامي والتهديدات الفارغة حتى كاد العالم يظن (وكل الظن إثم هنا) بأن الحرب ستندلع بين لحظة وأخرى بين عصابات إيران المأجورة وميليشياتها الإرهابية المسلحة التي ترفع الرايات الكربلائية والمظلومية الحسينية والتي تتحكم بلبنان وبين إسرائيل، بينما كانوا ينامون، جمعاً، ويستمتعون في فراش المماتعة الدافئ الوثير. باختصار، لقد كان اللعب الإيراني الإسرائيلي من وراء الكواليس نسخة طبق الأصل عن اللعب الحزبلاتي مع الإسرائيليين. الموت لإسرائيل في الإعلام، والموز لإسرائيل على أرض الواقع. وبينما كان حسن نصر الله يُمطر المطبعين بصواريخه الكلامية، كان هو ونبيه بري على تواصل مع إسرائيل من أجل التطبيع منذ سنوات وسنوات.
لقد ثارت ثائرة الكثيرين بمن فيها حركات المقاومة الفلسطينية ضد الدول العربية التي تعقد اتفاقيات مع تل أبيب، لكنهم يصمتون الآن صمت القبور وهم يشاهدون توقيع اتفاقيات رسمية بين لبنان «المقاوم» بين قوسين وما يسمونه بالكيان الغاصب. أليس ترسيم الحدود بين الجانبين تطبيعاً فاقعاً وبيعاً مفضوحاً لفلسطين؟ بالله عليكم ماذا تسمونه عندما يعترف الطرف «المقاول» بحدود إسرائيل رسمياً؟ أين ذهبت شعارات تحرير فلسطين والقدس؟ ألم يصدع حسن نصرالله رؤوسنا وهو يقول إن طريق القدس يمر عبر القصير وحلب وحمص والقلمون والزبداني ودرعا والسويداء ودمشق، فلماذا حين استحق موعد القدس بدأ ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل، يتساءل الكاتب اللبناني «الشيعي» الشهير علي الأمين؟
ومن جانبها تصرخ لينا زهر الدين الإعلامية اللبنانية «الشيعية» التي استقالت من قناة الميادين الإيرانية، احتجاجاً على السياسات المشبوهة للقناة، وبدأت تكشف المخطط الصفيوني الإيراني في لبنان، تصرخ قائلة: «ما مِن أحدٍ توقّعَ أن يكون الإعلان عن موافقة لبنان على اتفاق ترسيم الحدود بينه وبين «إسرائيل» بهذه البساطة وبهذه السرعة! ترسيم الحدود أياً كان شكله هو اعتراف لبنانيّ رسمي بـ«إسرائيل» كدولة! كيف ولماذا وصلت الأمور إلى كل هذا الذلّ والخضوع والاستسلام والارتهان والانقياد المهين للمقاومجية لضغوط الإدارة الأمريكية؟ ماذا لو أنّ سلطةً غير السلطة الحالية فعلتها؟! ألم تكن لتنال كل ما في اللغة العربية من عبارات التخوين والعمالة؟»
وفي منشور آخر لها على صفحتها في فيسبوك تضيف زهر الدين: «آخر إنجازات عهد المساومة رفع العلمين اللبناني والإسرائيلي في الناقورة احتفاءً بالمفاوضات التي تضمّ -إلى جانب التقنيين والعسكريين- شخصياتٍ سياسية ومدنية من الجانبين..ما تزايدوا على حدا وما تفهموهن غلط للجماعة…هذا ترسيم حدود لا مفاوضات».
وبدورها تتهكم الناشطة الشيعية دلال زين الدين على التطبيع المفضوح بين جماعة «المقاولة» وإسرائيل قائلة: «بعدما تبين أن تنظيم داعش هو صناعة إيرانية أمريكية حسب إيميلات هيلاري كلينتون ليس مستبعداً أن يكون حزب الله صناعة إسرائيلية إيرانية وأن كل ما حدث أمامنا من حروب وويلات كان مجرد مسرحيات سياسية تعود فائدتها على إسرائيل أولاً وأخيراً.
والله يسترنا مستقبلاً ما يطلع حزب الله منظمة صهيونية ونصر الله مجرد ضابط بالموساد والمعروف رسمياً أنه كلما كبرت الخدعة كلما كان الشعار أكبر».
ومن جانبه يفضح الكاتب الأردني فواز مصاروة اللعبة أكثر قائلاً: «إذن مفاوضات..إذن اعتراف رسمي لبناني بوجود إسرائيل.. إذن لا حرب تحرير ولا مقاومة…..سقوط مدو ٍ مشين وواضح لمحور المقاومة….وسوف تصدأ صواريخ المقاومة في مخازنها أو مخادعها، ولا غرق، باعتبار القصة صارت كلها مماتعة ومضاجعة…
انتهى عصر الكذب والدهلسة…وانتهت حجة إيران الكاذبة بتحرير فلسطين..مع ما يسمى مقاومة وليخلد فيلق القدس الشهير بـ«السرير. الذي لا يعرف أن هذه المفاوضات تجري منذ عشر سنوات وبقيادة المماتع نبيه بري رجل المقاومة الثاني».
طبعاً كل الذين يفهمون اللعبة جيداً يعلمون أن كل عنتريات حسن نصرالله كانت فرقعات صوتية إعلامية دخانية استعراضية خاوية جوفاء لا قيمة لها لإرضاء وتهييج قطعان المماتعة وتخديرهم، ففي عام 2005 قالها حرفياً لموفد أمريكي في تسجيل منشور على يوتيوب: «ليس لدينا مشكلة مع إسرائيل، وفلسطين قضية الفلسطينيين ولا علاقة لنا بها» بينما كان يلقي خطابات نارية ويبشر بتحرير القدس. بصراحة نشعر الآن بالحزن على تمثال قاسم سليماني الذي نصبه حزب الله على الحدود مع إسرائيل وهو يؤشر بيده إلى فلسطين. لم نفهم الإشارة للأسف، فقد كان يقول للإسرائيليين تعالوا نضع أيدينا بأيديكم. وهذا ما حصل. وقد علـّق الكاتب السوري نضال نعيسة على التطبيع اللبناني الإسرائيلي قائلاً: « بعد خراب البصرة، مقاومو لبنان يعترفون بـ«العدو» الصهيوني الشقيق ويرسّمون الحدود معه وملالي طهران تبع الفيالق أذن من طين وإذن من عجين…ألا يقتضي ترسيم الحدود الاعتراف المتبادل واحترام الحدود وسلامة وسيادة الدول المعنية وعدم خرق أو انتهاكها وإنهاء حالة الحرب.. والسؤال لماذا قتلتم كل أولئك الشباب وضحيتم بفلذات أكبادنا ودُمرت أوطاننا كي تجلسوا مع الإسرائيلي بنهاية المطاف؟ ألا يشبه هذا ما قاله نصر اللات بعد حرب تموز لو أنني أعلم ردة فعل إسرائيل لما أقدمت على خطف الجنديين؟..صفقة القرن تحط رحالها اليوم في لبنان المقاوم، والمقاومون يعترفون رسمياً بإسرائيل ويرسّمون الحدود معها…وكل مماتعة وأنتم بألف خير».
في السبت 24 أكتوبر-تشرين الأول 2020 08:29:15 م