القضية الجنوبية بين الرواية والدراية
بقلم/ طاهر شمسان
نشر منذ: 12 سنة و أسبوع
الخميس 08 نوفمبر-تشرين الثاني 2012 03:29 م

محاولة لقراءة تجربة وحدة 22 مايو 1990 (1)

لا يمكن لنا أن نتحرك صوب المستقبل ما لم نعمل على تصحيح ماضينا بتحريره من أسر القراءات المتحيزة التي تسعى لتوظيفه في صراعات الحاضر..ونحن هنا لا نشير إلى الماضي البعيد الممتد إلى الفتنة الكبرى وحروب علي ومعاوية وإنما إلى الماضي القريب جدا الذي مازال حاضرا بشخوصه وعاشه معظم اليمنيين الأحياء الذين شهدوا يومي 22 مايو 1990 و7 يوليو 1994 ولم يستوعبوا بعد ما جرى خلال الفترة الزمنية الفاصلة بين هذين اليومين وما بعدها بسبب غلبة الرواية على الدراية..فالرواية كانت ومازالت صاحبة الصوت المرفوع الذي أشاع في الناس أن يوم 7 يوليو هو يوم النصر العظيم وأنه يوم مشهود من أيام الوطن لا من أيام العصبيات المدمرة للأوطان.

واليمنيون اليوم على أعتاب مؤتمر للحوار الوطني الذي يفترض أن يكرس للبحث في مسألة بناء الدولة..والقضية الجنوبية هي القضية الكبرى المطروحة على جدول أعمال هذا المؤتمر من حيث أن حلها حلال عادلا هو – وليس غيره - بوابة الولوج إلى الدولة..والخوف كل الخوف أن يجري التعامل معها إنطلاقا من ثنائية الوحدة والإنفصال التي كرستها الرواية للتستر على الدوافع الحقيقية لحرب 1994 باعتبارها حربا حركتها عصبيات ممانعة لبناء دولة لكل اليمنيين..وفي هذه القراءة سنبدأ بتصحيح بعض المفاهيم الممهدة لعرض تجربة الوحدة وبيان معنى القضية الجنوبية.

إن ما حدث يوم 22 مايو 1990 هو الإعلان عن تأسيس جديد لوحدة بين يمنين سياسيين تفصل بينهما قرون من التشظي وليس إعادة تحقيق وحدة يمن سياسي واحد انشطر في لحظة زمنية منظورة إلى شطرين أحدهما أصل متبوع والآخر فرع تابع..و"الإعلان عن التأسيس"هو لحظة التدشين في عملية توحيدية كانت بحاجة إلى وقت طويل وإلى تفاهم ورعاية من كل الأطراف..أما "إعادة تحقيق الوحدة" فهو تعبير مخادع يوحي بأنما حدث في 22 مايو 1990 هو لحظة التتويج في عملية توحيدية بدأت في وقت ما وانتهت في هذا اليوم.

والوحدة لم تكن بين حزبين ولا بين سلطتين وإنما كانت بين دولتين بالمعنى المتعارف عليه أكاديميا وقانونيا- أرض وسكان وهيئة حاكمة -..وعملية التوحيد بدأت لصالح دولة ثالثة يفترض أن تكون لها حقائق مختلفة - لاهي حقائق دولة الشمال ولاهي حقائق دولة الجنوب - ونظام سياسي ديمقراطي مغاير يتضمن إدانة صريحة للنظامين السياسيين السابقين..ولهذه الدولة الثالثة وحدها – دون أي من الدولتين السابقتين - حق التمدد وممارسة السيادة على كامل جغرافية اليمن الحضاري الثقافي الواحد..ومن غير هذه الدولة الثالثة ذات الحقائق المختلفة والنظام السياسي الديمقراطي المغاير تكون الوحدة باطلة وغير مؤهلة للبقاء والإستمرار.

وفي مفهوم الوحدة نميز - منطقيا ومنهجيا - بين مستويين..الأول: هو الوحدة كحالة عاطفية شعبوية إستدعتها الحركة الوطنية اليمنية من إرشيف التاريخ بصورة مثالية بعد تنقيته ذهنيا من حروبه وصراعاته وتغلباته وانقساماته وأيقظتها في نفوس وعقول الجماهير كحلم تغييري..والثاني: هو الوحدة كمشروع سياسي وطني نخبوي معيار نجاحه الوحيد أن يتجسد في دولة – ثالثة - ذات نظام سياسي ديمقراطي حقيقي يضمن أن تكون الدولة لكل مواطنيها لا دولة تغتصبها مراكز قوى متكئة على عصبيات.

وعلى أساس هذا التمييز بين الوحدة كحالة عاطفية شعبوية والوحدة كمشروع سياسي نخبوي نرى أن النخب التي وقفت ضد مشروع دستور دولة الوحدة وقاطعت الاستفتاء عليه لم تكن ضد الوحدة بالمعنى الأول لكنها كانت ضدها كليا بالمعنى الثاني..أي أنها كانت ضد "الدولة الثالثة" دفاعا عن دولة الشمال..ضد الجمهورية اليمنية دفاعا عن الجمهورية العربية اليمنية..والأرجح أن يوم 22 مايو 1990 كان سيتأخر كثيرا لو أن حملة تكفير مشروع دستور دولة الوحدة كانت سابقة عليه وليست لاحقة له..لهذا نلاحظ أن ترحيل الاستفتاء على مشروع الدستور إلى ما بعد22 مايو 1990 تحول من الناحية العملية إلى تبكير بالحرب.

أما التحالف الذي أشعل حرب 1994 فقد استثمر الوحدة كحالة عاطفية شعبوية لتدميرها كمشروع سياسي وطني نخبوي..فبدلا من تجييش عاطفة الوحدة لدى الجماهير لصالح بناء الدولة-الثالثة- جرى تجييشها لصالح الحرب..وبالحرب تحولت عاطفة الوحدة إلى دماء وجراح أشاعت الكراهية ونقلت براميل التشطير من الجغرافيا إلى النفوس..وهنا بالتحديد يكمن جذر القضية الجنوبية باعتبارها قضية وطنية نجمت عن انقلاب عسكري عصبوي موجه ضد مشروع دولة الوحدة..والأنكأ من كل ذلك أن الإنقلابيين ظلوا يستخدمون عاطفة الوحدة لشرعنة نهب واستباحة الجنوب الأمر الذي دمر هذه العاطفة عند سكان المحافظات الجنوبية وأشاع الخوف عليها لدى سكان محافظات الشمال..وبهذا إنقسم اليمنيون جغرافيا بين كاره للوحدة جنوبا وخائف عليها شمالا..ومع أن سبب الكراهية والخوف في الحالتين واحد وهو حرب 1994التي دمرت الوحدة كمشروع سياسي وطني إلا أن نخبا في الجهتين تتهرب من الاعتراف بهذه الحقيقة..فالتي في الجنوب تعمق الكراهية وتعطيها بعدا جهويا معلنا..والتي في الشمال توسع مساحة الخوف وتحرضه بشعارات وطنية ودينية للتستر على جهويتها وعصبويتها الضيقة..الأولى تستشهد بنتائج الحرب لشرعنة فك الارتباط وتستعدي الكارهين ضد الخائفين..والثانية تتمسك بالوحدة لشرعنة ما تقدر على شرعنته من نتائج الحرب وتستعدي الخائفين ضد الكارهين..والحقيقة متوارية في المسافة الواقعة بين هذين القطبين.

والحرب التي أنتجت القضية الجنوبية لم تكن بين جهتين في الجغرافيا وإنما بين إتجاهين في السياسة..فالذين كسبوا الحرب وجنوا ثمارها هم من الشمال والجنوب..والذين خسروها هم أيضا من الشمال والجنوب..أما المهزوم الأول والأكبر فيها فهو الشعب اليمني بشقيه الكاره والخائف.

وفي شكلها المباشر والصريح كانت الحرب ضد الحزب الاشتراكي اليمني في الشمال والجنوب وليست ضد الجنوب جغرافية وشعبا..والخلاف الذي أدى إلى الحرب لم يكن بسبب هروب قيادة الاشتراكي من الوحدة وإنما بسبب هروب قيادة المؤتمر الشعبي العام وحلفائها من استحقاقات بناء دولة الوحدة..وهذه حقيقة يدركها دعاة فك الإرتباط مثلما يدركها أمراء الحرب ورموزها..لهذا نلاحظ أن الجنوبيين الذين قاتلوا إلى جانب علي صالح مقبولون في الجهتين لأنهم قاتلوا ضد الحزب الإشتراكي وأن الشماليين الذين أدانوا الحرب مرفوضون من الجهتين لأنهم إشتراكيون.

وإذا كانت الحرب قد طالت في الشمال جيش الجنوب المرابط بعيدا عن خطوط إمداده فإنها طالت أيضا مقار الحزب الاشتراكي في كل المحافظات مع أنها ليست أهدافا عسكرية..كما طالت الآلاف من أعضائه وكوادره الذين تعرضوا للإقصاء والتهميش والحرب النفسية غير المعلنة حتى أصبح الاشتراكي القابض على عضويته كالقابض على الجمر.

