|
ترى أين اليمن من أهداف نضالها وتحررها ، تلك التي حركت وجدان اليمنيين وفتحت أمامهم أفق التاريخ لاستيعاب أمانيهم ؟ وتطلعهم لحياة كريمة ومستقبل ، تصونه دولة حرة ، ويستردون أمجادهم ، في بلادهم الطيبة ويجددون مآثر اليمن سعيد ؟ أيعود التاريخ القهقرى في هذا الزمن ؟ وهل في العودة للماضي حلولا لمشاكل الحاضر ومتطلبات التوجه لمستقبل منشود ، خال من الظلم والقهر والاستبداد ؟؟
تلك بعض أسئلة تتعارض بل تتناقض مع ( مشروع ) دولة الجنوب الجديدة الاتحادية ( الفيدرالية ) ، المصاغ في الورقة ، المسماة " مشروع ميثاق الشرف الوطني لشعب الجنوب " والذي هو مجرد فخ للصراع المناطقي أو الجهوي ، مشروع لن يفكك اليمن وحسب بل والجنوب ذاته ، وعلى طريقة تجربة التفكيك للاتحاد اليوغسلافي
فتفكيك الاتحاد اليوغسلافي ، تم بناءا على تقاسم مناطقي وقومي ، في بداياته ، كهذا المصاغ في هذه الورقة ، لحقه بالطبع تلك الحروب التي تخللت أغلب سنين العقد العاشر من القرن العشرين ، كما هو معلوم ــ وحتى الاتحاد السوفييتي ، الذي تقاسمه أعضاء المكتب السياسي في الحزب الحاكم حينها .
يشير المشهد الذي يرسمه هذا المشروع إلى دورة حلزون تاريخية ، فيها شبه وتماثل بارز للعيان ، تطوي ستة عقود من الزمن تقريبا ، أو يمكن القول باطمئنان ، فيها عودة للمشروع الأنجلو ــ سلاطيني ، حول اتحاد الجنوب العربي ، وان تم على يد سلاطين جدد لم يعلنوا عن أنفسهم بعد بصفتهم سلاطين . بغض النظر عن الأسباب والمبررات التي تساق ، المخفية منها والمعلنة، الوجيهة منها أو غير الوجيهة ، نحن بصدد استراتيجية سياسية تفتت اليمن مستخدمة بعض الغيورين عليها من أبنائها ، ضمن من تستخدمهم ، من حيث يعلمون أو لا يعلمون
ورغم ذلك ، هناك من رأى في هذه الورقة حلا لمشكلة الحكم في اليمن !!.. ويتساءل لماذا لا يكون الحل المبسوط فيها حلا لكل اليمن ؟؟ مثل هذا الرأي لا يع الفخ المناطقي ــ أو تقاسم المغانم ، المُقَدم في أحسن الأحوال على بقية وظائف الدولة ، ثم هناك من تساءل ومن لايزال يتساءل ، إن كان مثل تلك الفيدرالية المعروضة في هذه الورقة ( وهي فيدرالية مزعومة في كل الأحوال ) لا تُقَدِّم حلا ، فما الحل إذن لقضية الجنوب ؟ فهي القضية التي عنت بها تلك الورقة أو ذاك المشروع السياسي .
بادئ ذي بدء ، يمكن القول أن أي فكر سياسي ، أو أي شروع لدعوة سياسية ، لا تقيم وزنا للتاريخ ، لا يمكن إلا أن تجر الويلات لبلادها ، والتاريخ هنا ، ليس مجرد اسم اليمن المعروض في بطون الكتب المدرسية ، على أهمية ذلك ، بل هو كل التراكم الذي أشترك كل اليمنيين في تبويبه وتوجيه دفة أحداثه ، ليس عبر الألفيات والقرون وحسب ، بل عبر العقود والسنين المعاصرة ، وفي كل اتجاه من اتجاهات الحياة ، وأصعدتها المختلفة ؛ الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية ، التاريخ هنا هو كل التاريخ الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي وما يحمله من توجهات سافرة ومبطنة ، مكشوفة ومستترة ، تبحث عن من يزيل ركام الغبار الذي يغطيه . هذا التاريخ بعد الصراع والكفاح ضد الاستعمار والإمامة وأنظمة ومشاريع الاستبداد اللاحقة ، يقول في استقراء لا يمكن تجاهله أو اغفاله ، أنه لا يمكن لليمن أن يصفي موروثات الظلم وأنظمته ويؤمن شروط نهضته واستقراره ، إلا إذا أشتركت كل أجزائه في ذلك .
