تقرير أخير لخبراء مجلس الأمن يفضح الحوثيين.. علاقتهم بالقاعدة وحقيقة التصنيع العسكري المحلي وملفات أخرى شائكة العليمي يدعو لزيادة الجهود الأميركية لمواجهة شحنات الأسلحة الإيرانية الحوثيون ينعون اثنين من قياداتهم في صنعاء تزايد النشاط الحوثي في تعز بالصواريخ والطائرات والدبابات ومصادر تكشف التفاصيل صحيفة أمريكية تتحدث عن تورط دولة كبرى في تهريب قائد في الحرس الثوري من صنعاء أردوغان يكشف ما تخبئه الفترة المقبلة وأين تتجه المنطقة .. عاصفة نارية خطيرة اجتماع حكومي مهم في عدن - تفاصيل بن مبارك يشن هجوما لاذعا على موقف الأمم المتحدة وتعاطيها الداعم للحوثيين وسرحد فتاح يكشف عن نتائج تحركات المستوى الوطني والدولي وزير الدفاع يقدّم تقريرا إلى مجلس الوزراء بشأن مستجدات الأوضاع الميدانية والعسكرية قطر تقدم تجربتها الأمنية في إدارة الجوازات والخبرات والتدريب لوزير الداخلية اليمني
لست بحاجة هنا إلى استعراض الدور الكبير الذي لعبته فعاليات الحراك السلمي الجنوبي، في إشعال أول ثورة سلمية في الوطن العربي، قبل اعتراف الناس بما سمي بثورات الربيع العربية بأربعة أعوام وقدرة هذه الفعاليات على حشد مئات الآلاف من الناس حول قضية عادلة ومشروعة لم يستطع حتى أعداؤها إنكار أحقيتها ومشروعيتها، وهي القضية الجنوبية المعبرة عما نتج عن مجموعة السياسات العرجاء التي اتبعت بعد الحرب الإجرامية الظالمة في العام 1994م من سلب للحقوق وتدمير للدولة ونهب للأرض والثروات ومسخ للهوية وتزوير للتاريخ وتشويه المعالم الثقافية للجنوب وتحويل الجنوب بكل مضامينه إلى غنيمة حرب بيد المنتصرين على الشعب والوطن في تلك الحرب الظالمة.
لقد مثل الحراك السلمي الجنوبي لحظة مشرقة بعثت الحركة في حالة السكون والموات المخيمان على الوطن كل الوطن، وأعادت الحياة إلى عروق العملية السياسية المتجمدة، وشكل الحراك بفعاليته السلمية المتصلة مصدر إلهام لانطلاق الحركة الاحتجاجية اللاحقة في العام 2011م التي أطاحت برأس النظام وما يزال مطلوبا منها الكثير لتناول كل القضايا العادلة في اليمن ومنها وفي مقدمتها القضية الجنوبية.
عند الحديث عن الحراك الجنوبي السلمي لا بد من التأكيد على مجموعة من الحقائق المهمة التي تمكن من التشخيص السليم لبعض إشكاليات ومصاعب الثورة الجنوبية والحراك الجنوبي كعامل ذاتي مهم في هذه الثورة
1.أهمية التمييز بين الحراك وبين القضية الجنوبية: وفي هذا السياق من المهم القول إن الحراك السلمي ليس القضية الجنوبية، فالحراك الجنوبي هو حركة جماهيرية واسعة تعبر عن تطلعات أوسع القطاعات الجماهيرية في الجنوب، للتخلص من مظالم الحرب ونتائجها التدميرية، أما القضية الجنوبية فهي تعبير عن الحق التاريخي والقانوني والحقوقي والثقافي لأبناء الجنوب، هذا الحق الذي تعرض للانتهاك والسلب والاحتواء من قبل الغاصبين منذ 7/7/ 1994م وما ترافق معها من سياسات تدميرية وإقصائية ومن هدم متعمد لمنظومة الدولة التي تكونت وترسخت على مدى عقود من الزمن، ومن عمليات نهب منظم للثروة والأرض ومن تشويه متعمد لحقائق التاريخ ومعطيات الجغرافيا، ومن مسخ مقصود للثقافة والهوية الجنوبيتين.
