حرب تخوضها أمريكا وقودها الجيش اليمني وأبناء القبائل
بقلم/ علي العقيلي
نشر منذ: 11 سنة و 9 أشهر و 21 يوماً
الأربعاء 23 يناير-كانون الثاني 2013 10:45 م

منذ عقد من الزمن واليمن يدفع فاتورة حرب تخوضها أمريكا، بعد أن قام النظام البائد بتقديم طلباً للولايات الأمريكية في الدعم اللوجستي والعسكري في الحرب على القاعدة.

فمنذ ذلك الحين واليمن يدفع ثمناً باهظاً من الأرواح والعتاد في سبيل تلك الحرب اللا منتهية، فيما أمريكا التي تعد طرفاً بارزاً في تلك الحرب لم تخسر قطرة دم أمريكية، أو حتى مسمار قطعة سلاح أمريكي منذ أن أعلنت حربها على الإرهاب في اليمن.

وقد شهد عام 2012م مقتل 182 عنصراً من عناصر تنظيم القاعدة، على يد طائرات أمريكية بدون طيار في 30 غارة أصاب بعضاً منها أهداف مدنية أسفرت عن سقوط 15 مدنياً.

وكلما استهدفت طائرة أمريكية لعناصر من تنظيم القاعدة أو يشتبه فيهم، جاءت ردة الفعل من التنظيم أو من أهالي الضحايا تحصد أرواح جنود يمنيين مرابطين في مكان ما.

وقد شهد عام 2012م مقتل 596 عسكرياً يمنياً في مواجهات مع القاعدة، أو في عمليات انتحارية نفذتها، هذا في عام واحد.. فما بال عشرة أعوام مضت من الصراع مع القاعدة؟.

وتأتي عمليات تنظيم القاعدة ضد الجيش اليمني كردة فعل وانتقام لما تقوم به الطائرات الأمريكية، كما حصل في السابع من مايو العام الماضي من هجوم لأنصار التنظيم على ثكنة عسكرية بأبين وقتل 32 عسكرياً، وذلك في اليوم الذي تلي اغتال القيادي البارز في التنظيم فهد القصع بشبوة في غارة نفذتها طائرة أمريكية بدون طيار، ولم تقيم أمريكا عزاء أو حداد على أرواح الجنود اليمنيين، الذين قتلهم التنظيم إنتقاماً من منها!! حتى أن تفجير

أنابيب النفط والغاز يأتي كثأر وانتقام لؤلئك الذين قضوا في الغارات الأمريكية، ولكن لم تتضرر أمريكا من تلك التفجيرات، ولا حتى الحكومة اليمنية، بل تضرر المواطن اليمني البسيط وارتفعت عليه أسعار المحروقات بسبب تلك التفجيرات.

كما يأتي التحاق بعض أبناء القبائل لتنظيم القاعدة من باب الحميّة القبلية أو الثأر لأخ أو قريب قضى في غارة أمريكية، فيحذو حذوه، أيام حتى يلاقي نفس المصير، وتجد بأن هناك أسر من القبائل اليمنية فقدت عدد من أبنائها، أشقاء أو أقارب، بعد مقتل أحد أفراد الأسرة بغارة أمريكية.

وهكذا تستمر أمريكا في حربها على الإرهاب كما تسميه، بعد أن اتخذت من حادثة كول ذريعة لتمرير أفعالها في اليمن وتبرير تدخلها في شئونه.

أمريكا لا تريد نهاية ولا حسم لتلك الحرب فهي مستفيدة من استطالتها من جميع النواحي، فمن ناحية قتل المزيد من اليمنيين تحت مسمى مكافحة الإرهاب، ومن ناحية أخرى قتل المزيد من الجيش اليمني على يد تنظيم القاعدة، وبهذا تعد كما يذكر المثل "رمي عصفورين بحجر" ، ومستفيدة أيضاً من نواحي أخرى كفرض الهيمنة على اليمن، وإنهاك الحكومة والنظام اليمني بالصراعات الداخلية مع تلك الجماعات المسلحة، مما يضع النظام اليمني أمام عوائق من الصعب تجاوزها بسهولة وانفراد، مما يجعله يتسوّل المساعدات من الخارج مقابل الخضوع والانقياد.

ما تقوم به أمريكا في اليمن من أعمال حربية ومن تدخل سافر في شئون البلد، يعد انتهاكاً صارخاً لسيادة البلدان ولحقوق الإنسان، مما يزيد الأمور تعقيداً ويساعد على توسَع تنظيم القاعدة وانضمام أعضاء جدد له، إما من ناحية العقيدة أو الحمية القبلية، كما يعطي أيضاً مبرراً لتلك العناصر في استباحة دماء القوات المسلحة اليمنية والأمن، لكونه في نظرهم تابع لحكومة لم تراعي حقوق مواطنيها ولم تقوم بواجبها تجاههم، ويصفونها بالعميلة.

