مباحثات يمنية سعوديه بخصوص إجراءات سير تأشيرات العمرة اجراءات حكومية رادعة ضد محلات الصرافة المخالفة والمضاربين بالعملة في جميع المحافظات المحررة حشود هادرة بمحافظة تعز تنديدا بجرائم الابادة والتهجير بقطاع غزة الذكاء الاصطناعي يورط عملاق التكنولوجيا «تسلا» ويقودها للمحاكمة عبر القضاء كلاب آلية تنظف أحد الجبال المصنفة ضمن قوائم التراث العالمي رابطة اللاعبين المحترفين تكشف عن المرشحين لجائزة أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي لشهر أكتوبر دولة خليجية تبدأ بسحب الجنسية من المئات من مطلقات مواطنيها الإنذار المبكر ينشر توقعات الطقس خلال الساعات الـ24 القادمة في 11 محافظة يمنية قراءة تركية: من سيحسم المعركة الانتخابية في أمريكا ويفوز بكرسي الرئاسة؟ أول تعليق من أردوغان على تعيين نعيم قاسم خلفاً لـ نصر الله
مأرب برس – خاص
في الحرب ، حين يُريد الجيشُ المُهاجم اقتحام تحصينات جيش آخر وخطوط دفاعه الأمامية ( ليستولي على موقع أو ليحتل بلدا ) ، يقوم بعملية قصف جوي ومدفعي مُركّز ، بصورة متواصلة وبقوة نيران هائلة ، وتهدف هذه العملية إلى تحقيق هدفين ، أحدهما مادي هو دَك تحصينات العدو وتدمير تجهيزاته الحربية الدفاعية بشكل كامل أو إضعافها إلى أقصى حد ممكن ، والآخر - وهو الأهم – تدمير الروح المعنوية لدى المدافعين والقضاء على إرادتهم في القتال ، مما يُسهّل على المُهاجمين اقتحام الموقع واحتلاله وبالتالي تحقيق النصر بأقل قدر من الخسائر .
وما ينطبق على الجيوش في وقت الحرب ، ينطبق على الثقافات والأديان وقت السلم ، فإذا أرادت أمة السيطرة على مُقدرات أمة أخرى ، وبالتالي التحكم في مصيرها – دون أن تلجأ إلى الحرب بمعناها المادي - فإنها تقوم بعملية " قصف ثقافي متواصل " وهذا القصف يستهدف أمرين : الأول ، دك حصون الدفاع الثقافية والدينية لدى الأمة المستهدفة ، وتدمير روحها المعنوية واعتزازها الوطني بقيمها وثقافتها ومعتقداتها ، مما يُفقد أبناءها ثقتهم بأنفسهم وبأمتهم ، وبالتالي تُشل إرادة الأمة وتفقد قدرتها على الدفاع عن مكونات وجودها وكرامتها الوطنية والدينية ، فتستسلم لإرادة الآخرين فيتمكنوا من التحكم بوجودها ومصيرها ، والهدف الثاني ، إعادة صياغة المنظومة الثقافية والقيَمية للأمة بما يتناسب مع مصالح وأهداف الثقافة المُهاجمة بما يُطيل أمد السيطرة ، ويحول بين الأمة وبين استعادة ذاتها الحقيقية لتنهض من جديد .
هذه المقدمة " الحربية " ، قد تبدو مُبالغٌ فيها كمدخل لمناقشة قضية قد يراها البعض صغيرة أو غير مصيرية ، وهي قضية " مشاركة المرأة العربية المسلمة " في الحياة السياسية ضمن المَوجة أو " الهَوجة " أو حتى " الموضة " الديمقراطية التي تجتاح المنطقة والعالم .
