مخاطر الهروب من الحوار واستنكاف الاعتراف بالأخطاء
بقلم/ د.فيصل الحذيفي
نشر منذ: 14 سنة و 10 أشهر و 9 أيام
الإثنين 21 ديسمبر-كانون الأول 2009 05:37 م

أولا: الوفاق السياسي : اجتماع الفرقاء حبا بالوطن يوجب التضحية

سنناقش ضمن هذا البند استعراض مسلمات لا حاجة للجدل حولها، من ذلك أن المتطلبات الموضوعية للحوار ليست شروطا ينبغي الاعتراض عليها ومنها:

1-إن الوطن هو ملك للجميع وشؤونه تخص الجميع فلا وصاية من أحد على أحد ، فالوطن هو بمجموع مواطنيه وان ظهروا بشكل أحزاب ومنظمات مدنية ، سلطة ومعارضة ، حاكم ومحكوم، لا يمنح أحدا حق احتكار الوطن والوطنية والوحدة والديمقراطية لنفسه وإقصاء الآخر أو اتهامه وتخوينه.

2-إن أي قرار مصيري - يخص الوطن في مراحل حساسة واستثنائية من تاريخه - لا يكون مصيريا إلا إذا كانت صناعته نتاجا مشتركا يأخذ بعين الاعتبار كل الآراء والتناقضات والتوفيق بينها عبر الحوار والاحتكام إلى الشعب صاحب السيادة عبر ملامسة الرأي العام والاستئناس به ثم الاستفتاء الشعبي .

3-إن الرأي يقابل بالرأي والحجة بالحجة ، والابتعاد عن مواجهة الرأي والحجة بالشتائم والتخوين، على أن شيوع لغة التخوين والاستخفاف والمناكفة إنما تدل على عدم المسؤولية وغياب النضج السياسي وسيطرة المراهقة السياسية في إدارة الوطن .

4-إن نقد السلطة من قبل المعارضة والصحافيين والكتاب ليس كفرا، كما أن نقد السلطة لأطراف سياسية خارج السلطة ليس كفرا ، لكن الخلط بين النقد والشتيمة يمنح الشتيمة والاستعلاء والانزواء والسخرية والتحدي حضورا راجحا على حساب النقد والنقاش الموضوعي ويستعصي معها وفي ظلها أي حوار.

5-إن الربط بين الحوار وعدم المس بالوحدة والديمقراطية لا يعد شرطا سياسيا للسلطة بل مطلبا اجتماعيا ينال درجة عالية من الإجماع الوطني ، فالسلطة تنال من الديمقراطية حين تستأثر بالسلطة وتحول دون تحقيق مبدأ التداول السلمي في نظام جمهوري عنه في نظام وراثي قامت الثورة لأجله، والحراك الجنوبي ينال من الوحدة حين يرفع شعار الانفصال فكلاهما له من الوزر مايلحق الأذى بالوطن بالرغم من أن هذا الأخير نتاج لأخطاء سياسية أكثر منه مطلب جنوبي خالص. لكن هذا الحراك المنحرف من المطالب السياسية المشروعة إلى التضاد مع الإجماع اليمني يفقده المناصرة والتعاطف والمشروعية.

6-إن الحراك الجنوبي، وحرب صعدة، وقضايا التنمية،هي قضايا داخلية يمكن حلها بالحوار والتراضي، وإصلاح الاختلالات والاعوجاجات والنشاز في الأداء السياسي لا ينبغي تحويلها إلى قضايا إقليمية أو دولية، فمن الخطأ الفادح السماح لدولة الجوار في انتهاك السيادة اليمنية بحجة المعاونة والمناصر ضد العدو المشترك، ولابد أن يستقر في وعينا السياسي أن الدول لا تقوم ولا تستمر بدون التراضي السياسي، وقدرة النظام السياسي على تلبية المطالب والاستجابة إليها هي المؤشر الأوحد على كفاءة النظام وفاعليته ودون ذلك الفشل والانهيار . نذكر على سبيل الاستشهاد بمشكلات التناقض في الأداء السياسي الهش: كيف يصلح الاتفاق على تأجيل كل الانتخابات عن موعدها عامين بينما يجوز إجراء انتخابات تكميلية. فهل تغيرت الظروف الداعية إلى التأجيل أم أنه لم يكن هناك داع إلى التأجيل أصلا؟.

ثانيا: الفراق السياسي : كل طرف يخطط لنفسه بمعزل عن الآخر

عنوان هذا البند يتمثل بحوار الأنا السياسي وإسقاط الاعتراف بالآخر، وهنا يقتضي مناقشة الاحتمالات حول المضي المنفرد بعيدا عن الحوار والإفصاح عن النوايا والأهداف والغايات المحتفظ فيها لدى الطرفين في العزم السياسي المنفرد (= سلطة ومعارضة ).

