|
Moafa12@hotmail.com
على مدى عقود طويلة من تاريخ اليمن، لم يسد اليمن سوى الحوار المدفعي والصاروخي، وسياسة التصفيات والاغتيالات سواء في ما عرف بشمال اليمن أو جنوبه، ولم تعرف اليمن محطة سلْم أو حوار وطني شامل وهادئ، يشمل كل أبناء اليمن، إلا بعد التوقيع على المبادرة الخليجية.
وأحسب –دينا- أنّ من حسنات المبادرة الخليجية أنها جرت اليمنيين بمختلف توجهاتهم ومشاربهم السياسية والفكرية إلى مخرج إجباري نحو الحوار، وإلا فقد كان الجميع على أهبة الاستعداد لخوض معارك طاحنة، أعظم من معارك داحس والغبراء، سواء في جنوب اليمن أو شماله، وكان المخلوع يهدد بين الفينة والأخرى بأن الدماء ستسيل إلى الركب، وابنه أحمد هو الآخر كان يهدد - ولا يزال - بتسوية صنعاء بالأرض.
ولم يتمكن اليمانيون من إعمال العقل والحكمة على مدى عام كامل من الحوارات والنقاشات إلى أن تمخضت وتشكلت المبادرة الخليجية، برعاية إقليمية ودولية، ومن أهم نصوصها عقد مؤتمر للحوار الوطني الشامل.
وما أن بدأت الاستعدادات لعقد هذا المؤتمر الهام في تاريخ اليمن حتى ارتفعت بعض الأصوات التي لا تملك مشروعاً عمليا حقيقيا لإخراج البلاد من محنتها، سوى اللهم وضع العقبات والعراقيل والمشكلات أمام أي توجه يخالفها، أو يعارض قناعاتها، فظهرت العديد من الكتابات التي تنال من مؤتمر الحوار الوطني، إما باسم الدين، والخوف عليه من مؤامرات اليهود والنصارى، أو باسم المصلحة الوطنية، أو بافتعال بعض القلاقل هنا وهناك، فيما يغيب عن الكثير أن مؤتمر الحوار مؤتمر لليمنيين، وأنّ أحدا على مر التاريخ بل وما قبل التاريخ لم يستطع فرض وصايته على اليمنيين، أو فرض دينه ومذهبه وفكره، وظل اليمانيون -في الأغلب الأعم- ذوو شخصية مستقلة، تدينا وتمذهبا، رغم أنّ اليمن كانت محاطة بشتى الديانات والمذاهب إلا أن أحدا منها لم يملك أن يفرض دينا أو مذهبا أو فكرة لا يرتضيها الشعب اليمني.
وإزاء ما سبق أود أن أبين نقاطاً بين يدي الحوار الوطني على النحو الآتي :
1) الكثير يعترض على عدم تمثيل العلماء تمثيلا عادلا ومنصفاً، وهذا اعتراض في مكانه ومحله، فالواجب أن يحظى العلماء بنسبة أكبر مما هي عليه الآن، إلا أنّ هذه الإشكالية ليست إشكالية كبيرة، تجعلنا نرفض عقد مؤتمر الحوار الوطني، لأنّ الواجب هو أن يتحاور المتخصصون في مسائل السياسة الشرعية، وأهل الحل والعقد، ومعلوم لدى الفقهاء أن المراد بأهل الحل والعقد هم الأمراء المطاعون والعلماء المتبوعون، وبالتالي فإنّ القضايا التي سيناقشها المؤتمر، ليست قضايا فقهية في باب العبادات والأخلاق والتزكية والرقائق والمواريث، وإنما جلّ ما يناقشه المؤتمرون قضايا اجتهادية تتعلق بالحكم والسياسة، والواجب أن يتولى النقاش فيها فقهاء القانون الدستوري، والقانون الخاص والقانون العام، وليس الفقهاء العامون، وليس معنى هذا بأي حال من الأحوال إلغاء لدور العلماء، فدورهم باق ومحفوظ، في الأمة، وبالإمكان أن يبدوا آراءهم في حال ما إذا صدر عن المؤتمر ما يخالف قطعيات الشريعة وضرورياتها ومقاصدها وهو ما نستبعده بإذن الله .
على أنه من المعلوم أنّ تحديد نسب المشاركين، ليس بيد الإسلاميين، أو الأحزاب ذات التوجه الإسلامي، وإنما بيد ولي الأمر وهو السيد الرئيس في حال اختلفت اللجنة الفنية المعنية بذلك، كما نصت عليه المبادرة الخليجية .
