|
منذ تأسيس اللقاء المشترك بعد العام 1999م وبالتحديد مع مطلع العام 2001م جرى في نهر الحياة السياسية اليمنية الكثير من المياه بعضها سار باتجاه المصب الذي يخدم القضايا التي من أجلها أقيم هذا التكتل السياسي، بينما سار البعض الآخر في الاتجاه المعاكس، ولقد كانت هناك لحظات تاريخية حاسمة في حياة هذا التكتل السياسي كان يمكنه ان يحولها الى إنجازات كبيرة لصالح الشعب اليمني في الشمال والجنوب لولا بعض الحسابات غير الدقيقة لبعض القيادات وتمسك بعض مكونات المشترك بمسلمات لم يعد الزمن يقبل بها، ويمكننا هنا التوقف عند ثلاث محطات هامة في تجربة اللقاء المشترك هي: الانتخابات الرئاسية (2006م)؛ التشاور والحوار الوطني (2009ـ2011م)؛ الثورة الشبابية السلمية 2011م
ففي الانتخابات الرئاسية التي ربطتها لجنة الانتخابات ( المعينة من قبل الرئيس علي عبد الله صالح) بانتخابات المجالس المحلية للمديريات والمحافظات، كانت موافقة المرحوم المهندس فيصل بن شملان لدخول المنافسة مع الرئيس الذي كان حينها قد قضى جالسا على كرسي الحكم ما يقارب العقود الثلاثة، كانت مكسبا كبيرا لصالح اللقاء المشترك وكان يمكن للمشترك أن يصنع من هذا المكسب مأثرة لإظهار جديته في معارضة الحكم على طريق تغييره وليس فقط على طريق استلطافه لإجراء إصلاحات في إطار المنظومة التي كانت قد استنفدت صلاحيتها وانتقلت إلى خانة (منتهي الصلاحية)، وأتذكر أننا كنا نذهب للمهرجانات الانتخابية متوقعين حضور الآلاف لكننا كنا نتفاجأ بعشرات وأحيانا بمئات الآلاف من المؤيدين للمرشح المرحوم بن شملان رغم تواضع الحملة الانتخابية والإعلامية منها على وجه الخصوص، وفي نظري أن المسألة يمكن فهمها إذا ما ربطنا ذلك بما يتمتع به بن شملان من سمعة طيبة ومواقف وطنية تبعث على الفخر والاعتزاز، وكذلك حالة اليأس التي تولدت لدى الغالبية العظمى من المواطنين من فترة حكم علي عبد الله صالح التي لم تجلب لهم سوى الفقر والفساد وتراجع الخدمات وتدهور الأمن وغياب العدل وتشجيع الحروب ونزاعات الثأر وتخلف التنمية واتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء والتراجع القيمي الأخلاقي الذي كان قد بلغ أسوأ مستوياته وغيرها.
ومع التسليم بعدم التكافؤ في المنافسة بين الطرفين فإن الكثيرين قد علقوا آمالا كبيرة على جدية المنافسة وصدقية الممارسة الانتخابية، لكن النتائج التي تعرضت للعبث والتزوير كانت مخيبة لتلك الآمال وخلقت صدمة عنيفة في وجدان الناخب اليمني، ولنتذكر جميعا أن اندلاع الثورة الجنوبية السلمية قد جاء بعيد هذه الانتخابات بثلاثة أشهر وبضعة أيام فقط وذلك للتعبير عن اليأس من إمكانية حصول تغيير جدي في منظومة الحكم في إطار الدولة اليمنية الواحدة وفي ظل استمرار تمسك تحالف 1994م بنتائج حربه على الجنوب.
ولقد كان الجميع يتوقع حصول تزوير في نتائج الانتخابات لكن هناك أمران فات اللقاء المشترك التفكير في التعامل معهما، الأول توقع فوز المرشح المعارض بن شملان، فمعظم قيادات المشترك كانت تتعامل مع ترشح بن شملان على إنه مجرد إيصال رسالة للحاكم بأنه لم يعد محبوبا لدى المواطنين ( أو على الأقل لدى جزء كبير منهم) ولم يفكر قادة المشترك في فرضية الفوز، والثاني هو ماذا لو فاز مرشح المشترك وجرى اختطاف النتيجة، وقد دلت التطورات اللاحقة على فوز بن شملان وتعرض النتيجة للاختطاف والاغتصاب مثل كثير من الأشياء في هذا البلد.