أما في الجنوب فقد طالت الحرب كل شيء من الأرض وما عليها إلى الإنسان العادي وما ألفه واعتاد عليه وتعلق به من تاريخ ورمزيات ومن حضور حقيقي للدولة والنظام والقانون..وتفسير ذلك أن النظام الذي حرك الحرب ليس نظام دولة وإنما نظام عصبيات مغتصبة للدولة..والعصبيات حينما تنتصر عسكريا لا تكتفي بهزيمة الخصم وإنما تذهب بعيدا في استباحة مناطق حضوره التاريخي وتأديبها لتكون عبرة لمن يريد أن يعتبر..وهذه ظاهرة تكررت كثيرا في التاريخ اليمني حيث كان الطرف المنتصر يستبيح معقل الطرف المهزوم على نحو همجي مثلما فعل الإمام أحمد مع صنعاء عام 1948..يضاف إلى ذلك أن اتساع حجم الطبقة الفاسدة داخل نظام العصبيات جعل علي صالح يعتمد على العطاءات والمكافآت في استرضاء مراكز النفوذ وفي كسب الولاءات وشراء الذمم..وهذا ما كان قد حصل مع تهامة التي استبيحت أراضيها بالكيلومترات وتحول أبناؤها إلى عمال يومية في مزارع المتنفذين ولصوص الأراضي..مع ملاحظة أن المقارنة بين تهامة والمحافظات الجنوبية غير جائزة منطقيا ومنهجيا..فتهامة جزء من الشمال بينما الجنوب جزء من اليمن..وتهامة لم تكن دولة ولا مشروعا سياسيا بينما الجنوب كان حتى الأمس القريب دولة ومشروعا سياسيا وطنيا منظورا على المستويات المحلية والإقليمية والدولية.

أما استباحة منازل وبيوت قادة ومسئولي دولة الجنوب فتندرج في إطار الإمعان في الإهانة وممارسة الإذلال..وهذه ثقافة متأصلة في ذاكرة أمراء الحرب..وقد سبقتهم إلى ذلك بيت حميد الدين عندما أعدمت كبار آل الوزير عام 1948 ثم ذهبت إلى بني حشيش تهدم منازلهم وتنقل حجارتها إلى صنعاء لتبني بها قصرا للعباس..ومثلما كانت بيت حميد الدين قادرة على بناء عشرات القصور دون أن تمد يدها إلى حق الغير فقد كان بمقدور أمراء حرب 1994 أن يبنوا لأنفسهم قصورا فارهة داخل مدينة عدن دون أن يقتحموا بيوتا يعلمون أنها ليست لهم..لكننا في الحالتين أمام تصرفات لا يوجد لها تفسير آخر غير الذي ذهبنا إليه.

وفي القضية الجنوبية نميز منطقيا ومنهجيا بين الإعتراف بطابعها الحقوقي والإعتراف بطابعها السياسي..الأول يتوقف عند النتائج ويتجنب الإشارة إلى السبب..يتحدث في أحسن الأحوال عن سوء إدارة نتائج الحرب مع الإقرار الضمني بشرعية دوافعها ومحركاتها..أما الثاني فيتجه مباشرة إلى السبب مشيرا إلى طبيعة المصالح المتكئة على عصبيات نافذة ماقبل وطنية تعجز عن تبرير نفسها وإدارة شؤنها بوسائل أخرى غير القوة العسكرية..والتعتيم على الطابع السياسي للقضية الجنوبية يخلق العقبات أمام أية مقترحات ورؤى وطنية لحلها حلا عادلا يقتلع أسباب الحروب الداخلية ويشكل مدخلا لبناء دولة ضامنة لمصالح كل اليمنيين في الشمال والجنوب..ومن بديهيات الأشياء أن تكون هذه الدولة متحررة تماما من أي نفوذ عصبوي..لهذا السبب نرى أن الإنتصار للقضية الجنوبية هو انتصار لليمن برمته.

واليمنيون إزاء القضية الجنوبية أمام خيارين لا ثالث لهما: إما حلها حلا عادلا في ظل وحدة قائمة على الندية والشراكة الحقيقية بين اليمن السياسي الشمالي واليمن السياسي الجنوبي على النحو الذي يحقق مصلحة المواطن العادي في الشمال والجنوب ويخلق شروطا موضوعية للإندماج الوطني الكامل والطوعي في ظل يمن سياسي واحد وجديد وإما تفكك اليمن جنوبا وشمالا إلى يمنات سياسية قد ينكر بعضها يمنيته..ومعنى ذلك أن الحديث عن بعد وطني للقضية الجنوبية حديث غير مستقيم..فهي في شكلها ومضمونها قضية وطنية بامتياز..بل هي القضية الوطنية الأكثر إلحاحا اليوم ولا يجوز مساواتها بغيرها من القضايا الطافية على السطح كقضية صعدة التي نسميها "قضية" على سبيل الشيوع.

والحل العادل للقضية الجنوبية لن يكون ممكنا إذا ظلت النخب النافذة في الشمال متمترسة حول خطابها السياسي الذي نظر لحرب صيف 1994 وبقي يبررها إلى اليوم..وإذا كانت الثورة الشبابية الشعبية قد خلعت علي صالح وأسقطت شرعية نظامه المنتج للحروب والأزمات فإن كل من يدافع عن حرب 1994 كليا أو جزئيا بعد كل الذي صار يثبت أن يده مازالت على الزناد وأنه مخلص لنظام الحرب وإن من غير علي صالح..والإخلاص لهذا النظام يضع أصحابه خارج مدخلات الحل العادل للقضية الجنوبية..فهم جزء من المشكلة باعتبارهم من مدخلات النظام الذي أنتجها..ولا يمكن أن يكونوا جزءا من الحل إلا إذا تخلوا عن نمط تفكيرهم السياسي القديم وقبلوا بتقويض النظام السياسي القائم لصالح نظام سياسي جديد مؤهل لبقاء الوحدة وازدهارها..والتخلي عن نمط التفكير القديم يبدأ من الإدانة الدامغة لدوافع حرب 1994 ونتائجها وينتهي ببناء دولة ذات نظام سياسي قادر على عزل وتحييد الجوانب السلبية للعصبيات المنتجة للحروب الداخلية والمعيقة لتطور وتنمية البلاد.

أولا:الوحدة قبل عام 1990 :

عندما حصل الجنوب على الاستقلال في 30 نوفمبر 1967 كان الشمال يعيش حربا أهلية حقيقية بين الملكيين والجمهوريين ولم تكن الوحدة ممكنة من الناحية العملية في تلك الظروف..وفي أغسطس عام 1968شهدت صنعاء أحداثا دامية أصبح بعدها النظام السياسي في الجنوب من غير شركاء وحدويين في الشمال الرسمي..وفي العام 1970 حصل المنتصرون في أحداث أغسطس على جائزة المصالحة مع الملكيين التي أعادت اللحمة للقوى القبلية والتقليدية على حساب اللحمة الوطنية للشمال..وبموجب هذه المصالحة أصبح الملكيون ممثلين في المجلس الجمهوري والحكومة ومجلس الشورى والإدارة المحلية والقضاء والسلك الدبلوماسي..غير أن المصالحة مع الملكيين لم تجلب الاستقرار والسلام لليمن الشمالي لأنها قبل أن تبدأ كانت مشروطة بالعداء للجبهة القومية في الجنوب وتشريد شركائها الوحدويين في الشمال الذين أعادوا ترتيب أوضاعهم فيما بعد في إطار الجبهة الوطنية الديمقراطية..إذن نحن على مستوى الشمال أمام نظام سياسي صاغته نتائج أحداث أغسطس 1968 والمصالحة مع الملكيين عام 1970..ولم تكن الوحدة اليمنية من بين أهداف وأجندة هذا النظام.

وبما أن الوحدة كانت القضية الأكثر جاذبية على المستوى الشعبي فقد كان من المتعذر على النخبة الحاكمة في صنعاء أن تتجاهل هذه الحقيقة..لهذا رفعت شعار الوحدة وزاودت به على أصحابه الحقيقيين وكأنه شعارها..لكنها لم تستطع أن تتصور الوحدة مع الجنوب خارج النموذج الذي تريده هي وهو نظام الجمهورية العربية اليمنية كما صاغته نتائج أحداث أغسطس 1968 والمصالحة مع الملكيين..وبالمقابل لم تكن النخبة الحاكمة في عدن تقبل بوحدة خارج نموذجها الذي جسدته جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية باعتبارها دولة العمال والفلاحين والمثقفين الثوريين وسائر فئات الشعب الكادحة..والملاحظ هنا أن نموذج الشمال متحيز جهويا وعصبويا..بينما نموذج الجنوب متحيز طبقيا..الأول قبلي عصبوي..والثاني يمني.

إن تمسك كل طرف بنموذجه الذي أراده لدولة الوحدة جعل تحقيقها أمرا مستحيلا إلا إذا أطاح أحد النظام ينب النظام الآخر وفرض نموذجه بالقوة وهو مالم يكن ممكنا في ظل النظام الدولي القائم على مبدأ سيادة الدول وسلامة أراضيها واحترام حدودها..ولهذا تحول شعار الوحدة إلى وسيلة لتدخل كل نظام في الشئون الداخلية للنظام الآخر..وكان من نتائج ذلك أن العلاقة بين عدن وصنعاء ظلت تراوح بين الصراع المسلح والتعايش السلمي.

وفي يونيو 1974 جاء إبراهيم الحمدي إلى السلطة في صنعاء ليعيد تأهيل النظام السياسي في الشمال وطنيا ووحدويا..لكن الرجل ذبح على النحو الذي نعرفه..أما أحمد حسين الغشمي فقد كان رئيسا عابرا ريثما يعاد ترتيب أوراق النظام في الشمال على النحو الذي لا يسمح بتكرار ظاهرة الحمدي..وقبل أن يقع الانفجار الكبير في مبنى القيادة العامة كانت الأمور قد رست على علي عبد الله صالح الذي حرص منذ أيامه الأولى في الحكم أن يثبت لمن جاء به أنه لم ولن يكون إبراهيم الحمدي.