2) من الخطأ الفادح أن نعتبر آراءنا السياسية حاكمة لازمة على الناس، ذلك أنّ الاجتهادات السياسية واختلافها وتعددها إنما هي دائرة واسعة من دوائر الاجتهاد في الإسلام، وبالتالي فيجب ألا يخضع الحوار لأي سقف، هكذا يجب ألا يكون له أي سقف، وقولنا هذا ليس معناه أن اليمانيين سيتحاورون وفق القانون الأميركي أو قوانين تل أبيب مثلا، فالحوار اليمني هو على أرض يمنية، وافتراض أن يكون على أرض أميركية أو صهيونية، فرضية غير واقعية وغير معقولة، والعبرة بما يؤول إليه الحوار، والذين يفترضون أن مؤتمر الحوار الوطني سينجم عنه مخالفات للأصول الشرعية مجرد فرضية غير صحيحة وغير واقعية، لأن كل اليمنيين قد اتفقوا أن تكون الشريعة هي مرجع القوانين جميعا، ولا عبرة لبعض الآراء والتصريحات الشاذة هنا وهناك.
كما أنّ اليمانيين جميعا بما فيهم التيار الإسلامي أخذ على نفسه العهد والميثاق ألا يقبل بما يخالف الشريعة الإسلامية، بل كل الدولة حكومة ووزراء ونواب، أخذوا على أنفسهم هذا العهد والميثاق، فكيف نقول بأن أحداً يقبل بالخروج عن الإسلام!!!.
وأي حكم جائر هذا الذي يفترض هذه الفرضية، وقبل انعقاد مؤتمر الحوار الوطني نفسه.
إنّ هذا التخوف والتوجس من مخالفة الإسلام، وإن كان في مكانه، نظراً لثقافة الضعف والاستضعاف التي تعيشها الأمة، إلا أنه في ظل المتغيرات الحالية ويقظة الشعوب العربية والاسلامية، أحسب أنه بدأ يضعف ويخف، نوعاً ما، سيما بعد ما عرف بثورات الربيع العربي التي يتصدرها الإسلاميون ..فكيف بإمكانية ذلك في يمن الإيمان والحكمة.
على أنني هنا أجزم أن ثمة قرارات سيصدرها المؤتمرون قد يكون فيها ضرر على هذا الطرف أو ذاك، أو تفويت لبعض مصالحه، أو تجميد لبعض صلاحياته، أو حصر لبعض امتداداته، لكن الأمل أن يصدر عن المؤتمر مصالح كثيرة، تكون هي الأغلب الأعم، سواء على مستوى القضية الجنوبية أو قضية صعدة، أو قضية تهامة، أو الحكم المحلي، أو العدالة الانتقالية، أو موضوع الضمانات الحقيقية لنزاهة الانتخابات المقبلة، فيكون آنذاك الحكم للأعم الأغلب وهو جانب المصالح، وتحتمل بعض المفاسد والأضرار، ولا بد، ما لم تكن في صميم العقيدة، وهو ما ليس موضوع مؤتمر الحوار فمؤتمر الحوار ليس مؤتمرا عقديا بل مؤتمر سياسي في إطار المصالح وتكميلها والمفاسد وتقليلها.
3)على بعض الإسلاميين الخائفين على الشريعة، حدا مبالغاً فيه، ألا يجعلوا من الشريعة الإسلامية غولا مخيفا يتهدد الناس، أو يتصارعون معه، فالشريعة الإسلامية هي الرحمة والخير واليسر والتيسير، سيما في المسائل الاجتهادية والتفصيلية والشؤون العامة للأمة وقد ورد في صحيح مسلم، (أنتم أعلم بشؤون دنياكم) وظني أن الأمة تكتنز خيرا عظيما، وعلى الدعاة أن يراجعوا مدى قربهم هم من الشريعة قبل أن يفترضوا في الآخرين تنصلهم من أحكام الدين والملة، فأمتنا بخير، ومليئة بالخيرين والمصلحين والغيورين على الإسلام، وبالتالي فلا يجوز حكر الإسلام والخوف عليه دون باقي الأمة، فالأمة كلها أيضا همها الإسلام والحفاظ عليه والدفاع عنه.
4) لا إشكال أبداً أن ينجم عن مؤتمر الحوار الوطني بعض المخالفات لأقوال الفقهاء والمجتهدين، فيما لا نص فيه، إذا اقتضت المصلحة أو السياسة الشرعية ذلك، ولا يعد هذا مخالفة شرعية، لأن السياسة الشرعية كما عرفها العلماء هي: \"تدبير الشئون العامة للدولة الإسلامية بما يكفل تحقيق المصالح ودفع المضار مما لا يتعدى حدود الشريعة أو أصولها الكلية وإن لم يتفق وأقوال الأئمة المجتهدين.\" .
وهذا التعريف ذكره غير واحد من فقهاء وأئمة السياسة الشرعية منهم المارودي وعبد الوهاب خلاف وغيرهم، وبالتالي فإذا كان مؤتمر الحوار في هذا الإطار أعني إطار المصلحة الوطنية العامة، وصدرت قرارات تخالف أقوال بعض الفقهاء والمجتهدين فلا إشكال عليها، أما في حال مخالفة النصوص الشرعية عند ذاك يجب فقط، البيان والنصح، وليس قبل ذلك وقبل وقوعه، لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقته، وبالله تعالى التوفيق،،
والحمد لله رب العالمين،
في الأربعاء 06 مارس - آذار 2013 01:15:32 ص