مرةٌ تلو أخرى تتعمد الأمم المتحدة البرهنة على أنها تتعامل مع حالة فراغ سياسي في اليمن، وليس مع سلطة شرعية معترف بها من جانب المجتمع الدولي ولها مندوب دائم في المنظمة الدولية في نيويورك وفي المقر الأوروبي للمنظمة بجنيف.
منذ اندلاع الحرب في اليمن، حرصت الأمم المتحدة على إبقاء وكالاتها في صنعاء، ولم يكن الأمر يتعلق بالحرص على المقرات المؤهلة التابعة لها في العاصمة، بقدر ما تعلق بعدم حماس الأمم المتحدة، للعمليات العسكرية التي تستهدف إنهاء الانقلاب.
التزمت المنظمة الدولية على ما يبدو بالقناعة التي عبر عنها المبعوث الأممي السابق جمال بنعمر، والتي تفيد بأنه كان على وشك التوصل إلى اتفاق بين الأطراف لولا التدخل العسكري للتحالف العربي في 26 آذار/ مارس 2015.
كانت الأمم المتحدة ومبعوثها يريدان استمرار مسرحية الحل السياسي الذي تحول إلى عملية تمكين للحوثيين وحليفهم صالح، لا تخلو من الصفاقة والعمل اللاأخلاقي، وقد أثبتت الأمم المتحدة بما لا يدع مجالا للشك بأنه لم يكن لديها أية حساسية في الأصل حيال الانقلاب الذي نفذه المخلوع صالح وحلفاؤه الحوثيون.
وأصل ممثلو وكالات الأمم المتحدة لقاءاتهم بممثلي سلطة الأمر الواقع في صنعاء بدءًا من "اللجنة الثورية" المزعومة، وصولاً إلى ما يسمى "المجلس السياسي" وحكومة الانقلاب الحالية، وكأن شيئا لم يحدث في البلاد، وكأن الرئيس وحكومته غير متواجدين في عدن، واللذين واصلا نداءاتهما للوكالات الدولية بنقل مقراتها إلى عدن.
كان يمكن أن يتفهم المرء التواصل الذي يقوم به ممثلو الوكالات التابعة للأمم المتحدة بصنعاء مع الانقلابيين، إذا كان المراد منه تمكين هذه الوكالات من الوصول إلى مناطق الصراع بدون عوائق وبدون انتقائية أو تمييز، ولكن الذي حدث أن هذه الوكالات اكتفت بحضورها في صنعاء ومارست تمييزاً واضحاً ضد المناطق الأكثر تضرراً من الصراع فقط لأن المعتدي هم الانقلابيون.
اكتفت الوكالات الدولية بالبيانات التي تتحدث عن الملايين من اليمنيين الذين يجدون صعوبة في الوصول إلى الغذاء، وعملت بمثابرة على إظهار أن المشكلة الإنسانية والمعيشية في اليمن تكمن في "الحصار الذي يفرضه التحالف"، وهو حصار لا علاقة له بالغذاء أو بالدواء، وإنما أقيم طبقاً للقرار رقم 2216 الصادر عن مجلس الأمن تحت البند السابع، وهدفه الوحيد منع وصول الإمدادات العسكرية إلى الانقلابيين، وتجنبت هذه الوكالات الإشارة إلى المسئولية ميلشيا المخلوع صالح والحوثي والحرب العدوانية التي تخوضها ضد اليمنيين.
وحتى اليوم تعتبر الوكالات التابعة للأمم المتحدة في صنعاء، الذراع الخارجية للانقلابيين، وبسبب تقاريرها يحدث كل هذا التشويش حول دور التحالف، الذي ما جاء إلا لتحقيق أهداف لها علاقة باستعادة الدولة والأمن والاستقرار والعيش المشترك التي هددها الانقلابيون.
لا يواجه المراقبون صعوبة في تعداد الأدلة التي تثبت تورط الأمم المتحدة ووكالاتها في تقديم إسناد مباشر وغير مباشر لسلطة الأمر الواقع بصنعاء على نحو يكرس رؤيتها المنقوصة إلى الوقائع الثابتة في البلاد، وتجاهلها المتعمد للحقائق الدامغة على الأرض.
