الغزو الديموغرافي الإيراني!
بقلم/ توفيق السامعي
نشر منذ: شهر و 25 يوماً
الثلاثاء 10 سبتمبر-أيلول 2024 04:24 م
 

لم يقتصر الغزو الإيراني للبلاد العربية عبر مليشياتها الإرهابية المسلحة وأفكارها الطائفية الهدامة، فيما تسمى القوة الخشنة، بما تصدره من فكرٍ ضالٍ عبر أذرعها في العراق وسوريا ولبنان واليمن، بل تعداه إلى غزو ناعم وتغيير ديموغرافي مخيف، يعقبه عمل عسكري، ليشمل دولاً خارج إطار الدول المذكورة بتوغل اقتصادي؛ كدول عمان والإمارات والبحرين والكويت، ومؤخراً قطر بعد خلافها مع بعض الدول العربية، وقبلها عدن أثناء نموها التجاري، ولا تزال كثير من الأسر المعروفة بألقابها وسَمْتِها إلى اليوم، رغم ذوبان هذه الأخيرة في المجتمع العدني المتنوع لقلتها، بينما نمت في شمال الشمال، بما تمثله من تواصلات عقائدية فكرية عبر التاريخ منذ مئات السنين بشكل لا ينقطع.

كانت هجرات ونزوح الناس في الدول الإقليمية، طيلة المائة العام الماضية، أو قبلها قليلاً، هجرات طوعية، ونزوحاً عادياً بحثاً عن المصلحة ولقمة العيش، عدا الهجرات الإيرانية إلى الدول المذكورة فقد كانت هجرات مدروسة عقائدياً لتصدير التشيع والأفكار الإيرانية، وخاصة بعد ثمانينيات القرن الماضي، لها أهداف مسيسة على رأسها الاحتلال الناعم لهذه الدول بطرق سياسية واقتصادية وثقافية.

لا تكاد تذكر قبائل هذه الدول إلا ووجدت من بينها قبائل إيرانية وعلى رأسها البلوش، كعرقية من عرقيات إيران المختلفة والمتعددة والمتشعبة، والتي يبدو أنها هاجرت إلى هذه الدول بفعل الهروب من البطش الصفوي الإيراني من ناحية، وبفعل العوامل التجارية الأخرى، ومن ناحية أخرى، هناك من هاجر منها بفعل تصدير ما يسمى الثورة الإيرانية (الشيعية) التي جعلت إيران من نفسها قبلة لكل شيعة العالم، يحجون إليها، ويأتمرون بأمرها بعد تلك الثورة.

فمنذ لحظات الإنقلاب الإيراني الأولى رفع الخميني شعار (تصدير الثورة)، لإسقاط الأنظمة العربية (الملكية والدكتاتورية) بحسب الشعار الخميني المرفوع، لتحلّ محلها جمهوريات إسلامية على غرار الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي بدأت تضع نفسها كنموذج لمشروع جديد، بعيدًا عن النموذج الغربي كالولايات المتحدة الأميركية وأوروبا.

إرتبطت إيران بأذرع داخلية في دول لبنان واليمن وسوريا والعراق منذ وقت مبكر عقيب انقلاب الخميني على الشاه ووصوله إلى السلطة عام 1979، وكالعادة إيجاد مبرر ولافتة تتحرك من خلالها إيران؛ كالمقاومة في لبنان، والتعليم في صعدة اليمن وبعض المناطق، وإسناد حافظ الأسد تحت لافتة زيارة المراقد المقدسة شيعياً، وتهجير السوريين بعد ثورة 2011 وإحلال محلهم إيرانيين وعراقيين شيعة مرتبطين بملالي إيران، وكذا إسناد المعارضة العراقية وزيارة (الأماكن المقدسة الشيعية) وصولاً إلى الانقلاب الكلي والتصفية الطائفية للسنة وحكم العراق عبر وكلاء عراقيين؛ رغم أنه تاريخياً وعقائدياً فإن فارس تتبع للعراق.

في كل تلك التحركات لم تعتمد إيران على الأذرع الداخلية لتلك الدول وحسب، بل تقوم بتصدير بعض الأسر والخبراء المسلحين العسكريين والمعلمين الشيعة والأطباء والتجار، والتزاوج بين الأسر، ما تلبث أن تظهر علانية على المدى الطويل كمستوطنين تم تجنيسهم بطرق متواطئة وملتوية عبر أذرع تلك المكونات الداخلية داخل أجهزة الدول.