وما دعاني لكتابة هذا الموضوع ، هو المقال الرائع والساخر حد الوَجَع لزميلتي المتألقة الكاتبة – بإبداع وأصالة – إلهام الوجيه ، في موقع نيوز يمن ، تحت عنوان : ( كوتا سي السّيد ) ، وهو المقال الذي ناقشت فيه بإبداع لا يخلو من عُمق ، موضوع المشاركة السياسية للمرأة اليمنية ، وفقا لنظام (الكوتا) الذي دعت إليه مقررات مؤتمر بكين للمرأة (1995) ، وتبنته بعض المنظمات النسائية اليمنية ، ثم طُرح ضمن المبادرة الرئاسية الأخيرة ، التي تضمنت - ضمن قضايا ايجابية أخرى - تخصيص نسبة 15% من المقاعد في المجالس النيابية للنساء ، داعية المعارضة ومنظمات المجتمع المدني إلى مناقشة نظام الكوتا ومدى مناسبة الأخذ به كإطار لمشاركة المرأة في المجالس النيابية ، وهو ما أصبح مطلبا ، بل وشرطا ، للدول والمنظمات الدولية لتقديم المساعدات لليمن .
والصلة بين موضوع " مشاركة المرأة " والمقدمة " الحربية " لمقالي هذا ، هو أن الدعوة إلى مشاركة المرأة في المجتمعات العربية والإسلامية في الحياة السياسية ، وخارج سياق التطور التاريخي والاجتماعي والثقافي ، لهذه المجتمعات ، هذه الدعوة - التي تبدو في ظاهرها حقا ومطلبا مشروعاً - جاءت بعد " قصف مدفعي ثقافي " بمختلف الوسائل الإعلامية المتاحة ، استمر لعقود طويلة من الزمن - ولا زال مستمرا - ، بهدف دك كافة العقبات والعوائق الدينية والاجتماعية والثقافية التي تحول دون مشاركة المرأة في مختلف جوانب الحياة وبالذات في الجوانب الاقتصادية والسياسية .
حسنا وماذا في ذلك ؟ أليس ذلك شيئا إيجابيا ؟
الإجابة : نعم ، عندما يكون ذلك في وقته وزمنه الصحيحين ، وعندما تفرضه حقائق التطور الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للمجتمع ، وعندما تريده المرأة وتسعى اليه ، وتكون قادرة على فرضه وانتزاعه ، وليس عندما يريده (سي السيد ) ، كمنحة منه تقتضيها متطلبات الديكور الديمقراطي ، أو كشرط تبتزنا من خلاله الدول والمنظمات الدولية المانحة .
وقد تقول البعض ، من رائدات الحركة النسوية في اليمن ، وماذا في ذلك ؟ فهذا يشكل مكسبا للمرأة بصرف النظر عمن يمنحه لها أو يضغط في سبيل تحقيقه .
وهنا نقطة الخلاف الرئيسية بيننا ، وأنا هنا أنضم إلى الزميلة إلهام الوجيه ، فأقول أن مكاسب المرأة وحقوقها هي ما تقدر المرأة ، بوعيها ومثابرتها ، على انتزاعه وفرض احترامه على الجميع .. تماما كما فعلت بالنسبة لحقها في التعليم وحقها في العمل ، وحتى حقها في ركوب المواصلات الجماعية العامة ، ذلك هو الحق ، أما ما يُمنح لها منحة لأغراض سياسية في المقام الأول وضمن آلية مشكوكٌ في جديتها وجدواها ، فهو أمر غير مقنع ، وغير مقبول من كل امرأة تحترم عقلها ، لأن من شأن نظام " الكوتا " أن يُعرقل مسيرة المرأة الجادة لنيل حقوقها ، ويُفرّغ مبدأ مشاركة المرأة من محتواه ودلالته ، ويحوّل أصوات النساء إلى سلعة في سوق السياسة .