وظل الأمر على هذا لنحو إلى أن انتهت الحرب الباردة وتراجعت المؤثرات الإقليمية والدولية على العلاقات المتبادلة بين شطري اليمن وحينها تهيأت الظروف لتأسيس الوحدة سلميا على النحو الذي بدأ في 22 مايو 1990 وسط تأييد شعبي واسع النطاق..والمتغير الداخلي الحاسم الذي ساعد على ذلك هو تخلي القيادة السياسية في عدن عن النموذج الذي أرادته للوحدة مقابل تخلي القيادة السياسية في صنعاء عن نموذجها..لكن تبين فيما بعد أن نخبة الحكم في صنعاء دخلت الوحدة وهي تضمر فرض نموذجها على اليمن كله ولم تكن خطوة 22 مايو السلمية بالنسبة لها سوى إجراء تكتيكي لتغيير شروط الحرب القديمة بين الشطرين من حرب بين دولتين إلى حرب داخلية بين "شرعية" و"متمردين على الشرعية".

بهذه الطريقة فرضت نخبة الحكم في صنعاء نموذجها على الوحدة وعممت نظام الجمهورية العربية اليمنية العصبوي على اليمن كله..وبدلا عن وحدة 22 مايو الطوعية السلمية أقامت وحدة 7 يوليو "المعمدة بالدم" معتقدة أن نظام الجمهورية العربية اليمنية هو النموذج الذي انتصر على صعيد عالمي في الحرب الباردة ويجب أن ينتصر على صعيد محلي وأن نظام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية هو النموذج الذي خسر الحرب الباردة عالميا ويجب أن يخسرها محليا وكأن دولة الشمال هي ألمانيا الغربية ودولة الجنوب هي المانيا الشرقية..علما بأن المقارنة بين الحالة اليمنية والحالة الألمانية غير جائزة لا منطقيا ولا منهجيا فالشروط في الحالتين مختلفة من الألف إلى الياء.

إن حرب 1994 هي انقلاب على الوحدة كمشروع سياسي وطني نخبوي باسم الوحدة كحالة عاطفية شعبوية..والوحدة بالمعنى الأول بدأت عمليا يوم 22 مايو 1990 بينما هي بالمعنى الثاني سابقة على هذا التاريخ بزمن طويل..لكن نتائج الحرب أفضت إلى تدمير الوحدة بالمعنى الثاني أيضا على الأقل في المحافظات الجنوبية التي هي أحد طرفي الوحدة بالمعنى الأول..وإذا جاز لمشعلي حرب 1994 أن ينقلبوا على وحدة 22 مايو 1990 السلمية كمشروع سياسي وطني مستخدمين الشعارات الشعبوية المدغدغة لعاطفة جماهير الشمال المحبة للوحدة فإنه من الجائز – وفقا لهذه القاعدة - لدعاة فك الإرتباط أن يرفضوا وحدة 7 يوليو المعمدة بالدم كمشروع سياسي عصبوي غير وطني مستخدمين الشعارات الشعبوية المدغدغة لعاطفة جماهير الجنوب الكارهة للوحدة..وعلى الذين يشككون بوجود هذه الكراهية أن يقبلوا بالإحتكام إلى الشارع الجنوبي من خلال الاستفتاء.

إننا هنا لا ننظر لدعوات فك الارتباط ولكننا نفضح المنطق الواهي للوحدة المعمدة بالدم ونبين أن الدم ليس من جنس الوحدة التي حلم بها الشعب اليمني..وفي سياق هذا التبيين نذهب إلى حد القول بأن دعاة فك الإرتباط أكثر أخلاقية مقارنة بمن يدافعون عن الوحدة المعمدة بالدم..فدعاة فك الإرتباط ليسوا إنقلابيين ولا هم يرفضون الوحدة المتوافق عليها في 22 مايو 1990 كمشروع سياسي وطني..إنهم يقاومون الوحدة المفروضة عليهم بالقوة العسكرية كمشروع عسكري عصبوي غير وطني ويسمونها جهارا نهارا "إحتلال"..وهم في مقاومتهم يتبعون نهجا سياسيا سلميا غير عنفي..يضاف إلى ذلك أنهم الطرف المظلوم الواقف على الجمر الذي يرى ثروات ومقدرات الجنوب عرضة للهدر والنهب الممنهج.

إن اختلافنا مع دعاة فك الارتباط يكمن في أنهم لا يقاومون الوحدة المعمدة بالدم كمشروع عسكري عصبوي إلحاقي لصالح الوحدة كمشروع سياسي وطني..ولكن حتى في هذه لا نستطيع أن نذهب بعيدا في الوقوف ضدهم مادامت الأطراف التي ضغطت على الزناد وصنعت المشكلة تتهرب هي الأخرى من الوحدة كمشروع سياسي وطني ولم تقدم حتى الآن على أي خطوة عملية تثبت أن المشكلة كلها في علي عبد الله صالح وليس في العصبيات التي أنتجت نظامه.

ثانيا:النموذج الذي قامت عليه وحدة 22 مايو 1990.

عام 1990 وضعت الحرب الباردة أوزارها..وكان هذا متغيرا عالميا فتح الطريق لإعادة هيكلة العلاقات الدولية وهيأ لليمنين الجنوبي والشمالي فرصة تاريخية كي يؤسسا وحدتهما على أساس الربط بينها وبين الديمقراطية..فالدولة الديمقراطية إرتبطت بالوحدة..والوحدة غير قابلة للإستمرار من غير دولة ديمقراطية..وهذا هو جوهر وحدة22 مايو 1990.

غير أنه عندما أطل عام 1990 لم يكن النظام السياسي في صنعاء مؤهلا لأي مستوى من مستويات الديمقراطية لا في إطار دولة بسيطة ولا في إطار دولة مركبة من إقليمين..فالنخب النافذة في هذا النظام لم تكن مؤمنة بالوحدة كقضية وطنية بقدر ما اعتبرتها توسيعا لمساحة الأرض ليس إلا.

وفي المقابل كانت عدن تعاني من آثار أحداث يناير 1986 التي أحدثت شرخا كبيرا في الوحدة الوطنية للجنوب..وكان أمام نخبته الحاكمة خياران كلاهما غير ممكن بدون الديمقراطية..الأول خيار المصالحة الجنوبية- الجنوبية قبل الشروع في مصالحة يمنية- يمنية..والثاني خيار المصالحة اليمنية-اليمنية دون المرور بمصالحة جنوبية- جنوبية..وبما أن الحزب الإشتراكي أسس نظامه السياسي منذ البداية على إستراتيجية الوحدة اليمنية وعلى النظرة الدونية للتشطير فإن الجنوب الرسمي والشعبي كان واقعا بفعل هذه الإستراتيجية تحت ضغط المخزون المعنوي الهائل لعاطفة الوحدة الأمر الذي جعل أمين عام الحزب الاشتراكي علي سالم البيض يستسهل الذهاب إلى مصالحة يمنية- يمنية غير مدروسة إعتقد أنها تعفيه عن الشروع في مصالحة جنوبية-جنوبية كانت تبدو حينها صعبة وغير ممكنة بسبب اتساع مساحة الجروح التي خلفتها الأحداث ونزوح الطرف المهزوم بالآلاف إلى الشمال في انتظار أية فرصة ممكنة للأخذ بالثأر..وكأنه تحتم على فرقاء 13 يناير أن يمدوا أيديهم لرجل مثل علي عبد الله صالح ليكتشفوا متأخرين أنه كان عليهم أن يمدوا أيديهم لبعضهم البعض أولا.

عبرت المصالحة اليمنية - اليمنية عن نفسها من خلال الوحدة..وكان علي سالم البيض المحاصر بركام أحداث يناير وتداعياتها على النظام في الجنوب جاهزا نفسيا ومعنويا لهذه المصالحة..والأرجح أنه هو الذي وضع مفرداتها المدماكية الأساسية ليقبل بها علي صالح في صفقة بنيت على تفاهم سري غير موثق بين الرجلين أدى إلى تقديم موعد إعلان الوحدة ستة أشهر عن الموعد المحدد في اتفاقية 30 نوفمبر 1989 وترحيل الاستفتاء على الدستور إلى ما بعد إعلان 22 مايو 1990 ليتم بأثر رجعي جعل بعض الأطراف السياسية تعارضه دون أن تخشى إتهامها بإعاقة إعلان تأسيس الوحدة.

ويبدو أن التحريك المتبادل لوحدات أساسية من الجيش من الجنوب إلى الشمال والعكس قبل دمجه جاء في إطار التفاهم السري بين البيض وعلي صالح..والملاحظ أن الوحدات الجنوبية تموضعت شمالا في مناطق غير ذات قيمة عسكرية وبعيدة عن مناطق إمدادها وجاورتها وحدات شمالية في أماكن تموضعها..بينما تموضعت الوحدات الشمالية جنوبا في مناطق ذات قيمة عسكرية تضمن لها تلقي الدعم والإسناد خلال ساعات..وهذا ما أثبته مسار الحرب فيما بعد.

أما المفردات المدماكية التي قام عليها التفاهم السري فهي: "الشراكة" و"الديمقراطية" و"الإصلاح" و"التحالف" وقد وردت بكثافة في كل خطابات البيض منذ 30 نوفمبر 1989 بما في ذلك خطاب فك الإرتباط في 21 مايو 1994 ..وفيما يتعلق بالتفاهم السري نفسه كواقعة حدثت بالفعل فقد ذكره علي صالح في سياق حديث طويل نشره نجيب رياض الريس عام 1999 في كتابه "رياح الجنوب"...والقبض على مفردات التفاهم السري هو مدخلنا لتقييم تجربة وحدة 22 مايو 1990 التي قامت على أساس الدولة البسيطة..ما يعني أن استخدام كلمة "إندماجية"في وصف وحدة 22 مايو 1990 هو استخدام مخادع يوحي بأن الدولة المركبة لا تحقق الإندماج الوطني..وهذا ما لا تقره تجارب الشعوب والدول في معظم الخارطة السياسية للعالم.

