سحب الثقة من حكومة الوفاق الوطني
بقلم/ د. عبد الله أبو الغيث
نشر منذ: 12 سنة و 6 أشهر و 14 يوماً
الجمعة 04 مايو 2012 08:47 م
دأب اللوبي المقرب من الرئيس السابق علي صالح - في فترات متكررة- على تسريب أخبار تهدد بإقدامهم على سحب الثقة من حكومة الوفاق الوطني برئاسة باسندوة، وهي الحكومة التي تشكلت مناصفة بين المؤتمر الشعبي العام وحلفائه واللقاء المشترك وشركائه، وكان تشكلها بناء على نصوص المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية التي وقع عليها الطرفان في مدينة الرياض.

وعادة ما يلجأ ذلك اللوبي لهذه التسريبات والتهديدات عندما تتكثف عليه الضغوط المحلية والإقليمية والدولية لإجباره على الالتزام بنصوص المبادرة الخليجية والآلية المنفذة لها وعدم التمرد عليها أو عرقلتها، حيث يلوّح ذلك اللوبي باستغلال الأغلبية التي يتمتع بها حزب المؤتمر الشعبي في مجلس النواب الحالي لسحب الثقة من حكومة الوفاق الوطني.

وقد دفعنا ذلك للعودة إلى الآلية التنفيذية للمبادرة الخليجية على أساس أنها هي المعتمدة في تفسير بنود المبادرة لنعرف مدى إمكانية تنفيذ ذلك التهديد في الواقع العملي. ونحن هنا سنعتمد على نص الآلية الذي تم نشره في موقع المؤتمر نت بتاريخ 24/11/2012م حتى لا ينبري لنا أحد الببغاوات إياهم ويشكك بالمواد التي سنستند عليها في حديثنا.

وبهذا الخصوص سنجد أن الآلية قد نصت في الفقرة رقم(4) على أن "يحل الاتفاق على المبادرة الخليجية وآلية تنفيذها محل أي ترتيبات دستورية أو قانونية، ولا يجوز الطعن فيهما أمام مؤسسات الدولة".

ونصت أيضاً في الفقرة رقم(8) بأن "يكون اتخاذ القرارات في مجلس النواب خلال المرحلتين الأولى والثانية (من الفترة الانتقالية) بالتوافق، وفي حال تعذر التوصل إلى توافق حول أي موضوع يقوم رئيس مجلس النواب برفع الأمر إلى نائب الرئيس في المرحلة الأولى وإلى الرئيس في المرحلة الثانية الذي يفصل في الأمر، ويكون ما يقرره ملزماً للطرفين".

 ولا يحتاج الموضوع بعد الاطلاع على هاتين الفقرتين من آلية تنفيذ المبادرة إلى جهابذة القانون لنفهم بأن سحب الثقة من الحكومة من جانب طرف واحد من الطرفين الموقعين عليها إنما هو عبارة عن أضغاث أحلام وأمر غير ممكن الحدوث بشكل جدي؛ حتى وإن تم التصويت بأغلبية الثلثين وليس بالأغلبية العادية فقط.

وفي حقيقة الأمر سنجد أن اللوبي الصالحي يدرك ذلك تمام الإدارك، وهو فقط يلجأ لتلك التسريبات بغرض تطمين الموالين له ومنعهم من الاتجاه صوب جهات أخرى لترتيب أوضاعهم المستقبلية، مع رغبة ذلك اللوبي في بث اليأس والخوف في نفس المواطن العادي الذي يصدق مثل تلك التسريبات ويتعامل معها بجدية.

ولن نجانب الصواب إذا ما قلنا أن كل ما يملكه ذلك اللوبي لن يتجاوز عملية تعطيل البرلمان عن طريق الانسحابات التي ينظمها لأنصاره من جلساته، مع محاولة عرقلة حكومة الوفاق الوطني عن انجاز مهامها، متحججاً بخزعبلات واهية لم يعد يصدقها حتى أعضاء كتلة المؤتمر أنفسهم، وهو ما حدا بالراعي رئيس مجلس النواب في جلسة الاثنين المنصرم لاتهام كتلة المؤتمر البرلمانية التي ينتمي إليها بإثارة البلبلة والتخريب داخل المجلس، وكذلك دفع بالنائب كرو لأن يستقيل من كتلة المؤتمر في المجلس. وأصبح الأمر بحاجة إلى موقف جاد وصارم من الرئيس هادي أمين عام حزب المؤتمر لإيقاف تلك التصرفات الصبيانية العابثة.