وحتى لا يكون هناك مجال لسوء الفهم ، فأنا من مؤيدي مشاركة المرأة في العملية الديمقراطية ، مُرشحة وناخبة ، كمواطنة كاملة مثل أخيها الرجل ، أنا مع مبدأ المشاركة ، وفقا لقاعدة المساواة المنصوص عليها في الدستور، فما تحصل عليه المرأة من مقاعد ، بدون اللجوء إلى نظام الكوتا ، هو الذي يعكس حقيقة وضعها كما هو قائم فعلا في الوعي الجماعي للمجتمع اليمني ، وستزداد المقاعد النسائية في المجالس النيابية تبعا لزيادة الوعي بأهمية دور النساء ، تماما كما زادت مقاعدهن في فصول الدراسة في المدارس والجامعات ، ومقاعد الحافلات العامة ، ومع الوقت ، وبالتدريج ستأخذ المرأة موقعها في البرلمان بما يتناسب مع الحاجة التي تستدعيها التطورات السياسية ، وبما لا يُحدث هزات اجتماعية ستنتج بالضرورة في حالة إصرارنا على القفز في الفراغ وتطبيق نظام الكوتا فقط من أجل عيون مؤتمر بكين وإرضاء الدول والمنظمات المانحة.
أنا مع الديمقراطية كدواء فعال لمعالجة داء الديكتاتورية العُضال ، ولكن أيّ دواء ، كما يقرّر ذلك الأطباء ، قد يتحول إلى سُمٍ زُعاف إذا لم يعطَ للمريض بالجُرعة الصحيحة التي يحسبها طبيبٌ حاذق ، وفقا لحالة المريض ودرجة خطورة المرض . . وبمنطق الأطباء فتناولنا " لحبوب الديمقراطية " سيكون مفيدا ، إذا أخذناها حبتين ، حبتين .. وفقا لما تستدعيه حالتنا ، وتعقيدات وضعنا السياسي والاجتماعي ، أما إذا تناولنا الزجاجة كلها دفعة واحدة ، فإن ذلك إما أن يقضي علينا ، أو أن يسبب لنا مضاعفات أخرى قد تكون أخطر كثيرا من الأمراض التي نعاني منها حاليا ونحاول التداوي منها بوصفات طبية أجنبية ، يضعها أطباء ليس لهم دراية كافية بطبيعة عللنا .. وهمهم في الغالب بيع أدويتهم أكثر من الرغبة في جلب الشفاء والعافية لنا .
وأنا هنا أسأل مُؤيدي ومُؤيدات نظام الكوتا : ما هي حاجتنا الفعلية القائمة في الوقت الراهن ، لأن تكون المرأة ممثلة بنسبة 15% في المجالس النيابية ؟ ألا يكفي أن تكون ممثلة بالنسبة التي ستسفر عنها الانتخابات ؟ أليس كل رجل في البرلمان هو رب أسرة ، ولديه أم وزوجة وابنة وأخت وخالة وعمة ؟ أليست عقيدتنا توصينا خيرا بأمهاتنا وأخواتنا وكل أرحامنا ؟ أليست ثقافتنا وأعرافنا وتقليدنا تجعل من البر بالنساء والإحسان إليهن صفات إيجابية ومن علامات الرجولة والشهامة ورفعة الأصل والنسب ؟ ولماذا أصبحت رائداتنا في الحركة النسائية يفترضن – كأثر لتشكل وعيهن في ظل القصف الثقافي لمدافع العولمة – أن الرجال أعداء النساء !؟ وأن على النساء شن حرب على الرجال من أجل انتزاع حقوقهن ؟ لماذا الإصرار الغريب على شق المجتمع اليمني إلى قسمين ، أو إلى جبهتي حرب ؟ صحيح أن هناك مظالم تاريخية لحقت بالمرأة لأسباب لا مجال لشرحها ، ولكن ذلك لا يعني أن يتحول المجتمع إلى ساحة صراع وحرب بين النساء والرجال .