1 – الشراكة: الأصل في وحدة 22 مايو 1990 هو الشراكة وليس الديمقراطية..وقد تأسست فكرة الشراكة موضوعيا على حقيقة تاريخية وجغرافية مؤداها أن الجنوب جزء من اليمن الحضاري الثقافي وليس جزءا من اليمن الشمالي السياسي..مثلما أن الشمال جزء من اليمن الحضاري الثقافي وليس جزءا من اليمن الجنوبي السياسي..وعليه فدولة الشمال ودولة الجنوب متكافئتان أمام الوحدة نظريا وعمليا..نظريا: في التوافق على مشروع دولة الوحدة وعقدها الاجتماعي..وعمليا: في تطبيقه..وبما أن دولة الوحدة لم تقم على أساس فيدرالي يعبر عن هذه الحقيقة الموضوعية في العلاقة المتكافئة بين الشمال والجنوب فإن التعبير عنها تم من خلال الوضع الإستثنائي الذي منحه التفاهم السري للنائب علي سالم البيض في علاقته الوظيفية بالرئيس علي صالح خلال الفترة الإنتقالية اللازمة للإنتهاء من تطبيق مخطط الوحدة والطلاق النهائي مع الماضي التشطيري..وهي فترة لا تقاس بالزمن وإنما بنوع وحجم الإنجاز المتحقق على صعيد بناء دولة الوحدة.

وهنا يجب أن نفرق بين هذه الفترة والفترة الإنتقالية المحددة في اتفاقية الوحدة بسنتين ونصف..فهذه الأخيرة لها بعد قانوني يغلب بنودا في الإتفاقية على مواد في الدستور ولا علاقة لها بالتطبيق النهائي لمخطط الوحدة..وهي تنتهي بإجراء أول إنتخابات نيابية بعد إعلان الوحدة..بينما لا تنتهي الفترة الانتقالية بالمعنى الأول إلا في ظروف إشتغال ديمقراطي طبيعي لكل مؤسسات الدولة والمجتمع المدني على النحو الذي يسمح لأي حزب إذا خرج من السلطة بآلية الديمقراطية أن يعود إليها بالآلية نفسها..وعلى هذا الأساس لم يكن خروج البيض من السلطة أمرا واردا ما لم ينته اليمنيون من بناء هذه الدولة..كما أن طبيعة دوره ووزنه النوعي لا يتوقف خلال هذه الفترة على عدد مقاعد حزبه في البرلمان وإنما على التكافؤ بين الجنوب والشمال في تأسيس الوحدة وبناء دولتها..وهذا يعني أننا إزاء نائب رئيس إستثنائي لإنجاز برنامج إستثنائي..إنه نائب رئيس لم يختره ولم يعينه الرئيس وإنما إختارته وعينته اللحظة التاريخية التي ناضل هو والجنوب كله من أجلها..وهو لا يستمد مكانته من قرار جمهوري صادر عن الرئيس وإنما من موقعه السابق في دولة الجنوب الذي تنازل عنه لصالح الوحدة..وهو أيضا ليس نائب رئيس في دولة ناجزة ليقوم بمهام اعتيادية وإنما نائب رئيس في مشروع دولة لم تنجز بعد ويقوم بمهام استثنائية..فهو مثل الرئيس معني ببناء هذه الدولة على قاعدة الشراكة والندية معه..وعلاقته بالرئيس هي من الناحية العملية تجسيد للعلاقة المتكافئة التي أقامها مخطط الوحدة بين اليمن الشمالي واليمن الجنوبي.

هنا نلاحظ أن الوحدة التي يفترض أنها قامت موضوعيا على أساس الدولة البسيطة لم تكن كذلك على مستوى العلاقة الوظيفية بين الرئيس والنائب..فكل منهما إختزل الكيان الاعتباري للدولة التي كان يمثلها في شخصه حتى بدت العلاقة بينهما كما لو كانت تعبيرا عن وحدة فيدرالية..وتفسير ذلك أن النموذج المتوافق عليه لدولة الوحدة مازال في حالة جنينية ويحتاج إلى وقت وإلى ثقة متبادلة كي يشتد عوده وينضج..ولضمان عملية نضوجه اقتضى الأمر أن يكون نائب الرئيس مثل الرئيس منتخبا من مجلس الرئاسة وأن تكون العلاقة بينهما تكاملية لا تراتبية ولا تنافسية..وهذه حالة إنتقالية مؤقتة تنتهي بانتهاء عملية التوحيد ونضوج نموذج دولة الوحدة.

وبما أن الوحدة لم تكن بالنسبة للرئيس مشروعا وطنيا فقد تعامل مع هذه المسألة تعاملا تكتيكيا وفتح لنفسه ثغرات في جدار الوحدة الغض نفذ منها لتجريد نائبه من أية ندية معه بحجة عدم جواز أن يكون هناك سيفان في غمد واحد وأن الدولة لا يمكن أن تدار برأسين..وفي المقابل لم يكن النائب يحوز على ضمانات موثقة تحد من قدرة الرئيس على تحجيم دوره والتلاعب بمصير الوحدة ودولتها..وقد حصل البيض على هذه الضمانات بأثر رجعي ولكن في الوقت الضائع.

فبعد 22 مايو 1990 اكتشف البيض أن الميراث التاريخي للصراع بين الشطرين يملأ العاصمة صنعاء..فدستور دولة الوحدة "يفتح الباب أمام شركاء لله في الحكم..ويساوي بين من كان مؤمنا ومن كان كافرا"..والشراكة "تقاسم غير عادل"..والحزب الإشتراكي "ملحد وقاتل العلماء"..والقيادة الجنوبية "هربت إلى الوحدة لا حبا فيها ولكن كي تتجنب مصير تشاوشيسكو رومانيا".. والجنوب "جائع جاء يتطفل على خزائن الشمال بجيش جرار من الموظفين ومديونية عالية للخارج "..ومع كل طلقة رصاص يسكب فيها الدم كان يقال:"هذا ثأر إشتراكي-إشتراكي"..هكذا من غير حاجة إلى دليل..فالعاصمة تقرر كل شيء وتفرض إرادة المهيمنين فيها على القادمين إليها..وفي هذا المناخ المأزوم إختار الرئيس صالح مؤقتا أن يأكل الثوم بأفواه فقهاء التجمع اليمني للإصلاح ليبقى هو يتربص متدثرا بقميص الوسطية والإعتدال.

ارتاب البيض من "اعتدال ووسطية" الرئيس ومارس "إعتكافين" صامتين في معاشيق..وأثناء الإعتكاف الثاني كان موعد الإنتخابات النيابية يطرق الأبواب والشمال يحتوي على 80% من دوائر الجمهورية..وهذه نسبة عالية وواعدةتستوجب أن يذهب الرئيس شخصيا إلى معاشيق يسترضي نائبه..ويبدو أن النائب قال له:لن تكون هناك إنتخابات حتى نوثق ما تعاهدنا عليه في تفاهمنا السري..ومن رحم هذا اللقاء الإسترضائي خرجت "وثيقة التنسيق والتحالف على طريق التوحيد بين الحزب الاشتراكي والمؤتمر الشعبي العام" التي أنهت الإعتكاف الثاني وهيأت المناخ السياسي لإجراء انتخابات أبريل 1993 النيابية.

نصت الوثيقة على إدخال تعديلات جوهرية في الدستور بعد الإنتخابات تتضمن إلغاء مجلس الرئاسة واستبداله برئيس ونائب ينتخبان من الشعب في قائمة واحدة، وتشكيل مجلس شورى تمثل فيه المحافظات بالتساوي ويشكل مع مجلس النواب جمعية وطنية يرأسها نائب الرئيس..ونصت أيضا على أن تتمتع المحافظات وما دونها بحكم محلي كامل الصلاحيات وأن يجري انتخاب المجالس المحلية فور استكمال التقسيم الإداري للبلاد.

وعند النظر إلى مضامين هذه الوثيقة نلاحظ أن الرئيس والنائب اللذين كانا ينتخبان من مجلس الرئاسة سينتخبان من الشعب في قائمة واحدة..ومن الوهلة الأولى يبدو أن هذا مخالف لقواعد الديمقراطية والتنافس بين حزب الرئيس وحزب النائب..وهذا صحيح لو أننا إزاء دولة ديمقراطية ناجزة..لكنه من مرتكزات الشراكة في تأسيس دولة غير ناجزة..فالحديث هنا يدور حول تأسيس الدولة وليس حول التنافس الديمقراطي على السلطة..وفي عملية التأسيس يكون الرئيس ممثلا لدولة الشمال وليس للمؤتمر الشعبي العام ويكون النائب ممثلا لدولة الجنوب وليس للحزب الاشتراكي اليمني.

يلاحظ أيضا أن رئاسة الدولة للشمال وأن نائب الرئيس ورئاسة الجمعية الوطنية للجنوب..وكان منتظرا من التعديلات الدستورية المتفق عليها حينها أن تحقق قدرا كبيرا من التوازن بين رئاسة الدولة والجمعية الوطنية..أما ما يتعلق بالحكم المحلي كامل الصلاحيات فكان يتوخى نقل السلطة الفعلية إلى المحافظات وما دونها وإنتاج شروطا موضوعية حقيقية للشراكة بين اليمنيين في السلطة والثروة.

