هذه المرة سأكلمك عن الصرخة يا عزيزي .
بقلم/ محمد سلطان اليوسفي
نشر منذ: 9 سنوات و 9 أشهر و يومين
الخميس 12 فبراير-شباط 2015 11:02 ص
أي صرخة ؟ معروفة لديك ، استمع .
قد تزعج الصرخةُ وقد تضحكك وقد تبكيك ، وهذا ما حدث معي في احد شوارع العاصمة صنعاء .
إذاً سأبدأ بالصرخة الاولى طبعاً هي معروفة عندك يا عزيزي وعند الكثير بل انها مكتوبة على الجدران بالون الأخضر والاحمر ، إنك تعرفها جيداً سأقولها لك سأذكرك بمطلعها (الموت لأمريكية ..) اضنك ذكرتها الان ، هذه هي الصرخة التي احدثك عنها ، فقد تسمعها من إنسان يرددها وهو يلوك كرة من القات في فمه فتنزعج لسماعها وتشعر بالقلق وبالغثيان احياناً ، بل ان منظر كهذا يجعلك تلعن اللحظات التي أتت بك إلى امامه ، وهذه هي الصرخة الأولى .
ولكن إذا سمعتها بصوت ناعم ـ ونادراً ما نسمعها ـ وأنت تعرف ماذا اقصد بكلمة ناعم أي الصوت النسائي ، وهذا النوع من الصرخة تثير التعجب والاشمئزاز في نفسك لا أقول قد تثير في نفسك شيء اخر لا لا ارجوك افهمني فهي يا عزيزي تثير التعجب كونها بصوت لم نسمعه من قبل وقد تعودنا سماعها من أناس كما ذكرت لك سابقاً لا يعرفون من حياتهم الا القات ونوعية السيجارة التي يشربونها ، ولكن لا يخفاك يا عزيزي أن هذه المرة هي المرة الأولى التي استمعت فيها الى الصرخة بإصغاء وإعجاب في نفس الوقت وهذه هي الصرخة الثانية .
وقد تبكيك الصرخةُ . نعم تبكيك اذا كانت من انسان يطلقها من قرارةِ قلبه وهذا ما حدث مع احد الأشخاص الذين شاركوا في مسيرة يوم احدى عشر فبراير الرافضة للانقلاب في العاصمة صنعاء ، لكن هذه الصرخة الثالثة والأخيرة تختلف كثيراً عما سبق فهي تحمل الألم ، بعثت في نفسي القلق والغضب واقشعر لها شعر رأسي وأثارت في داخلي الغضب ، فعلاً صرخة مبكية لكل من يسمعها عدا أولئك الذين لا تعرف قلوبهم من الرحمة شيء . هم أولئك الغجر الذين خرجوا من الكهوف انت تعرفهم جيداً .
دعك من الصرخة الأولى والثانية فما ذكرتهما لك الا من اجل ايصالك إلى الصرخة التي يجب عليك أن تتفاعل معها بكل حواسك ، اصغي اليّ جيداً .
الصرخة الثالثة صرخة ذلك الشاب الذي صاح بأعلى صوته صيحة كاد جبل عصر أن يهوي من شدتها .
بل انني رأيته يدور .
عصر يدور؟ لا تقاطعني دعني اكمل لك ما تبقى من الصرخة الثالثة .
لا لا بل انت من اصبت بالدوار ، نعم انا .. ربما المهم أن ذلك الصوت لا يزال مدوياً في مسمعي حتى الان اكلمك وأنا أتذكر ملامح ذلك الشاب والألم الذي كان يرتسم على وجهه ، ذلك الشاب الذي صاح بأعلى صوته بعد أن سقط على الأرض من شدة الألم . الم ركلة في بطنه سقط اثرها .
ربما اغمي عليه ، أو ربما انه مات لا تستبعد ذلك فقد بدأ صوته يختفي تدريجياً :
الله
الله ..
وانقطع الصوت .
كان يحمل لافتة كتب عليها الحرية للمعتقلين ، وكان هو اول المعتقلين في تلك المسيرة ، بل ربما انه اول من قتل .