2.إن الحراك الجنوبي ليس جسما واحدا مصمتا يعبر عن حالة واحدة جامدة،بل إنه عبارة عن حالة فضفاضة منفتحة متحركة ومتغيرة تعبر عن طيف واسع ومتنوع من الاتجاهات السياسية والانتماءات الاجتماعية، كما إن أي موقف لفرد أو هيئة أو فصيل قد لا يعبر بالضرورة عن كل الجنوب ولا عن كل القضية الجنوبية بل وقد لا يعبر بالضرورة عن كل الحراك،. . إن بعض الأخطاء التصرفات الطائشة التي تصدر عن هذا الشخص أو ذاك من ناشطي الحراك، أو حتى عن هذا الفصيل أو ذاك من فصائل الحراك لا يمكن أن تحسب على الحراك ككل ناهيك عن أنها لا يمكن أن تحسب على القضية الجنوبية التي هي أكبر من الحراك وكل أفراده ومكوناته، وبالتالي فعلى المتضررين من بعض التصرفات الاستفزازية المدانة هنا أو هناك أن يدركوا أن الملام على هذه المواقف هم الأشخاص الذين صدرت عنهم وليس الحراك ككل، لكن بالمقابل فإنه من المؤسف أن بعض قيادات الحراك تنبري للدفاع عن بعض المواقف المسيئة للحراك المتمثلة في التهجم على بعض الأفراد أو الفعاليات المناصرة كليا أو جزئيا لقضية الجنوب، ذلك إن هذا النوع من السلوك يحول الحراك من معبر عن قضية في غاية العدالة والأحقية والمشروعية إلى مسوق لسلوك ضار وممقوت إن لم يكن محل اتهام وإدانة، وأشير هنا إلى حادثة الاعتداء على الفعالية التي حضرها الأخ محمد علي أحمد في المركز الثقافي في شبوة، وفعالية الهاشمي للتضامن مع ضحايا محاولات الاغتيال، وكذا فعالية ميناؤنا لنا التي قادها البرلماني القاضي أحمد سيف حاشد ومثلها كثير.
3.إن السائد اليوم في الساحة الجنوبية هو لغة العاطفة والتهييج من خلال التركيز على الفعاليات المهرجانية والأعمال الاستعراضية، لكن دونما التعرض للبعد السياسي وتأصيل المضمون السياسي للقضية، وهو ما يقتضي التأكيد على أن القضية الجنوبية ليست بحاجة إلى لغة العننتريات وخطاب التشنج وثقافة الازدراء والتحقير للآخرين بقدر حاجتها إلى خطاب سياسي حكيم يكشف مضمون القضية ويبين عدالتها ومشروعيتها، وأحقية المتمسكين بها بمطالبهم المشروعة، ويقدم لها برنامج سياسيا يبين كنهها لتعريف الداخل والخارج بها، خطاب يقدم القضية الجنوبية للآخرين كما هي بلا تهويل أو تهوين، وعلى النحو الذي يحشد لها الأنصار ويضيق من دائرة الخصوم الذين كثيرا ما نستعديهم ونخاصمهم بلا سبب، ونحولهم من أنصار لقضيتنا العادلة إلى أنصار لخصوم القضية بلا مبرر.
4.إن لغة العاطفة والتهييج الانفعالي تستتبع ظاهرة أخرى وهي التباري في رفع سقوف المطالب وهو التباري القائم على المراهنة على مزاج الجماهير الساخط من الوضع الراهن الذي أنتجته الحرب، وليس على دراسة علمية دقيقة وموضوعية لمقومات وشروط نجاح أو عدم نجاح هذا المطلب أو ذاك، ويتذكر الجميع أنه وفي مؤتمر القاهرة وعند الحديث عن الفيدرالية الثنائية، كانت معظم المناقشات تقول أننا لا نستطيع طرح خيار الفيدرالية على المواطنين في الجنوب، ليس لسوئها أو لضررها ولكن لأنه قد جرى شحن معظم المنخرطين في فعاليات الحراك بمطلب واحد، وهذا المطلب قد يكون جميلا وبراقا وجاذبا لملايين المتضررين من نتائج حرب 1994م، لكن عدم تقديم تحليل دقيق وشامل لشروط نجاحه من عدمها يجعل هذا المطلب مجرد حلم جميل يدغدغ عواطف الملايين دونما التيقن من قدرته على الاستمرار والنجاح، إن هذا المطلب يمكن أن يكون مشروعا لكن الانحصار في خيار واحد يضع أصحابه في مأزق سياسي عند عرضه للشركاء المحليين والإقليميين والدوليين الذين قد يكونون متعاطفين مع تذمر وشكوى الجنوبيين من سياسات الإقصاء والتهميش والسلب والنهب والقمع والتنكيل هؤلاء الشركاء الذين يفضلون لغة الخيارات المتعددة وليس الخيار الواحد، . . . ويعرف الجميع أنه اليوم لم يعد بإمكان أحد في الجنوب حتى التحذير من مخاطر انزلاق الجنوب نحو التفكك أو حتى طرح أي خيار آخر غير خيار فك الارتباط لأن تهمة الخيانة والعمالة جاهزة لكل من دعا حتى إلى مجرد التفكير بغير هذا الخيار.
