|
مأرب برس ـ خاص
بدايةً اود أن أنوه أن كلامي هذا ليس تبريراً للإستبداد بقدر ماهو محاولة للبحث عن أصل المشكلة وجذورها . ففي كل مرة تتنفس فيها الشعوب الصعداء بعد رحيل حاكم مستبد عن رقابها وما أن تبدأ تحلم بمستقبل أكثر حرية ورفاهية حتى تتفاجأ أن الحاكم الجديد لا يختلف عن سابقيه في الإستبداد وإدعاء صفات الكمال والتمام وكأننا أمة عقمت إلا من ولادة المستبدين. بل لربما صح فينا القول رب يـوم بكيت منه ولما صرت في غيره بكيت عليه، حتى إن حكامنا من جانبهم ادركوا ذلك فصاروا يهددونا |إماالرضى بهم او فلنستعد للاسوء وكانه لا خيار ثال
ث.
والحقيقة ان الاستبداد لا يقتصر علي شخص الحكام بقدر ما هو ظاهرة مجتمعية تحتاج للقضاء عليها تغييراً ثقافياً واجتماعياً يشمل مفاهيم الناس وأفكارهم ومعتقداتهم وطريقة تعاملهم في حياتهم اليومية.
يصف المفكر عبدالرحمن الكواكبي الإستبداد بانه إقتصار المرء على رأي نفسه في ما ينبغي الاستشارة فيه، وهو اقتصارٌ ينم إما على غطرسة و وغدنة واستعلاء وطغيان، وإما على وهم ذاتي بالتمامية والكمال وامتلاك الحقيقة الكلية الناجزة التي لا يأتيها الباطل، لا من بين يديها ولا من خلفها. ورغم ان الكواكبي كتب هذا الكلام قبل اكثر من قرن إلا أنها تظل سماتٌ واضحةٌ لكل الحكام المستبدين الذين جعلوا من أنفسهم الوطن والشعب واعتبروا الإعتراض عليهم هو خيانة .وعلي الرغم ان استبداد الحاكم يعتبرالإستبداد الأعظم الا أن الحاكم المستبد يربي وراءه جيشاً من المستبدين يبد بحاشيته التي حوله والتي تكون هي اهم مكون في منظومة الإستبداد وينتهي بشرطي المرور او الموظف البيسيط الذي عندما يجد له سلطة عليك يستعرض كل معاني الاستعلاء ومفردات الغطرسة .
تبدأ صناعة المستبدين في مجتمعاتنا من الأسرة وطريقة التعامل مع الأبناء بإعطاء الأوامر فقط مدعين لانفسنا كاباء الحق المطلق والفهم الكامل في دروب الحياة مغذين بذلك فيهم قيم الاستبداد ونحن نوجه لهم اوامرا فقط دون ان نوضح لهم حيثيات واسباب هذه التوجيهات فضلا عن السماح لهم بمناقشتنا والاعتراض علينا في حدودالشرع الصحيح . في مجتمعاتنا يتربي الطفل علي الاستبداد وهو يرى دور الام في الأسرة مجرد تابع للأب عليها تلقي الأوامر وتنفيذهادون حق في النقاش وابداء الرأي .نصنع المستبد الصغير في البيت ونحن نعطي الولد صلاحية السيطرة علي أخواته البنات وإن كن أكبر منه وعلي كل من صغر منه دون ان يناقش او يكون لأيٍ من إخوانه أو أخواته حق الإعتراض.
في مجتمعاتنا يعتبر الاعلام الماكينة الكبرى لصناعة الاستبداد وهو يردد عليناصباح مساء و في كل لحظة مفردات صاحب الفخامة والعظمة والقائد الملهم صاحب الفطانة والحنكة والحكمة و و و و.....الخ وويكحل عيوننا بصوره في كل مكان ويصوره مالك البلاد والمتفضل على الناس بالعيش من خيراته حتى يولد لدى الجميع عقدة السيطرة وحب النفوذ فإذا ما ما تولي الشخص منصبًا ادارياً او إجتماعياً أو حزبياً افرغ كل شحنات الاستبداد والقهر وجعل من نفسه الوحيد الملم بادارته او مجتمعه رافضاً أي مشورة أو إعتراض.
ينمو الاستبداد ويفرخ عندما تكون تكون المداهنة والنفاق أهم المعايير في تولي المناصب والمسؤليات ويضرب بمبدئ الكفاءة والنزاهة عرض الحائط ويضطر الكثير لترديد ترانيم التعظيم والتفخيم حتى يستطيع أن يعيش ويعول "كوم اللحم وامهم " متناسين بذلك أنهم يخسرون حاضرهم ومستقبلهم ومستقبل أبنائهم بدلاً من المخاطرة بحاضرهم بالوقوف امام الإستبداد.
إن صناعة المستبدين لا تنمو وتزدهر إلا عندما يكثر العبيد و يقل الاحرار الذين يثقون بقدرات الامة جمعاء وطاقاتها، الرافضين لكل اصناف الاستبداد سواء كان سياسيا او دينيا او اجتماعيا مفسحين المجال للجميع للابداع والتنافس.
في الأربعاء 06 يونيو-حزيران 2007 08:04:42 ص