ولا يعني ذلك بالضرورة أن حكومة الوفاق الوطني بأعضائها قد صارت بمثابة القضاء المفروض على رقاب الناس طوال مدة الفترة الانتقالية بحيث لا يمكن إقالتهم أو استقالتهم كما ذهب إلى ذلك رئيس الحكومة في أحد تصريحاته، ذلك أن المبادرة الخليجية بآليتها التنفيذية لم تنص على شيء من ذلك، إلى جانب أن حق الاستقاله يظل حقاً شخصياً لا يمكن لأحد أن يمنعه عن أي عضو في الحكومة.

وكذلك الحال مع إقالة بعض أعضاء الحكومة حيث يظل ذاك أمراً ممكناً، وحق يمتلكه الأخوين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة عن طريق التوافق فيما بينهما على تغيير أي وزير لا يلتزم بتوجيهات رؤسائه أو يعمل على عرقلة تنفيذ القرارات التي تصدر عن رئيس الجمهورية أو حكومة الوفاق، وذلك بالتشاور مع الجهة التي يمثلها ذلك الوزير - سواء تمثلت بالمؤتمر أو المشترك- واستبداله بشخص لا تتوفر فيه الصفات التي أدت إلى إقالة سلفه. ويصح في هذا ما قاله الرئيس هادي في فترة سابقة بأنه ليس هناك شخص مفروض لا يمكن استبعاده.

ونختم حديثنا في هذا الموضوع بالإشارة إلى الدعوات التي تنادي بحل مجلس النواب ومجلس الشورى وإعادة تشكيلهما على أساس التوافق الوطني. ولايخفى صعوبة ذلك فيما يخص مجلس النواب، لكون المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية قد تطرقت إلى المجلس وتحدثت عنه بتشكيلته الحالية، إلى جانب كونه مجلساً منتخباً من قبل الشعب وبالتالي يصعب إعادة تشكيله بالتوافق بعيداً عن أصوات الناخبين.

لكن الأمر يختلف تماماً مع مجلس الشورى الذي لم تشر إليه المبادرة الخليجية، وهو يتشكل بقرار من رئيس الجمهورية. ولذلك فإعادة تشكيل هذا المجلس صار أمراً مطلوباً خلال هذه الفترة، خصوصاً أن معظم أعضائه أصبحوا من العجزة والمعتقين، إلى جانب أن الرئيس السابق قد أحاله إلى إرشيف يحيل إليه بعض أساطين الفساد والمغضوب عليهم، ومع ذلك فهو لا يخلو من العناصر الجيدة وإن كانت تمثل قلة بين صفوفه. ونحن هنا نناشد الرئيس هادي بسرعة إعلان تشكيلة جديدة لمجلس الشورى تقوم على أساس وطني، بحيث يصبح المجلس مجمع للعلماء وذوي الاختصاص في مختلف مجالات حياتنا ومن كل الأعمار، وتوكل إليه مهمة دراسة المشاكل التي تعاني منها البلد واقتراح الحلول المناسبة لها.

حماة الشرعية الدستورية؟!

قرأت مقالة يشكو صاحبها من تعمد إهمال هيئة تحرير إحدى الصحف الحكومية للمقالات التي تدافع عن الشرعية الدستورية، ولفت نظري بأن المذكور ما يزال يستخدم مصطلح الشرعية الدستورية ليقصد به أنصار الرئيس السابق، وهو المصطلح الذي مازالت تستخدمه بعض الجماعات التي تدافع عن صالح في الصحف الموالية له ومواقع النت وصفحات الفيسبوك والتويتر.

وأغرب من ذلك أن بعض قادة الجيش والأمن من أقارب الرئيس السابق مازالوا يستخدمون ذلك المصطلح باسلوب مخادع وملتوٍ حيث يعلنون أنهم مجرد منفذين لأوامر الشرعية الدستورية، لكننا نجد أنهم يتمردون على قررات الرئيس هادي ولا يلتزمون بتنفيذها إلا بعد أن تأتيهم الأوامر من الرئيس السابق.

ولكل هؤلاء نقول: صحوا النوم يا (خُبرة) فقد أصبح الرئيس هادي ومعه حكومة الوفاق الوطني هم من يمثلون الشرعية الدستورية، أما الرئيس السابق ومعه اللوبي المحيط به فقد صاروا خارجها، لذلك فالأجدر بمن لا زالوا مصرين على التغريد خارج السرب والتمترس في مربعهم الأول أن يطلقوا على أنفسهم تسمية تليق بهم؛ وهي (أنصار التمرد)، أما الشرعية الدستورية فقد راحت عليهم وباتت بيد جهات يعرفها الجميع؛ وليس منها الرئيس السابق بطبيعة الحال.