تحرير العقل!
بقلم/ نهلة جبير
نشر منذ: 10 سنوات و 4 أشهر و 3 أيام
الخميس 10 يوليو-تموز 2014 05:13 م

ماذا لو بقيت أفكارنا حبيسة عقولنا؟ هل كان الجنس البشري ليستمر؟!

بالتأكيد لا، ما جعل الجنس البشري يستمر في الوجود، هو أنه حرر الأفكار، وأنزلها إلى الواقع المادي، فأخذت خصائص الحاضن الجديد لتصبح مادة.

الفكرة هي البداية

مثلاً، الإنسان الأول على الأرض واجه الظلام والبرد، أدرك لأول مرة أن تحديات الطبيعة تهدد حياته واستمرارية نوعه، ولا بد له من امتلاك وسائل تساعده على حل مشكلاته. هذه المهمة تحملها العقل، فكان أن ولدت الفكرة، ثم حُررت، لتصبح النار أول مادة في الطبيعة يكتشفها الإنسان، ويستغلها لتلبية حاجاته الأساسية.

وهذا كان الإعلان الأول عن وجود الإنسان، وسيادته على الأرض، ككائن مسيطر يستطيع التحكم بالمادة، ويطوعها لخدمته.

بعد ذلك توالت سلسلة الاحتياجات المتنامية للإنسان، وفي المقابل تطورت الأفكار، وتنوع الإنتاج المادي والمعرفي باضطراد، فقد واجه هو الآخر جملة من التحديات الاجتماعية والثقافية المتنوعة والمختلفة بدرجات متفاوتة، ووفق تغلب العقل على المعوقات الثقافية والاجتماعية والمادية، يتحدد نجاح المجتمعات والأمم، إذ هنا يصبح للوعي كلمته الفصل!

فهل كانت النار هي حقاً الاكتشاف الأول للإنسان، كما يتداول تاريخياً؟

أعتقد أن التاريخ أيضاً أسهم على نحو ما في تأطير الوعي، وتوجيهه وفق معايير جامدة!

إذ إن الاكتشاف الحقيقي الأول للإنسان هو العقل، التفكير، الفكرة، وما كانت النار إلا الشكل المادي للفكرة. الفكرة سبقت النار إلى الوجود.

والتاريخ له سياقات سردية مُختلة في مواضع كثيرة من الإرث السيسيولوجي والمادي للبشرية، لا مجال لذكرها هنا، إلا بالقليل من التلميح الذي يساعد في فهم كيفية وقوف هذا الإرث أمام إنتاج الفكرة المتجددة، أو ما يسمى بالوعي!

الإرث التاريخي للمجتمعات هو (ثقافة، عادات، تقاليد، أمثال، مقولات شعبية، دين، الحروب وتبعاتها، الأنظمة السياسية وغيرها من التجارب التي يمر بها المجتمع).

ومن حيث تأثيره على إنتاج الفكرة، سنجد أن الوعي لدى جماعة ما، مجتمع ما، لابد له من أن يتأثر بتلك المكونات، وهذه إشكالية تعترض إنتاج الجديد!

بين الحداثة والتقليد، كانت هناك دوماً إشكالية، من منهما يعترض التنمية أو التطور بشكل أدق؟

لن أتحدث هنا عن أي تنظير حول هذا الموضوع.

ما يعنيني هو أن هذه الإشكالية تمُسنا كأفراد بشكل خاص جداً، حول أفكارنا وأساليب عيشنا، وأي نهج نتخذه في حياتنا، على المستوى الشخصي.

لنسقط التجربة السابقة للعقل، على كل ما واجهه الإنسان من تحديات، سنجد أن الفكرة دوماً هي التي تنقذه، في الحرب والسلم والبناء والتعمير والمعرفة. في النهاية أصبح للإنسان مخزون معرفي هائل، خامته الأولى كانت فكرة!

وفي سياق الحداثة والتقليد، أو التمسك بالقديم، يبقى الصراع الدائم بينهما، هل نتمسك كأفراد في تجاربنا الشخصية بكل ما ورثناه من أفكار وعادات وتقاليد، وما درسناه وتعلمناه؟

أم نحرر كل ذلك بإعادة تقييمه، وفرز ما يمكن التمسك به، وما يمكن أن نلغيه لأنه يقف عائقاً أمام مواصلة حياتنا، والتنعم بالبصيرة التي من المفترض أن نكتسبها مع تراكم المخزون المعرفي الذي اختبرناه في حياتنا؟

فلتتطور الفكرة في مواجهة التحديات التي نواجهها، هذا هو الحل.

أما أن نجمد الفكر الموروث، ونستخدمه في المواجهة، فهذا ضرب من العبث، لأنه سلاح صدئ لن ينفعنا!

سأجد بالتأكيد من يقول إن الموروث هو خلاصة تجارب من سبقونا، سأقول له ماذا لو كانت تجاربهم وخبراتهم ناقصة، أو على الأقل انتهت مدة صلاحيتها، ولم تعد تناسب عصرنا وتحدياته؟!

لماذا إذن نمتلك العقل؟ أليس لنتغلب على العوائق؟ حسناً دعونا نأخذ مثلاً:

توارثنا نظريات علمية، وكانت ثوابت آنذاك، مرت سنوات، ونُقضت تلك النظريات بأخرى، لماذا نُقضت وقد كانت مسلمات ثابتة؟

نقضها حتما جاء من عقل فكر وحلل وابتكر، فهل نسلم بالنظريات الناقضة هذه؟

لو سلمنا بها، لن تتحرر نظريات أخرى، ولن نتطور.

ببساطة، هل يستطيع الإنسان أن يواجه التغيير من حوله دون أن يحرر أفكاره من القيود التي وضعها بنفسه؟!

أفكارنا بحاجة للتحرر من التسليم بالبديهيات على أنها ثوابت.. دور شيخ القبيلة لم يعد يتناسب مع مجتمع حديث مدني يحتكم للقانون!

أساليب تربية أبي وأمي لم تعد تنفع في تربيتي لأولاد نوافذهم على الحياة أكبر من نوافذي!.