من جديد.. الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد
بقلم/ همدان العليي
نشر منذ: 12 سنة و 4 أشهر و 20 يوماً
السبت 23 يونيو-حزيران 2012 04:14 م

كانت ولا تزال الدول المانحة والداعمة لليمن حريصة على دعم أنشطة من شأنها تعزيز الشفافية والتقليل من نسبة الفساد المالي والإداري الموجود في اليمن، حيث مارست ضغوطاً مختلفة على النظام السابق من أجل اتخاذ إصلاحات اقتصادية ومالية وقضائية وربطت إمكانية تدفق المساعدات الدولية بمدى قدرة اليمن على التقليل من وجود الفساد في مختلف المجالات، ولهذا اضطر الرئيس السابق لإنشاء ما سمي بالهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد بموجب القانون رقم 39 لسنة 2006 على أنها أعلى هيئة وطنية مستقلة في الجمهورية اليمنية لها صلاحيات قانونية في مكافحة الفساد وتعقب ممارسيه.

تم إنشاء الهيئة من أجل العمل خلال اتجاهين متلازمين لمكافحة الفساد، يتمثل الأول بالجانب الوقائي وذلك من خلال التوعية والتثقيف للمجتمع. أما الاتجاه الثاني فيتمثل بالجانب العلاجي وذلك من خلال التحري والتحقيق في قضايا الفساد.

وإذا ما حاولنا تقييم أداء الهيئة خلال السنوات الماضية، سنجد أنها لم تقدم شيئاً يستحق مقارنة بما كان يتوقعه الناس منها. كان أداؤها ضعيفاً فيما يخص جانب التوعية الوقائية والتعريف بقوانين مكافحة الفساد ومخاطره وتأثيراته السلبية على التنمية. أما في الجانب العلاجي المتمثل بالتحقيق في قضايا الفساد الكبيرة التي تم إبلاغ الهيئة بها منذ سنوات فقد فشلت فشلاً ذريعاً.

هناك أسباب كثيرة أدت إلى عدم فعالية هيئة مكافحة الفساد، على رأسها، وجود فساد في الهيئة نفسها. إضافة إلى عدم استقلاليتها وتأثرها المباشر بالمناخ السياسي المتقلب والمسيطر على الأجواء اليمنية منذ سنوات.

أيضاً من العوامل التي أدت إلى إضعاف أداء هيئة مكافحة الفساد، عدم توظيف كفاءات متخصصة ونزيهة وكافية. فمن غير المنطقي أن تمارس الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد مهامها المتمثلة بالتحقيق والتحري في قضايا فساد بملايين الدولارات وإرجاع هذه الأموال لخزينة الدولة وذلك بواسطة خمسة أفراد يقومون بمهمة التحري، وستة آخرين من النيابة العامة للتحقيق، وقاضي واحد يحكم في قضايا فساد عملاقة..!

إن عدم وجود إرادة سياسية صادقة في مكافحة الفساد المستشري في اليمن؛ أفرغ الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد من مضمونها، فأصبحت بلا أهمية ولا تأثير، فهي لا تملك قرارها ولا تستطيع محاسبة كثير من الشخصيات المتنفذة والناهبة للمال العام وإعادة ما نهبوه لخزينة الدولة.

ولهذا عندما أحالت الهيئة قضية رجل أعمال معروف إلى القضاء وهي قضية مثبتة بالدلائل والإثباتات (كما يقول بعض أعضاء الهيئة وتشير بعض التقارير الصحفية)؛ قام قاضي الهيئة بتبرئته، بل أن المتهم رفع دعوى قضائية ضد الهيئة بتهمة التشهير وتم تغريم هيئة مكافحة الفساد حوالي 200 مليون ريال مما دفع الهيئة إلى استئناف الحكم..!

هناك أمثلة كثيرة تثبت بأن وجود الهيئة لا يعني الكثير بالنسبة لمن يرتكبون جرائم الفساد..!! لأكثر من مرة تصدر الهيئة مذكرات تمنع سفر بعض الشخصيات النافذة المتهمة بقضايا فساد كبيرة، لكن هؤلاء المتهمين حتى اليوم يخرجون عبر المطارات ويتجولون حول العالم..!

أما ما يخص إقرارات الذمة المالية، فمنذ عام 2008 وأعضاء الهيئة يهددون بنشر أسماء شخصيات ترفض تقديم إقراراتها الرسمية بشأن الذمة المالية إلى الهيئة رافضين بذلك تنفيذ القانون الخاص بإقرار الذمة المالية.. لكنها إلى اليوم لا تمتلك الشجاعة التي تمكنها من نشر حتى اسم متخلف واحد..!

عن الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد، هناك تفاصيل تشيب الرأس، لكن الجديد أنها مُقدمة خلال الأسابيع القادمة على عملية تجديد وتغيير أعضائها ال 11 بعد خمس سنوات من الفشل .!

518 شخصا (كثير منهم وكلاء وزارات ومعروفين بالفساد والفشل) رشحوا أنفسهم لعضوية الهيئة للمرحلة القادمة..! تأملوا.. 518 شخصاً شغروا مناصب حكومية وغير حكومية في السابق يريدون اليوم مكافحة الفساد في اليمن..!! لو حرص نصفهم في السابق على مكافحة الفساد في مرافقهم وأماكنهم لكان وضعنا أفضل ولما احتجنا لهيئة وطنية لمكافحة الفساد أو لثورة تغيير..! أعتقد أن السبب الرئيسي لتهافت كثير من الشخصيات على عضوية الهيئة، هو أن هذه العضوية أبسط طريقة للإثراء السريع.. فمرتب العضو الواحد 749000 ريال شهرياً.. (هذا المرتب الأساسي فقط غير البدلات والمكافَآت الكبيرة والسفريات إلى أنحاء العالم)..!

أكثر ما يهمني في هذه النقطة، هو أني كمواطن يمني أملك الحق في أن أعرف ما هي الآلية والمعايير التي يتم من خلالها اختيار 11 عضواً من بين 518 متقدماً..! أما إذا كانوا سيوزعون مقاعد الأعضاء ال11 على أساس المحاصصة الحزبية وبعيدا عن الكفاءة والنزاهة؛ فعلى الدنيا السلام.. أُفضّل في هذه الحالة إلغاء الهيئة نهائياً، فهي إلى الآن لم تقدم لنا جديداً..!