وبعد الإنتخابات تشكلت حكومة إئتلافية من الثلاثة الأحزاب التي حازت على معظم مقاعد البرلمان..وقام البرلمان المنتخب بالتمديد لمجلس الرئاسة لمدة خمسة أشهر يتاح خلالها الوقت الكافي لإجراء التعديلات الدستورية المتفق عليها بين الرئيس والنائب في "وثيقة التنسيق والتحالف"..وفي هذه الأثناء سافر البيض في رحلة علاجية إلى الولايات المتحدة الأمريكية..وأثناء وجه الرئيس صالح الأغلبية الشمالية في البرلمان للتصويت على مسودة تعديلات دستورية تجاوزت كل ما أتفق عليه في الوثيقة المشار إليها أعلاه..فلا صلاحيات دستورية للنائب..ولا إنتخاب للنائب مع الرئيس في قائمة واحدة..ولا جمعية وطنية يرأسها النائب..وفي هذه اللحظة بالذات اكتشف البيض أن انقلابا أبيضا قد تم وأنه لم يقد الجنوب إلى الوحدة والشراكة والديمقراطية والإصلاح وإنما إلى بيت الطاعة..وعليه أن يتخلى عن مشروع دولة الوحدة وأن يسلم بشروط أرباب البيت ممثلا للجنوب مقابل تعيينه نائبا يمثل الرئيس في احتفالات الكشافة والمرشدات و يدعو الله أن يحفظه من كل مكروه وإلا "فالصميل خلق من الجنة".

لم يقبل البيض بهذا الإنقلاب وعاد من واشنطن إلى عدن ليكشف عن وجود أزمة داخل الإئتلاف الثلاثي الحاكم أساسها عدم قدرة أطرافه على التوصل إلى تفاهم وتوافق حول بناء دولة الوحدة..وكان البرلمان المؤسسة المنتخبة الوحيدة التي يمكن أن يعول عليها في حل هذه الأزمة بإرغام الرئيس ونائبه على الخضوع المتساوي للمصلحة الوطنية العليا..لكن ذلك البرلمان كان محكوما بأغلبية عددية شمالية ناجمة عن التفاوت في عدد السكان وناتجة عن إنتخابات جرت في بلد مازال يعاني من آثار التشطير ويفتقر إلى الإندماج الوطني الحقيقي..ومعظم هذه الأغلبية تشكل من شيوخ القبائل وخطباء المساجد والعسكريين فكانت جزءا من المشكلة ولم تكن جزءا من الحل..ثم أن القضايا الخلافية حول بناء الدولة لا يمكن تسويتها بعد الأصوات داخل برلمان يتلقى التعليمات من خارجه وإنما بروح التفاهم والتوافق الوطني على النحو الذي يحقق المصلحة العليا للشعب اليمني بعيدا عن مفهوم الأغلبية والأقلية وحسابات الربح والخسارة..لهذه الأسباب رفض البيض الإحتكام إلى برلمان مشطور ومتحيز.

وبينما كانت الأزمة تتفاقم أوشكت الخمسة الأشهر التي مددها البرلمان لمجلس الرئاسة على الإنتهاء..وحتى لا تدخل البلاد في فراغ دستوري أعيد إنتخاب مجلس الرئاسة على أساس 2-2-1 وفقا للنقطة الأولى في النقاط الثماني عشر التي تقدمت بها قيادة الإشتراكي حينها لحل الأزمة السياسية..وعلى هذا الأساس حل الشيخ عبد المجيد الزنداني عن التجمع اليمني للإصلاح محل المؤتمري القاضي عبد الكريم العرشي..وظل نصيب الشمال في عضوية مجلس الرئاسة ثلاثة مقاعد مقابل مقعدين للجنوب..لكن وسائل الإعلام في صنعاء كانت توزع هذه المقاعد بين الأحزاب الثلاثة وليس بين الجنوب والشمال وتتحدث عن نصيب للحزب الإشتراكي أكبر من حجمه في البرلمان وليس عن نصيب للجنوب أقل من حجمه في عملية توحيد البلاد..وهذه قضية مازالت الأطراف المعنية في اليمن تتغافل عنها وهي تفكر في حل أزمات البلاد.

وبانتخاب مجلس الرئاسة على هذا النحو لمعت في الأفق بارقة أمل..لكنها سرعان ما تلاشت عندما أذاعت وسائل الإعلام الرسمية أن مجلس الرئاسة إنتخب علي عبد الله صالح رئيسا وأن الرئيس عين علي سالم البيض نائبا له..وهذا مخالف لإتفاق مكتوب أبرمه جار الله عمر وعبد الكريم الإرياني وعبد الوهاب الآنسي قضى بإخراج موقع نائب الرئيس على النحو التالي: "إجتمع مجلس الرئاسة بأعضائه الخمسة وانتخب علي عبد الله صالح رئيسا وعلي سالم البيض نائبا للرئيس"..وقد ترتب على مخالفة هذا الإتفاق أن اعتذر البيض عن الحضور إلى صنعاء لأداء اليمين الدستورية يوم 16 اكتوبر 1993 .

ولأن البرلمان لم يكن مؤهلا للوقوف على مسافة واحدة من الرئيس ونائبه خرجت الأزمة من أقبية الإئتلاف الثلاثي إلى فضاء الحوار الوطني الموسع..ونتج عن ذلك تشكيل لجنة حوار القوى السياسية التي شخصت الطابع الوطني العام للأزمة وصاغت الحل في وثيقة العهد والإتفاق الموقع عليها بشكل نهائي في العاصمة الأردنية بتاريخ 20 فبراير 1994..لكن ميزان القوى في البلاد وقتها لم يكن لصالح بناء الدولة من خلال تطبيق الوثيقة الأمر الذي يفسر إندفاع الطرف الذي فيه الرئيس بسرعة نحو الحرب.

2 – الديمقراطية: معروف أن الشراكة بدأت عمليا بقسمة السلطة بين حزبين..ولم يكن هناك حزب ثالث يستطيع أن يقول أنا حاضر ويجب أن أدخل طرفا في القسمة..لكن مخطط الوحدة إعتمد الديمقراطية كآلية للإنتقال التدريجي والمتواصل بالشراكة من مستوى القسمة على إثنين إلى مستوى القسمة على جميع اليمنيين بواسطة إنتخابات دورية يفترض أن يؤدي تعاقبها المنتظم والآمن والنزيه إلى إثبات وثبات نقاء مبادئ الدولة الجديدة ومصداقية الخيار الديمقراطي لنظامها السياسي..وقد أثبت مرتكز الديمقراطية مصداقيته في أول إنتخابات نيابية جرت بعد الوحدة عندما نقل الشراكة من مستوى القسمة على إثنين إلى مستوى القسمة على ثلاثة وجاء بحزب التجمع اليمني للإصلاح إلى السلطة كشريك في البرلمان والحكومة ومجلس الرئاسة..فضلا عن شركاء آخرين أقل وزنا في البرلمان كالبعث والأحزاب الناصرية وحزب الحق وعدد كبير من المستقلين.

لكن بما بما أن هذا الفهم للديمقراطية لم يكن موثقا فقد كان من السهل الإلتفاف عليه واعتبار نتائج انتخابات أبريل 1993 النيابية الكلمة النهائية في تقرير مصير دولة الوحدة..وحينها تحركت الآلة الإعلامية في صنعاء لتفسير نتائج الانتخابات للرأي العام بالطريقة التي تخدم مخطط التخلص من الشراكة الفعلية بين الشمال والجنوب حيث صنف الحزب الاشتراكي اليمني على أنه حزب الأقلية وأن صناديق الاقتراع هي التي حددت الحجم الذي يستحقه ونقلته من شريك بالمناصفة إلى شريك في المرتبة الثالثة بعد المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للإصلاح وعليه أن يقبل بتراجع وزنه ودوره في تقرير مصير دولة الوحدة وصياغة نظامها السياسي وإلا سوف يواجه بتهمة الخروج على الشرعية.

صحيح أن انتخابات أبريل 1993 كانت نزيهة نسبيا..لكن هذه النزاهة لم تكن كافية للحكم لصالح وجود ديمقراطية حقيقية في البلاد..فالواقع الموضوعي حينها لم يكن متوافرا على شروط حقيقية للديمقراطية..لم يكن الوعي الديمقراطي قائما على استقلالية الفرد وعدم تزوير إرادته..وحرية الاختيار الفردي كانت مندغمة في المجموع العصبوي القبلي والمناطقي ومتأثرة إلى حد كبير بالتحريض الأيديولوجي الديني ومحمولات التراث التاريخي للصراع بين الشطرين الأمر الذي لم يتمكن معه الإشتراكي من الحصول على المقاعد التي تعبر عن حضوره الفعلي في الشمال..أما المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للإصلاح فقد أظهرتهما نتائج الإنتخابات كحزبين شماليين خالصين..لذلك غلبت الكثرة العددية على نتائج الانتخابات وأفرزت برلمانا عصبويا غير ديمقراطي وغير وطني أيضا..وبما أن 80 % من الدوائر الانتخابية يقع في الشمال الذي هو في الوقت نفسه المعقل التاريخي لخصوم الحزب الاشتراكي فمن الطبيعي أن يكون هؤلاء هم أصحاب الأغلبية العددية الشمالية في البرلمان وأن يكون الحزب الاشتراكي صاحب الأقلية العددية الجنوبية..غير أن الأغلبية العددية الناجمة عن التفاوت في عدد السكان تصرفت كما لو كانت أغلبية ديمقراطية معبرة عن وجود إندماج وطني حقيقي في ظروف طبيعية زالت معها كل آثار التشطير..وعلى قيادة الاشتراكي أن تقبل بحسم كل القضايا الخلافية من خلال رفع الأيدي داخل البرلمان الممثل لإرادة الشعب..وهذا ما لم يقبل به علي سالم البيض لما فيه من خلط بين قضايا بناء الدولة التي لا تحل إلا من خلال التوافق السياسي بين كل الأطراف وقضايا التنافس الحزبي الاعتيادي التي تحسم بعد الأصوات داخل البرلمان.