1-عزم السلطة في تشديد الخناق السياسي على الحياة العامة وفق فرضيتين يتوقع أن يقفها أحزاب المشترك

الموقف الأول: الحرص على الوطن وعدم الذهاب إلى مواجهة السلطة جماهيريا بما في ذلك التخلي عن خيار العصيان المدني، وفي ظل هذا الاحتمال الذي يتناسب مع رغبة السلطة في استمرار الإحكام على المجتمع والدولة ، فإن السلطة لم يعد يهمها إن كانت قادرة على المضي قدما في انجاز الانتخابات على الواقع من عدمه، فهي ستكتفي بإعداد النتائج سلفا وتصوير مجاميع الناس في الدوائر الانتخابية يوم الاقتراع باعتبارهم ناخبون متزاحمون لأداء واجبهم الانتخابي المقدس، وستظهر النتائج بأغلبية كاسحة للمؤتمر، والبقية القليلة سيتقاسمها أحزاب ظل السلطة المتمثلة في المجلس الوطني للمعارضة ، وربما يدخل حزب التغيير والبناء الذي معظم عناصر مؤسسيه من المؤتمر الحاكم وبعض المنشقين عن الأحزاب، ومجموعة من المستقلين، وليس أدل على هذا السيناريو من إجراء الانتخابات التكميلية في صعدة بنجاح تام حسب إعلام السلطة ولجنتها الانتخابية.

إن جنوح المعارضة لهذا الخيار لن يكون جنوحا وطنيا ولكنه سيكون جنوحا اضطراريا لسببين :

سبب أول: أن قيادة أحزاب المعارضة لاتملك القدرة على المواجهة والتضحية كقيادات نضالية وطنية تاريخية مستعدة للسجون وتأجيج الشارع، وطرح هذا الافتراض ممكن جدا لأن قيادة الأحزاب ألفت الوداعة والغنيمة والفيد من المناورات السياسية للوصول السهل إلى حلول تحافظ على مكتسباتها أو تزيد عليها ، فلم نسمع خلال عشرين عاما من عمر الحياة السياسية الديمقراطية في اليمن أن شخصا من هذه القيادات المعارضة دخل السجن وفقا لمواقفه السياسية المتشددة مثلما هو الحال في قيادة الإنقاذ الجزائرية وإخوان مصر وسوريا والسودان ، ومن يدفع الثمن دائما في مواجهات السلطة في اليمن هم الصحفيين فقط وبعض نشطاء المجتمع المدني بسبب جرأتهم في كشف المستور وتعرية العاري على مرأى ومسمع وإشاعة الجرأة والتهكم والسخرية من أداء السلطة وانكشاف اتساع رقعة الفشل السياسي أمام الرأي العام النخبوي والشعبي، خاصة وأن السلطة تسوق للناس منجزات واهية عبر وسائل إعلامها على شكل نوايا وتسويفات، مثل الكهرباء والتعليم والصحة فضلا عن أي برامج واستراتيجيات سياسية ، فمفهوم الاستراتيجية في أداء السلطة هو إبقاء المجتمع في نقطة الصفر دون حراك ، بينما تعني الاستراتيجيات في علوم المستقبليات هو القفز المبرمج بنجاح نحو المستقبل، والحقيقة المرة أننا نعيش القهقرى يوما بعد آخر ، فالدارسون في الثمانينات يتحسرون على تعليم أيام زمان ، وقس على ذلك جوانب أخرى

سبب ثان : إن أحزاب المعارضة غير واثقة من استجابة الجماهير والاحتشاد خلفها ، إما بسبب قلة الوعي السياسي وتدني الثقافة السياسية الليبرالية ، أو بسبب الانفصام بين قيادة الأحزاب وجماهيرها وانهيار الثقة كل بالآخر ، وهذا تخوف مشروع ، لكن سعي المعارضة في إبرام اتفاق فبراير لتأجيل الانتخابات لمدة عامين إنما يهدف إلى منح استحكام المرض السياسي داخل جسد السلطة بغرض إضعافها والانقضاض عليها دون دفع ثمن باهض على المستويين الاجتماعي والسياسي ، وهذا المسعى بدأت تظهر بوادره في تورط السلطة في مواجهات مكلفة على حساب التنمية والمجتمع في صعدة أو مع الحراك الجنوبي على حساب منجز تاريخي كالوحدة ، أو فشل أمني على مستوى بروز نتوءات وتفككات اجتماعية جهوية وقبلية مثل حراك الصحراء وحراك الوسط وتحيز بكيل في حرب صعدة امتعاضا من استفراد حاشد بكل مغانم السلطة.