5.إن الانقسام القائم اليوم في الساحة الجنوبية قد أدى إلى العزوف الصامت لمئات الآلاف من نشطاء الحراك وأنصاره من المشاركة في فعاليات الحراك بعد ما أصابهم الإحباط واليأس من إمكانية تحقيق تلك الشعارات التي طرحها الحراك في أيامه الأولى، وخاصة بعد انصراف الكثير من قادة الحراك إلى الانشغال بذواتهم وتأكيد حضورهم بدلا من التأكيد على جوهر القضية ومعاناة الناس وآلامهم بفعل السياسات الإقصائية وسياسة الاستباحة لكل شيء في الجنوب، . . إن هذا الانقسام المصطنع لا يوجد لهما يبرره، فكل الأطراف المتنازعة تطرح مطلبا واحدا وتؤكد على خيار واحد وكلها تتحدث بنفس اللغة ونفس مستوى الخطاب السياسي، ولا يرى أي مراقب محايد أو حتى متعاطف سببا واحدا لاستمرار حالة الانقسام والتفكك في صفوف الحراك السلمي سوى الذاتيات والتنازع على الألقاب والتنافس على منصات الخطابة، . .إن استمرار حالة الانقسام والتشظي داخل صفوف الحراك يضعف من موقف القضية الجنوبية، ويحولها من قضية عادلة إلى ظاهرة صوتية ينشغل أطرافها ببعضهم وبأنفسهم وينسون القضية التي ثاروا من أجلها،ولربما أدى هذا الوضع على المدى البعيد إلى خسارة كل الخيارات المطروحة وإطالة عمر مشروع الغنيمة والاستحواذ الذي أتت به الحرب وكرسته على مدى عقدين من الزمن.
6.إن استمرار حالة الانقسام غير المبرر وغير القائم على أسس موضوعية مفهومة، يعرض القضية الجنوبية لمخاطر قد لا ترى في اللحظة الراهنة، وبغض النظر عن المسار الذي يمكن أن تسير فيه القضية فإنه (أي استمرار الانقسام) مع طغيان لغة التهييج والإثارة وتكريس ثقافة التخوين والاتهام يعني أن الجنوب قادم على مراهقات سياسية غير مأمونة العواقب قد تكون أخطر من تلك التي جرت في السبعينات والثمانينات من القرن المنصرم، والتي يدينها اليوم من ارتكبوها باعتبارها محسوبة على الحزب الاشتراكي الذي خرجوا منه، إن هذه المراهقات السياسية لا ترتبط بالسن فهي قد ترتكب من قائد شاب في العشرينات والثلاثينات من العمر ويمكن أن يقدم عليها كهل في الخمسينات أو شيخ في السبعينات أو الثمانينات من عمره.
7.لا يمكن أن يكون قد فات على قادة الحراك إمكانية تسلل الأجهزة الاستخباراتية إلى صفوفهم وزرع عناصر يمكن أن تشكل ألغام موقوته داخل جسد الحراك، ويمكننا استشفاف ذلك من خلال الكثير من المظاهر التي تجلت في ظواهر الاعتداء على بعض المواطنين الشماليين ممن لا علاقة لهم بالسياسة ولا بالعمل العسكري والأمني، وغيرها من مظاهر التطرف وقطع الطريق، ونهب بعض الأملاك الخاصة، وبعض ذلك قد أدانته بعض أطراف الحراك لكن ذلك لا ينفي إمكانية تكرار هذا النوع من السلوك والانحراف بالحراك عن أهدافه سواء من خلال تغذية الانقسامات والصراعات الداخلية أو ارتكاب أعمال إجرامية باسم الحراك تجعله في نظر الكثيرين مجرد حركة مشاغبة غير سياسية.
أعرف جيدا أن ما تناولته هذه المقالة قد يغضب الكثيرين ممن لا تروق لهم إلا لغة التهجم والشتم والقذف أو لغة الإشادة والمدح والتبجيل والثناء، وهما اللغتان اللتان لا تقدمان حلا لمشكلة ولا إنصافا لمظلوم ولا ردعا لظالم، ومن الغرائب أن من لا يروق لهم مثل هذا الطرح هم المتشددون في ادعاء نصرة القضية الجنوبية وتبنيها، والمتشددون في رفض القضية الجنوبية وإنكارها، لكن هذا لا يمنعنا من قول ما نراه صوابا، وقد نصيب وقد نخطئ لكن هذا بعض ما نراه .
ولله الأمر من قبل ومن بعد
برقيات:
* تعزية وتهنئة معا للزميل د ناصر محمد ثابت الخبجي عضو مجلس النواب، الناشط في الحراك السلمي الجنوبي، التعزية بوفاة والدته تغمدها الله بواسع رحمته، والتهنئة بنجاح عملية القسطرة للقلب التي أجراها في العاصمة اللبنانية بيروت، . . سلامة قلبك أيها العزيز ولا أراك الله مكروها.
* قال الشاعر الجاهلي زهير بن حباب الكلبي:
إِذا ما شِئتَ أَن تَسلى حَبيباً ....فأَكثِر دونَهُ عَدَدَ اللَياليَ
فما نَسّى حَبــيبَكَ مِثلُ نَأيٍ ......ولا بَلّى جَديدَكَ كَاِبتِذالِ