3 – الإصلاح: ينصرف هذا المرتكز في مخطط الوحدة إلى تحقيق مبدأ الدمج الذي لم يكن قد تحقق عمليا عند إعلان الوحدة.. فالوحدة بدأت إما بالجمع الميكانيكي أو بالمجاورة بين حقائق دولتين على أن يتم دمجها خلال الفترة الإنتقالية المقدرة في إتفاقية الوحدة بسنتين ونصف بحيث تفضي عملية الدمج إلى حقائق جديدة نوعيا هي حقائق دولة الوحدة لا حقائق دولة الشمال ولا حقائق دولة الجنوب..ما يعني أن الوحدة قامت أيضا على مبدأ الإدانة الضمنية لدولتي الشمال والجنوب والتخلي عن حقائقهما وعن نظاميهما السياسيين لصالح دولة جديدة ذات حقائق مغايرة ونظام سياسي مختلف قائم على التعددية الحزبية والتداول السلمي للسلطة.

ولأن الوحدة لم تقم إبتداء على الدمج وإنما على الجمع الميكانيكي أو المجاورة بين حقائق دولتين فقد بقي الريال مجاورا للدينار وطيران اليمدا مجاورا لطيران اليمنية وتلفزيون عدن مجاورا لتلفزيون صنعاء وصحيفة 14 أكتوبر مجاورة لصحيفة الثورة وقس بقية الحقائق على هذا المنوال بما في ذلك البرلمان والحكومة اللذين لم يدمجا وإنما جمعا ميكانيكيا.

وبسبب المجاورة والجمع الميكانيكي احتفظت حقائق كل دولة بتبعيتها البنيوية للنظام الذي أنتجها..وهذا هو الواقع الذي كان قائما حتى بعد إنتخابات أبريل 1993 النيابية..وكان مجلس الرئاسة يدير حقائق دولتين يتوقف نوع العلاقة بينها على نوع العلاقة بين الرئيس صالح ونائبه علي سالم البيض..لذلك قيل إن الوحدة لم تتحقق عمليا إلا من خلال العلم والنشيد الوطني..لكن الخطورة الكبيرة في هذا الإجراء مثلتها وحدات الجيش التي تجاورت من غير دمج ثم انزلقت بسهولة نحو الحرب متأثرة بمناخ الأزمة السياسية ألتي أعقبت إنتخابات أبريل 1993 النيبابية.

هنا نلاحظ أن دولة الوحدة المفترضة كانت عمليا دولة مشطورة ومشلولة وكأننا إزاء إتحاد كونفدرالي..ولأن نظام الشمال لم يكن مؤمنا بقضية الوحدة كمشروع سياسي وطني فقد أعاق عملية دمج حقائق الدولتين في إطار مخطط مدروس لتصفية الكيان الاعتباري لدولة الجنوب بمختلف مكوناته وشخوصه من خلال التطويق الإداري وعدم التمكين من ممارسة الصلاحيات والتحريض الأيديولوجي بشقيه السياسي والديني ثم الاغتيالات التي طالت العشرات من كوادر الاشتراكي..ثم جاءت حرب 1994 لتقضي على دولة الجنوب وتكرس دولة الشمال وتقضي على وحدة 22 مايو 1990 وتفرض على الجنوب وحدة 7 يوليو 1994 التي يرفضها كل الجنوبيين وجزء كبير من الشماليين.

4 - التحالف: بما أن الوحدة قامت على الدور المحوري لكل من المؤتمر الشعبي العام والحزب الإشتراكي اليمني فمن البديهي أن يتوقف مستقبلها على نوع العلاقة ألتي ستنشأ بينهما..لذلك جاء مرتكز "التحالف" في مخطط الوحدة ليعالج هذه الإشكالية. والمقصود به إبتداء التحالف بين الحزب الإشتراكي اليمني والمؤتمر الشعبي العام كنواة لتحالف وطني واسع يمارس دور الربان الذي يجب أن يقود سفينة الوحدة إلى بر الأمان..أي أن يمكن مرتكزات "الشراكة" و"الديمقراطية" و"الإصلاح" من التحقق الفعلي والطلاق النهائي مع أزمنة التشطير على كل الأصعدة.

يضاف إلى ذلك أن التحالف سيؤدي بالضرورة إلى تراجع الحساسيات الأيديولوجية القديمة بين الأحزاب السياسية إلى حدودها الدنيا وسيعزز عوامل الثقة فيما بينها..وهذا من أهم متطلبات الديمقراطية في أي بلد..فالديمقراطية غير ممكنة، داخل/ وبين الأحزاب ما لم تقم العلاقة بينها على قدر كبير من الثقة المتبادلة.

وفيما يتعلق بالتحالف تبين أن قيادة المؤتمر الشعبي العام كانت تسير وفقا لنهج مختلف تماما قائم على استثمار الحساسيات الأيديولوجية القديمة والموروث التاريخي للصراع بين الشطرين من أجل تأزيم الحياة السياسية ودفع البلاد بقوة نحو الحرب..وهذا ما كشفت عنه مذكرات الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر.. فضلا عما صدر عن علي صالح نفسه من تصريحات فيما بعد أكد فيها أنه خلال الفترة الانتقالية كان يستخدم التجمع اليمني للإصلاح ورقة في الصراع السياسي..

يضاف إلى ذلك أن قيادة المؤتمر الشعبي العام ذهبت تلتف على الشراكة بين الشمال والجنوب من خلال شعار " لا شراكة إلا بالدمج "..وفحوى هذا الشعار أن الشراكة ليست بين دولتي الشمال والجنوب اللتين يجب أن تدمجا في دولة ثالثة لا هي دولة الشمال ولا هي دولة الجنوب وإنما بين الحزب الإشتراكي والمؤتمر الشعبي العام اللذين يجب أن يدمجا في حزب واحد..وهذا مارفضته اللجنة المركزية للحزب الإشتراكي جملة وتفصيلا معتبرة دمج هذين الحزبين إنقلابا على الديمقراطية وعلى الشراكة بين الشمال والجنوب..وفي " وثيقة التنسيق والتحالف " التي أشرنا إليها أعلاه جرى الحديث عن تنسيق وتحالف على طريق التوحيد بين الحزب الإشتراكي والمؤتمر الشعبي العام..وهذا كان حلا وسطا قبل به علي سالم البيض كي يقبل علي صالح بما تبقى من بنود الوثيقة.

والآن إذا قدر لنا أن نتخيل مخطط الوحدة وقد تحقق بنجاح فإن صورة المشهد السياسي في اليمن ستكون مختلفة تماما عن المشهد الراهن الذي رسمته نتائج حرب صيف 1994..لكن حرب 1994 قضت على حقائق دولة الجنوب وفرضت حقائق دولة الشمال على اليمن كله..وبذلك حكمت على مخطط الوحدة بالفشل وكرست النظام السياسي للجمهورية العربية اليمنية مع الإبقاء على بعض مكتسبات الوحدة كالتعددية السياسية والإنتخابات الدورية بعد إفراغها من محتواها الحقيقي للإيحاء بأن الوحدة القائمة هي وحدة 22 مايو 1990 السلمية المقترنة بالديمقراطية وبأن حرب 1994 كانت إضطرارية للقضاء على خطر الإنفصال وليس لإفشال مخطط الوحدة وابتلاع الجنوب.

وعند النظر إلى مخطط الوحدة المشار إليه في ضوء نتائج حرب صيف 1994 يبدو أنه كان على قدر كبير من المثالية وربما السذاجة السياسية. فاليمنيون أحزابا ونخبا ومجتمعا لم يكونوا عام 1990 مؤهلين للديمقراطية..وهذا صحيح مبدئيا..ولكن في المقابل لم يكن من الممكن أن تتحقق الوحدة وأن تبنى هياكل دولتها ومؤسساتها بآليات الديمقراطية إبتداء لأن هذا يقتضي أن تكون نخبتا الحكم في الشمال والجنوب جاهزتين لتقديم تنازلات كبيرة قد تصل إلى حد تخليهما عن السلطة لصالح حكومة تكنوقراط مستقلة تنجز برنامج التوحيد الديمقراطي للدولتين خلال فترة إنتقالية تفضي إلى قيام دولة مؤهلة للوقوف على مسافة واحدة من كل الأحزاب..وعند نهاية هذه الفترة يدخل المؤتمر الشعبي العام والحزب الإشتراكي الإستحقاق الإنتخابي الأول إنطلاقا من خط سباق واحد يساوي بين كل الأحزاب أمام مؤسسات الدولة..وبما أن علي صالح وعلي البيض ليسا رجلين من طراز غاندي أو مانديلا فإن بناء دولة الوحدة بآليات الديمقراطية إبتداء لم يكن ممكنا لا نظريا ولا عمليا..ومن ثم لا بأس أن تكون الوحدة قد تحققت وفقا للمخطط المشار إليه.

