لم يكن متوقعا بعد حوالي العام من التحضير لمؤتمر الحوار الوطني، الذي أنفقت عليه الدولة عشرات الملايين من الدولارات، أن تكون النتائج الأولية له مخيبة للآمال وبالشكل الذي ظهرت به قرارات رئيس الجمهورية، يومي 16-17 مارس الجاري وذلك من حيث :
أغلب قوائم الأحزاب والتنظيمات السياسية المعلنة، افتقدت للشروط والمعايير الموضوعية للمشاركة، فهذه القوائم لم تكن وطنية أولا، لأنها ركزت على التمثيل الأسري وليس الوطني (مناطق ومحافظات)، ثم لم تراع المعايير العلمية والثقافية المطلوبة للمشاركة في مؤتمر حوار "وطني" يتطلب تكافؤ القدرة والكفاءة ، فهناك ملاحظات كثيرة على هذه القوائم شكلاً ومضموناً.
قد يقول البعض، هذه من خصوصيات وشئون الأحزاب وليس لأحد حق التدخل فيما تقره أو تتوصل اليه، ونقول نعم ، ولكن الأصل أن هذه الأحزاب أنشئت على أسس وطنية، وهي معنية بأن تتعامل وفقا لشروط ومعايير تراعي مقتضيات المصلحة العامة، وليس المصالح الشخصية، أو الفئوية أو الأسرية، فذلك يجرمه القانون.
قرار رئيس الجمهورية "بتسمية أعضاء مؤتمر الحوار الشامل " أظهر فشلاً ماحقاً في إدارة اللجنة الفنية للحوار، وفي أداء معاوني الرئيس، فإعلان قائمة باسم الحوار الوطني تصدر بقرار جمهوري بالصورة التي ظهرت بها، لا بد وأن تكون مدعاة للمراجعة وإعادة النظر فيها وفيما يجري.
فظهور (82) مشاركا موزعين على (27) عائلة بتمثيل من 2-7 أفراد من كل أسرة أو عائلة، من زوج وزوجة، وأب وثلاثة من أبنائه أو بناته، أو أب وابن وزوجته، أو من ثلاثة إلى أربعة اخوة من "ديمة" واحدة ، و"مقيل" واحد، أو عائلة مكونة من سبعة وستة أفراد ممثلين في مؤتمر الحوار الوطني اليمني الشامل، وبإشراف ورعاية اقليمية ودولية، فذلك يمثل فضيحة سياسية ووطنية كبيرة، لا يجوز أن تمر مرور الكرام، أو - على الأقل – يجب أن يعاد النظر في تسمية المؤتمر ليصبح مؤتمر حوار العوائل اليمنية المحدودة، لتتسق التسمية مع التمثيل.
ثم، هل عجزت النساء اليمنيات أن تلد من يمكن أن يشارك في مؤتمر الحوار الوطني بدلاً عن الوزراء والمسئولين التنفيذيين الذين اشتملتهم القائمة، ثم من سيدير أعمال ومهام وزارات ومؤسسات هؤلاء خلال ستة أشهر؟؟!!.. خاصة إذا ما أدركنا أن وزراءنا ومسئولينا يحملون مفاتيح وأختام وزاراتهم ومؤسساتهم في جيوبهم ، ولا يسمحون لنوابهم أن يقتربوا من مواقع "الخطر" ، خوفاً عليهم من التسلق والطلوع الى حيث هم في "العلالي".
هناك شروط ومعايير وضعتها بعض الندوات الفكرية والسياسية التي كرست للتهيئة للحوار الوطني، كان يجب على اللجنة الفنية للتحضير للحوار أن تقرأها وتستفيد منها، وليس عيبا في ذلك.
ومن هذه الندوات، ندوة " الحوار الوطني.. طريقنا للتوافق والسلام " التي بادرنا في مركز الوحدة للدراسات الاستراتيجية وأقمناها في صنعاء في وقت مبكر (بتاريخ 19-20 مايو 2012) بمشاركة نخبة متميزة من المشاركين من مختلف الأطياف السياسية والعلمية.
والشيء المؤكد أن وثائق هذه الندوة أرسلت إلى فخامة رئيس الجمهورية الذي انعقدت الندوة برعايته، والى دولة الرئيس باسندوة، وإلى زعماء لجنة الحوار الدكتورين الارياني ونعمان والأستاذين القديرين الآنسي و(ربما) العتواني.. وآخرين، لكن أحداً من المعنيين بالحوار لم يكلف نفسه - للأسف - حتى بالرد بالاستلام، رغم أن الندوة كانت - بشهادة كثير من المشاركين - بمثابة مؤتمر حوار وطني مصغر.
لا ندري كيف تم اختيار قوائم الشباب والمرأة ومنظمات المجتمع المدني، فرغم أن الأحزاب المتصارعة في اللجنة، ظلت تتقاتل على حصص هذه الفئات خلال الفترة الماضية من التحضير للحوار، لكنها في غفلة الزمن فوجئت بأنه قد تم تدبير ممثلي هذه الفئات بليل، وهو ما دفع أحزاب المشترك، التي استغنت عن شركائها إلى إصدار بيانها "التاريخي" ليلة انعقاد المؤتمر، وأعلنت تحفظها على "قائمة الرئيس"، متناسية بأن الشعب متحفظ على قوائمها ، وعلى كل خطواتها، ومسلكها بعد أن بدأت المشاركة في السلطة، وفوجئت بــ50% من الحكومة في يدها، مع رئاسة حكومة طيبة وطيعة ومطواعة.
وإذن، - والسؤال هنا موجه للجنة الفنية للحوار بممثليها من أحزاب السلطة والحوثيين والحراكيين – أين ذهبتم بممثلي الشباب من المستقلين، وأين ذهبتم بممثلي المرأة من المستلقين، وممثلي منظمات المجتمع المدني من المستقلين أيضاً؟!!
واحد فقط من ممثلي منظمات المجتمع المدني الفاعلين وجدناه حاضراً في القائمة، هو العزيز علي سيف حسن، و- ربما- لولا أن له فضلاً على زعماء الحوار وقادة المشترك بالترتيب لزيارتهم قبل عام إلى المانيا بالتنسيق مع منظمة المانية لما حظي بالمشاركة، ولكانوا قد وضعوا بدلا عنه أحد اقرباء أو محاسيب قادة اللجنة التحضيرية للحوار الوطني، وهذه للأسف الشديد هي القصة "الكارثة"، التي لازمت اللجنة الفنية للحوار الوطني، ولا تزال تلازمهم.
وأخيراً ظل الناس من عند الرئيس إلى دكاترة وأساتذة الحوار خلال الأشهر الماضية من التحضير مشغولين بـ"النطيحة والمتردية وما أكل السبع" من الرموز القيادية المعارضة في الخارج التي قد أكل الدهر منها وشرب فعلاً، ونسوا التواصل مع المكونات السياسية الوطنية الجديدة في الداخل "حراكية وغير حراكية"!!
إنها عقدة الماضي، التي نطيل – نحن العرب - البحث والتنقيب فيها،غير مدركين أنها منعتنا وتمنعنا من السير قدما، ومنعت الأجيال الجديدة من المشاركة في البناء والانطلاق نحو عصر يفيض حيوية وتفاعلا وعطاء..
ومع كل هذا.. سنظل على أمل وتفاؤل بحوار يتجاوز الكثير من الأخطاء والعثرات..