وأتذكر تصريحا للناطق الرسمي باسم تكتل أحزاب المشترك حينها الزميل محمد قحطان كان قد عبر عن رفض الاعتراف بالنتيجة وعندما سأله أحد الصحفيين ماذا ستفعلون؟ رد سنلجأ إلى الشارع، وقد تعرض الزميل قحطان بعدها لحملة ضغوط وانتقادات من قبل بعض قيادات من المشترك مما اضطره إلى تغيير تفسير ما كان يقصده بالشارع بالقول: إنه كان يقصد النزول إلى الشارع لإحصاء أنصار الرئيس السابق وأنصار بن شملان.
كان خذلان بن شملان من قبل المشترك ضربة موجعة ليس لمرشحه الرئاسي ذي السمعة المحترمة والمواقف الوطنية المشهودة، بل ولمشروع المشترك نفسه الذي ما انفك قادته يكررون أنهم متمسكون بحق المواطن في المشاركة في صناعة القرار وبناء دولة القانون، وقد رفض المرحوم بن شملان الاعتراف بالنتيجة لكنه فضل الصمت بعد أن تخلى أصحاب الشأن عن قضيتهم واكتفى برفض تهنئة الرئيس الذي خطف النتيجة واغتصب الحق، بالتهديد باللجوء إلى الطائرة والدبابة كما عبر عن ذلك صالح الضنين في تعز وكما كشف الأمر لاحقا اللواء علي محسن الأحمر.
* * *.
كانت الدعوة للتشاور الوطني خطوة جريئة من قبل قيادة تكتل اللقاء المشترك، ورسمت هذه الخطوة جملة من المنطلقات الفلسفية لمفهوم الحوار لعل أهمها أن الحوار الذي ظل بين نخبتين سياسيتين هما السلطة والمعارضة لم يثمر شيئا لصالح قضايا الشعب لأن الشعب كان مستبعدا من أي حوار، لذلك جاء الانتقال بالحوار ليكون مع الشعب وبين أفراد الشعب بشرائحه ومكوناته المختلفة، وقد اتسعت دائرة التشاور والحوار لتشمل جملة من الشرائح والفئات الاجتماعية التي لم ينخرط بعضها قط في الشأن السياسي تبعا للقطاعات الاجتماعية المختلفة كالشباب والطلاب والمرأة والمثقفين والأكاديميين، والوجهاء الاجتماعيين ومنظمات المجتمع المدني وفئة قدماء المناضلين ومنهم ثوار سبتمبريين وأكتوبريين، والقادة السياسيين والعسكريين والدبلوماسيين، كما جرى الحرص على دعوة ممثلين للحراك الجنوبي وجماعة الحوثي (قبل أن يسموا بـ"أنصار الله") للمساهمة في الجلسات الحوارية والفعاليات المصاحبة من ندوات ومحاضرات وورش عمل وحلقات نقاش، ثم بعض البرامج الحوارية عبر قناة سهيل بعد افتتاحها.
لا يمكن التقليل من الأعمال المهمة التي أنجزها التشاور الوطني ثم العمليات الحوارية اللاحقة التي استقطبت الكثير من الفئات التي ظلت خارج الفعل السياسي، لكن الكثير من المآخذ يمكن تسجيلها اليوم بعد انجلاء الكثير من الغبار على حقائق الحياة السياسية، وأهمها: إن المشترك لم يكن يمتلك رؤية واحدة مشتركة لكل القضايا الحوارية والتي تركزت في مجموعة محاور كالأزمة السياسية، الأزمة الاقتصادية، القضية الجنوبية، قضية صعدة وغيرها من القضايا، ولم يكن هناك تصور واضح حول : إلى ماذا سيفضي الحوار، فجاءت مداخلات ومساهمات المكونات المختلفة متعارضة وغير منسجمة وأحيانا متصادمة، لكن هذا لم يكن أكبر ما قلل من أثر الفعاليات الحوارية، إن القضية الأكثر حساسية والتي كان لها أثرٌ كبيرٌ في سياق الفعاليات الحوارية هي الموقف غير المنسجم من القضية الجنوبية وقضية صعدة فقد دخل شركاء الحوار وكل منهم يحمل تصوره الذي يتعارض مع تصورات البعض الآخر، تجاه هاتين القضيتين، وسبب ذلك مفهوم، وهو أن جزءا من المشترك ومن المشاركين في الحوار الوطني كانوا طرفا رئيسيا في غزو الجنوب وفي ما ترتب على الحرب على الجنوب من آثام السلب والنهب والسطو والاستحواذ، وما رافق تلك السياسات من مظالم قاتلة ومدمرة للنسيج الوطني الاجتماعي بين طرفي الحرب، أو بالضبط بين شمال اليمن وجنوبه، كما هو الحال في الموقف من حرب صعدة حيث ظل البعض ينظر إلى الحركة الحوثية من نفس المنطلقات التي ظل يروج لها إعلام السلطة، وأتذكر أننا وفي إحدى ندوات الحوار الوطني وكانت تحت عنوان "القضية الجنوبية"، كنا قد طلبنا من دولة المهندس حيدر العطاس ـ رئيس الوزراء الأسبق ـ مداخلة يمكن أن تقرأ نيابة عنه، وقد بعث بمداخلته عبر البريد الإلكتروني، لكن تم رفضها لأنه استخدم مفردات مثل الاحتلال والغزو وغيرها في إشارة إلى حرب 1994م لكن الكثير من المداخلات التي قدمها المشاركون عن الحراك الجنوبي قد كانت أكثر جرأة من مداخلة العطاس لكنها جاءت شفوية ولم تستطع قيادة الندوة إيقافها.