لكن نجاح هذا المخطط كان بحاجة إلى قيادة إستثنائية مقتنعة به وراعية له حتى يعبر مرحلة الخطر..كان بحاجة إلى قيادة متناغمة وجامعة مؤهلة للتوفيق بين كل الأطراف وتعزيز عوامل الثقة فيما بينها..وإذا كان البيض هو صاحب مفردات مخطط الوحدة فإن علي صالح لم يعترض عليه بل تظاهر بالحماس لهذا المخطط وتعهد للبيض بأنه سيسير معه يدا بيد من أجل تنفيذه وأنهما سيشكلان ثنائيا متناغما ومتكاملا من أجل إنجاز هذا المشروع وسيدخلان التاريخ معا من أوسع أبوابه..بينما كان في قرارة نفسه يضمر الإنقلاب على المخطط وعلى الرجل وعلى حزبه وعلى الجنوب برمته..والمهم بالنسبة له أن تذوب الشخصية الدولية للدولتين في دولة واحدة لتصبح الحرب القادمة المحتملة بينهما شأنا داخليا..وأن يكون هو رئيسا لدولة الوحدة ليضع البيض في خانة الخروج على رئيسه..وأن تكون صنعاء وليس عدن هي العاصمة..فالعاصمة هي مركز الشرعية وهي التي تفرض شروطها ونهجها ونمط حياتها ولها سياجاتها الأمنية الممتدة من الجيش والأمن إلى قبائل الحواز..والموروث التاريخي للصراع بين الشطرين مازال حيا في الذاكرة تغذيه الحساسيات الأيديولوجية القابلة للإستخدام ضدا على مبدأ: "الوحدة تجب ما قبلها".

لقد كان علي صالح مخلصا لنظامه الشطري القديم بتحالفاته القائمة حينها ولم يكن في أعماقه يقبل بمخطط الوحدة الذي بني على الإدانة الضمنية للنظامين الشطريين واستوجب زوالهما الطوعي في النظام السياسي الديمقراطي المفترض لدولة الوحدة..وكان لديه مخطط آخر بني على تصنيف نظام الشمال في المعسكر الدولي الذي انتصر في الحرب الباردة وتصنيف نظام الجنوب في المعسكر المهزوم..ما يعني أن المنتصر يجب أن يستميت من أجل إنتصاره وعلى المهزوم أن يستسلم لقدره..لهذا إعتبر صالح ذهاب البيض إلى الوحدة ترحيلا لهزيمة حتمية يجب أن تلحق به وبحزبه بأثر رجعي..ولم يكن في قرارة نفسه يعترف للجنوب بأي دور في تحقيق الوحدة. ونظر إليه على أنه الولد الضال الذي هرب من ضياعه أو الفرع

الذي عاد إلى الأصل..وعليه أن يذوب في أصله طوعا أو كرها وأن يتخلص من الآثار التي تركتها عليه سنوات الضياع..عليه أن ينسى أنه كان دولة وأن يتصرف كما لو كان محافظة من محافظات الشمال..وكانت رموز نظامه وتحالفاته تقاسمه هذه النظرة إلى الجنوب.

إن عدم أهلية نظام علي صالح للوحدة مع الجنوب عام 1990 لا تنسحب فقط على الدولة البسيطة وإنما أيضا على الدولة المركبة..فلو أن دولة الوحدة قامت على أساس فيدرالي من إقليمين فقط- شمال وجنوب- فإنها لا محالة ستتحول إلى ساحة حرب..فالحرب كانت مضمرة في حالة الدولة البسيطة أو في حالة الدولة المركبة..وربما جرى تحميل الشكل الفيدرالي للدولة مسئولية إشتعال فتيل الحرب لتبرير خيار الإنتقال إلى الدولة البسيطة كما صاغتها حرب 1994..أما الدولة الفيدرالية متعددة الأقاليم- وهو الخيار الآمن للوحدة وقتها- فقد كانت من محرمات النظام السياسي في الجمهورية العربية اليمنية لأنها لن تقوم إلا على أنقاض المصالح المستقرة لتحالفات ذلك النظام..ومن المفارقات الملفتة للإنتباه أن البعض في الحراك الجنوبي اليوم يرفض فكرة الدولة الفيدرالية متعددة الأقاليم مع أنه الخيار الأفضل للشمال وللجنوب ولليمن كله.

الخلاصة:

من العرض السابق يلاحظ أن نظام الشمال دخل الوحدة وهو يضمر الحرب..وقد بنى مخططه على استدراج نظام الجنوب إلى الشمال واستخدام العصبيات والكثرة العددية وعامل الجغرافيا للإجهاز عليه..بينما كان نظام الجنوب أعزلا من العصبيات حتى في الجنوب باعتباره تجسيدا لدولة حقيقية قامت على أساس القانون..وكان أعزلا من جغرافيا الشمال التي لا يملك سلطانا عليها لا هو ولا المعسكرات الجنوبية التي تموضعت فيها..وكان أيضا أعزلا من الكثرة العددية..ولو أن روح الوحدة كانت متوفرة لتم دمج الجيش مبكرا وسيكون قرار الحرب منعدما.

من وجهة نظر القانون الدولي كانت حرب 1994 حربا داخلية..ومن الناحية الفعلية جرت الحرب بين حقائق دولتين تعذر دمجها..وقد انقسمت مؤسسات الدولة على أساس شطري إبتداء من مجلس الرئاسة والحكومة مرورا بالبرلمان وانتهاء بالجيش والإعلام..ففي كل هذه المستويات كانت الحرب بين حقائق دولتين..وعلى الساسة في الشمال أن يعترفوا بهذه الحقيقة ويغلبوا حقائق الواقع وأن يكفوا عن الإستقواء بالوثائق المودعة في الجامعة العربية والأمم المتحدة..فمثل هذه الوثائق تكون ذات قيمة حاسمة عندما يتعلق الأمر بنزاع مع آخرين خارج حدود الوطن أما في الداخل الوطني فالحلول الحقيقية لا تكون ممكنة إلا منذ اللحظة التي تبنى فيها السياسية على الإعتراف بالمصلحة والمنفعة.

أدار الجانب الذي فيه الرئيس الحرب باسم الشرعية الدستورية ضد متمردين عليها..والحقيقة أن طرفي الحرب كلاهما كان جزءا من الشرعية التي أنتجتها انتخابات أبريل 1993 النيابية والفارق بينهما هو في الكم الناجم عن الفارق الكبير في عدد السكان بين الشطرين..وهذا يعني أن الجنوب دفع ثمن كونه أقلية سكانية مع أنه الأكبر في المساحة والأوفر في الثروة على المدى المنظور..يضاف إلى ذلك أن الولايات المتحدة الأمريكية وإلى حد كبير فرنسا كانتا مع الإجهاز على قوات الحزب الإشتراكي وتقليم أظافره العسكرية..وقد شاركتا في اللجنة العسكرية الرباعية إلى جانب الأردن وعمان من أجل منع الاحتكاك بين قوات الطرفين..الأرجح أنهما من خلال هذه المشاركة كانتا تدرسان خارطة توزيع القوى وتتأكدان من سلامة حسابات الرئيس صالح وقدرته على حسم المعركة بسرعة.

إن الحزب الإشتراكي اليمني كان مغيبا عن اتفاق الوحدة مثلما كان مغيبا عن قرار فك الإرتباط الذي أعلنه البيض عام 1994 في ظروف الحرب التي رفض الطرف الآخر إيقافها والعودة إلى طاولة المفاوضات قائلا أنه لن يقبل بأقل من أن يسلم البيض نفسه لأقرب قسم شرطة..ومثلما ذهب البيض إلى الوحدة تعارضه أقلية في قيادة الإشتراكي فقد ذهب إلى إعلان فك الإرتباط تدعمه أقلية أيضا..والإشتراكي الذي تحمس للوحدة لم يتحمس للحرب ولم يكن مهيئا لها كحزب رغم أنها كانت حربا عليه..ولو أن الحزب الإشتراكي أجمع على الحرب وتهيأ لها وخاضها لكانت أخذت مسارا مختلفا ومعقدا جدا.

خلافا للحروب التي شهدها اليمن في القرن العشرين نتجت القضية الجنوبية عن حرب اندلعت في توقيت مختلف يتسم بالانفتاح وزوال الحدود الأمر الذي يسر من ذيوعها وشيوعها وأكسبها بعدا إعلاميا على المستويين الإقليمي والدولي لم تستطع معه سلطة الحرب أن تنفرد في صياغة أسبابها ونتائجها إعلاميا كما تريد..لقد التفت العالم كله إلى حرب 1994..وإذا كانت القيادات التي شردتها الحرب قد عملت على تدويل القضية إعلاميا على الأقل فإن تلك التي أشعلتها كشفت عن ممارسات إقصائية وإلغائية عمقت من جروح الحرب على المستوى الشعبي وخلقت نزعات معادية للوحدة وأيقظت هويات الماضي السلاطيني التي ترفع الآن راية الجنوب العربي في مواجهة الهوية اليمنية للجنوب التي انتصرت لها ثورة 14 أكتوبر 1963.