كما أن استخدام الطائرات الأمريكية في تلك الحرب يولّد الحقد والكراهية في قلب المواطن اليمني الذي يشعر بقيمة الحرية والكرامة وحقوق المواطنة، كما يرى بأن أمريكا تتعمد انتهاك كرامة الشعب اليمني، ومحاولة منها رخيصة في استعباده وإذلاله بتلك الأعمال التي تدينها كل القوانين الدولية.

وأمريكا تعي جيداً أثر تلك الغارات على نفوس اليمنيين، ودورها الكبير في تشجيع العشرات من الدخول في صفوف القاعدة، وقد أجرت منظمات مدنية أوروبية وأمريكية دراسات حول استخدام طائرات بدون طيار أمريكية في محاربة القاعدة في اليمن، ولاحظت بأنها تساعد على انتشار القاعدة وتقويتها، ولكن أمريكا تصر على استخدامها، لكونها مستفيدة من تلك الحرب ولا تريد لها نهاية.

ولكن وللأسف الشديد أن المعنيين بالأمر والمسئولين عن تلك الدماء اليمنية واهمين بأن أمريكا من خلال حربها على القاعدة تسعى لاجتثاثها، وهي في نفس الوقت تسعى لاجتثاث الجيش اليمني وإضعاف النظام، فكلما قتلت الطائرات بدون طيار الأمريكية عنصر أو عنصرين من القاعدة، في المقابل يسقط العديد من الجنود في عملية انتحارية أو يغتال ضابط رفيع المستوى.

ولو كانت هناك نوايا أمريكية صادقة في محاربة الإرهاب ودعم استقرار اليمن، لساعدت أمريكا اليمن على تقوية جهاز الأمن وبسط هيبة الدولة في كل اليمن أو حتى في عواصم المدن اليمنية، لكي تحافظ على القوى البشرية العسكرية والأمنية قبل الإقحام في الحروب والدخول في متاهات، دون فرض الأمن وهيبة الدولة وإحكام السيطرة، ولو كانت هناك أيضاً نوايا أمريكية صادقة لدعم استقرار اليمن، لساعدت أمريكا وزارة الداخلية في تعقب المخربين الذين يفجرون أنابيب النفط والغاز وأبراج الكهرباء، ولو أضطر بها الأمر إلى إعدامهم خارج القانون بطائرة بدون طيار، كما تفعل مع عناصر القاعدة، لينعم الشعب اليمني بمحطته الغازية وثروته النفطية.

ولكن لم نجد أي تعاون أمريكي ملموس على الأرض يسعى إلى استقرار اليمن، وتأمين حياة المواطن اليمني، غير ما تقوم به من تنفيذ لمطالبها وأهدافها، التي قدمتها على أهداف ثورة الشباب، بل وعلى حساب أرواح العديد من اليمنيين الذين ينتظرون من الثورة أن تعيد لهم حقوقهم المسلوبة، وبمساعدة يمنية لتحقيق أهداف أمريكا لكي تحقق أهداف ثورة الشباب الشعبية السلمية.

واستمرار أمريكا في تحقيق أهدافها ومطالبها من خلال الإعدامات خارج القانون، وتصعيد الغارات الأمريكية يضع الحكومة الانتقالية في موقف محرج أمام الشعب، وتتجه إليها العديد من الانتقادات، مما يفقد الحكومة هيبتها وقدراتها على تجاوز الأزمات والصعاب.

وبإمكان أمريكا والحكومة اليمنية التعامل مع مثل هذه الأمور بالحملات الأمنية والاعتقالات والمحاكمة، بعيداً عن الإعدامات خارج القانون التي تدينها كل منظمات حقوق الإنسان في العالم، وبعيداً أيضاً عن إزهاق العديد  من الأرواح العسكرية، وبعيداً عن الانتقادات السياسية والسخط الشعبي.

فمن المستفيد من حرب حصادها خلال عام 569 عسكرياً يمنياً و 15 مدنياً و 182 من عناصر القاعدة بالإضافة إلى 19 قضوا خلال هذا الأسبوع في مأرب والجوف في أربع غارات لطائرات بدون طيار الأمريكية، هذا من طرف أما من الطرف الآخر سقوط مواطن مسالم أمريكي بتعز وجرح ثلاثة جنود مارينز بميناء الحديدة.