وقد أشرت ذات مرة أن كاتب هذه السطور كان قد تقدم بمقترح إلى أن يتبنى الحوار الوطني مبادرة تدعو إلى بناء دولة يمنية فيدرالية ثنائية بإقليمين (شمال وجنوب) وفقا لحدود عام 1990م وقد ووجه صاحب المقترح بما يشبه الاتهام بالكفر، وكان التصلب الذي رفض به هذا المقترح حتى من قبل من لم يستفيدوا من نهب الجنوب من داخل المشترك يؤشر إلى صعوبة الوصول إلى قواسم مشتركة تقدم حلول جادة لمعضلات اليمن المزمنة وفي مقدمتها القضية الجنوبية.
وما ينطبق على التعامل مع القضية الجنوبية يمكن إسقاطه على قضية صعدة مع التمايز الواضح بين القضيتين من حيث البعد السياسي والعقائدي والنطاق الجغرافي وحقائق التاريخ القريب والبعيد واتصال القضية الجنوبية بكيانين سياسيين فشلا في إقامة مشروع وحدوي قابل للحياة، ففي حين كان يدعى بعض ممثلي الحوثيين للحديث عن قضية صعدة كان الكثير ينظر إلى هؤلاء على إنهم "روافض" وفي أحسن الأحوال كان يجري التعامل معهم على إنهم أنصار مؤقتون لمرحلة لاحقة يمكن حسم الخلافات معهم على طريقة "لكل حادث حديث".
إن غياب الجرأة الكافية في الإشارة إلى حتمية تغيير نظام الحكم كهدف رئيسي لعملية التشاور والحوار والاكتفاء بالإشارات الدبلوماسية، وغلبة الحسابات البراجماتية على الاعتبارات الوطنية لدى بعض أطراف التشاور والحوار (المشتركي) قد ثبط من الحماس لدى المشاركين فيه ودفع الشارع السياسي اليمني باتجاه خيار الثورة التي كانت قد بدأت في الجنوب في العام 2007م على هيئة الحراك السلمي الجنوبي ثم الثورة الشبابية التي شهدها محافظات الشمال اليمني في العام 2011م .
وقد استمرت الفعاليات الحوارية حتى اندلاع الثورة الشبابية السلمية وحتى طوال العام 2011 وبداية العام 2012م عند التوقيع على المبادرة الخليجية وتشكيل حكومة الوفاق الوطني التي لم تعرف وفاقا في كل أعمالها.
وللحديث بقية
برقيات:
* ما تزال أحاديث الأستاذ عبد الرحمن الجفري رئيس حزب رابطة أبناء الجنوب (راي) نائب رئيس جمهورية اليمن الديمقراطية ـ مثل بعض تصرفاته ـ تثير الكثير من الاستفزازات والانقسامات، فبدلا من السعي لتوحيد الشارع الجنوبي في إطار الثورة الجنوبية السلمية، راح الأستاذ الجفري، يقسم الناس إلى فريقين، فريق استعادة الدولة وفريق الحرية والاستقلال وهي سفسطات فيها من الضرر أضعاف ما فيها من النفع، إن كان هناك ما ينفع أصلا.
* يقول الشاعر العربي أحمد مطر:
قلت لكم بأن بعض الأنظمةْ
غربيةٌ لكنها مترجمةْ
وأنها لأتفه الأسبابْ
تأتي على دبابةٍ مطهَّمةْ
فتنشر الخرابْ
و تجعل الأنام كالدوابْ
و تضرب الحصار حول الكلمةْ
. . . . .
قلت لكم، إن الشعوب المسلمةْ
رغم غناها معدمةْ
وإنها بصوتها مكممةْ
وإنها تسجد للأنصابْ
وإن من يسرقها يملك مبنى المحكمهْ
ويملك القضاة والحجابْ.
في الإثنين 08 ديسمبر-كانون الأول 2014 02:15:39 ص