إن الوحدة لا تكون إلا بين متحابين تواقين إلى العيش المشترك ومستعدين لحل مشاكلها أولا بأول على قاعدة التكافؤ والندية..أما الوحدة التي يجري تسويغها على مبدأ :"إذا لم نتوحد سنظل نتحارب" لا تنهي الحرب وإنما تغير شروطها..وهذا ما فعلته وحدة 22 مايو 1990 عندما نقلت السيادة على الجنوب من عدن إلى صنعاء وحولت الحرب الباردة - الساخنة أحيانا - بين النظامين الشطريين من حرب دولية إلى حرب داخلية استمرت باردة خلال الفترة الانتقالية لتتحول إلى ساخنة صيف 1994. ثم عادت حربا باردة مرشحة لأن تصبح ساخنة..ولهذا يلزم أن نتأمل في الحقائق التالية:

1 - قبل 22 مايو 1990 كان يبدو لنا أن طرف هذه الحرب من الناحية الجنوبية هو دولة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية كنظام سياسي وحزب حاكم..وقبل حرب صيف 1994 وأثناءها بدا هذا الطرف على أنه الحزب الاشتراكي..أما اليوم فالجنوب الأعزل كله يكاد أن يكون طرفا في هذه الحرب بإستثناء المنتفعين من نظام 7 يوليو.

2 - قبل 22 مايو 1990 كان يقال للناس في صنعاء إن الحزب الاشتراكي يتهرب من الوحدة حتى يظل متحكما برقاب أبناء الشعب اليمني في الجنوب وإن الوحدة هي طريق خلاصهم الوحيد من هذا الكابوس..واليوم هناك فئات واسعة في الجنوب تطالب بفك الإرتباط ومستاءة من الحزب الإشتراكي الذي قاد الجنوب إلى "كابوس الوحدة".

3 - خلال حرب صيف 1994 قيل إن الحزب الاشتراكي يريد أن يفرض الإنفصال بالقوة ضدا على إرادة أبناء الشعب اليمني في الجنوب..واليوم يتحدث الجنوب عن "إحتلال" فرض عليه بوضاعة الحرب لا عن وحدة جاءته بشرف الديمقراطية.

4 - في 21 مايو 1994 وفي ظروف صعبة أصبحت فيها عدن تحت وطأة راجمات الصواريخ وبلا ماء وكهرباء إستنجد البيض بقشة فك الإرتباط وقرأ إعلانا سياسيا أبقى على قضية الوحدة كهدف مستقبلي قابل للتحقيق عندما تتوفر شروطه السلمية والديمقراطية..واعتبر دستور الجمهورية اليمنية هو دستور دولة جمهورية اليمن الديمقراطية..كما اعتبر وثيقة العهد والاتفاق أساسا لبناء نظامها السياسي والاقتصادي..واليوم يتحدث طارق الفضلي- الذي خاض تلك الحرب تحت راية علي عبد الله صالح وبإسم الوحدة- عن مؤامرة ليمننة الجنوب العربي عمرها أكثر من ألف عام ويطالب برحيل الإحتلال!!!

5 - خرجت أزمة الوحدة إلى العلن في أغسطس 1993 واعتقد كثيرون أنها انتهت بحرب 1994..غير أن الحرب لم تنه الأزمة وإنما عمقتها وأفرزت فاعلين سياسيين جددا وبدلت تموضعات فاعلين قدامى فبدت الآن أكثر تعقيدا حيث أصبح جزء كبير من أبناء الجنوب تجاهر في زمن الوحدة بما لم يهمس به أحد في زمن التشطير..وهذا دليل قاطع مانع على أن حرب 1994 أصابت الوحدة اليمنية بجروح لن تندمل إلا بتغيير النظام المنتج للحروب وإعادة صياغة الوحدة اليمنية على النحو الذي يضمن شراكة حقيقية للجنوب في السلطة والثروة غير مهددة بالتفاوت الكبير في تعداد السكان.

6 - نتائج حرب 1994 تؤكد أن دولة الوحدة وليس الوحدة هي موضوع الخلاف الذي كان..ومعنى ذلك أن ميزان القوى عند إعلان الوحدة كان ممانعا لبناء الدولة..وإذا كان الشمال حينها هو الطرف الأقوى في معادلة القوة فالممانعة كانت شمالية ومن قبل أطراف ومراكز نفوذ لها مصلحة في أن لا تكون هناك دولة تساوي بين كل اليمنيين..أما علي عبد الله صالح فهو إبتداء نتيجة لهذه الممانعة المبكرة التي صادرت الثورة والجمهورية في الشمال وهو انتهاء من جنى ثمار هذه الممانعة لصالح مشروعه العائلي الخاص ثم أدار ظهره للجميع.

7 - ما فعله علي سالم البيض قبل حرب 1994 فعلته أحزاب اللقاء المشترك قبل ثورة 11 فبراير 2012..بنينا هذا الحكم الأخير على المقارنات التالية:

1 – بعد إنتخابات أبريل 1993 أعلن البيض عن وجود أزمة سياسية داخل الإتلاف الثلاثي الحاكم سارع الطرف الآخر إلى إنكارها وقال إن البيض افتعلها لتحقيق مكاسب أكبر من حجمه في البرلمان..وبعد إنتخابات الرئاسية لعام 2006رفعت أحزاب اللقاء المشترك صوتها في الحديث عن وجود أزمة أنكرها الطرف الآخرأيضا وقال إنها غير موجودة إلا في أدمغة قادة المشترك الذين يخشون المنازلة الديمقراطية أمام صناديق الإقتراع.

2 – في الأزمة الأولى رفض البيض الإستقواء بالأكثرية العددية في البرلمان..وكانت أكثرية شطرية ولاؤها لتحالف المؤتمر والإصلاح..وفي الأزمة الثانية رفضت أحزاب المشترك الإستقواء بالأكثرية المريحة المملوكة لشخص الحاكم رغم أنها لم تعد أكثرية عددية.

3 - أثناء الأزمة الأولى دعا البيض إلى حوار وطني موسع للتوافق على نظام سياسي يحل أزمات البلاد..فكانت لجنة حوار القوى السياسية التي أنتجت وثيقة العهد والإتفاق..وأثناء الأزمة الثانية تبنت أحزاب المشترك الدعوة إلى مؤتمر حوار وطني يشمل كل الأطراف ويناقش كل القضايا ويستمد شرعيته من إجماع وطني ملزم..واليمنيون اليوم ذاهبون إلى هذا المؤتمر.

4 - في الأزمة الأولى طالب البيض برعاية إقليمية ودولية للحوار ضامنة لتطبيق نتائجه..وحينها أتهم بالسعي لتدويل الأزمة وإخراجها عن إطارها الوطني..وفي الأزمة الثانية طالبت أحزاب اللقاء المشترك بضمانات من هذا القبيل..واليوم يقول البعض إن اليمن واقع تحت الوصاية الدولية.

5 - في الأزمة الأولى اختلف صالح والبيض في تفسير معنى التوقيع على وثيقة العهد والإتفاق في العاصمة الأردنية عمان..وفي الأزمة الثانية إختلفت قيادات المشترك مع قيادة حزب الرئيس حول تفسير ديباجة اتفاق فبراير.

6 - في الأزمة الأولى وصف الرئيس صالح وثيقة العهد والإتفاق بأنها وثيقة الخيانة وذهب إلى الحرب..وفي الأزمة الثانية وصف اتفاق فبراير 2009 بأنه خطأ لا يجب أن يتكرر وذهب يحضر لإنتخابات نيابية إنفرادية بعد أن أصدرت قيادة حزبه بيانا سياسيا في 30 أكتوبر 2010 وجهت من خلاله لقيادات أحزاب المشترك تهما كلها تستوجب عقوبة الإعدام..ولو أن أحزاب المشترك كانت تمتلك جيشا نظاميا لكانت الحرب مؤكدة.

هذه المقارنات وغيرها تثبت أن المشكلة ليست في الجنوب ولا عند الحزب الإشتراكي اليمني ولا عند مكونات الحراك وإنما في النظام السياسي للجمهورية العربية اليمنية كما صاغته ثلاثة أحداث هي إنقلاب 5 نوفمبر 1967 ضد الرئيس السلال وأحداث أغسطس 1968 والمصالحة مع الملكيين التي أعادت اللحمة للقوى التقليدية على حساب الوحدة الوطنية للشمال وجعلت من نظامه السياسي نظاما عصبويا منتجا للأزمات والحروب ومعيقا لبناء دولة حقيقية.

بعد كل هذا العرض أمام القوى السياسية في الشمال رأيان على الأخذ بأي منهما تتوقف طبيعة معالجات وحلول القضية الجنوبية.

الأول: هو الرأي القائل بأن حرب 1994 كانت بسبب خلاف حول الوحدة..وبالتالي كانت الحرب أمرا حتميا لا يمكن تجنبه..أما النتائج التي أفرزتها فسببها سوء إدارة قيادة المؤتمر الشعبي العام للبلاد بعد الحرب..وفي هذه الحالة من الصعب أن نلوم قوى الحراك الجنوبي ومعارضة الخارج عندما يشككان في مصداقية القوى التي عارضت علي صالح أو يضعانها معه في سلة واحدة.

الثاني: هو الرأي القائل بأن حرب 1994 كانت بسبب خلاف حول دولة الوحدة..وبالتالي كان من الممكن تجنبها بتقديم تنازلات لصالح الوطن ووحدته وأمنه واستقراره..وفي هذه الحالة يجب على القوى الحية في الشمال أن تتوجه بإدانة دامغة لحرب 1994 كخطوة لابد منها للسير على طريق المصالحة الوطنية الحقيقية مع الجنوب وقواه السياسية وعلى النحو الذي لا يدع مجالا في الجنوب للحديث عن هوية شمالية للحرب ولا يدع مجالا في الشمال عن هوية جنوبية للحراك ويهيئ بالتالي لتفاهم وطني عريض يضع اليمن على عتبة التغيير الحقيقي من خلال الشروع في بناء دولة الوحدة المنقلب عليها على قاعدة الندية والتكافؤ بين الشمال والجنوب.

مشاهدة المزيد