ما وطئت أقدام الإيرانيين الفرس بلاداً من البلدان إلا كانوا عامل هدم وتخريب لهذه البلدان، ينشرون فيها الفوضى والدمار والمخدرات والأفكار الضالة الهدامة الشيعية، وكذا العنصرية الاستعلائية، منها ما هو كامن حتى يأتي وقت الحاجة إليه كما كان في اليمن والعراق منذ تسعينيات القرن الماضي، ومنها ما هو ظاهر.

تمتلك الدول العربية أوراقاً رابحة ضد إيران لو استعملتها وحركتها، حتى لو كانت من تحت الطاولة؛ كقضية الأهواز العربية التي تمتلك ثروات كبيرة في إقليمهم العربي تساعد أبناء الإقليم على بناء مقاومتهم ومن ثم دولتهم، ويمكن توظيف القضية دولياً في طلب الاستقلال الذاتي عن إيران بتشجيع عربي، والمعاملة بالمثل، خاصة وأن للأهواز معارضة سياسية ومقاومة على الأرض، رغم الاستبداد والإرهاب الإيراني بحقهم.

كان بإمكان العرب، بما يمتلكونه من أموال وعمق قومي وعرقي أن يكيلوا لإيران الضربات الموجعة رداً على عبث إيران ببلدانهم لكنهم لا يفعلون للأسف الشديد، لا ندري هل خوفاً وعجزاً أم عزوفاً عن الرد وعدم إرادة، أم عدم امتلاك رؤية حقيقية ومشروعاً مواجهاً لإيران، أو في التعامل مع المشاريع التنافسية في المنطقة؛ كالمشروع الإسرائيلي أو التركي، وأخطرها على العرب حالياً هو المشروع الفارسي الشيعي الذي هو ممهد لبقية المشاريع، السبّاق إلى التدمير والتهيئة.

أثبتت الأحداث التاريخية أن خطر إيران على العرب والمسلمين أشد خطراً من إسرائيل؛ فإيران تعمل طلائع تدميرية وتفكيكية من الداخل العربي والإسلامي بفعل الانقسام الطائفي، وتمهد للمشاريع الخارجية الغازية، كما فعلت في أفغانستان والعراق وسوريا تمهيداً للاحتلال الأمريكي.

كان صدام حسين –رحمه الله- يمتلك هذه الرؤية؛ فشجع عرب الأهواز على التحرر والمقاومة، واستضاف في العراق مكونهم العسكري والسياسي فيما عرف بمجلس (مجاهدو خلق)، وشكل هذا الدعم مشكلة مؤرقة لإيران مثلت أكبر تهديد لها، لولا خذلان العراق العربية الذي أفضى إلى احتلال العراق وتسليمها لإيران على طبق من ذهب، بحسب تعبير وزير الخارجية السعودي الراحل سعود الفيصل، وكان بإمكان العرب استضافة هذا المكون للرد على إيران في المنطقة العربية.

الأذرع الإيرانية الداخلية في البلدان العربية المذكورة، التي انقلبت على الدول والحكومات العربية ومزقتها بفعل الدعم الدولي لها، في تبادل المصالح بين الطرفين، قامت بدورها بتصدير الغزو الديموغرافي المحلي من المناطق ذات الكثافة السكانية العالية الشيعية إلى المناطق السنية المختلفة سواء بالسطو والإرهاب والغزو المسلح أو بالغزو الناعم عبر الأسر السلالية المختلفة التي تعمل كطلائع لذلك الغزو بحملات التنسيب السلالي أو النشر الفكري المذهبي، بما تمتلكه تلك المناطق من روافع أخرى شيعية كالأجنحة الصوفية.

يبدو أن إيران لن تتوقف عند دولة معينة؛ فشرها سيطال المنطقة العربية بشكل عام، وها هي تتجه نحو أفريقيا لتتغلغل فيها لهثاً وراء التوسع والثروة والمنافسة الدولية.

 وبينما تسعى إسرائيل وإيران للهيمنة على المنطقة العربية وحدهم العرب، بكل ما يملكون من قوة وثروة ومساحة وقومية، لا يملكون مشروعاً مضاداً يحمي وجودهم وكيانهم وثرواتهم من تلك الضباع اللاهثة.