هناك رئيس وحكومة شرعية وحزمة قرارات صادرة عن مجلس الأمن بعضها تحت الفصل السابع، تؤكد جميعها احترام الشرعية الدستورية ووحدة التراب الوطني، لكن هذه الأدلة لم تقنع ممثلي اليونيسيف وغيرها من الوكالات التابعة للأمم المتحدة، بضرورة مراعاة التقاليد والأعراف الدبلوماسية وهي تقوم بكل التجاوزات الحالية في صنعاء.
الإعلام المرتبط بالانقلاب يتحدث عن قيام المرشحين الجدد كممثلين لوكالات دولية كما هو الحال بالنسبة لممثلة اليونيسيف الجديدة، التي قدمت أوراق ترشيحها لسلطة الانقلاب غير المعترف بها، هكذا بدون حرج أو حساب لردود الأفعال.
يأتي هذا في وقت يعاني الوزير المعين من الانقلابيين لإدارة الشئون الخارجية، من فراغ يومي قاتل لا يبدده سوى تحركات ممثلي هذه المنظمات التي تذهب إلى مكتبه دون أن تتحقق فائدة للشعب اليمني من وراء كل هذه التجاوزات.
منسق الشؤون الإنسانية، جيمي ماكغولدريك، عمل طيلة الأيام الماضية مرافقاً شخصيا لعضو مجلس العموم البريطاني أندرو ميتشيل الذي جال في كل من صنعاء وصعدة حيث يتكدس السلاحُ الذي يحارب به الحوثيون اليمنيين، يتتبع الأماكن التي سقطت فيها قنابل التحالف، وكأن بريطانيا لم تشارك في جريمة إسقاط بلد عربي كبير مثل العراق، وتسلمه غنيمة للمليشيات الطائفية والتنظيمات الإرهابية.
لم يكلف هذا النائب نفسه ومعه منسق الشئون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، عناء زيارة المناطق المحاصرة من قبل المليشيا الطائفية وقوات المخلوع صالح المتمردة، في تعز وغيرها من المحافظات.
ولا زلت أشك حتى هذه اللحظة بطبيعة زيارة عضو مجلس العموم وعما إذا كانت تأتي في سياق الاستقصاء الذي يحتاجه مجلس العموم البريطاني حيال ما يجري في اليمن.
يأتي ذلك بعد أن سقطت أهداف المنظمات البريطانية من مثال أكسفام، في قاعة مجلس العموم البريطاني، الذي حسم أمره فيما يخص الموقف من التحالف العربي ودوره العسكري في اليمن بما يدعم مساندة الحكومة البريطانية لهذه المهمة وليس الوقوف ضدها، لأن الأمر يتعدى رغبات ممثلي منظمة أكسفام وأصحاب الأجندات الخاصة داخل الوكالات الدولية.
وأخيراً زاد البنك الدولي أن خصص أربعمائة وخمسين مليون دولار تحت بند المساعدات الطارئة، سيخصص نصف هذا المبلغ لدعم الصندوق الاجتماعي للتنمية ومشروع الأشغال العامة، اللذين لا تتوفر أية دلائل على أنهما يمكن أن يعملا بحرية وبشكل عادل ووفق الآلية المعتادة على الأراضي اليمنية، في ظل استمرار الحرب وسطوة الانقلابيين.
وهذا يؤكد فرضية أن البنك الدولي ربما أراد بهذه الخطوة تقديم دعم غير مباشر للمالية العامة للانقلابيين بما يدعم نزعتها الاستقلالية وتكريس حالة الانقسام الخطيرة في الدولة اليمنية، والتي تتم للأسف الشديد برعاية الأمم المتحدة، التي يبدو أنها تضغط بهذه الطريقة الفجة على السلطة الشرعية لحملها على القبول بخطة للحل السياسي تحمل بذور الاحتراب طويل الأجل في هذا البلد.
سقطت الأمم المتحدة في اليمن وسقطت في سورية وسقطت في ليبيا، ولم تستطع أن تحقق أي نجاح يذكر لتحقيق السلام في مناطق الصراع، ولا ندري ما إذا كان المبعوث دي مستورا قد دُعي إلى محادثات آستانه بخصوص سورية أم لا.