هذه هي" دوريس لسينج " ، الحائزة على جائزة نوبل للأدب (2007) ، والتي قضت عمرها متمردة وناقمة على الرجال في محاولة لإثبات ذاتها ، وبعد رحلة ضياع طويلة تنتهي ، وهي في الثامنة والثمانين من العمر ، إلى إدراك الحقيقة الفطرية التي تعرفها جدتي قبُول وهي : أن التكامل مع الرجل وليس الصراع معه ، هو النهج الصحيح لكي تلعب المرأة دورها الاجتماعي ، باعتبار المرأة والرجل جناحا طائر كبير هو المجتمع . . وأنهما معا قادران على تصحيح المعادلة الاجتماعية ، ورفع الظلم التاريخي الذي وقع – ويقع حتى اليوم – على الفئات المستضعفة من البشر، وداخل الفئات المستضعفة نفسها ، رفع الظلم على النساء باعتبارهن أكثر الفئات ضعفا .
أولوياتنا أم أولوياتهم ؟
ما هي أولوية " الكوتا " النيابية للمرأة اليمنية ؟ بل ما هي أولوية المشاركة السياسية لنساء اليمن اللاتي لا تجد نصفهن لقمة العيش الناشفة ولا شربة الماء النقية إلا بمشقة بالغة ؟ .. وما هو أكثر أولوية عند الدول والمنظمات المانحة : المشاركة السياسية ؟ أم المدرسة والطريق والمستشفى ؟ وكيف تشارك المرأة الأمية سياسيا ؟ وكيف تأتي المرأة الريفية إلى مركز الانتخابات ؟ وبأي طريق ؟ وهل يقف الرجال اليمنيون في البرلمان ضد بناء مدارس لبناتهم ومستشفيات وطرق آمنة لزوجاتهم وأطفالهم ؟
ما هو الأكثر أهمية وأولوية بالنسبة للمرأة اليمنية ؟ ، المشاركة السياسية وفق نظام الكوتا ؟ أم إيجاد فرص عمل لآلاف البنات من خريجات الجامعة والمعاهد العليا اللاتي تضيق بهن البيوت في طول اليمن وعرضها .. أليس تشغيل الخريجين والخريجات وهم بعشرات الآلاف أكثر أولوية من إحضار النساء بالقلابات الى مراكز الاقتراع ؟ ألسنا نحن المجتمع الوحيد في العالم الذين نزرع ونتعب ونقلب ونسقى ، حتى إذا جاء وقت الحصاد ضحينا بكل شيء !؟ وهل إهدار طاقتنا البشرية بهذا الشكل المستفز مجرد إهمال وجهل من قبل السياسيين ؟ أم أنه سياسة مقصودة في منطقتنا العربية كلها لدفع خيرة شبابنا وبناتنا الى الهجرة لرفد اقتصاديات الدول المانحة ؟؟
إذا كانت الدول والمنظمات المانحة تريد مساعدة المرأة اليمنية حقا ، فلتكف عن تخصيص مئات الملايين للندوات والمؤتمرات وورش العمل وللخبراء والمستشارين ، لتكُف عن صرف مئات الملايين من أجل توعيتنا ، وتعريفنا بما تعرفه جدتي قبول عن أهمية التعليم والصحة وضرورة المحافظة على النظافة !؟ .. لتكف تلك الجهات عن مهاجمة الفقر والأمية انطلاقا من قواعدها في " الشيراتون وموفمبيك " ، ولتخرج الى الناس في الشارع .. لتساعدنا ، إن كانت جادة ، في بناء مدارس للبنات في أرياف اليمن ، حيث تبلغ نسبة أمية النساء أكثر من ثمانين في المائة .. وعندما تتعلم النساء اليمنيات ويرتفع وعيهن ، وتتحسن صحتهن وأحوالهن .. سيبادرن بالتأكيد إلى المشاركة السياسية ، وسيحضرن الندوات والمؤتمرات ، وسينافسن شلة الناشطات العشرين اللاتي يحتكرن حق تمثيل المرأة اليمنية أمام المنظمات الدولية والمحافل الرسمية ، بينما لا يدركن طبيعة وحقيقة ما تعانيه المرأة الريفية في اليمن ، إلا من واقع ما يكتبه الخبراء في تقاريرهم الدولية ، تلك التقارير المكررة التي يكلف الواحد منها ما يكفي لبناء مدرسة أو مستشفى .. وتخيلوا معي لو أننا بنينا مدرسة أو مركز صحي ، أو حفرنا بئرا للماء بعدد الندوات وورش العمل والمؤتمرات ، خلال الخمسين سنة الماضية ، تخيلوا كيف كان سيكون حال المرأة اليمنية ؟؟