ما دون ذلك سيظل كل جزء معرض للتناحر ، بالإضافة إلى ضعف قدرته في مواجهة مشاكله ، بمفرده ، وبقاء الإطار التاريخي وأرضية تصادم الأجزاء فيما بينها البين ، وهنا لابد من الإشارة أن ورقة الاتحاد الفدرالي الجنوبي المشار إليه أعلاه والمشروع السياسي المبطن لها ، تجزء المجزء كفاتحة لصراع لا ينتهي .
إتجاه التاريخ يقول أن حل القضية الجنوبية يكمن في التوجه الاستراتيجي الصائب ، الذي أعتبرها مدخلا لحل القضية الوطنية اليمنية ، مدخلا لتسوية تاريخية جديدة ، تحمل الحلول للمشاكل المختلفة في مختلف الاتجاهات ، وبلغة مبسطة أكثر ، يمكن القول أن الحل يكمن في أن تعاد المنهوبات والمسروقات ويحاسب الفاسدين والطغاة ، ويعاد الكوادر العسكرية والمدنية الى مواقعهم ، مع التكريم لهم ، وتعويض ما لحقهم من إجحاف ، ويعاد الى أهمية الاعتراف بقيمة التجربة السابقة في الجنوب ، باعتبارها ضمن أساسات الانطلاق نحو المستقبل ، باستيعاب ايجابياتها ، باعتبارها تجربة تاريخية ، أن يعاد الى الأنظمة السليمة وأساليب إدارة الدولة السليمة ، تلك التي أُثبِت صحتُها في مجرى الزمن في بناء دولة وطنية و ديمقراطية تبني على العدالة وتراكم ثروة وتفتح مجال للتطور في كافة الاتجاهات والمجالات ، وليس دولة لاقتسام المغانم ، والتهافت على الصغائر لصالح مجاميع ضيقة يعتبروا أنفسهم ممثلين لقراهم أو قبائلهم أو مناطقهم أو جهاتهم ، ويدفعون الناس للاحتراب لنصرة عصبياتهم . ــ وبالذات بعد أن كشفت الثورة الجارية النظام الفاسد الذي حكم في الجمهورية العربية اليمنية وأمتد بالحرب والطغيان الى الجمهورية اليمنية وعشعش في اليمن ، حتى ضجت أرض اليمن بجهاتها كلها منه وخرجت عليه ثائرة تبحث عن نظام دولة بديلة تتسع للجميع ، غير مفصلة لصالح فئة أو قبيلة أو جهة جغرافية أو ايديولوجية أو سياسية ، و غير مقسمة ولا موزعة بين عدد من الفئات أو الجهات ، تحت دعاوي تأمين ما يمكن أن يطلق عليه الديمقراطية المناطقية أو القبلية أو الطائفية ، أو غيرها من الدعاوي التي تدفع الناس للتناحر والتضارب على الفتات ، والتي تتجه لدفع الحركة السياسية والشعبية للنكوص والاندفاع نحو الدولة ــ القرية ، أو الدولة ــ القبيلة ، إلى ما قبل الدولة ــ المدينة ، بدلا من أن تتجه إلى العمل من أجل بناء الدولة ــ الوطن ، ( الدولة ــ القومية ) . إنهم بهذه المشاريع يحرمون أوطاننا من الوسيلة الوحيدة المتبقية بأيدينا ، والتي هي الدولة التي يمكن أن تؤمن إمكانية للتراكم الرأسمالي اللازم لتطور بلداننا ، في ظل عجز الرأسمال الخاص ، وهيمنة الامبريالية على مقدرات الشعوب.
في السبت 22 ديسمبر-كانون الأول 2012 11:08:10 ص