الموقف الثاني : أن يذهب اللقاء المشترك نحو المواجهة والعصيان ، إن السلطة لديها أجندة إعلان حالة الطوارئ لتبرير الاعتقالات والمحاكمات وفرض الخيار الأمني على الوطن بمن فيه والاستمرار في الحكم حتى يتم رفع حالة الطوارئ التي لن ترفع ، وسينتقل الأحزاب من النضال لترسيخ الديمقراطية وتصحيح اختلالاتها إلى النضال من اجل رفع حالة الطوارئ والإذعان لشروط السلطة بغية العودة إلى الحياة الطبيعية.

إن نجاح السلطة في هذا الخيار متوقف على برنامج أحزاب المعارضة وقدرتهم على المواجهة وإفشال سياسة الأمر الواقع وتحييد استعمال الأمن والجيش في مواجهة الشعب ، وإلى أي مدى يستطيع الحاكم فرض أجندته الأمنية بالقوة وما هو موقف النظام الإقليمي والدولي من هكذا إجراء خصوصا مآل نتائج التحولات السياسية في انتخابات مصر والسودان المشابه لما هو حاصل في اليمن والتي ستكرس لاستمرار السلطة أو تغيرها وصدى تأثيرها على بعضها البعض.

لقد تجلت مبررات إعلان حالة الطوارئ لدى السلطة وتم الدفع بها باكرا ، وتتمثل في : حرب صعدة ، والحراك الجنوبي والدعوة إلى الانفصال ، والمواجهة مع القاعدة ، وبالتالي التمهيد لمنع التظاهرات الحاشدة المؤدية إلى شكل من أشكال العصيان المدني والمواجهات السياسية العنيفة، وهناك تساؤلات غير بريئة حول هذه الأحداث : فكيف يستمر أبناء صعدة مواطنين منذ 1970 وأصبحوا اليوم فئة باغية؟ لماذا لم يمارس أهلها البغي في توقيتات سابقة؟ لماذا ظل الجنوبيون وحدويون منذ قيام الوحدة وبعد عشرين عاما من عمر الوحدة صاروا انفصاليين ؟ لماذا كان المنضوون في تنظيم القاعدة مجاهدون حتى عام 1994 وأصبحوا إرهابيين يهلكون الحرث والنسل بعد ذلك ؟ من أوجد هذه القوى ؟ من عزز حضورها ؟ من دعمها من وقف نصيرا لها ؟ نترك الإجابة للقارئ المطلع .

2-خيار المعارضة نحو المواجهة السياسية السلمية

أمام الأحزاب حركة سياسية فريدة وهي الذهاب بوثيقة الإنقاذ الوطني إلى الاستفتاء الشعبي العام بعيدا عن مؤسسات السلطة ، بعد شرحها للناس وإقناعهم بصوابها ، فمثلما تتعاطى السلطة مع المجتمع دون شركاء سياسين من المعارضة ، بوسع المعارضة أن تتعاطى مع المجتمع دون شريك من السلطة، وعلى ضوء الاستجابة الاجتماعية لهذا الاستفتاء تستطيع أن تقرر أحزاب المشترك إلى أي الخيارين ينبغي أن تقرر ؟ خيار الموادعة أو المواجهة . وإلا لا يكون لمعنى التشاور الوطني حول هذه الوثيقة أي قيمة دون الاحتكام بها إلى الشعب بأدوات شعبية جماهيرية غير رسمية.

وبالتالي سيصبح الاحتكام إلى الأمة باعتبارها صاحبة القرار والالتفات من جهة أخرى إلى استفتاءات حزبية مجتمعية مقابل استفتاءات وانتخابات حزبية تجريها السلطة بمفردها أو مع حلفائها ، وسينبني على ذلك تشكيل لجنة استفتاء وانتخابات حزبية. انه فعل سياسي ابداعي تمارسه الأحزاب في مؤتمراتها العامة وانتخاباتها الحزبية والتواصل مع جماهيرها ، والتظاهرات العامة ، وسيتقرر على نجاح هذا الفعل السياسي تغيير سلمي بضغط شعبي جامع مثلما حصل في أوكرانيا وجورجيا ولبنان ودول أخرى جرى التغيير السياسي فيها بفرض الاعتراض الشعبي المباشر على سياسات انفرادية لا تحوز بموافقة الرضا الشعبي الآمن.

إن تفاعل الناس والجماهير بكثافة عالية سيحدد الخيار وسيعطي رسالة للسلطة أيضا أين ينبغي أن تقف ؟ في خيار المواجهة أو الحوار ؟. وسيلجأ الجميع مكرهين لا مختارين بالاحتكام الجاد إلى صناديق الانتخابات بطريقة حرة وشفافة ونزيهة أيا تكن النتائج ؟ بمعنى أن الحلول الوفاقية الآمنة تتمثل بالذهاب جميعا إلى انتخابات حرة ونزيهة 100 % والاستعداد لتسليم السلطة إن فازت المعارضة أو التسليم بشرعية السلطة إن كان فوزها وفقا للنتائج المترتبة عن هذه الانتخابات النزيهة.

hodaifah@yahoo.com