بعد الثورة الصناعية ، وفي عهد الفتوحات الاستعمارية ، وتمهيدا لاحتلال البلدان والمجتمعات ، تواكب القصف المدفعي بقوة النيران مع القصف الثقافي بقوة الأفكار من أجل السيطرة على خيرات الآخرين الأقل جدارة والتحكم بمصائرهم .. وعندما اقتضت الحاجة الاقتصادية إشراك النساء في الميادين العامة ، وكانت الثقافات والأديان تقف عائقا أمام استغلال المرأة وتدعوا إلى تكريمها وإعزازها ، شنت مدافع القوى المسيطرة اقتصاديا ، قصفا ثقافيا مركزا بقذائف متطورة من حقوق الإنسان وحرية النساء ،تمهيدا لإخراج النساء من بيوتهن ودفعهن إلى ميدان الحياة الاقتصادية بأجر أقل وظروف أقسى .
وعندما انتقل مركز الثقل الاقتصادي والسياسي للعالم ، إلى ما وراء المحيطات ، في أمريكا وكندا واستراليا .. احتاجت الآلة الصناعية ، ومتطلبات التوازن بين الرجال والنساء في المجتمعات الجديدة ، إلى استقدام مزيد من النساء والرجال من العالم القديم المحكوم بمنظومة دينية وثقافية صارمة ، فاستدعى تحطيم هذه المنظومة المعيقة لأهداف السيطرة على السوق الدولية ، قصفا ثقافيا إضافيا من أجل إعادة صياغة العقول ونشر الثقافة التي تسهل إدماج المجتمعات دون التصادم العنيف معها ، وكل ذلك تحت شعار حقوق الإنسان ،وحقوق النساء ، والحرية للنساء ، ومنع التمييز تجاه النساء ...
وبحثاً عن الحرية الموعودة ، وحقوق النساء ، تركت ملايين النساء أهلهن وأوطانهن وعبرن البحار والمحيطات ، شمالا وغربا ، وصولا إلى حيث اعتقدن أنهن سيجدن حقوقهن وحريتهن .. فانبهرن –في بداية الأمر- بالبلاد الجديدة ، ورُحن ، كل بما يسمح لها عقلها وتكوينها ، يعببن من مما تتيحه الفرص في القارات الجديدة ، فبعضهن من استفاد وبعضهن من خسر ، ولكن كثير منهن وجدن أنفسهن - في آخر رحلة البحث عن الذات - مقطوعات من شجرة ، وفي نهاية أعمارهن انتهى الحال بهن إلى الوحدة القاتلة ؛ لا بيت ، ولا أولاد ، ولا أهل ولا أصحاب ، كل شيء تبخّر بعد أن ضاع بريق الشباب .. فنصف العمر احترق في العمل ودفع الضرائب ، والنصف الثاني تمّزق بين أنياب الرجال الذئاب ، الذين نادرا ما يتحول الواحد منهم إلى زوج مسئول عن أسرة ، لأن الحق في الحرية الجنسية ( عكس ما تطلبه الديانات السماوية كلها ) قد حرّر الرجال من أي التزام مادي أو أخلاقي تجاه النساء ، وبدعاوى الحرية والتحرر أصبح الرجال ، في ظل الرأسمالية المتوحشة ، يأكلون النساء لحما ويرموهن عظما ، إلا أقل القليل .. وبعد أن راحت السكرة وجاءت الفكرة ، عرفت النساء العجائز في مصحات المسنين في الدول الصناعية أنهن قد ضحين بكيانهن وجوهر إنسانيتهن ، وتركن أهلهن وأعز أقربائهن مقابل أوهام غرستها في رؤوسهن منظومة الإعلام الرهيبة لقوى الهيمنة والتسلط .
لماذا يسعى البشر إلى السيطرة على بعضهم البعض ؟ ولماذا لا يتعظون من التاريخ ؟؟
خلال القرن العشرين ، دفع العالم ثمنا باهظا لنزعات السيطرة والاستحواذ والتنافس على الموارد الاقتصادية ، بشرية ومادية ، بين القوى العالمية الرئيسية ، وراح ضحية النزعة إلى السيطرة ، عشرين مليون إنسان في الحرب العالمية الأولى ، وأربعين مليونا في الثانية . ومع ذلك لم تتعلم البشرية من دروس التاريخ الذي أثبت عبثية وعدم جدوى مشاريع إلغاء الآخرين أو التحكّم بمصائرهم ؛ حاولت الشيوعية تعميم نزعتها الشمولية والسيطرة على العالم وفشلت ، شنت قصفا ثقافيا متصلا لإقناع البشرية بعبثية الأديان السماوية ، وحاولت تعميم نظريتها القائلة بأن الدين أفيون الشعوب .. فبقيت الأديان السماوية ، المسيحية والإسلام واليهودية ، وانقرضت الشيوعية أو تكاد . . وحاولت النازية ، تعميم نزعتها العنصرية ، والتحكم بمصير الشعوب الحرة ، وشنت حربا ثقافية شرسة ضد السامية كمقدمة لاستئصال اليهود واليهودية من أوربا والعالم ، فتوحد العالم ضد النازية والحق بها هزيمة لم تقم بعدها أبدا ، وبقيت قيم الحرية تهتدي بها البشرية في مسيرتها .
ومع بداية عصر العولمة ، وهو الطّور الحالي لقوة رأس المال المتوحشة ، التي لا تنظر للبشر إلا بوصفهم " أشياء " ، تعاود نزعة السيطرة والتحكم ظهورها من جديد ، تحت شعارات براقة جديدة .. ومن أجل تحقيق أهدافها - التي أثبت التاريخ استحالة تحقيقها - ، وُضِِعَ العالم ، مرة أخرى ، تحت موجة قصف ثقافي تضليلي شرس من قبل منظومة إعلام القوى المُهيمنة ، بهدف دك كافة العوائق الثقافية والدينية التي تحول دون دمج كافة المجتمعات ، بشرا وشجرا وحجرا ، في السوق الدولية الواحدة .. وهي السوق التي تهدف ، في التحليل الأخير ، إلى تحقيق المنفعة المادية والبذخ الأسطوري لأقلية من الناس ، على حساب أكثرية سكان الأرض .
ونحن في اليمن ، بل في المنطقة العربية كلها ، في هذه اللحظة التاريخية ( دون أن نعفي أنفسنا من المسئولية عن مصيرنا ) واقعين تحت هذه الموجة من القصف الدعائي بصواريخ حقوق الإنسان وحقوق النساء وحقوق الأقليات وحقوق .. وحقوق .. وحقوق ... وسيتوجب علينا أن ننتظر طويلا ، لنعرف ماذا سيسفر عنه كل هذا القصف ؟ ونعرف – نساءً ورجالا - ما الذي فقدناه ، وما الذي بقي لنا من ثقافتنا وعقيدتنا وهويتنا ، ومن حقوقنا و كرامتنا كبشر .
wameedh1970@maktoob.com